مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إصلاحيو إيران: بروفة رئاسية!

ناخبون إيرانيون يهود يصوتون داخل كنيس في طهران خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 14 مارس 2008 Keystone

حلَّ عيد النوروز والسنة الإيرانية الجديدة ولم يتغيَّـر حال الإصلاحيين إلى أحسن الحال.

فإصلاحيو إيران الذين حملهم الشعب الإيراني على الأكتاف في انتخابات الرئاسة التي جرت في يونيو عام 1997 وما بعدها في الانتخابات التشريعية، ها هم اليوم وللمرة الثانية، منذ انتخابات الرئاسة عام 2005، يحصدون فشلا جديدا.

ومع ذلك فهُم يصرّحون في الهواء الطلق أنهم “منتصرون” ليُـداروا فشلهم ويستقبلوا العيد الذي حلّ عليهم يوم الجمعة 21 مارس، بنفس مفتوحة متطلَّـعين – ربما – إلى انتخابات الرئاسة المقبلة!

ففي انتخابات مجلس الشورى التي جرت قبل أيام، كان الإصلاحيون في إيران على موعد جديد مع الفشل، ليس لأنهم حُـرِموا من خوض منافسة جدية عبر الإقصاء الواسع الذي مارسه مجلس صيانة الدستور مع معظم رموزهم فأطاح بنحو 700 من رؤوسهم الكبيرة وحسب، وإنما لأن الشعب الإيراني الذي – كان – حمَـلهم على الأكتاف، عانى كثيرا من تعثر المسيرة الإصلاحية أثناء وِلايتين رئاسيتين للرئيس السابق محمد خاتمي ما بين 1997 و2005، وخلال سيطرة الإصلاحيين على مجلس الشورى، ما بين 2000 و2004 حين كانت السلطتان، التشريعية والتنفيذية، بأيديهم.

ولم يجن الإيرانيون في تلك الفترة، التي مثلت أوج الحركة الإصلاحية، غير المزيد من التوتر والانقسام داخل المجتمع، والتباري على دخول السجون والمعتقلات، والخروج بمظاهرات وتنظيم احتجاجات لم تُـسفر إلا في عرقلة الحياة اليومية، وزيادة القهر الاقتصادي والأعباء الإضافية التي يتحملها المواطن الإيراني كل يوم ولسان حاله يقول: “قومي رؤوس كلهم، أرأيت مزرعة البصل”..

ومنذ الفوز الكاسح للرئيس السابق محمد خاتمي في انتخابات عام 1997 أمام رئيس مجلس الشورى في ذلك الزمان، علي أكبر ناطق نوري المدعوم حينها من كِـبار المرجعيات الدِّينية، حيث لم يكن يدر بخلد خاتمي أنه سيقود حركة إصلاحية أفشلها أنصاره أو المتدثرون بعباءته الإسلامية، إذ كان الرجل يرفع شعارا محدّدا وواضحا لم يخرج به عن دستور الجمهورية الإسلامية القائم على نظام ولاية الفقيه، وكان “تعزيز سلطة القانون في الداخل وإزالة التوترات في علاقات إيران الخارجية”..

“كذبة الإصلاح”

وفي إيران نفسها، قبل تلك الانتخابات المثيرة، كان الموالون لنظام الجمهورية الإسلامية متوزعين على تيارين رئيسيين: الخط الثالث أو “اليسار الديني”، وهم خاتمي ورفاق دربه في “مجمع روحانيون مبارز”، واليمين المحافظ المعروف بـ “جامعة روحانيت مبارز”.

غير أن بعض وسائل الإعلام الغربية رأت أن تُـلبس خاتمي عباءة الإصلاح في وجه المحافظين على قِـيم الثورة الإسلامية، وهم في الغالب – عدا النزر اليسير – ليسوا كذلك على الإطلاق، لأن العارفين بدهاليز وأروقة الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني الراحل منذ نهضة 15 خرداد – 4 يونيو 1964 – لا يزالون يحتفظون في سجلات الذاكرة بمواقف زعماء بارزين في اليمين المحافظ “غير الودية”، من الإمام الخميني ومن حركته الدّينية السياسية، عندما كان الكثير منهم منتظما في حركة “الحجتية”، التي لا تعتقد بأي تغيير سياسي داخل المجتمعات الإسلامية قبل ظهور الإمام المهدي المنتظر!

ويبدو أن خاتمي ورفاقه جذبتهم “كذبة الإصلاح” فصدقوها، وصار الأنصار الذين اختبؤوا تحت عمامته ممَّـن استعجل حرق المراحل، يتبنَّـون أهدافا للإصلاح خارج سقف الجمهورية الإسلامية وإطار ولاية الفقيه، مما سهَّـل على أولئك الذين قدموا أنفسهم على أنهم أصوليون، ضرب الإصلاحيين وقتلهم سياسيا، بزعم أنهم يحافظون على قيم الثورة الإسلامية ونهجها.

في عهد الرئيس محمد خاتمي، نجح المحافظون في عرقلة المسيرة الإصلاحية، بشقَّـيها المعتدل والمتطرف، واستخدموا الدستور نفسه الذي كان خاتمي يطالب بتطبيقه، لقمع الاحتجاجات والمظاهرات وفي تصفية رموز من الإصلاحيين، لم يخف رغبته في تغيير نظام الجمهورية الإسلامية والإطاحة بحكومة الولي الفقيه، بذريعة أن الأكثرية من الإيرانيين ما عادوا يؤمنون بها.

تلك المواجهات بين الطرفين، دفع فاتورتها الشعب الإيراني من قوَّته وأمنه المجتمعي وسِـلمه الأهلي، بما سهَّـل على المحافظين توجيه ضربة موجعة إلى الحركة الإصلاحية، مستخدما سيف الحذف ومنع العديد من الإصلاحيين من الترشيح للانتخابات التشريعية وغيرها من الانتخابات، التي تجري في إيران، لتُـصبح خيارات الناخب الإيراني محدودة بالكم الهائل من المحافظين، ومنهم ظهر الرئيس محمود أحمدي نجاد وكل الذين سيدخلون قبَّـة مجلس الشورى في دورته القادمة.

إصلاحيون ومحافظون!

في الانتخابات التشريعية الأخيرة، سمح للإصلاحيين – من الخط الثالث، وليس للرؤوس الكبيرة المعروفة – بالمنافسة على نحو 110 مقعدا من مجموع 290 مقعدا، ولم يحصدوا إلا أقل من النصف في المرحلة الأولى، كما أنهم أخفقوا في الحصول على أي مقعد من مجموع 19، فاز بها المحافظون في طهران من مجموع 30، وكل ذلك يشير الى أن طعم الإصلاح في إيران بات مُـرّا لا يستسيغه المواطن العادي المبتلى بالبحث عن لقمة العيش، وبحصته من النفط التي وعده بها أحمدي نجاد، رغم الكثير من الإيرانيين الذين صوّتوا لصالح المحافظين في هذه الانتخابات، لا يحملون ودّا لأحمدي نجاد ولباقي غلاة المحافظين..

وبينما لم يفلح الإصلاحيون أثناء انتخابات الرئاسة التي جاءت بأحمدي نجاد عندما شاركوا في السباق – آنذاك – متفرّقين، الأمر الذي شتَّـت في الأصوات لصالح المحافظين الذين تقدّموا الى الميدان بقائمتين رئيسيتين: – “محافظين معتدلين وتقليديين”، وفَّـرت للناخب – المحافظ والميال للإصلاح – فرصة التنوع في الاختيار، بما سمح للمحافظين بأن يغرفوا – بالمفرق – من حصة الإصلاحيين المحدودة.

لكن، نستطيع أن نتنبَّـأ.. ربما سيتحالف الإصلاحيون مع معتدلي المحافظين الذين يتقدمهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق – الفائز عن دائرة قُـم – علي لاريجاني، لإيجاد كتلة معارضة قوية داخل مجلس الشورى القادم، قد تضبط إيقاع الرئيس أحمدي نجاد فيما يتعلق بالمسألة النووية، وعلاقات إيران الإقليمية والدولية، وذلك في ضوء ما يمكن تسميته بالموقف شِـبه المنسجم في المسألة النووية بين الجماعتين حول أسلوب التعاطي مع هذا الملف، وضرورة تجنيب إيران المزيد من القرارات الدولية، وإبعاد شبح الحرب أو الضربة العسكرية عنها.

بروفة رئاسية!

وإذ يعترف الإصلاحيون أن “نصرهم” في الانتخابات التشريعية، رغم كل القيود وغياب المنافسة الجدية، سيسمح لهم فقط بأن يصبحوا مجرّد أقلية في برلمان يُـهيمن عليه المحافظون، فإنهم خاضوا الانتخابات الأخيرة بحملة دعائية مبكّـرة جدا للانتخابات الرئاسية القادمة في يونيو عام 2009.

فهم يُـراهنون على الشعب الإيراني الذي حملهم على الأكتاف في عام 1997 بعد عزلة طويلة، إلا أنهم، على ما يبدو، سيقعون في حسبة معقدة وربما خاطئة، إذا قرروا التقدم إلى الانتخابات المقبلة بأكثر من مرشح، كما فعلوا في الانتخابات الماضية عام 2005، ذلك أن التلميحات وحتى التصريحات الرائجة في إيران – حتى قبل الانتخابات الأخيرة – تشير إلى رئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروي – حليف خاتمي سابقا – يتهيَّـأ لخوض السباق ثانية، كما فعل في عام 2005، فيما يُُفسِّـرُ دخول خاتمي على خط المعركة الدعائية في الانتخابات الأخيرة بأنه “بروفة انتخابية” للعودة مجددا إلى سدّة الرئاسة، لعله يغير في ميزان القوى ويعيد اتجاه البوصلة إلى عهد مضى، وربما يكون انقضى، خصوصا إذا نفذ المحافظون الممسكون بخِـناق كل الانتخابات الإيرانية من خلال إحكام قبضتهم على مجلس صيانة الدستور، ما هدّد به بعضهم في منع خاتمي من الترشح للانتخابات الرئاسية بحجج عدة، منها أنه أدار ظهره لولاية الفقيه، كما فعلوا بالعشرات من أعضاء المجلس الماضي بعد أن كانوا مؤهلين للترشح لانتخابات، تظل علامة فارقة في إيران وفي المنطقة.

دبي – نجاح محمد علي

طهران (رويترز) – قال التلفزيون الإيراني يوم الأحد 16 مارس 2008 إن المحافظين فازوا بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية الإيرانية، إلا أنه ما زال من الممكن أن يواجه الرئيس محمود أحمدي نجاد تحدِّيات قبل انتخابات الرئاسة المقررة العام القادم.

وحاول الإصلاحيون من خصوم الرئيس الإيراني الاستفادة من الاستياء العام بسبب التضخم في رابع أكبر منتج للنفط في العالم، إلا أن الكثير من مرشحيهم البارزين حُـرموا من خوض الانتخابات.

وذكرت قناة (برس.تي.في)، المملوكة للدولة، أن المحافظين الذين يستخدمون تعبير “المبدَئيين”، في وصف أنفسهم لولائهم لأهداف الثورة الإسلامية، حصلوا على 163 مقعدا على الأقل في البرلمان، المؤلف من 290 مقعدا، مقابل 40 مقعدا للإصلاحيين حتى الآن.

وقالت القناة الفضائية الناطقة بالانجليزية، نقلا عن وزارة الداخلية، إنه تمّ فرز معظم الأصوات وأنه ستجرى جولة إعادة على بعض المقاعد التي لم تحسم، في حين صنّـف بعض الفائزين على أنهم مستقلون.

وأشاد المسؤولون الإيرانيون بالانتخابات ووصفوها بأنها انتصار على الولايات المتحدة، العدو اللدود لإيران، التي وصفت في يوم الاقتراع نتيجة الانتخابات بأنها “أعِـدّت مسبقا”.

لكن الاتحاد الأوروبي، الذي يدعم أعضاؤه الرئيسيون الولايات المتحدة في أزمة متصاعدة مع طهران بسبب خططها النووية المثيرة للجدل، قال إن الانتخابات “لم تكن نزيهة ولا عادلة”.

ومنع مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة من رجال الدِّين والقضاء، العديد من الإصلاحيين من الترشح عندما دقق في المرشحين المحتملين، وِفق معايير مثل الالتزام بالإسلام والنظام الدِّيني.

وقالت رئاسة الاتحاد الأوروبي في بيان صدر في بروكسل، إن الاتحاد الذي يضم 27 دولة “يعبِّـر عن أسفه العميق وخيبة أمله لمنع ما يزيد عن ثلث المرشحين المحتملين من التنافس في الانتخابات البرلمانية التي جرت هذا العام”.

وقالت وزارة الداخلية، التي أشرفت على الانتخابات التي جرت يوم الجمعة 14 مارس، إن النتيجة النهائية قد لا تظهر قبل يوم الاثنين.

لكن المحللين قالوا، إنه حتى إذا تأكّـد فوز المحافظين، فإن الانقسامات بين السياسيين من مؤيدي أحمدي نجاد ومنتقديه، قد تتّـسع مع سعيهم للحصول على منصب قبل انتخابات الرئاسة.

وحمل الإصلاحيون الذين يسعون لتغيير سياسي واجتماعي وبعض المحافظين، أحمدي نجاد المسؤولية عن زيادة التضخم الذي يبلغ حاليا 19% عبر الإسراف في الإنفاق من عوائد إيران النفطية على الدّعم والقروض والعطايا.

وقال محلل إيراني “هناك إمكانية في أن يشكل بعض المحافظين تحالفا مع الإصلاحيين، ويجعلوا من الصعب على الرئيس الحصول على موافقة على مشاريع القوانين التي يتقدم بها في البرلمان”.

كما انتقد سياسيون مؤيدون للإصلاح أحمدي نجاد أيضا، لخطاباته اللاّذعة التي أبقت إيران في مواجهة مع الأمم المتحدة بشأن البرنامج النووي لطهران.

إلا أن أحمدي نجاد حصل على دعم من الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي أيّـد تعامل أحمدي نجاد مع قضية النزاع النووي.

وكان زعماء إيران دعوا إلى إقبال كبير على التصويت في تعبير على التحدي لأعداء إيران في الغرب.

وقال محمد علي حسيني، المتحدث باسم وزارة الخارجية في مؤتمر صحفي “الولايات المتحدة هي الخاسر الحقيقي، والإيرانيون… هم المنتصرون.”

وقادت واشنطن جهودا دولية لفرض عقوبات على إيران لتقاعسها عن تهدئة الشكوك بشأن سعيها لامتلاك أسلحة نووية، وتقول طهران إن برنامجها النووي سِـلمي مَـحْـض.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 مارس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية