مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“إيران إشكالية أمريكية وليست خليجية”

الرئيس الأمريكي جورج بوش يترشف الشاي أثناء متابعته عرضا للخيول العربية في مزرعة العاهل السعودي في الجنادرية يوم 15 يناير 2008 Keystone

"إيران أكبر دولة راعية للإرهاب فى العالم وتهدد أمن جميع الدول".. إنها "تدعم إرهاب حماس وحزب الله فى لبنان وتسلح المتطرفين فى أفغانستان والعراق وتُرهب جيرانها فى الخليج"..

هذه عينات من أقوال الرئيس الأمريكي بوش خلال زيارته الأخيرة لعدد من دول الخليج العربية، وهى عبارات واضحة المعانى والدلالات، وأوضح ما فيها أنها تعمل على بلورة صيغة جديدة لمصادر التهديد فى منطقة الخليج بما يرضى منطق بوش الذاتى، ويبرر التدخل الأمريكى المباشر فى تشكيل نظام أمنى يعتمد فيه عرب الخليج على الحماية الأمريكية المباشرة فى مواجهة عدو مفترض.

لقد تأكد فى الدول الخليجية الأربعة، الكويت والبحرين والإمارات والسعودية، أن الهدف الأول لزيارة بوش يكمن فى عزل إيران وجذب الدول الخليجية للمنطق الأمريكي، وإعادة تكييف مصادر التهديد لهذه الدول العربية بما يجعل إيران العدو الأول لهم، وبما يعنيه ذلك من نتائج سياسية واستراتيجية بالغة الخطورة على مجمل مصالح هذه الدول وعلى مجمل منظومة الأمن فى المنطقة ككل.

التصريحات المشار إليها وما يماثلها مما قاله بوش وإن هدفت إلى إقناع القادة الخليجيين بجدوى الانضواء فى تحالف دولى تقوده واشنطن لعزل إيران، فقد هدفت أيضا إلى إثارة اللغط السياسى داخل إيران نفسها، فضلا عن نسج مساحة اختلاف وشك كبرى بين إيران وجيرانها الخليجيين الذين يديرون سياسة انفتاح عليها، تعد مدروسة بعناية سياسيا واقتصاديا وأمنيا، كان من نتائجها بلورة قدر من الثقة المتبادلة حول ضرورة إبعاد المنطقة عن شبح المواجهة بين أطرافها، والتعامل مع المشكلات والهواجس المتبادلة أمنيا وسياسيا وفق صيغ الحوار وتبادل الآراء بقدر من الانفتاح والثقة والرغبة فى تجاوز المشكلات إن وجدت. وهى الصيغة التى لا تتناسب تماما مع النزعة الأمريكية فى توتير العلاقات الإيرانية الخليجية بوجه عام.

ففى مقابل الدعوة إلى عزل إيران، كانت هناك الدعوة إلى الحوار معها، وهو ما أكد عليه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى حين استبق قدوم بوش إلى بلاده بالقول أن بلاده ليس لديها شئ ضد إيران، ثم وصفها فى اللقاء الصحفى المشترك مع نظيرته الامريكية كوندليزا رايس بأن إيران دولة جارة ومهمة فى المنطقة، ونافيا أنها تمثل مصدر تهديد لبلاده.

المحصلة الكلية مؤجلة أمنيا

ومثل هذه الصيغة العملية المقننة والتى يحرص عليها الخليجيون العرب لتجنب الانزلاق إلى هاوية حرب لا معنى و لا ضرورة لها، وإن لم تنهى بعض الهواجس من نزعات إيران الهجومية فى الإقليم ككل، كما هو الحال فى العراق، تختلف من حيث مضمونها ومساراتها مع كلا الصيغتين اللتين طرحتهما إيران نفسها ممثلة فى دعوة الرئيس أحمدى نجاد حين شارك فى القمة الخليجية الاخيرة فى ديسمبر الماضى التى عقدت فى العاصمة القطرية الدوحة، واستندت إلى إقامة شراكة كاملة فى كافة المجالات بما فى ذلك المجال الأمنى، وهى الدعوة التى استقبلها الخليجيون بالترحاب شكلا والرفض مضمونا.

كما تخالف الدعوة الأمريكية التى حملها بوش وتقضى بالتحالف الخليجيى الأمريكي لعزل إيران ودفعها إلى الاستسلام لمطالب الغرب وشروطه.

ويبدو من المحصلة الكلية لزيارة بوش أن هدفى عزل إيران وتشكيل تحالف مع بلدان الخليج العربية لم يتكللا بالنجاح، ليس لعوج المنطق الذى قامت عليه، وإنما بفعل تأثيراته الكارثية المرجحة والتى سيتحملها أهل المنطقة إن تماشوا معها، أو سايروا بعض أهدافها. وهى نتائج تتصادم جملة وتفصيلا مع رغبتهم الجوهرية فى العيش بسلام وحسن جوار مع الجارة إيران.

وبالقطع ، فهذا لا يعنى أن الضغوط الأمريكية سوف تتوقف، أو انها ستترك الخليجيين يديرون علاقاتهم الانفتاحية بقدر من السلاسة والهدوء مع جارتهم إيران.

ففى بعض التقارير، زرد أن بوش مارس ضغطا شديدا على بعض قادة الخليج لكى يوقفوا تعاملاتهم الاقتصادية والمالية والتجارية مع المصارف الإيرانية.

ودون توافر معلومات عن الموقف الذى قابل به هؤلاء القادة مثل هذه الضغوط، فمن غير المستبعد أن يكون هناك نوع من المناورة فى هذا السياق، كأن توقف بعض التعاملات المحسوبة إرضاء للولايات المتحدة، مع تغيير مسارات التعاون المالى تحديدا لتصبح غير مباشر نوعا ما مع الحفاظ على علاقة اقتصادية وتجارية معقولة مع إيران. خاصة وأن كثيرا من كبار التجار ورجال الأعمال فى بلدان الخليج لهم أصول إيرانية وارتباطات كبيرة مع نظرائهم فى إيران.

نحو تشكيل امنى جديد

حين يصر الرئيس بوش على جعل إيران المصدر الأول لتهديد ولترهيب وتخويف دول الخليج، فى الوقت نفسه ينادى هذه الدول نفسها بمد يد التعاون إلى إسرائيل باعتبارها دولة مهددة فى وجودها من جراء استمرار ما يعتبره عزلتها عن جوارها الجغرافى المباشر، فإنه بذلك يطرح قضية إشكالية لدى الدوائر الأمريكية ولكن لا وجود لها بالنسبة للدوائر العربية.

فالاهتمام الأمريكي بعزل إيران بالمعنى الاستراتيجى تمهيدا للتأثير على نظامها السياسى واستقرارها الداخلى ومن ثم الإطاحة بهذا النظام تحت دعاوى “بناء ديمقراطية إيرانية تراعى الالتزامات الدولية ومشاغل الدول الكبرى وما يسمى الشرعية الدولية”، هو اهتمام لا صدى له بنفس القدر فى الدوائر العربية، وذلك بالرغم مما يقال من وجود من قلق عربى عام، وخليجى خاص من تنامى الدور الإيراني فى المنطقة، انطلاقا من العراق والموقع الجغرافى وامتلاك حصة إنتاج نفطية كبيرة تؤثر فى عمل ماكينة الاقتصاد الدولى ككل، فضلا عن الغموض المحيط ببعض جوانب برنامجها النووى وضغوط الغرب عليه.

إشكالية مضادة

إن غياب إشكالية إيران لدى دول الخليج العربية بالطريقة التى أرادها الرئيس بوش وعمل على تأكيدها، يقابلها إشكالية عربية خليجية تتمثل فى أن تعثر عملية تسوية القضية الفلسطينية واستمرار العدوانية الإسرائيلية والانحياز الأمريكي، هى الأسباب الحقيقية لغياب الأمن فى المنطقة، وتعرض الاستقرار لحالة من الاختبار الدائم.

ومثلما قلت استجابة الخليجيين لمنطق بوش، يبدو أيضا ان بوش لم يستجب كثيرا لمنطق قادة الخليج بشأن أولوية السلام عن أولوية المواجهة غير المحسوبة مع إيران.

وفى المحصلة جاء بوش وعاد، طارحا أفكارا لم تكن مقبولة قبل قدومه، وتأكد رفضها بعد قدومه، أو على الأقل لم تجد التجاوب الخليجى المرغوب أمريكيا.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

الرياض (رويترز) – ينهي الرئيس الامريكي جورج بوش جولته في الشرق الاوسط يوم الاربعاء 16 يناير 2008 بعد أن أبلغ زعماء الدول المتحالفة مع واشنطن في المنطقة إن ايران تشكل تهديدا وإن جهود السلام الفلسطيني الاسرائيلي تحتاج دعمهم وإن ارتفاع أسعار النفط ليس في مصلحة أحد.

وتوجه بوش الى مصر بعد أن قضى ليلتين في المملكة العربية السعودية مؤكدا على العلاقات الشخصية الوثيقة وكان قد صرح بأنه سيثير مخاوفه من ارتفاع اسعار النفط بشكل مباشر مع الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية في رسالة قد تلقي بظلالها على الاحتفالات التي أقيمت لبوش حين قضى الليلة مع الملك عبد الله في مزرعته بالجنادرية قرب الرياض.

وقال بوش للصحفيين ردا على سؤال عما يمكن أن تقوم به منظمة أوبك لخفض أسعار النفط المرتفعة “سأقول (للملك) عبد الله ان ارتفاع أسعار الطاقة يمكن أن يؤثر على النمو الاقتصادي لانه ضار بمستهلكينا…يمكن أن يدفع الاقتصاد الامريكي للتباطؤ” بعد ان وصل سعر النفط مئة دولار للبرميل.

وقال بوش “فيما تدرس أوبك مستويات انتاج متباينة امل أن يعوا أنه اذا تعرض اقتصاد واحد من أكبر مستهلكيهم للمعاناة فسيعني ذلك عمليات شراء أقل ومبيعات أقل من النفط والغاز.”

لكن الموضوعين اللذين هيمنا على جولة بوش في الشرق الاوسط التي تنتهي يوم الاربعاء بتوقف في مصر هما جهود السلام الفلسطينية الاسرائيلية والتوترات الامريكية مع إيران.

وقام بوش الاسبوع الماضي بأول زيارة رئاسية لاسرائيل والضفة الغربية المحتلة وقال إنه يتوقع أن يوقع الفلسطينيون مع اسرائيل معاهدة سلام قبل أن يترك منصبه في يناير كانون الثاني عام 2009 .

وحاول الرئيس الامريكي حشد التأييد العربي لجهود السلام بما في ذلك مد الايدي لاسرائيل خلال جولته في الخليج التي شملت الكويت والبحرين ودولة الامارات العربية المتحدة والسعودية.

وقال بوش يوم الثلاثاء 15 يناير إن الزعماء “أرادوا ان يطمئنوا الى ان جهود الولايات المتحدة حقيقية.”

وانتقدت السعودية التي يعتبر تأييدها محوريا في أي مصالحة أوسع نطاقا بين اسرائيل والعرب الدولة اليهودية لتوسعها الاستيطاني ولمحت الى انها لا تعتزم القيام بأي خطوات جديدة ملموسة تجاه اسرائيل في الوقت الراهن.

وقال وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس أنه لا يعرف كيف يمد العرب ايديهم لاسرائيل أكثر من طرح مبادرة سلام للمنطقة. وكرر اجتماع قمة لجامعة الدول العربية في مارس اذار الماضي مبادرة عام 2002 لاقرار السلام مع اسرائيل اذا اعادت الاراضي العربية التي تحتلها.

وحاول بوش في جولته أيضا حشد التأييد ضد ايران وقال لحلفائه انه ما زال يعتبر ايران تشكل تهديدا رغم تقرير المخابرات الامريكية الذي صدر الشهر الماضي وأفاد بأن طهران أوقفت برنامج التسلح النووي عام 2003. وقال بوش “ناقشت ايران لفترة معقولة من الوقت في كل توقف لي”. وأضاف أنه واجه أسئلة من زعماء المنطقة بشأن تقرير المخابرات الامريكية مما يشير الى تراجع الموقف الحاسم ضد طهران وقال أنه أكد لهم أن واشنطن ما زالت ملتزمة وأن ايران “ما زالت تشكل تهديدا”.

وكرر بوش تهديده بأنه ستكون هناك عواقب وخيمة اذا واجهت السفن الايرانية السفن الحربية الامريكية في الخليج في أعقاب حادث وقع في السادس من يناير كانون الثاني. ولكنه قال انه أبلغ زعماء الدول الخليجية العربية أثناء جولته في المنطقة انه يريد حل الازمة بشأن برنامج ايران النووي “دبلوماسيا” وان كان قد أبقى على “كل الخيارات” مطروحة.

وسئلت رايس التي ترافق بوش في جولته عما اذا كان الرئيس الامريكي قد أثار قضية حقوق الانسان مع العاهل السعودي فقالت “الرئيس مهتم وقلق بشأن مسار الاصلاح في منطقة الشرق الاوسط كلها.. وكما يقول.. وبالاخص لدى اصدقائنا”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 يناير 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية