مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“ألعاب سوتشي”.. حقوق الإنسان في دائرة الضوء

بعض المنضويين في منظمات المجتمع المدني يتظاهرون في لندن ضد انتهاكات النظام الروسي في مجال حقوق الإنسان Keystone

وسط مخاوف بشأن أوضاع حقوق الإنسان وفي ظل إجراءات أمنية مشددة، ينتظر أن تنطلق الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في 7 فبراير 2014 بمنتجع سوتشي الروسي. وبينما يتهيّأ الرياضيون السويسريون لإختبار لياقتهم البدنية وقدرتهم على التحمّل، تسعى المنظمات غير الحكومية للتعرّف على حدود حرية التعبير في البلد المضيف.

مهدي كونزلي، من المنظمة السويسرية للمثليين جنسيا، قال في حديث لـ swissinfo.ch: “من غير المفهوم أنه في الوقت الذي ألغى رؤساء العديد من البلدان المؤيدة لحقوق الإنسان حضور افتتاح هذه الألعاب، قررّ وزيران سويسريان حضور هذه التظاهرة، من بينهما رئيس الكنفدرالية”.

وسوف يحضر حفل الإفتتاح في 7 فبراير، ديديي بوركهالتر، وزير الخارجية الذي تولى هذا العام الرئاسة الدورية للكنفدرالية، على عكس الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الفرنسي فرانسوا هولاند أو الألماني يواخيم غويك. ومن المنتظر أن يصل في وقت لاحق أولي ماورر، وزير الرياضة، وينضم إلى الـ 150 رياضي سويسري، ليس من بينهم من يقرّ علنا بأنه من  المثليين جنسيا، وفقا لكونزلي.

ومما يثير غضب النشطاء، القانون الذي وقّـعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شهر يونيو 2013 يحظر “الإعلان او الدعاية لعلاقات جنسية غير تقليدية”. ويشمل هذا القانون منع إعطاء الأطفال أي معلومات عن الشذوذ الجنسي أو تنظيم استعراض خاص بالمثليين في الأماكن العامة.

ويضيف كونزلي: “روسيا هي عدوة للمثليين (وأيضا للمخنّثين والمتحوّلين جنسيا) وللمجتمع المدني وللمنظمات غير الحكومية، العاملة في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة. إحدى صديقاتي تعمل في روسيا، وفجّر مكتبها حوالي الرابعة بعد الظهيرة، ولحسن الحظ لم تصب بأذى. وقال كونزلي: “أنا لا أفهم كيف يجرأ المسؤولون على الذهاب إلى هناك ويصافحون بوتين”. ويضيف كونزلي: “من الواضح أن المصالح السياسية أهم من حقوق الإنسان، على الرغم من أن المنظمات المثلية الروسية لم تدع إلى مقاطعة هذه الألعاب.

من جانبه، دافع ماورر عن موقفه بأن مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية “سوف يُفهم” على أنه لا يجب المطالبة بعدم تسييس الأنشطة الرياضية.

حدد نيكولا بيدو، رئيس مؤسسة “الحضور السويسري، في حديث أدلى به إلى swissinfo.ch، أن “لمبادرة البيت السوسري بسوتشي هدفيْن رئيسيين: إشعار الرياضيين والمشجعين السويسريين، أنهم انتقلوا من بيتهم في سويسرا إلى بيتهم في سوتشي وتعزيز الحضور السويسري بكل تنوعه الإقتصادي والسياسي والثقافي والعلمي”.

وأشار إلى أن ديديي بوركهالتر، رئيس الكنفدرالية، سوف يترأس بنفسه حفل استقبال هناك خلال دورة الألعاب، إحتفاء بالذكرى 200 للعلاقات الدبلوماسية بين روسيا وسويسرا.

نفى بيدو أن تكون هناك حاجة لعمل طويل ومُـضن لتقريب صورة سويسرا إلى سكان روسيا. “بالنسبة لهم، يقترن إسم سويسرا بالمنتجات ذات الجودة العالية، (الساعات، المستحضرات الصيدلانية، الخدمات المصرفية، الشوكولاطة)، ومستوى معيشة مرتفع، فضلا عن أنها وجهة سفر محبّذة على نطاق واسع”. رغم ذلك، قال إن هناك مجال لتحسين هذه الصورة أكثر، كتشجيع الإبتكار والقضايا البيئية.

الإرهاب

مع ذلك، لا يحتل موضوع إفساد الشباب والمثلية الجنسية حاليا، سوى آخر اهتمامات أو مخاوف بوتين. فقد تعهّد في 7 يناير 2014 بـ “إبادة” جميع الإرهابيين في روسيا”، ويأتي هذا الخطاب العنيف بعد هجوميْن بالقنابل في جنوب مدينة فولغوغراد، وقد أودى بحياة 34 شخصا وزاد من المخاوف الأمنية.

لقد جعل بوتين هيبته على المحك في سوتشي، هذا المنتجع الواقع في الطرف الغربي من جبال القوقاز وداخل شريط من المناطق المتمرّدة، التي تريد أن تتحوّل إلى دولة إسلامية. وقد ناشد دوكو عمروف، زعيم المتمردين الإسلاميين في تلك المنطقة أنصاره بتوجيه ضربات قوية لمنع الألعاب الأولمبية من المُـضي قُـدما.

وحذّرت وزارة الخارجية السويسرية المواطنين الذين ينوون السفر إلى روسيا من أنه “رغم تشديد الإجراءات الأمنية، فإنه لا يمكن استبعاد حدوث هجمات إرهابية”.

وتعتبر الألعاب الأولمبية لعام 2014، الأولى من نوعها منذ الألعاب الصيفية بموسكو سنة 1980، والتي شابتها مقاطعة الولايات المتحدة. وبلغت تكلفة دورة هذا العام 50 مليار دولار، مما يجعلها الأعلى تكلفة في تاريخ دورات الالعاب الأولمبية.

ميثاق الألعاب الأولمبية

لم يعلن حتى الآن أي وفد مقاطعة ألعاب سوتشي، وإن ظلت جورجيا، البلد المجاور مترددا، لكنها أعلنت في النهاية وتحديدا في شهر ديسمبر 2013، أنها تعتزم المشاركة. ولا يوجد رياضي سويسري واحد حتى الآن وقع عليه الاختيار ثم عبّر عن رفضه المشاركة في هذه الألعاب، وفقا للناطقة الرسمية مارتينا غاسنير. لكنها أشارت في نفس الوقت إلى أن للجنة الأولمبية الدولية ضوابط وشروط للمشاركة، وعلى جميع الرياضيين الموافقة على هذه الضوابط واحترامها.

وقالت في حديث إلى swissinfo.ch: “هذه الضوابط، والتي كانت اللجنة الأولمبية تذكّر بها دائما، ليست جديدة، ولم توضع خصيصا لألعاب سوتشي، كانت تشدد دائما على عدم استثمار الألعاب الأولمبية لتحقيق غايات سياسية. مثلا في ألعاب بكين (استضافت الصين الألعاب الأولمبية سنة 2008)، لم يكن بإمكان المشاركين في تلك الألعاب رفع لافتات أو أي شيء آخر يطالب باستقلال التبت”.

وتضيف: “إذا قام الرياضيون بطلاء أظافرهم أو رفعوا أعلام قوس قزح (تأييدا منهم لحقوق المثليين) أو أي قضية أو فكرة أخرى، من الممكن جدا أن تسلّط عليهم اللجنة الأولمبية الدولية عقوبات. والرياضيون على وعي بذلك”.

وقالت مارتينا غاسنير إن اللجنة الأولمبية السويسرية توصي الرياضيين بتوخي الحذر والتحفظ، عندما يطلب رأيهم بشأن موضوعات سياسية، “ولكن لا يصل الأمر إلى حد تكميم الأفواه. في سويسرا هناك حرية تعبير، وبإمكانهم إذا أرادوا ابداء رأيهم حول الوضع في روسيا”.

بيْت سويسرا

المكان الوحيد الذي بإمكانهم القيام فيه بذلك هو “بيت سويسرا”، جناح من بين أربعة أجنحة وطنية فقط في المنتجع الأولمبي الساحلي بسوتشي والوحيد المفتوح للجمهور. ويرفض نيكولا بيدو، رئيس مؤسسة “الحضور السويسري”، الهيئة الحكومية المكلفة بالترويج لصورة البلاد في الخارج، إرجاع ندرة التمثيل الرسمي في المنتجع الساحلي، لكون البلدان الأخرى لا تبدو راغبة بما فيه الكفاية للذهاب إلى روسيا.

وبالنسبة لنيكولا بيدو: “قطعا لا. البلدان ذات التضاريس الجبلية قررت أن تكون حاضرة في الجناح الجبلي من المنتجع”. وأضاف متحدثا إلى  swissinfo.ch: “نحن لسنا بصدد التركيز على الجانب الرياضي فقط، بل على الإتصالات والعلاقات أيضا. لهذا السبب، قررنا أن نكون في الجناح الساحلي”.

المزيد

تحرّكات مثيرة

مع ذلك، في هذه الفترة التي تسبق انطلاق المنافسات الرياضية، بدأت حمّـى الإثارة تتصدّر المشهد، لتحتل قضايا حقوق الإنسان المقعد الخلفي، ولاسيما شكاوى الغربيين والليبراليين الروس، من أن بوتين قد خنق المعارضة وشجّع التطرّف والتعصّب.

وأوضح ريتو روفر، من الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية، إلى أنه “فيما يتعلّق بحرية التعبير، فإن الوضع في روسيا قد تدهور بشكل واضح خلال الأشهر الـ 12 الأخيرة. وهناك إشارات واضحة على أن الحكومة تخطط لسنّ سلسلة من القوانين القمعية لإسكات منتقديها”.

في المقابل، هناك إشارات إلى أن بوتين لا يتغافل بالمرة الإنتقادات الدولية. وفي محاولة منه لنزع فتيل هذه المؤاخذات حول سجل حقوق الإنسان في روسيا، بشأن قانون مكافحة المثلية الجنسية، يطلق بوتين إشارة إلى أن روسيا قد خضعت للضغوط الدولية، من خلال تعهده بإقامة مناطق خاصة يسمح فيها بالتحركات الإحتجاجية بمنتجع سوتشي أثناء الألعاب الشتوية.

وفي 4 يناير، ألغى بوتين حظرا شاملا كان قد فرض على المظاهرات والإحتجاجات في سوتشي وحولها خلال الألعاب، وقدّم هذا الاجراء كـ “جزء من خطط السلطات الروسية لضمان حرية التعبير خلال دورة الالعاب”.

واتّـخذت هذه الخطوة عبر سلسلة من المبادرات المفاجئة التي أقدم عليها بوتين. فقد عفا على أقدم غريم له ميخائيل خودوركوفسكي، المدير العام السابق لمجموعة يوكوس الروسية، وأطلق سراح ناشطتين من بوسي رايوت وأسقط التهم الموجهة ضد نشطاء منظمة “السلام الأخضر”، المناهضة للحفر في المتجمّد الشمالي بحثا عن النفط، ومن بين الذين أطلق سراحهم، السويسري ماركو يبّر.

تعقد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الثانية والعشرون بمنتجع سوتشي بروسيا من 7 إلى 23 فبراير 2014. وسوف تعقب هذه الألعاب دورة خاصة بالمنافسين من ذوي الإحتياجات الخاصة ما بين 6 إلى 17 مارس.

تتوزّع الإحدى عشر جادّة إلى مجموعتيْن: واحدة على ساحل البحر الأسود، والثانية عند سفح جبال القوقاز. وتجرى بعض الألعاب في قاعات مغطاة وألعاب التزلج الأخرى بمنتجع كراسنايا بوليانا.

يصل عدد المشاركين الرياضيين إلى 5500 منافس قدموا من 88 بلدا يتنافسون في إطار 15 رياضة شتوية. ومن البلدان التي تحظر لأوّل مرة هذه الالعاب: مالطا، باراغواي، تيمور الشرقية، الطوغو، تونغا، زمبابوي.

تعد دورة 2014 الأكثر كلفة مقارنة بجميع الدورات السابقة، حيث ناهزت تكلفتها الإجمالية حوالي 50 مليار فرنك.

أضواء وسائل الإعلام

يعتقد البعض أن التظاهرات الرياضية الكبيرة، تجبر البلدان المنظمة لها على إصلاح العديد من الإخلالات، حيث تكون أضواء العالم مسلَّـطة عليها. فالقسمان الروسيان من المنظمتيْن غير الحكوميتيْن  “الصندوق العالمي للطبيعة” ومنظمة “السلام الأخضر” على سبيل المثال، رحّبا منذ البداية بقرار اللجنة الأولمبية الدولية إسناد تنظيم هذه الألعاب إلى سوتشي الروسية.

وأشارت المنظمتان في بيان مشترك إلى أن “هذا يعني أنه ليس فقط السلطات الروسية هي المسؤولة عن الأمن البيئي للتنمية بسوتشي كمنتجع جبلي، بل وأيضا اللجنة الأولمبية الدولية”.  

أما روفر، فيرى أن مسألة ما إذا كانت استضافة دورة الألعاب الأولمبية يمكن أن يستفيد منها وضع حقوق الإنسان في البلد المضيف مسألة “معقّدة”. وأضاف هذا الناشط الحقوقي: “في بكين، أميل إلى الإعتقاد أنه لم تحدث الكثير من التطوّرات الإيجابية المستدامة. وسنرى بالنسبة إلى روسيا إذا كان الوضع سيكون أفضل”.

لكن روفر لم يستبعد أيضا أنه “بالإمكان بعد انتهاء الألعاب الشتوية، أن يقدم النظام الروسي على الإنتقام ممن يعتقد أنهم مسؤولون عن النظرة السلبية لروسيا في الخارج”.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية