مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التعديلات الدستورية بمصر بين المؤيدين والرافضين والمتحفظين

يوم 14 مارس 2011، أقيمت ندوة في مقر اتحاد الأطباء العرب بالقاهرة لمناقشة التعديلات الدستورية المعروضة على الإستفتاء الشعبي. swissinfo.ch

تباينت آراء أحزاب وقوى سياسية وخبراء ومحللين مصريين حول موقفهم من الإستفتاء على التعديلات الدستورية، التي أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة إجراءها يوم السبت 19 مارس 2011 الجاري، وتشهد الساحة السياسية المصرية حاليا انقساما واضحا بين مؤيِّـد ومعارض ومتحفظ.

ففيما أعلن مؤيِّـدون موافقتهم عليها، داعين أنصارهم للتصويت بـ “نعم” وأبدى معارضون رفضهم لها، مطالبين مؤيديهم بمقاطعتها أو التصويت بـ “لا”، تحفَّـظ فريق ثالث على فكرة التعجيل بالاستفتاء، مطالبين بفترة زمنية كافية لإجراء المزيد من النقاش والحوار المجتمعي حولها، ولمنح الوقت لبقية القوى التي شاركت في الثورة لترتيب أوراقها وتشكيل أحزاب قوية قادرة على المنافسة والتمثيل الجيد في البرلمان القادم، الذي سيضع ملامح الحياة السياسية للبلاد.

وإذا كان المؤيدون للتعديلات الدستورية يروْن أنها: “خطوة تمهيدية لتوفير المناخ الملائم لإعداد دستور جديد”، عن طريق “جمعية تأسيسية ينتخبها الأعضاء المنتخبون بمجلسيْ الشعب والشوري”، وأنها تشكِّـل “نقلةً كبيرةً لا يمكن التقليل منها”، لكونها بمثابة “الجِـسر للمرحلة القادمة”، خاصة بعدما “أقرَّت الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات” و”أنهت التوريث”، فضلا عن كونها ضرورية “لإنهاء حالة الفراغ السياسى وإقامة الدولة” وإعادة “القوات المسلَّحة إلى ثكناتها”، خاصة وأن البلاد “تمرُّ بمرحلة حَرِجَة، تتطلَّـب الخروج من عُـنق الزجاجة” وأنها “أفضل من المستقبل المجهول”، واصفين الجدل حولها بأنه “سفسطائي وعقيم”، يؤخر “عودة السلطة للمدنيين”، مُحذرين من أن رفضها “سيؤدّي لانتكاسة لا يعلم عواقبها أحد”.

فإن الرافضين للتعديلات يبررون موقفهم بأن “الثورة التي قامت في 25 يناير، أسقطت النظام والدستور معًا” وأنها “لا تحقق طموح الثورة التي أسقطت النظام” وأن “عهد الحلول الوسط قد انتهى” ويجب “أن لا نخاف من أي سلطة بعد أن امتلكنا القدرة على الثورة” وأنها مجرّد “محاولة لإحياء دستور 1971، الذي أعلنت الثورة عن وفاته”، و”ترقيع للدستور البالي”.

أما نشطاء الفيس بوك، فقد اتفقوا على ضرورة المشاركة في الاستفتاء، لكنهم انقسموا بين مؤيِّـد للتعديلات الدستورية ومعارض لها. ففي الوقت الذي دعا فيه عدد من النشطاء لتغيير صورة “البروفايل” إلى “لا للترقيعات”، قام مؤيِّـدو التعديلات بوضع صور تحمل “نعم للتعديلات”.

أحزاب وقوى مؤيدة.. ومبرراتهم

يأتي في مقدمة المؤيدين لهذه التعديلات، جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنت موافقتها الصريحة عليها ودعت جموع الإخوان ومحبِّـيهم ومؤيديهم ومختلف طوائف الشعب إلى التصويت بالإيجاب لصالح التعديلات المقترحة، باعتبارها “البداية لأي تغيير” مأمول و”الطريق لتعديل الدستور بشكل كامل”.

وأكد الدكتور محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الإعلامي باسم الإخوان أن “الجماعة مع التعديلات التي أقرَّتها اللجنة المشكلة برئاسة المستشار طارق البشري”، داعيا الشعب إلى الموافقة عليها، باعتبارها “خطوة أولى نحو المسار” و”الأقرب إلى الطريق الصحيح”، مضيفا أنها، وإن كانت “غير كافية لإرضاء مطالب الثورة والثوَّار، إلا أن البلاد تمرُّ بمرحلة حَرِجَة، تتطلَّب الخروج من عنق الزجاجة من خلال تلك التعديلات التي تنقلنا إلى حالة الاستقرار”.

كما أبدى الحزب الوطنى (الحاكم سابقا)، المرفوض شعبيا، موافقته على التعديلات ودعا أعضاءه للتصويت بالموافقة عليها، وأعلن أمينه العام الدكتور محمد رجب أن “الحزب طلب من أعضائه المشاركة في الاستفتاء، والتصويت بـ “نعم” لِـما له من أهمية في تحقيق الشرعية الدستورية والانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الوطني”، وهو الموقف الذي تبنّـاه حزب “السلام الديمقراطي”، فأعلن رئيسه المستشار أحمد الفضالي تأييده للتعديلات، داعيا جموع الشعب للاستفتاء عليها، معتبرا أنها “البداية لإجراء عمليات التصحيح لإعداد دستور جديد للبلاد، بعد انتخاب مجلسيْ الشعب والشورى وانتخاب رئيس الجمهورية”.

ووافقه الرأي حزب “العمل”، إذ أعرب أمينه العام  مجدي أحمد حسين عن أمله في “الإسراع بتسليم السلطة المؤقتة من القوات المسلحة إلى الشعب” و”إجراء انتخابات حرّة نزيهة تحت الإشراف القضائي الكامل” و”إعداد دستور جديد خلال مدة محدّدة زمنيا”، محذرا من أن “التصويت بـ (لا)، يعني فشل الثورة والعودة بنا إلى نقطة الصفر”.

وفور خروجهما بعد ثلاثة عقود قضَّـياها في غياهب السجون لمساعدتهما في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات يوم 6 أكتوبر 1981، أعلن كلا من عبود الزمر وابن عمّـه الدكتور طارق الزمر، القياديان بتنظيم الجهاد، عن موافقتهما على التعديلات الدستورية ودعيا الشعب إلى التصويت بـ “نعم”.

وأكد الدكتور طارق، الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون الدستوري خلال فترة سجنه، أن “التعديلات الدستورية جيدة” وهي “أفضل الحلول في الفترة الحالية”، وأن “الذين أعدّوها من ذوي الكفاءة والخِـبرة” وأنه سيتم “إعداد دستور جديد بعد استقرار الأوضاع”.

خبراء مؤيدون.. وحججهم

وعلى مستوى الشخصيات، أعلن الفقيه الدستوري الدكتور يحيى الجمل، نائب رئيس مجلس الوزراء، موافقته عليها، داعيا الشعب للإستفتاء حسبما يريد، موضِّـحا أنها “جِـسر للمرحلة القادمة” و”لابد من العبور من هذه المرحلة الانتقالية”، مؤكدا أن “إعداد دستور جديد، يحتاج إلى وقت”، رافضا وصفها بأنها مجرد “ترقيع”.

وأوضح المفكر الإسلامي والفقيه القانوني الدكتور سليم العوا، أن “التصويت على التعديلات الدستورية واجِـب وطني يجب أن يلتزم به المصريون”، منوِّها إلى أنها “خطوة تمهيدية تهدِف إلى توفير المناخ الملائم لإعداد دستور جديد عن طريق جمعية تأسيسية ينتخبها الأعضاء المنتخَـبون من مجلسيْ الشعب والشوري فيما بعد”، موضحا أنه لا يمكن “وضع دستور جديد للبلاد في المدّة المتبقية في الفترة الانتقالية الحالية”.

وطالب المستشار محمود الخضيري، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق ورئيس نادي قضاة الإسكندرية الأسبق، الشعب للمشاركة بقوة وفاعلية في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، موضحا أنها تمثل “دستورا مؤقتا” و”مرحلةً انتقاليةً للعبور إلى دستور جديد”، وقال: “سأوافق على التعديلات، رغم تحفُّـظاتي على بعضها، لأنها على حالها أفضل من المستقبل المجهول، بما توفِّـره من آلية انتقال السلطة ومؤسسات الدولة”.

وحذّر الدكتور جمال جبريل، أستاذ القانون الدستوري بجامعة حلوان، من “إطالة الفترة الانتقالية عن 6 شهور”، لأنها “قد تُـعيد البلاد إلى عهد ما قبل ثورة 25 يناير”، مشدِّدا على “ضرورة الموافقة على التعديلات لتعود القوات المسلَّحة لثكناتها”.

واعتبر المستشار عزت عجوة، رئيس نادي قضاة الإسكندرية، أن التعديلات “جيدة جدّا، وتشكِّـل نقلةً كبيرة لا يمكن التقليل من شأنها” وتساءل: هل الأفضل أن ينتخب الشعب رئيسا ومؤسسات الدولة ملزمين بوضع دستور جديد أم يختار أحد للشعب مجلسا رئاسيّا مؤقتا؟!، واصفا الجدل الدائر حول التعديلات بأنه “سفسطائي وعقيم” و”يؤخر عودة السلطة للمدنيين”.

ويرى المستشار حسن النجار أن التعديلات “أقرّت الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات” و”أنهت التوريث” و”وضعت أسسا مقبولةً لمرحلة انتقالية”.

وفي مقال له بعنوان: “جدل فى الاتجاه الغلط”، أوضح الكاتب الصحفي فهمي هويدي أن “التعديلات التي أدخلت على الدستور القائم، جعلته أقرب ما يكون إلى الإعلان الدستوري المؤقت” وأنها “تتعامل مع الممكن الذي يفتح الطريق لبلوغ الأكمل”. ورغم قناعته بأنها “غير كافية”، إلا أن الدكتور جمال بيومى، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، أعلن أنه سيصوت بـ “نعم”، لإنهاء “حالة الفراغ السياسي واستعادة وجود مؤسسات الدولة بأسرع ما يمكن”.

ورغم إقرار الدكتور معتز عبد الفتاح، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة ميتشغان بالولايات المتحدة وأستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، باقتناعه بإقرار التعديلات الدستورية وإعلانه أنه سيقول “نعم” للتعديلات، فإنه يؤكد احترامه لمن سيقولون “لا”، محذرا في مقال له بعنوان “روعة التداول حول التعديلات” من أن ننتهي في مارس 2011، إلى مشهد مقابل لما حدث في مارس 1954، حين خرج قطاع من المصريين، مطالبين القوات المسلحة بالبقاء في الحكم وكاشفا في مقاله “نعدل الدستور كب نغيره”، عن أن “البعض عنده انطباع غير دقيق بأن الموافقة على التعديلات الدستورية المقترحة، ستنفي فرصة تغيير الدستور، وهذا غير حقيقى”.

متحفظون على التعديلات

ومن جانبه، دعا المفكر والفقيه الدستوري الدكتور أحمد كمال أبو المجد إلى تأجيل الإستفتاء على التعديلات الدستورية، مشيرا إلى أن “دمج التعديلات كلها في حزمة واحدة والتصويت عليها كلها بـ “نعم” أو “لا”، يضع المصوتين في حرج”، وقال في مقال له بعنوان: “أدعو لتأجيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية.. وتلك أسبابي”، إن “ما أعلن عنه عند طرح التعديلات من إدارة “حوار مجتمعي موسع عليها، لم يتم بشكل محدد ومنظم”، موضحا أنه “إذا كانت التعديلات أغفلت معالجة تركز السلطة في يد الرئيس، فإن التخلص من احتمال عودة هذا التركيز، سيكون موعده مناقشة مشروع الدستور الدائم، الذي نتصور أن يُـعيد النظر في حدود العلاقة بين مؤسسة الرئاسة وسائر المؤسسات الدستورية”.

ويشاركه هذه التحفظات الدكتور عمرو حمزاوي،  كبير الباحثين في معهد كارنيغي بواشنطون والذي قال في مقاله: “التعديلات.. تحفظات إضافية”: إلى الآن “لم نطلع بعد على الصيغة النهائية للتعديلات” و”لا أرى سببا وجيها واحدا لتعجل الأمر بشأن قضية الدستور، وهي شديدة الأهمية”، وفي مقاله “التعديلات الدستورية مجددا”، قال حمزاوي: “إن إعلانا دستوريا يضبط صلاحيات وسلطات الرئيس وينتصر للسلطة القضائية، مع هيئة تأسيسية للدستور الجديد، منتخبة انتخابا مباشرا من المواطنين وحياة سياسية حزبية، تنشط لمدة عام قبل الانتخابات البرلمانية، سيقللوا كثيرا من مخاطر سيناريو الرئيس المنفرد بالحُـكم، دون مجالس تشريعية”.

وفي مقاله “هنا القاهرة.. الاستفتاء”، أوضح الخبير السياسي الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، أننا “أمام مرحلة انتقالية بداخلها طريقان، لابد من قطعهما‏:‏ الأول، الوصول إلى نظام مدني كامل، تكون فيه المجالس التشريعية فاعلة،‏ ورئيس جمهورية مدني مُـنتخب‏، إلى جوار سلطة قضائية مستقلّـة وحاكمة بين الأطراف. والثاني، وضع دستور جديد في مناخ هادئ يسمح بحوار جدّي في وجود مؤسسات شرعية منتخبة، وليس مجالس مؤلفة فوق إرادة الشعب‏ وتعيش وفق إعلانات دستورية مؤقتة”؛، مشيرا إلى أن “الاستفتاء علي التعديلات، هو الخطوة الأولى‏ ومن حق الشعب كله أن يقول لا أو نعم،‏ المُـهم أن يخرج ويصوِّت بحرية في الجانب الذي يراه معبرا عنه”.

ومن جهته، دعا الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، رافضي التعديلات الدستورية إلى الإعلان عن رفضهم بطريقة ديمقراطية بالذهاب إلى مراكز الاستفتاء والتصويت بالرفض وتعبئة الناس للتصويت بـ “لا”، بما يتناسب مع طرق التعبير الجديدة، التي يجب أن تسود بعد ثورة 25 يناير، مؤيدا ما يُـبديه البعض من تحفّـظات على التعديلات الدستورية المقترحة، معتبرا أن “الترتيب الأمثل للفترة الانتقالية، يكون بإصدار إعلان دستوري، وأن تمتد الفترة الانتقالية بما يسمح بوضع دستور جديد وأن تُـجرى الانتخابات الرئاسية قبل التشريعية”.

وفي مقال بعنوان: “(نعَم) للتعديلات الدستورية، قال السيناريست بلال فضل: “أنت تعلَـم أن التعديلات الدستورية ليست كافية ولا وافية ولا مِـثالية، ولم يقل أحد إنها كذلك، حتى الذين عدلوها، لكنك تريد أن تقول لها نعم، لأنك خائف أن يتكرّر ما حدث من قبل، عقب حركة يوليو 1952″، مضيفا “إذا كنت ترى أن ما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله، فعليك أن تقول (نعم)، أما إذا كنت ترى أن عهد الحلول الوسط قد انتهى وأننا يجب أن لا نخاف من أي سلطة بعد أن امتلكنا القُـدرة على الثورة، فعليك أن تقول (لا)، وفي الحالتين، عليك أن تفرح، لأنك أصبحت تملك الاختيار، شريطة أن لا تجلس في بيتك يوم السبت 19 مارس أو تقول (نعم) للتعديلات الدستورية”.

أحزاب وقوى رافضة.. ومبرراتهم

من ناحية أخرى، أصدر عدد من الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بيانا أعلنوا فيه رفضهم للتعديلات ودعوا الشعب إلى التصويت عليها بـ “لا” في الاستفتاء، مطالبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار “إعلان دستوري مؤقت”، كما طالبوا جماعة الإخوان بمراجعة موقِـفها من التعديلات والنظر إلى المصلحة العليا للوطن، وأكد البيان الذي وقع عليه أحزاب: الجبهة والتجمع والجمعية الوطنية للتغير وائتلاف شباب الثورة والحزب الشيوعي المصري وتحالف المصريين الأمريكيين والحملة الشعبية لدعم البرادعي، إضافة إلى عدد من منظمات المجتمع المدني، أن “دستور عام 1971 قد سقط بفعل ثورة 25 يناير وأن سريان التعديلات المقترحة يُـعيد الاعتبار إليه”.

واتساقا مع هذا الموقف، أعلن الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، رفضه للتعديلات، وقال في بيان صادر عن الحزب: “إن الحزب سيبدأ حملة موسعة لرفض التعديلات الدستورية”، مشيرا إلى أن “رفض التعديلات، سيكون البديل عنه إعلان دستور جديد للبلاد”، وأضاف أن “هناك مجموعة من قيادات الوفد تعكف على وضع خارطة طريق للفترة القادمة، لملء الفراغ السياسي الموجود ولتحويل الوفد إلى تيار سياسي قوي، يتعامل مع المجتمع” وأن “الوفد أعد مشروعا للتحول الديمقراطي، يطالب فيه بتشكيل جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد”‏.

وأعلن حزب التجمع رفضه للتعديلات، داعيا الناخبين لرفضها وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد. وقال الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع: “إن هذه التعديلات تضمّـنت مخالفات صارخة للعديد من المبادئ الدستورية العامة، وفي مقدمتها الإخلال بمبدإ المساواة بين المواطنين وإهدار حق التقاضى”، مشيرا إلى أن “التعديلات تتصادم مع مواد أخرى في الدستور. والأخطر، أنها لم تمس سلطات رئيس الجمهورية الواردة في الدستور، وهي سلطات مُـطلقة. وبقاء هذه المواد، تحول أي رئيس يتم انتخابه إلى حاكم مستبِـد وديكتاتور، رغما عنه”.

كما أعلن حزب الجبهة رفضه للتعديلات، داعيا بالتصويت عليها بـ “لا”. ودعا إبراهيم نوار، القائم بأعمال الأمين العام للحزب إلى مظاهرة مليونية جديدة يوم الجمعة 18 مارس، لرفض تعديل الدستور. وأضاف أن التعديلات “نقطة دستورية ونقطة سوداء في تاريخ التشريع المصري”، جاءت في وقت استيقط فيه الشعب وأنها “تسمح بإعادة إنتاج الفساد من خلال إعطائها صلاحيات مُـطلقة للرئيس”، مشيرا  إلى أن الحزب سيحشد بكل الطرق السلمية من أجل التصويت بـ “لا”، مؤكدا في الوقت ذاته، أنه إذا صوّت الشعب بـ “نعم” في ظل استفتاء نزيه وعادل، سيلتزم الحزب بما اختاره الشعب.

وفي السياق ذاته، أعلنت أحزاب الناصري والكرامة والوفاق، رفضها للتعديلات وطالبت في بيان لها، عقب اجتماعهم المشترك، بضرورة إعداد دستور جديد للبلاد يحُـد من سلطات الرئيس. وأكد سامح عاشور، نائب رئيس الحزب الناصري، أن رفض الأحزاب للتعديلات يتماشى مع رفض شباب 25 يناير لها ومطالبتهم بإعداد دستور جديد للبلاد، بخلاف دستور 1971، الذي يعطي سلطات واسعة وديكتاتورية للرئيس.

خبراء رافضون.. وحججهم

وعلى مستوى الشخصيات، أعلن الدكتور محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وأحد المرشحين المحتمَـلين للرئاسة، رفضه للتعديلات، وقال في حوار مع قناة وان تي في، إنه سيصوِّت برفض التعديلات الدستورية، مشيرا إلى أنه “يجب وضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات رئاسية تعقبها انتخابات برلمانية”، داعيا المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتأجيل أو إلغاء الاستفتاء.

متفقًا مع البرادعي، أكد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية وأحد أبرز المرشحين المحتمَـلين للرئاسية، رفضه للتعديلات المقترحة، وأعلن أنه سيصوِّت ضد حزمة التعديلات، معتبراً أن “الدستور الحالي سقَـط كلياً”، وقال في لقائه عددا من المثقفين المصريين: “إن الدستور الحالي تمّ تجاوزه، وليس من الصالح استمرار الاستناد إليه أو تعديله”، وطالب بصياغة “إعلان دستوري”، يغطي الفترة الانتقالية ويمهد لانتخابات الرئاسة، التي قال إنها “يجب أن تسبق الانتخابات التشريعية”، وهو ذات الرأي الذي أعلنه الداعية الإسلامى الدكتور عمرو خالد، الذي أكّـد أنه سيصوت بـ “لا” على التعديلات، لافتاً إلى أن الموافقة على التعديلات، تعني الموافقة الضمنية على باقي مواد الدستور التي تفتقد للشرعية.

كما يؤيد الفريق الرافض للتعديلات الدكتور إبراهيم درويش، الفقيه الدستوري الذي أوضح في كلمته أمام الندوة التي عقدتها مؤسسة الأهرام تحت عنوان: “هل نصوت بـ “نعم” أم “لا” على التعديلات الدستورية؟”، أن “الرئيس السابق حسني مبارك أسقطته الثورة وسقط معه الدستور والنظام السياسي بأكمله، وكان يتعين على المجلس الأعلى للقوات المسلحة إسقاط الدستور بأكمله، وليس تعطيله وتعديله”. ويشاركه الرفض المستشار زكريا عبد العزيز، الرئيس السابق لنادي قضاة مصر والذي وصف التعديلات المُـزمع التصويت عليها بأنها “زرْع أعضاء لجسَـد ميِّـت”، وقال خلال الندوة التي عقدت بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “ثورة يناير أسقطت الدستور”، داعياً المواطنين إلى التصويت بـ “لا” عليها.

ويتفق معهما بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الذي يرى أن التعديلات المقترحة جاءت “معيبة” و”مخيبة لآمال المصريين وتطلعاتهم” وأنها “لا تساعد على فتح الباب أمام تحول ديمقراطي، لقصر الفترة الانتقالية (نحو 6 شهور). مضيفا بأن من شأنها أن تقصي من التمثيل والمشاركة في صنع مستقبل البلاد في المرحلة اللاحقة، القوى السياسية الجديدة والشابة التي أطلقت ثورة 25 يناير، وهو ذات رأي حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، الذي حذر من أن الموافقة على التعديلات ستسمح للإخوان وبقايا الحزب الوطنى بالفوز بأغلبية مقاعد البرلمان.

كما حث الدكتور عمرو هاشم ربيع، مدير وحدة التحول الديمقراطي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، جموع المواطنين على الذهاب للاستفتاء ورفض التعديلات، لتفويت الفرصة على بقايا الحزب الوطني، مؤكدا أن “الدستور سقط رسميا بإعلان الرئيس مبارك تنحيته عن السلطة”، مشددا على ضرورة “إجراء تغيير كامل للدستور، وليس مجرد تعديلات على بعض مواده، كما رسمها لنا الرئيس السابق”.

يبقى في الأخير أن النتيجة النهائية للإستفتاء لن تـُعـرف فعلا إلا بعد التصويت الشعبي ولعل في هذا الغموض “الديمقراطي” غير المسبوق مقدمة مشجعة تؤشر لمرحلة جديدة تضع مرحلة الإنتقال إلى الديمقراطية الجادة في مصر على بداية السكة الحقيقية.

القاهرة (رويترز) – يدلي المصريون بأصواتهم يوم السبت 19 مارس 2011 في استفتاء على تعديلات دستورية أعدتها لجنة قضائية مهمتها صياغة التعديلات التي تسمح باجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وكان المجلس الاعلى للقوات المسلحة في مصر الذي تولى السلطة بعد أن أجبرت احتجاجات شعبية ضخمة الرئيس حسني مبارك على التنحي في 11 فبراير قد عطل الدستور.

وأدى الاستفتاء الى انقسام الاصلاحيين في مصر بين من يقولون ان التعديلات المقترحة غير كافية ومن يقولون انها كافية للفترة الراهنة. وفيما يلي اجراءات الاستفتاء والآراء المؤيدة والرافضة له.

اجراءات الاستفتاء

تحدد التعديلات الدستورية فترة بقاء الرئيس في السلطة بثماني سنوات بحد أقصى على فترتين كل منها أربع سنوات وتلزمه بتعيين نائب له خلال 60 يوما من أدائه اليمن. كما تفرض الاشراف القضائي على الانتخابات وتتضمن ضرورة موافقة البرلمان على فرض حالة الطوارئ وتلغي حق الرئيس في استخدام المحاكم العسكرية.

وتقول اللجنة المشرفة على الاستفتاء ان زهاء 45 مليون مواطن لهم حق التصويت في الاستفتاء في أكثر من 54 ألف مركز اقتراع في أنحاء مصر يشرف عليها 17 ألف قاض. ويحق لكل من بلغ من العمر 18 عاما أو أكثر الادلاء بصوته باستخدام بطاقة الرقم القومي مما يفتح الباب أمام الكثير من المصريين الذين لا يملكون بطاقة انتخابية كانت ضرورية في الانتخابات السابقة.

وتفتح مراكز الاقتراع ابوابها الساعة الثامنة صباح يوم السبت وحتى السابعة مساء (1700 بتوقيت جرينتش). وسوف ينشر الجيش 37 ألف جندي لمساعدة قوات الشرطة على تأمين الشوارع.

السيناريوهات المحتملة

اذا وافق الناخبون على التعديلات ستجرى انتخابات برلمانية أواخر سبتمبر 2011.

وفي حالة رفض التعديلات فان المجلس الاعلى للقوات المسلحة سيصدر على الفور اعلانا دستوريا يكون دستورا مؤقتا لحين اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

قالت مصادر أمنية ان الانتخابات ستؤجل الى ديسمبر وأوائل عام 2012 وسيظل الجيش في السلطة لحين اجراء الانتخابات.

تضغط قوى معارضة واصلاحيون من أجل تشكيل مجلس رئاسي يتألف من تنفيذيين (تكنوقراط) وقضاة وشخصية عسكرية لادارة شؤون البلاد لحين اجراء الانتخابات كبديل للمجلس العسكري الحالي.

موقف النشطاء الشبان

دعا نشطاء شبان مؤيدون للديمقراطية ممن قادوا ثورة 25 يناير كانون الثاني للتصويت “بلا” في الاستفتاء ويجوب نشطاء كثيرون المدن في أنحاء البلاد لحشد رفض جماعي للتعديلات.

وقال زياد العليمي أحد النشطاء المؤيدين للديمقراطية ان النشطاء لا يريدون “ترقيعات” دستورية في هذه المرحلة الديمقراطية.

ودعت جماعات كفاية و 6 ابريل وائتلاف ثورة 25 يناير لتشكيل جبهة موحدة لمقاومة الاستفتاء الذي وصفته في بيان مشترك بأنه “محاولة لاجهاض الثورة”.

دعت هذه الجماعات الى “جمعية تأسيسية” منتخبة لوضع الدستور الجديد تجرى بعدها الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ودعا آخرون لتعيين مجلس رئاسي يتألف من تكنوقراط وقضاة لوضع الدستور وادارة الفترة الانتقالية.

موقف المرشحين للرئاسة

عارض اصلاحيون وسياسيون مرشحون للرئاسة بالاجماع التعديلات الدستورية.

– قال محمد البرادعي المرشح للرئاسة ان التعديلات ستأخذ مصر في ” الاتجاه الخاطيء” من الاصلاح وقال انه سيصوت ضدها. واضاف ان الابقاء على دستور مبارك حتى لفترة مؤقتة يمثل اهانة للثورة وان التصويت “بنعم” في الاستفتاء يعيد دستور مبارك للحياة مما يؤدي الى انتخاب برلمان معيب. ومضى يقول انه في حالة المضي قدما في اقرار هذه التعديلات الدستورية فان ذلك يعني اجراء انتخابات برلمانية خلال شهرين حيث لن تتاح لنحو 80 في المئة من المصريين وهم الاغلبية الصامتة فرصة المشاركة في عملية انتخابية حقيقية. وقال ان ذلك يعني ان البرلمان القادم سيتألف من بقايا الحزب الوطني الديمقراطي وجماعة الاخوان المسلمين.

– عارض المرشح الرئاسي عمرو موسى أيضا التعديلات. وقال ان الدستور الحالي تم تجاوزه بالفعل ولن يكون من المصلحة مواصلة الاعتماد عليه أو تعديله. واضاف ان كتابة دستور جديد تعتبر أولوية للعمل السياسي في مصر وهو أمر يجب أن يحدده الاعلان الدستوري المقترح.

موقف الاحزاب السياسية

كثير من الاحزاب السياسية المعارضة ترفض الاستفتاء من بينها أحزاب التجمع والوفد والحزب العربي الناصري.

– ندد حزب الجبهة الديمقراطية بالاستفتاء وقال انه يهدد طموحات الشعب في وضع دستور جديد ويبدد اماله في نظام ديمقراطي تسوده مباديء الحرية والعدل الاجتماعي. وقال الحزب ان الدستور الجديد يجب أن يعكس المضمون الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي افرزته الثورة.

– كما عارض حزب الوفد أيضا التعديلات الدستورية. وقال ياسين تاج الدين نائب رئيس حزب الوفد أن التعديلات المقترحة لا تحد من سلطات الرئيس وهو أمر يثير مخاوف الوفد بشكل كبير. واضاف ان الحزب لا يريد أن يحكم مصر مبارك اخر. ومضى يقول ان التعديلات أجريت على دستور سقط بالفعل مع سقوط الرئيس السابق. وتابع ان التعديلات ليست كافية ولابد من وضع دستور جديد يمهد الطريق أمام دولة مدنية ديمقراطية.

– لكن الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يراسه مبارك أيد التعديلات. وقال محمد رجب الامين العام للحزب انه أصدر توجيهات الى قادة وأعضاء الحزب في مختلف المحافظات لتأييد التعديلات الدستورية من أجل تأكيد الشرعية الدستورية وقيادة البلاد نحو مرحلة جديدة من العمل الوطني.

– وأيد حزب الوسط الذي يتألف من أعضاء سابقين في جماعة الاخوان المسلمين واسلاميين سابقين التعديلات الدستورية والاستفتاء. وقال أبو العلا ماضي مؤسس الحزب ان الحزب مع فكرة تغيير الدستور بالكامل ومع ذلك فانه يوافق على التعديلات المقترحة لرغبته في الانتقال السريع لدولة ديمقراطية يقودها مدنيون لا حاكم عسكري.

موقف الاخوان المسلمين

أعلن الاخوان المسلمون أكبر قوة معارضة منظمة في مصر تأييدهم للتعديلات وقالوا ان البلاد تحتاج اليها من أجل استئناف العمل والحيلولة دون استمرار الحكم العسكري لفترة طويلة. وانتقدت قوى المعارضة موقف جماعة الاخوان المسلمين وقالت انها بوصفها القوة الوحيدة القادرة على حشد التأييد سريعا فانها ستكون المستفيد من اجراء انتخابات بسرعة على حساب الاحزاب الاخرى الضعيفة. لكن الاخوان يقولون انهم لا يسعون للحصول على أغلبية في البرلمان ويحددون سقف مقاعدهم فيما بين 35 و 40 في المئة من المقاعد.

موقف السلفيين

برز السلفيون على السطح منذ سقوط مبارك وقال البعض انهم قد يؤسسون أحزابا سياسية ويخوضون الانتخابات البرلمانية. وقال الشيخ عبد المنعم شحاتة من الحركة السلفية في الاسكندرية ان التعديلات الدستورية خطوة في الاتجاه الصحيح وانهم يخشون في حالة ضياعها أن يقفز أعداء الامة ويقومون بتخريب مكاسب أبناء الوطن الاوفياء. وأضاف انه بناء على ذلك فان السلفيين يدعون المواطنين للتصويت ” بنعم” في استفتاء يوم السبت.

موقف الاقباط

يشكل الاقباط 10 في المئة من سكان مصر ويطالب بعض الاقباط بالغاء المادة الثانية من الدستور التي تقول ان الاسلام هو دين الدولة وان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

عبر المسيحيون عن قلقهم من احتمال أن يهيمن الاسلاميون والاخوان المسلمون على الانتخابات البرلمانية ومن ثم دعوا لوضع دستور جديد واتاحة مزيد من الوقت أمام القوى السياسية غير الاسلامية لتجميع صفوفها والتواجد في الشارع.

قال الاب متياس ان كل شخص حر في رأيه لكن دوره كرجل دين مسؤول عن انارة الطريق أن يقول للناس ان هذه التعديلات تخدم فكر الاخوان المسلمين. وأضاف انه يرى ضرور التصويت “بلا” لأن مثل هذه التعديلات لا تصلح لبناء دولة مدنية حديثة وهذا ليس رأي الاقباط وحدهم لكنه رأي كل مصري معتدل يريد دولة مدنية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 مارس 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية