The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

من البطاطس إلى الأرز: كيف تتأقلم الزراعة السويسرية مع التغيّرات المناخية؟

الأرز
الأرز، الذي يعود أصله إلى آسيا، يمكن أن يجد له مكانًا في سويسرا، كما يظهر من إنتاج لياندر غيو. Keystone / Jean-Christophe Bott

يسعى المزارعون والمزارعات في جميع أنحاء العالم إلى إيجاد حلول لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة. وفي سويسرا، يتم اختبار أنواع جديدة من المحاصيل قادرة على مقاومة الحرارة والجفاف. لكن لا يخلو هذا الانتقال من العقبات.

يا له من مشهد غير مألوف، عندما يبدأ الضباب الكثيف في التلاشي في الصباح الباكر! فبين حقول البطاطس والشمندر، تصطفّ نباتات أرز بعناية، وهي تنمو في أرض مغمورة جزئيًا بالمياه.

لقد نضجت النورات الزهرية على شكل سنابل محتوية على حبوبٍ داكنة اللون. إنّه مشهد مدهش للغاية، لأن حقول الأرز عادةً ما تذكّرنا بزراعات في جنوب شرق آسيا. وهي مناظر غير مألوفة في ريف برن، الذي نوجد فيه الآن.

يقول لياندر غيّو: “نحن عائلة من الروّاد، نحب القيام بما لا يفعله الآخرون والأخريات”. ويُعدّ هذا المزارع والمهندس الزراعي، إلى جانب شقيقه، أكبررابط خارجي رابط خارجيمنتجرابط خارجي رابط خارجيللأرزرابط خارجي في شمال جبال الألب بسويسرا. وعندما التقيناه في حقول الأرز في مدينة آربيرغ، أحد أقصى الحقول شمالًا في أوروبا، كان يستعدّ  للفترة الأهمّ في السنة، المتمثلة في موسم الحصاد.

حقل أرز
لياندر غيو في حقل أرزه في آربيرغ (كانتون برن) Luigi Jorio / SWI swissinfo

بالنسبة إلى الأخوين غيّو، لا يُعدّ الأرز مجرّد محصول زراعي. بل، كما يقول لياندر، هو “شغف”. ويضيف: “لا يمرّ يوم دونَ أن نفكّر في الأرز سواء على صعيد زراعته، أو استخدامه، أو طرق طهيه”. وتُعتبر نبتة أوريزا ساتيفا خيارًا استراتيجيًا للمستقبل.

وكما هو الحال بالنسبة إلى العديد من المزارعين والمزارعات في سويسرا وحول العالم، يتعيّن على غيّو التكيّف مع مناخ تزداد حرارته باطّراد. وتؤثّر درجات الحرارة المرتفعة، والجفاف، والأمطار الغزيرة وغير المتوقعة في المحاصيل التقليدية التي تعاني من تغيّر الظروف المناخية. كما تنتشر أمراض النباتات، وينخفضرابط خارجي الإنتاج الزراعي الأساسي لتغذية الإنسان مثل القمح، والذرة على مستوى العالم.

كان غيّو يزرع خسّ الذرة (أو الفاليريان) الذي دأبت أسرته على زراعته، حتى خلال فصل الصيف. غير أنّ ارتفاع درجات الحرارة في الأشهر الأكثر سخونة، أصبح يمنع إنباته. ويأمل المزارع اليوم في أن يكون قد وجد بديلًا دائمًا ومربحًا. ويقول: “بالنسبة إلى الأرز، الأمر مختلف تمامًا. فكلّما اشتدّ الحر، كان ذلك أفضل”.

تعلّم زراعة الأرز عبر يوتيوب

بالنسبة إلى لياندر غيّو، بدأت زراعة الأرز بالصدفة. وقبل بضع سنوات، تواصل معه المركز السويسري للبحوث الزراعية (أغروسكوب)،  في إطار مشروع تجريبي لزراعة الأرز في منطقة البحيرات الثلاث (نوشاتيل، بيان/ بيل، ومورا). وكان الهدف تعزيز التنوع البيولوجي، ودراسة إمكانية زراعة محاصيل قادرة على تحمّل فائض المياه.

كانت عائلة غيّو قد طوّرت تقنية دقيقة لتسوية الأرض في إطار إنتاجها لخسّ الذرة (الفاليريان). وتبيّن لاحقًا أن هذه التقنية أساسية لزراعة الأرز أيضًا، لسماحها للمياه بغمر الحقول بشكل متساوٍ.

وقد حقّق مشروع أغروسكوب التجريبي  نتائج مشجّعة. ويقول لياندر غيّو: “دفعتنا هذه التجربة إلى خوض غمار زراعة الأرز”.

في عام 2019، بدأ بزراعة الأرز في منطقة صغيرة في لوجونوري، منطقة المستنقعات التاريخية بالقرب من القناة التي تربط بحيرتي مورا و نوشاتيل. “كنا نعرف القليل، أو لا شيء عن الأرز.  لقد شاهدنا مقاطع فيديو على اليوتيوب، وزرنا مزارعي الأرز في إيطاليا وفرنسا”.

الحصاد
وقت الحصاد في حقل الأرز في آربيرغ، 8 أكتوبر 2025. Luigi Jorio / SWI swissinfo

شتلات أرز تغمرها المياه كما في آسيا

يزرع غيّو الأرز في أراضٍ تغمرها المياه، على عكس تجارب زراعة الأرز الأولى في سويسرا، التي كانت تُمارس في أراضٍ جافة في كانتون تيتشينو منذ عام 1997. وتلعب المياه دورًا أساسيًا كونها عازلًا حراريًا يحمي الجذور من تقلبات درجات الحرارة.

ويُعدّ ذلك مهمًّا بشكل خاص في شمال جبال الألب. إذ يمكن انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون 20 درجة مئوية، وهو الحدّ الحرج لنموّ الأرز. بالإضافة إلى ذلك، يقلل الماء من وجود الحشرات والفطريات المسببة للأمراض، ويحد من نمو الأعشاب الضارة.

ويعترف غيّو بأنّ اختيار الرهان على الأرز كان محفوفا بالمخاطر. ولم يكن تكييف زراعة نبات شبه استوائي مع مناخ شمال غرب سويسرا بالمهمة السهلة. “لقد كان تغييرا جذريا؛ حاربنا طوال حياتنا من أجل عدم وجود مياه في الحقول، بينما الآن نفعل كل شيء للحصول عليها”.

يزرع غيّو الأرز في مشتل أوّلًا، ثم ينقل الشتلات الصغيرة إلى الحقول المغمورة بالمياه وفقا للتقاليد الآسيوية. ويستخدم آلة مستوردة من اليابان للقيام بذلك.

وقد نجح مشروعه الزراعي، حتى الآن على الأقل. فقد ازدادت المساحات المزروعة بالأرز تدريجيًا لتصل إلى 11    هكتارًا (ستة في لوغنور، أضيفت إليها خمسة هكتارات أخرى في آربيرغ عام 2022). واليوم، يُزرع الأرز في نصف الأراضي الزراعية العائدة ملكيتها للعائلة.

يزرع لياندر غيّو ستّة أصناف مختلفة من الأرز، من بينها أرزّ يُستخدم لتحضير الريزوتو، وأرز الياسمين القادم من تايلاند، وأرز ياباني مخصّص لصنع السوشي. ويُباع الأرز في متاجر صغيرة في عدة كانتونات. ويبلغ سعره نحو 12 فرنكًا للكيلوغرام الواحد. ويقول غيّو: “في العام الماضي، شكّل الأرز ما يقارب نصف دخلنا”.

زراعة اللوز والزيتون والكينوا في سويسرا

في سويسرا، هناك حوالي 12 حقلًا مخصصًا لزراعة الأرز في أراضٍ مغمورة بالمياهرابط خارجي، بمساحة إجمالية تقارب  20 هكتارًا.  ومع ذلك، لا يُعدّ الأرز المحصول “غير المألوف” الوحيد في البلاد.

فيشجّع التغيّر المناخي أيضًا على زراعة البطيخ، والشمّام، والبطاطس الحلوة في الهواء الطلق. إذ تحتاج هذه المحاصيل إلى فصول خريف أكثر دفئًا. وقد ازداد الموسم الزراعي في سويسرا طولا بحوالي 30  يومًا منذ عام 1900رابط خارجي.

أما أشجار الزيتون، التي طالما كانت موجودة في كانتون تيتشينو جنوب البلاد، فتنتشر الآن شمال جبال الألب أيضًا. ومؤخرًا، أنشأت الشركات المنتجة جمعيةً خاصة لتطوير سلسلة الإنتاج الكاملة، بما في ذلك إنتاج زيت الزيتون.

ويُمكن لشجر اللوزرابط خارجي، الذي ينمو عادة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وكاليفورنيا، تشكيل خيارٍ واعدٍ للزراعة السويسرية وفقًا لمركز أغروسكوب، ناشر دراسة حول المحاصيل البديلة المقاومة لتغيّر المناخرابط خارجي عام 2024.

تيتشينو
حصاد الزيتون في تيتشينو في خريف 2015. Keystone / Ti-Press / Pablo Gianinazzi

تقول هانا فون بالموس-هوفر من اتحاد المزارعين.ات السويسريين.ات في رسالة إلكترونية لموقع سويس إنفو   (Swissinfo.ch): “تفتح درجات الحرارة الأكثر دفئا آفاقا جديدة لمحاصيل نادرة حتى الآن مثل البطاطا الحلوة، أو الكينوا، أو الذرة الرفيعة، أو الصويا، أو الحمص”.  ويقول غالبًا ما تكون  هذه النباتات مقاومة للحرارة والجفاف، وهي مناسبة تماما للاندماج في دورات المحاصيل الحالية.

أما في ما يتعلق بالأرز، فيعتبر مركز أغروسكوب أنّ زراعته في الحقول المغمورة بالمياه قد تكون الخيار الأمثل، سواء من الناحية الاقتصادية أو البيئية. ويُقدَّر وصول المساحة المحتملة لزراعة الأرز في سويسرا  إلى نحو1،000  هكتار.

>> مع ارتفاع درجات الحرارة، بدأت العدس والحمص واللوبيا تكتسب شعبية في سويسرا:

المزيد
العدس في سويسرا

المزيد

البقوليّات… السلاح السريّ للزراعة السويسريّة في وجه التغيّرات المناخيّة

تم نشر هذا المحتوى على يسعى الباحثون والباحثات إلى تعزيز الاهتمام بالبقوليات في سويسرا على مستوى الزراعة والاستهلاك، لما فيها من فوائد بيئية وصحية عديدة.

طالع المزيدالبقوليّات… السلاح السريّ للزراعة السويسريّة في وجه التغيّرات المناخيّة

الحرارة والجفاف يهددان محاصيل البطاطا والحبوب الخريفية

في الوقت الحاضر، تُعتبر هذه المحاصيل البديلة حلًا مناسبًا. و تقول فون بالموس-هوفر: “الانتقال إلى محاصيل جديدة غير مضمون، ويتطلّب استثمارات كبيرة”. فغالبًا ما تنقص الخبرات التقنية، والآلات المناسبة، والبذور المتوفرة، بالإضافة إلى البُنى التحتية اللازمة للمعالجة والتسويق. كما أنّ السوق صغيرة، وتتأثر كثيرًا باتجاهات الاستهلاك.

ومع ذلك، تؤكد فون بالموس-هوفر إمكانيّة منح تنوّع الإنتاج الزراعي الزراعةَ فرصًا أكبر للتكيّف مع التغيّر المناخي على المدى الطويل.

وتُشير النماذج المناخية إلى إمكانيّة ارتفاع درجات الحرارة الصيفية في سويسرا بأكثر من 7 درجات مئوية خلال الستين سنة القادمة. في حين قد ينخفض متوسّط هطول الأمطار بشكل كبير. وقد تتراجع غلال المحاصيل بأكثر من 50 % بحلول عامي 2050 – 2060، بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الناجم عنها.

وتوضح فون بالموس-هوفر أنّ الحبوب الخريفية (مثل القمح والشعير)، والبطاطا، ومحاصيل الأعلاف هي الأكثر تضررًا من تغيّر المناخ، نظرًا لتأثرها بنقص المياه و بفصول الشتاء الدافئة. كما باتت زراعة الفاكهة والكروم تحت ضغط متزايد.

وتختم قائلة: “أصبح اختيار الأصناف المقاومة أكثر أهمية من أي وقت مضى. وتدعو الحاجة أيضًا إلى تحسين إدارة المياه”.

محتويات خارجية

مخاطر زراعة الأرز

في حقول الأرز في آربيرغ، لا يبدو لياندر غيّو راضيًا عن فترة حصاد الأرز الأسود المنتهية للتو. ويقول: “لم يكن الإنتاج جيّدا هذا العام”. ويُقدّر المحصول بنحو 3،5  طن للهكتار الواحد، أي ما يعادل نصف إنتاج الموسم الاستثنائي لعام 2024.

كانت درجات الحرارة منخفضة جدًا أثناء الزراعة في نهاية شهر مايو في الربيع الماضي، ما أدى إلى تباطؤ نمو الجذور.
وفي الصيف، لم تستمر موجات الحر إلا بضعة أسابيع، وتبعها هطول أمطار وبرودة في منتصف أغسطس، ما أثّر سلبًا في مرحلة االنموّ. ويشرح غيّو قائلًا: “تواجه زراعة الأرز هذا النوع من المخاطر. فهناك العديد من المراحل الحساسة التي تتأثّر بدرجة الحرارة، ما يجعلها عاملًا حاسمًا”.

ورغم تراجع الإنتاج، يبقى المزارع متفائلًا: “الأرز هو محصول المستقبل. لقد زرعه الإنسان منذ أكثر من 7،000 سنة. أما نحن، فلم نبدأ إلا منذ ستّ سنوات فقط. لقد توصّلنا إلى نتائج جيدة، لكن لا يزال أمامنا الكثير لنتعلّمه”.

تحرير: غابي بولارد

ترجمة: إيفون صعيبي

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية