مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحركة الكشفية في مواجهة تحديات قرن جديد

أشبال يمارسون بعض الأنشطة ضمن إحدى الفرق الكشفية السويسرية (المصدر: موقع الحركة السويسرية للكشافة)

بعد 100 عام من النشاط والإشعاع، تواجه الحركة الكشفية في سويسرا والعالم اليوم أسئلة حرجة تتعلق بوحدتها التنظيمية، وبمرجعياتها التقليدية، وبقدرتها على تعبئة الشباب ولفت نظرهم، بالإضافة إلى ضرورة مراجعة مقولاتها ومفردات خطابها.

ومثلما تعددت التحديات وتفاوتت من بلد لآخر، كذلك كانت الاستجابة لهذه التحديات مختلفة ومتنوعة.

أول هذه التحديات، القدرة على إدارة حركة ثقافية واجتماعية بهذا الامتداد العالمي، وهذا التنوّع الثقافي والعقائدي والفكري.

ويعتقد السيد ريتشارد أمالفي المدير الإعلامي بالمكتب الدولي للحركة الكشفية أن “الحركة الكشفية تعيش أحد المفارقات الإيجابية، إذ هي حركة عالمية، ولكنها تحترم الاختلاف والتنوّع داخلها، وهي بمثابة قطعة الإسفنج، إذ أنها تتخذ شكلها ومضمونها بحسب البيئة التي تنشط فيها، وهذا نابع من طبيعة منطلقاتها وأهدافها القائمة على احترام قناعات الأفراد والجماعات، ومساعدتهما على تنمية شخصيتهم وبناء ذواتهم وفق اختياراتهم الخاصة”.

صعوبة الإنفكاك من الماضي

برغم ما يُـعرف عن الكشافة من دعوة إلى الإبداع والابتكار، تظل إحدى القضايا الكُـبرى، التي يتمحور حولها النقاش في الدوائر الكشفية، هو كيف يُـمكن إنعاش العمل الكشفي وتجديد أشكاله وأطروحاته، من دون فقدان الهوية أو التماهي مع بقية الأندية والجمعيات؟

يكمُـن الجواب على ذلك بالنسبة للسيدة راشال كورناز، الناطقة الرسمية باسم المكتب الفدرالي للكشافة السويسرية بالمنطقة الروماندية، “في الحفاظ على عُـنصر الجاذبية وتلبية الإقبال المتزايد على الترفيه لدى الأطفال والشباب، والتفريق بين ما هو مبادئ وأسُـس في العمل الكشفي وما هو أشكال واختيارات عفا عنها الزمن”، ومن أشكال المُـواكبة التي تقترحها السيدة كورناز، استخدام وسائل التّـواصل الحديثة، كالإنترنت مثلا في إشاعة المبادئ الكشفية وفي التواصل بين الفِـرق، وفي تنشيط الحوار بين القائمين على الأنشطة”.

لكن هذا الاستعداد للتحديث والتجديد، يشُـوبه شيء من التردّد عندما يلامس قضايا تتعلّـق بالمساواة بين الجنسين، والمرجعية الدينية للقيَـم التي يتربّـى عليها الكشاف والمفردات العسكرية المُـتداولة داخل الخطاب الكشفي. ففي الوقت الذي يرى السيد ريتشارد أمالفي أن “الحركة الكشفية في النهاية ليست حركة دينية، ولكنها تُـقر أهمية العنصر الديني في بناء الشخصية وتنميتها”، تذهب راشال كورناز إلى أن “القناعات الدينية مسألة شخصية، وأننا نعيش في مجتمع لائكي، الناس فيه أحرار فيما يعتقدون”، وإن كانت لا تنكُـر وجود بعض الفِـرق الكشفية النشطة في إطار ديني، وملحقة ببعض الكنائس.

يتكرّر الموقف نفسه عند طرح مسألة الخطاب المُـتداول في الإطار الكشفي، إذ تتردّد فيه كثيرا مُـصطلحات الغزو والفِـرقة والسرايا والهجوم..، ويبدو الاستسلام لخطاب التأسيس سيِّـد الموقف في هذه القضية أيضا، ورغم إقرار جميع من حاورنا بضرورة إعادة النظر في هذا القاموس، إلا أنهم يُـقرون بصعوبة ذلك. فالسيدة ألين شنايدلر، مسؤولة التنشيط الكشفي بمكتب جنيف تعتبر “هذا الخطاب أحد مرتكَـزات وِحدة الحركة الكشفية، وأن العبرة بطبيعة النشاط، لا بتوصيفه”.

انصراف الشباب عن العمل الكشفي

في الكنفدرالية، أدى تعدّد أساليب الترفيه وكَـثرة المنظمات النشطة في هذا المجال، إلى عدم تجاوز عدد المنخرطين في العمل الكشفي، خاصة من ذوي الأصول الأجنبية، نسبة 3 إلى 10% بحسب الشريحة العمرية. ومن أجل تجاوز هذا الوضع، عمد المكتب الفدرالي للكشافة السويسرية إلى وضع مشروع متكامل، يهدف إلى زيادة تلك النسبة وإلى حسن إدماج هذه الفئة.

ويتمثل المشروع في تشجيع وتكوين مسؤولي فِـرق كشفية خاصة بالأجانب، يُـشرفون بدورهم على وضع برنامج ترفيهي يحترم، في نفس الوقت مبادئ العمل الكشفي ويأخذ في الاعتبار الخصائص الثقافية والحضارية لكل فئة، ويقوم أيضا بدراسة أنجَـع الطّـرق لإنجاح هذا الاندماج، بالإضافة إلى حملات التوعية، الداعية إلى التّـعايش بين الثقافات المختلفة.

وانسجاما مع هذا التوجه، أعرب جون مارك سافاندريل، أحد المسؤولين عن النشاط الكشفي في جنيف عن الإستعداد الكامل للتجاوب مع أي مبادرة من أي جهة وتقديم كل الدعم، بشرط احترام أعراف العمل الكشفي.

وتجدر الإشارة أن ما يميِّـز المنظومة الكشفية من احترام للتعدّد الثقافي ومن تسامح وتأكيد على قيّـم الأخُـوّة الإنسانية، يؤهلها للعب دور هام في إدماج الأجيال الصاعدة من أبناء المهاجرين، ويمكِّـنهم من تجاوز التهميش الاجتماعي من خلال الانخراط في العمل التطوّعي الميداني، وهو ما من شأنه أن يُـجنِّـبهم الوقوع في شِـراك العِـصابات الإجرامية، وآفات المخدرات والكحول.

انخراط الشباب المسلم في الكشافة

بدأ انخراط الشباب المسلم في سويسرا في العمل الكشفي سنة 1999، من خلال فرقة زيورخ التي كانت تضم 50 كشافا، ونظم المكتب الوطني للكشافة السويسرية دورة تدريبية للقادة الكشفيين المسلمين في نفس السنة، واستمر النشاط بوتيرة غير منتظمة إلى سنة 2003.

وعاود المعنيون بالأمر، وبمشاركة من الإتحاد العالمي للكشاف المسلم (مقره جدة)، بعث العمل الكشفي سنة 2006 ولكن وهذه المرة على نطاق أوسع، إذ تنشط حاليا فرق كشفية في لوزان وبيل ولوغانو ونيوشاتل. ومن جهة أخرى، تسعى “جمعية الشباب والطفولة بسويسرا” التي تأسست في النصف الثاني من التسعينات وتهتم باليافعين والشبان العرب والمسلمين في الكنفدرالية إلى أن يشمل هذا النشاط جميع الكانتونات.

ويقر السيد أحمد بوشاح أحد المشرفين على هذا النشاط، بأن الكشافة تمثّل أفضل إطار لتربية النشء وتدريب الشباب على العديد من المهارات، وهي الأقدر من دون غيرها على إنجاح الاندماج الإيجابي لشباب المهاجرين وإنقاذهم من الاغتراب. فميثاق الكشافة السويسرية الرسمية ميثاق ينبني على الأخوة الإنسانية، وكذلك حال ميثاق الإتحاد العالمي للكشاف المسلم، و”هذا ما يضع في النهاية أساسا متينا لتعاون واسع بين الجانبين”، على حد قوله.

انطلاقة واعدة

في سياق متصل، يسعى المكتب الفدرالي للكشافة السويسرية من خلال البرنامج الثري، الذي وضعه احتفالا بالذكرى المئوية، إلى حشد الطاقات وتوسيع قاعدة الانخراط، وشدّ عزم أعضائه، من خلال برمجة أنشطة متنوعة تنطلق يوم 22 فبراير الجاري، وهو التاريخ الذي يُـخلِّـد ذكرى ميلاد المؤسِّـسيْن، روبيرت بادن باول وزوجته أولاف، وبهذه المناسبة دعا المكتب أعضاءه إلى جعل ذلك اليوم، “يوم تفكير وتأمّـل في رسالة الكشاف”.

وستقوم العديد من الجمعيات في الكانتونات في اليوم نفسه، بتوزيع فطور الصباح في محطات القطار، في حين يُـدعى عامة الناس في المساء للمشاركة في ألعاب نارية وإطلاق بالونات هوائية في السماء. وفي غرة أغسطس، سيكون اليوم الرسمي للاحتفال بالذكرى المئوية، ويخلّـد ذلك اليوم ذكرى تنظيم أول مُـخيم للكشافة سنة 1907.

وعلى الساعة الثامنة صباحا من ذلك اليوم، بحسب التوقيت المحلي لكل بلد، سيعتلي الكشافة المرتفعات والجبال ويرسلون رسائل إلكترونية قصيرة يدعون فيها إلى السلام والمحبة.

وإقتداء بالمعلم الأوّل، وتحت شعار “أتركوا عالمكم في وضع أفضل مما وجدتموه عليه”، يجتهد الكشافة السويسريون في كل منطقة وكانتون، في تنظيم مائة مشروع لصالح محيطهم ما بين أغسطس 2006 وأغسطس 2007، وتتّـجه تلك المبادرات لصالح الطفولة والشباب خاصة، وستسند هدايا لأفضل مائة مشروع، ويُـمكن أن تمتدّ المبادرة إلى أربع ساعات، كما يمكن أن تمتدّ على السنة بأكملها.

لعل في هذا البرنامج الاحتفالي الزاخر ما يمثل انطلاقة جادّة، وبداية عهد جديد من العمل الكشفي، الذي أحوج ما تكون إليه المجتمعات الإنسانية الغارقة في الصّراعات والحروب. والناظر في تقرير 2006، الذي أنجزه المكتب الدولي للحركة الكشفية تحت شعار “الشباب، رافعة التنمية”، يجد أن الوعي بمدى التحديات وبثقل المسؤوليات المُـلقاة على عاتق المنظمات الشبابية، قد بلغ مداه، وأن الوقت قد حان لتحويل الأقوال إلى أفعال.

عبد الحفيظ العبدلي – لوزان

“لا نستطيع فهم الحياة إلا بالنظر في الماضي، ولا نستطيع العيش إلا من خلال النظر إلى المستقبل”، تلخِّـص هذه المقولة واقع الحركة الكشفية العالمية، التي تحتفل هذه السنة بالذكرى المائوية لتأسيسها، على يد روبيرت بادن باول في المملكة المتحدة، بعد عودته من الحملة العسكرية البريطانية في القارة الهندية سنة 1907.

كان الهدف في البداية، مساعدة مجموعة صغيرة من الأطفال والمراهقين على تطوير ملكاتهم الفكرية وبراعاتهم اليدوية وبناء شخصيتهم ،وفق مبادئ مثالية مبنية على الاحترام والحب والإيجابية تجاه المجتمع والطبيعة والبيئة بصفة عامة، لكن التفاعل الكبير مع هذه المبادرة، سرعان ما حوّل تلك الفكرة إلى حركة كشفية عالمية تغطي اليوم 155 بلدا.

تحتضن جنيف مقر المكتب الدولي للحركة الكشفية، ويسهر هذا المكتب على صياغة وتنفيذ الإستراتيجية التي يختارها المؤتمر الدولي للكشافة، والذي تشارك فيه المكاتب الإقليمية والوطنية، كما يتكفّل بتمثيل الحركة أمام الأطراف الخارجية وفي علاقتها مع المنظمات الدولية الأخرى، كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، ومنظمة اليونيسيف واليونسكو ومنظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وداخليا، المكتب هو الضامن لوحدة الحركة والجهة الأساسية الدّاعمة لأنشطة المكاتب الإقليمية والوطنية، وهو فضاء لتبادل التجارب والإطّـلاع على المبادرات التي يقوم بها الكشافة على المستوى الدولي.

ولمنظمة الكشافة أهداف تربوية وترفيهية، تُـعنى خاصة بالأطفال والشباب بدءً من ثمان سنوات إلى أزيد من عشرين سنة، ويتعلم الكشاف كيف يكون إيجابيا تُـجاه نفسه ومجتمعه ومحيطه، ويفتح العمل الكشفي أمامه أبواب العمل التطوعي وتقديم المساعدة للمحتاجين.

وتبشر الحركة الكشفية بعالم يسُـوده السلام والوئام، وتشارك ميدانيا في تقديم المساعدات الإنسانية أثناء الكوارث الطبيعية والحروب، وإدارة مخيمات النازحين وبرامج رفع الأمية وحملات حماية البيئة…

تأسست الحركة الكشفية على يد الضابط البريطاني روبيرت بادن باول سنة 1907، وتعد اليوم 40 مليون عضو على المستوى العالمي، وتنشط في 155 دولة.
الكشافة أهم منظمة شبابية في سويسرا، ويبلغ عدد المنخرطين فيها 45.000 عضوا، وتأسست أوّل فرقة كشفية بسويسرا سنة 1912، ويمثل المكتب الفدرالي للكشافة السويسرية 23 جمعية في الكانتونات، وأكثر من 700 فرقة محلية.
يعتزم 2000 كشاف سويسري السفر هذا الصيف إلى المملكة المتحدة للمشاركة في المخيم الكشفي الدولي.
ينظم المكتب الفدرالي للكشافة مخيما عاما بسانت غالن، تحت شعار “نحو المزيد من التقدم من دون نسيان الجذور”، ومن المتوقع أن يحضره أكثر من 20.000 مشارك من مختلف الكانتونات، ويمثل أوسع نشاط منذ بداية هذا القرن.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية