The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
الديمقراطية السويسرية
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

بلاتن: هل تدفع سويسرا ضريبة الحفاظ على القرية الجبلية؟

الانهيار الأرضي في بلاتن
أدى الانهيار الأرضي في بلاتن في 1 يونيو 2025، إلى طمر المنازل، واحتجاز المياه. Keystone / Cyril Zingaro

أثار الانهيار الأرضي المدمّر في قرية بلاتن، نقاشًا مفاجئًا حول تكلفة حماية القرى الجبلية السويسرية: هل تستحق هذه الكلفة الباهظة؟ سؤالٌ يُحرج سكان الجبال، ويزعج سكان السهول، ويكشف عن انقسام متزايد داخل المجتمع السويسري.

ما إن تلاشى الغبار عن قرية بلاتن السويسرية، المطمورة بانهيار أرضي في 28 مايو، حتى أُثير سؤالٌ صادم من قلب سويسرا الحضرية، عن تكلفة حماية القرى الجبلية في سويسرا: “ما قيمة الحياة في جبال الألب، بالنسبة إلينا كمجتمع؟ وهل علينا تحمّل هذه التكلفة مهما بلغت؟”

1- كارثة بلاتن أعادت طرح سؤال حساس عن جدوى تكلفة حماية القرى الجبلية في سويسرا.

2- الجدل يكشف انقسامًا بين سكان الجبال وسكان السهول، بين الحق في الحماية وحدود التضامن.

3- مع تزايد وتيرة الانهيارات الجبلية، تتزايد الضغوط على الميزانية، وتدخل حماية القرى الجبلية أجندات الأحزاب السياسية.

“من يرحل؟”

انتهك مقال افتتاحي في صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (NZZ)رابط خارجي إحدى المحرمات السويسرية؛ إذ شكَّك علنًا في التضامن السويسري بين الجبال، والسهول. ومن مكتبه في وسط زيورخ، اقترح رئيس تحرير الصحيفة بداية تفكير سكان القرى الجبلية في المغادرة، وكتب قائلًا: “حيث يقلّ البناء، تقلّ الأضرار. فمن سيرحل إذن؟”. في المقابل، وعد رئيس بلدية لوتشنتال في كانتون فاليه قائلًا: «سنعيد بناء جميع منازلنا”.

وإن سرعة إثارة هذا السؤال، تبيّن أنه كان في حالة كمون منذ مدة طويلة. ويكشف كذلك مدى إلحاح المسألة في بلد جبال الألب المتآكلة، بسبب تغيّر المناخ.

ولكن، لم يلق هذا النداء الصادر من زيورخ، استحسانًا من بقية أنحاء البلاد. فقد أثار المقال الافتتاحي انتقادات واسعة منذ اليوم الأول، ووُصف بأنه ” يفتقر للاحترام”.

وبعد أربعة أيام، كانت آنا جياكوميتي، النائبة عن الحزب الليبرالي الراديكالي من كانتون غراوبوندن، حاضرةً في القصر الفدرالي في برن. وجدير بالذكر استغراق رحلتها الأسبوعية من منزلها في وادي بريغاليا إلى البرلمان خمس ساعات كاملة، وهي أطول رحلة يقوم بها أي نائب أو نائبة في البرلمان السويسري.

تضامن استثنائي

وتقول جياكوميتي: “ليس من المعتاد قدوم أحد أعضاء الحكومة الفدرالية، إلى أحد أودية جبال الألب”. وتستذكر عام 2017، عندما كانت تتولى رئاسة بلدية بريغاليا، المتكوّنة من اثنتي عشرة قرية، من ضمنها قرية بوندو.

آنذاك، انهار جبل بوندو بقوة لم يكن يتخيلها أحد. ولقي ثمانية أشخاص كانوا يتسلقون الجبل حتفهم، واجتاحت الانهيارات الطينية القرية، فخلَّفت دمارًا واسعًا.

آنا جياكوميتي
من سيدفع ثمن كلّ هذا؟ آنا جياكوميتي، في أغسطس 20017. Keystone / Gian Ehrenzeller

ولا تزال جياكوميتي تتذكّر “تضامن سويسرا الاستثنائي”، وتقول: “لقد كان مصدر عزاء كبير لنا”.

ففي اليوم التالي للانهيار الأرضي، وصلت الرئيسة السويسرية، دوريس لويتهارد، بطائرة هليكوبتر، وعانقت آنا جياكوميتي، والدموع تملأ عينيها. ولا تزال صورة تلك اللحظة معلّقة على جدار منزل جياكوميتي حتى اليوم.

“سنتدبّر الأمر”

وفي مشهد مؤثّر، حلَّقت طائرة مروحية تحمل رئيسة الحكومة الفدرالية السويسرية، ورئيسة البلدية، ورئيس حكومة كانتون غراوبوندن، فوق وادي بونداسكا المطمور. وشاهدت آنا جياكوميتي الدمار الهائل اللاحق بالقرية.

قرية بوندو، في أغسطس 2017
اجتاح انهيار طيني قرية بوندو، في أغسطس 2017. Keystone / Giancarlo Cattaneo

وسألت: “من سيدفع ثمن كلّ هذا؟” ليأتي الجواب من رئيسة الحكومة: “لا داعي للتفكير في هذا الآن، سنتدبّر الأمر”. ولكن، بأيّ ثمن.

كان ذلك في بوندو، في أغسطس 2017، قبل ثماني سنوات. وبعد سنوات من الجهود، أُعيد بناء القرية. وبلغت كلفة أعمال الحماية 53 مليون فرنك سويسري، شملت تدعيم الجسور، والطريق الرئيسية في الكانتون، ودوَّارًا مروريًا.

بوندو في مارس 2025
بنيت الجسور، والمرافق الوقائية في بوندو في مارس 2025، بمبلغ 53 مليون فرنك. Keystone / Gian Ehrenzeller

وفي نهاية مايو من العام الجاري، تساءلت صحيفة تاغس أنتسايغررابط خارجي: “هل يتناسب ذلك مع 200 ساكن وساكنة؟”. وردّت آنا جياكوميتي قائلةً: “هذه الأسئلة يطرحها عادةً سكان المناطق المنبسطة أو المدن. ولكن، في زيورخ مثلًا، تبلغ تكلفة إنشاء نفق للدراجات الهوائية 40 مليون فرنك أيضًا”.

وتحسم سويسرا مثل هذه التساؤلات استنادًا إلى مبدأ بسيط؛ فكلّ فرنك تنفقه الحكومة في أعمال الحماية يجنّبها خسارة فرنك واحد من الأضرار المحتملة. بمعنى آخر، ليس عدد السكان هو العامل الوحيد، بل الفعالية الاقتصادية أيضًا.

المال يأتي من السهول

وعندما ازدهرت سويسرا، ازدهرت في المدن أوّلًا. أمّا في الريف، فكانت الحياة متواضعة، وفي الجبال فقيرة وقاسية، وتحفّها المخاطر غالبًا.

ولم تصل بعض الأموال إلى قرى جبال الألب، إلا مع ظهور السياحة في القرن التاسع عشر. ومع انتشار الكهرباء، تمكنت بعض البلديات، من تحقيق عوائد مالية، بالاستفادة من طاقتها الكهرومائية.

ولكن منذ البداية، كانت الاستثمارات الكبرى، مثل البنية التحتية، والمدارس، والطرقات، والمستشفيات، ثمرة التضامن، ويأتي تمويلُها من السهول.

وقد دأبت سويسرا، منذ تأسيسها في عام 1848، على ضخّ الأموال في الكانتونات الجبلية، في إطار التوازن المالي العمودي.

وأرست البلاد، مع الطفرة الاقتصادية عقب الحرب العالمية الثانية، أُسسَ نقل التضامن بين الكانتونات الغنية، والفقيرة. وقد كرّس الدستور هذا التوازن الأفقي، في عام 1959.

تكلفة حماية القرى الجبلية

وانطلاقًا من الدستور، لا يرى سكَّان الجبال أنفسهم يستجدون المساعدة، بل أصحاب حقّ. ويعود ذلك أيضًا إلى أن الحياة في المرتفعات، أكثر صعوبة وأغلى بطبيعتها.

ففي الجبال، كلّ شيء متقلّب؛ الطقس، والفصول، والجداول، والانهيارات الجليدية، والحيوانات، والنباتات. وحتى الناس أنفسهم، لا تخلو حياتهم من التقلّب.

ولربّما يكون هذا التصوّر أيضًا نوعًا من الإسقاط، كما هي الحال مع كثير من الأفكار المسبقة، التي يحملها سكّان المدن عن سكان الجبال، والعكس صحيح. فغالبًا ما ينظر الناس إلى بعضهم الآخر بوصفهم “غرباء”. وفي كلّ الأحوال، يقول سكَّان الجبال: “الجبل لا يُجادل”، إنّه يعطي… ويأخذ.

“فجأة تسقط الحجارة”

أندريا زريد
أندريا زريد، عضوة مجلس النواب، عن الحزب الاشتراكي. Keystone / Alessandro Della Valle

وتنحدر أندريا زريد، عضوة الحزب الاشتراكي في مجلس النواب، من قرية أدلبودن الجبلية في كانتون برن، ومتسلّقة جبال شغوفة، وتعرف الجبال عن قرب، فتقول: “إنّها تتغيّر، وحتّى الجداول الصغيرة تفيض فجأةً، وتغمر كلّ شيء”.

وتشبِّه تسلق الجبال، أحيانًا، بالوقوف على زجاج بدأ يتشقق. ويكفي شرخ بسيط ليتفتت ما بدا صلبًا. وفجأة، تسقط الحجارة.

وتتذكّر أندريا زريد ذلك اليوم الصيفي من عام 2008، أثناء نزهة بالقرب من أدلبودن. وكان مسارًا تقليديًا، غير صعب. لكن انفصلت كتلة صخرية عن الجرف، وكان والدها واقفًا عليها، فسقط، وفارق الحياة.

وتعتقد النائبة، أنّ الحماية من مخاطر الجبال، ليست مجرد مسألة حسابية. فبرأيها “القرى الجبلية السويسرية جزء من تاريخ البلد وثقافته، وبالتالي تستحقّ الحماية”.

لكنّها تضيف، من منظور واقعي، أنّه يتعيّن على سويسرا الاعتياد على فكرة أن تصبح بعض المناطق غير صالحة للسكن، “لأن الوضع أصبح خطيرًا للغاية” ببساطة.

“ما كان ليمنع انهيار هذا الجبل شيء”

وفي نهاية المطاف، يبقى القرار بيد الجبل. وفي حالة بلاتن، يقول مايكل غوته، السياسي اليميني في حزب الشعب السويسري المتخصّص في الشؤون المالية، ما كان لأي فعل بشري أن يمنع الانهيار. وحتّى نهج “مهما كلّف الأمر”، لا يؤثّر في الجبل.

ويمضي غوته، ممثّل أكبر الأحزاب السويسرية وأكثرها تمثيلًا للمناطق الريفية، في القول: “يجب تحديد الأولويات، في مجال حماية القرى”.

ولكن، كم تبلغ تكلفة هذه الحماية؟ في سويسرا، وفقًا للمكتب الفدرالي للبيئة، تستثمر الكنفدرالية، والكانتونات، والبلديات، حوالي 400 مليون فرنك، سنويًّا في هياكل الحماية. ومع ذلك، تُقدر الاحتياجات الفعلية، بعشرة أضعاف هذا المبلغ.

أكثر من 3 مليارات سنويًّا

ويعود أول تحليل شاملرابط خارجي، الوحيد حتى الآن، حول هذا الموضوع إلى عام 2007. وشمل التحليل أيضًا أقساط التأمين واحتياطاته، وتكاليف خدمات الإطفاء، والشرطة، والحماية المدنية، والبحوث. وخلص التحليل آنذاك، إلى أن المبلغ الإجمالي، هو 2،9 مليارات فرنك.

وبعد احتساب التضخّم، يصل هذا المبلغ الآن إلى 3،15 مليار، والراجح أن تكون التكاليف قد ارتفعت أكثر. ويفوق ذلك ما تتلقّاه الزراعة سنويًّا كمدفوعات مباشرة، ويفوق الميزانية الفدرالية المخصّصة للمساعدات الإنمائية.

ومع ذلك، لم يجرؤ أيّ برلماني أو برلمانية، بعد مرور أسبوع على انهيار أرضي في بلاتن، على القول علنًا، ينبغي تحقيق وفورات في الإنفاق على حماية البلديات المحلية.

بند في برامج الأحزاب

وعلى العكس، تسعى عدّة أحزاب إلى توجيه موارد أخرى للحماية من المخاطر الطبيعية، بدلًا من تقليصها. فيرى حزب الشعب السويسري ضرورة إعادة تخصيص جزء من المساعدات الإنمائية لهذا الغرض. أمَّا الحزب الليبرالي الراديكالي، فيرغب في استخدام عائدات ضريبة ثاني أكسيد الكربون، المخصّصة لدعم تجديد المساكن. وفي المقابل، يرغب حزب الخضر في الاستفادة من صندوق الطرق الوطني. ويعكس هذا التباين في المقترحات كيف أصبحت كارثة بلاتن عنصرًا حاضرًا في برامج الأحزاب المختلفة.

ومن الناحية التقنية، يخضع التضامن في حماية التجمعات الجبلية لتنظيم واضح. وتوضح دانييلا مانغياراتي، المتحدثة باسم قسم المخاطر الطبيعية، في المكتب الفدرالي للبيئة: “إنها مهمة مشتركة، حيث تتحمل كل من الكنفدرالية، والكانتون، والبلدية، ثلث التكاليف”.

الرئيسة السويسرية، كارين كيلر سوتر،
الرئيسة السويسرية، كارين كيلر سوتر، تحلق فوق مخروط حطام بلاتن. Keystone / Jean-Christophe Bott

ولذلك، تساهم الكنفدرالية عادةً بنسبة 35% من التكاليف. ومع ذلك، فإن البلديات الصغيرة تحديدًا هي التي تصبح بسرعة، غير قادرة على مواجهة حوادث من هذا الحجم. وأحيانًا، تساهم الكانتونات أو الكونفدرالية، بنسبة أكبر. وتوضح دانييلا مانغياراتي: “في المشاريع الكبيرة، أو في حالات الأعباء المالية الكبيرة، وبشكل استثنائي، ترتفع المساهمات الفدرالية وفقًا لقواعد محددة”.

تضامن كبير مع بلاتن

وفي الوقت الراهن، يسود تضامن قوي مع أهالي بلاتن. ودعت، مايا رينكر، رئيسة مجلس النواب خلال افتتاح الدورة الحالية، زملاءها وزميلاتها في البرلمان، إلى التبرّع بأجر يوم واحد (ما يعادل 440 فرنكًا).

وعلاوة على ذلك، أعربت الكانتونات الكبرى، برن وزيورخ وغراوبوندن، عن تضامنها؛ إذ تبرعت كلّ منها بمئات الآلاف من الفرنكات. أمَّا كانتون لوتسيرن، فتبرعت بمليون فرنك. وتبرع كانتون فاليه لبلديّته المنكوبة، بعشرة ملايين فرنك. وفي يوم الجمعة، جاء دور الحكومة الفدرالية، لتقديم مساعدة طارئة لبلاتن، بقيمة خمسة ملايين فرنك.

ومن جانبه، لم يقف الشعب السويسري متفرّجًا، بل تبرّع بسخاء أيضًا. والآن، في لوتشنتال، بعد فيض التبرّعات، تطلب السلطات من الناس التوقّف عن إحضار الملابس. كما لقي نداؤها لتجنّب زيارة المنطقة في عطلة نهاية الأسبوع تجاوبًا واسعًا، وأُلغيت جميع الرحلات المخطَّطة إلى موقع الكارثة.

بلاتن: قبل وبعد
الصورة في الأعلى: قرية بلاتن في 3 نوفمبر 2024. الصورة في الأسفل: قرية بلاتن في 29 مايو 2025، بعد الانهيار الطيني. Keystone / Maxar Technologies via AP

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: مصطفى قنفودي

مراجعة: ريم حسونة

التدقيق اللغوي: لمياء الواد


قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية