مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المرأة العربية: ظهور مناسباتي لا يحجب التهميش

مشهد من الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر (حقوق المرأة في العالم العربي - من الأقوال إلى الأفعال) في العاصمة اليمنية يوم 3 ديسمبر 2005 Keystone

احتضنت العاصمة اليمنية على مدار خمسة أيام، فعاليتين عربيتين تهتمان بالمرأة وأوضاعها.

الأولى بحثت سبل توحيد العمل النسوي العربي، والثانية تدارست فيها 300 مشاركة من اليمن والبلدان العربية تعزيز حقوق المرأة العربية وتمكينها من المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.

الحدث الأول، خرج المؤتمر التوحيدي بقرار يتمثل في إعادة إحياء “الاتحاد النسائي العربي” لأول مرة منذ عام 1990 عقب الغزو العراقي للكويت الذي جمد نشاطه بسبب الخلافات والانقسامات بين مكوناته، واختيرت صنعاء كمقر دائم وعد نجاح المؤتمر التوحيدي خطوة جيدة للعمل النسوي العربي.

المؤتمر التوحيدي، في نظر العديد من المراقبين والمتابعين، مثل خطوة منسجمة مع إعادة إحياء العمل العربي من جهة، واستجابة للزخم الدولي الذي بات يراهن على دور المرأة العربية في التحولات والمتغيرات التي تتهيأ لها المنطقة العربية برعاية ووصاية دولية غير مسبوقة، باتت تلح على ضرورة التحول الديمقراطي في المنطقة.

الحدث الثاني، هو الآخر يصب في الاتجاه ذاته واستهدف الرفع من مشاركة المرأة العربية عن طريق تدارس العقبات والصعوبات التي تُـعيق طريق مشاركتها. وقد عكس البيان الختامي وتوصياته الصادرة عن المؤتمر، الأولويات التي يتعيّـن على الحكومات العربية اتخاذها بغية تمكين المرأة من أن تكون مشاركا فاعلا في تنمية وتقدم المجتمعات العربية.

مفارقات صارخة

المثير لانتباه المراقبين والمتابعين لسير فعاليات هذين الملتقيين، بقدر ما يلحظ كلفا بالغا في الرهان على دور المرأة العربية في إحداث التحولات المأمولة، يرصد مفارقة صارخة بين ما هو عليه حال المرأة العربية من تخلّـف وفقر وأميّـة، وبين الإشادات بوضعيتها خلال مثل هذه الملتقيات مناسبات استعراضية يسعى ممثلو البلدان المشاركة في استغلالها كواجهات إعلانية لما تبذله بلدانهم من جهود في سبيل النهوض بمستوى المرأة.

فرئيس الوزراء اليمني عبدالقادر باجمال وجدها فرصة مواتية للإشادة بما تبذله حكومته من رعاية واهتمام للمرأة اليمنية، وذكّـر بما تكفله التشريعات اليمنية من ضمانات لمشاركة المرأة، مشيرا أن الخلل ليس في جوهر التشريعات، وإنما في بعض الممارسات وذهب إلى أبعد من ذلك بمطالبته للأحزاب السياسية اليمنية أن تحذو حذو حزبه الذي قال إنه خصص نسب مهمة للمرأة داخل أطر الحزب وقياداته، ودعا إلى تمكين المرأة اليمنية بتطبيق نظام الحصص “الكوتة” فيما الوضعية المتردية للمرأة اليمنية تفضحها الأرقام 38% خارج نظام التعليم الأساسي منها: 22,8% ذكور و56,1% من الإناث و80% من الفقر يتركّـز في الريف، الغالبية العظمى من تلك النسبة من النساء طبقا لإستراتيجية مكافحة الفقر و16% فقط من الإناث في التعليم الجامعي.

من جهتها، ارتأت شريفه بنت خلفان بن ناصر اليحيائي، وزيرة التنمية الاجتماعية بسلطنة عمان، في الملتقى مناسبة للإشادة بما هو عليه حال المرأة العمانية وقالت “إنه وبفضل دعم وتشجيع السلطان قابوس بن سعيد، قد استطاعت المرأة العمانية أن تقطع أشواطا كبيرة ومتقدمة في كافة مجالات الحياة”، وأصبحت – على حد تعبيرها – “منافساً حقيقياً وشريفاً لأخيها الرجل”.

على هذا الرتل، سارت جل ممثلات البلدان العربية اللائي ذهبن في مداخلاتهن إلى إبراز الجوانب المشرقة لتجربة المشاركة النسوية في بلدانهن.

الوضع الهامشي

والمثير للانتباه أن ممثل الولايات المتحدة في هذا المؤتمر الثاني جوردن غري، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى لم يشذ عن هذه النغمة، في كلمة له خلال هذه الفعالية حيث أشاد بوضعية المرأة العراقية في ظل الاحتلال وبما تنعم به من حرية، مشيرا إلى أن بلاده خصصت 27 مليون دولار لدعمها وتنميتها، مع أن كل التقارير حول وضعية المرأة العراقية تشير إلى أنها باتت في حالة أسوأ مما كانت عليه في ظل نظام الرئيس المخلوع صدام حسين، وأنها أصبحت عُـرضة للاضطهاد المذهبي والطائفي هناك، كما أشاد السفير البريطاني في صنعاء مايكل جيفورد في كلمته بالانجازات التي حققتها العديد من البلدان العربية في مجال الرفع من مشاركة المرأة.

ويرى المراقبون أن غلبة المجاملات واللغة الدبلوماسية على مثل هذه الملتقيات قد حوّلتها إلى ملتقيات مناسباتية يتصدّر فيها بعض الفاعلين والفاعلات للواجهة الإعلامية بُـغية الترويج لسياسات بلدانهم وتسويق منجزاتها في الميدان الحقوقي والحريات والديمقراطية لدى المانحين الدوليين، الذين باتوا اليوم أكثر كلفا بتسويق الديمقراطية في بلدان مازالت وضعية المجتمع برمته فيها تعاني من تخلف وتدنّّ في كافة مؤشراته.

زد على ذلك، أنه من خلال ملامسة هموم ومشاغل النساء العربيات اللواتي اجتمعن، يظهر جليا أن الناشطات منهن قلّـما يستحضرن الوضع الهامشي للغالبة العظمى من النساء كضحايا للجهل والفقر، خاصة في العالم القروي، وإذا ما استحضرت مثل هذه الأوضاع الهامشية، فإنها لا تستحضر إلا في حدود ما يعزّز الطامحات ممّـن وجدن في بؤس المرأة العربية وشقائها مطية للتدرج في المناصب الوظيفية، ومن أجل جلب المنافع الشخصية.

ولعل المرارة التي تصدح بها بعضهن من الوصولية التي تغلب على سلوكيات الكثير منهن، يستوجب الوقوف ملِـيا عند ما يمكن أن يحمله الاهتمام بقضايا المرأة من انعكاسات إيجابية على صاحبات المصلحة الحقيقية اللائي تعانين من الظلم والتمييز والحرمان من التمدرس، ومن غياب تكافؤ الفُـرص والمساواة، خاصة في البوادي والأرياف، حيث يُـهيمن مورِّث ضخم من التقاليد الاجتماعية.

محمل المزايدة والتسويق

ويعتقد متابعون للفعاليتين في صنعاء أنه بين رغبة السلطات العربية في تجميل صورتها تجاه الخارج عن طريق الاهتمام الصوري بقضايا المرأة، ورغبة الكثير من النساء في استغلال هذه الظرفية، (حيث باتت الكثيرات منهن لا يقمن سوى بأداء الدور المظهري الذي تقتضيه متطلبات السلطة ولزوم المرحلة)، فيما تعاني الغالبية العظمى من النساء العربيات من غياب أي معالجة حقيقية لأوضاعهن.

ويكفي فقط الوقوف في هذا الإطار على المؤشرات الإحصائية التي ترصدها تقارير التنمية البشرية، سواء منها التقارير الوطنية أو التقارير الإقليمية العربية، فجميعها ترسم صورة قاتمة لوضعية المرأة العربية ومشاركتها في مختلف الميادين الحياتية.

إجمالا، يمكن القول أن النهوض بوضعية المرأة العربية لا يمكن أن يؤتي ثماره في ظل سلطات حوّلت موضوع المرأة إلى محمل للمزايدة والتسويق تجاه الخارج، بغية كسب ودّه أو استرضاء المانحين، وإنما باستهداف القطاع المهمش منه بسبب انتشار الأمية والفقر والتمييز، حيث خلصت كثير من الدراسات إلى أن المرأة هي أول ضحايا الفقر والجهل، وأن العلاقة بين هذين الأخيرين وتدني وضعية المرأة هي علاقة طردية، حيث كلما زاد الفقر والجهل زاد تهميش المرأة وتدنت مشاركتها، وأن تجميل الصورة السياسية للسلطات عبر إشراك مفتعل للمرأة لا يعمل إلا على إخفاء واقع البؤس الحقيقي لما هو عليه حال المرأة في كثير من البلدان العربية.

لذلك، إن الظهور المناسباتي للمرأة العربية، رغم ما ينتهي إليه من توصيات، لا يمكن له أن يحجب واقع التهميش الذي تعيشه غالبية النساء العربيات.

عبد الكريم سلام – صنعاء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية