“قضية المرأة السعودية هي قضية المجتمع”
هذا هو رأي الدكتورة ليلى أحمد الأحدب، رئيسة النشر والتحرير في "مركز الراية للتنمية الفكرية" والمقيمة في المملكة العربية السعودية منذ أكثر من عقد من الزمان.
فالمشكلة القائمة في المملكة لا تتعلق حسب رأيها بالدين الإسلامي الحنيف بقدر ما هي تفسيرات له امتزجت بأعراف وتقاليد قبلية وبدوية.
يصعب الحديث عن واقع المرأة السعودية دون الحديث عن المجتمع السعودي في حد ذاته، بتفرعاته واختلافاته وتنوع فئاته الاجتماعية وأقاليمه الجغرافية. فكلاهما إلى حد كبير مرآة للأخر.
لكن واقعها – مع ذلك – يستلزم التوقف عند الحديث عنه، والتدقيق فيه، لأن الكثير مما يقال إنه ممارسة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ليس إلا اجترارا لتقاليد وأعراف قبلية وبدوية، طبعت ببصماتها على وضع المرأة الاجتماعي في المملكة، وحصرت قيمتها الإنسانية في نطاقٍ ضيق .. الدين برئ منه.
ولذا لم يأت اختيار الملتقى الثالث للحوار الوطني السعودي (الذي انعقد من 12 إلى 14 يونيو الماضي) لموضوع “المرأة.. حقوقها وواجباتها وعلاقة التعليم بذلك”، اعتباطاً. بل كان معبراً عن واقعٍ أصبح التغاضي عن سلبياته أمرأ غير مقبول في القرن الحادي والعشرين.
وقد اختارت سويس إنفو الانتظار قليلاً حتى يهدأ الطنين الإعلامي الذي صاحب الملتقى، ثم تحولت إلى الدكتورة ليلي أحمد الأحدب، الطبيبة والكاتبة السورية الأصل والمقيمة في السعودية منذ أكثر من عشر سنوات، والتي اشتهرت بكتاباتها في صحيفة الوطن السعودية عن أوضاع المرأة هناك. تحولنا إليها وطرحنا عليها مجموعة من الأسئلة عبر البريد الإلكتروني، وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
سويس إنفو: دعينا نبدأ بسؤال استفزازي، هل هناك مشكلة للمرأة في المملكة العربية السعودية؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: وأنا سأجيب بشكلٍ لعله استفزازي أيضا. نعم هناك مشاكل وليس مشكلة، والمشاكل ليست مقتصرة على المرأة السعودية فحسب، بل تتجاوزها لتنال من المرأة العربية أيضا ولتصل إلى المرأة في كل مكان في العالم، وهي ليست خاصة بالمرأة السعودية بل لها علاقة أيضا بالرجل السعودي. فمن ناحية ليست المرأة السعودية بدعا من نساء العالم العربي أو العالم بشكل عام، ومن ناحية أخرى، إن فصل مشكلة المرأة عن مشكلة المجتمع أمر خاطئ، بل إن قضية المرأة في أي مجتمع هي قضية المجتمع، وهو عنوان أحد مقالاتي في جريدة الوطن السعودية، لأن المرأة هي المساهمة الأولى بتشكيل الطفل حيث أنها تضع اللبنات الأولى في شخصيته التي سترافقه طوال حياته، أي هي الشخص المسؤول الأول عن تكوين المجتمع ولذلك يجب أن يكون الاهتمام بقضاياها ووضعها كأولوية.
سويس إنفو: تدريس البنات بدأ في المملكة قبل أربعين عاماً، ما هي حصيلته على المستوى الاجتماعي والمهني؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: إذا كنا نؤمن بأن الأمور كلها نسبية فيمكننا أن نعتبر أن حصيلة تدريس البنات جيدة جدا. فخلال هذه الفترة القصيرة تم رفع نسبة النساء المتعلمات لتصل إلى 68%. ومقارنة بنسبة الأمية في العالم العربي بين الرجال والنساء وهي 50%، نجد أن نسبة الأمية بين النساء في المملكة العربية السعودية أقل من ذلك، وهذا مؤشر جيد ويدعو للتفاؤل إذا تذكرنا معارضة المجتمع التقليدي لتعليم المرأة الذي كان خطوة نافذة المفعول في التغيير الاجتماعي الضروري. فالتعليم يفتح آفاقا من الوعي في نفس المتلقي ذكرا كان أم أنثى، وبغض النظر عن مناهج التعليم ذاتها، فإن التعليم يعتبر سلاحا في يد الفتاة إذا أرادت أن تنهل من منابع الثقافات المختلفة. هذا على المستوى الاجتماعي والثقافي، أما على المستوى المهني فقد ساهم وجود نساء معلمات وسعوديات بشكل كبير في تشجيع الأسر على تعليم بناتهن، حيث أن التخوف كان من دخول ثقافات وافدة لا تتماشى والخصوصية التي يتشبث بها بعض أفراد المجتمع السعودي. كذلك وجود طبيبات مثلا رفع من الثقة بالمرأة السعودية وأنها قادرة على خوض كثير من المجالات. كما ساعد تعليم المرأة على استقلالها وتحررها من ظلم الرجل، وهذا لا ينطبق على المرأة السعودية فحسب بل إن شخصية “سي السيد” موجودة في كل المجتمعات العربية، ولولا استقلال المرأة المالي لما أمكنها أن تتخلص من تسلط الرجل والنظم الرجعية الأبوية التي تحكم الثقافة العربية بشكل عام وتشجع الرجل على استمراء شخصيته الاستبدادية.
سويس إنفو: هل هناك تخصصات محظور على المرأة السعودية دراستها؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: لا يسمح للمرأة السعودية بدراسة كل الفروع خاصة تلك التي تعتبر من اختصاص الرجل كالهندسة والمحاماة والإعلام، إذ تحدد دراستها بما له علاقة بالتعليم أو الطبابة أو الكمبيوتر، وأعتقد أن هذا الحظر قابل للتراجع خاصة في مجالي الإعلام والحقوق، حيث أن الخريجات من هذه الكليات يمكن أن يتم عملهن بدون اختلاط مباشر بالرجال، وهو الأمر الذي لا يحبذه المجتمع السعودي بشكل عام.
سويس إنفو: ما هي مواقع العمل المتاح للمرأة العمل فيها والمحظورة عليها؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: إضافة للمعلمات والطبيبات والممرضات هناك نسبة كبيرة من النساء اللواتي يعملن في البنوك بشكل منفصل عن الرجال، كذلك هناك إعلاميات سواء كن حاصلات على تخصص من الخارج أو يعملن دون تخصص. فلا يحظر على المرأة السعودية العمل في الصحافة مثلا، ولذلك تطالب المرأة السعودية بإنشاء كلية للإعلام. ومع افتتاح قناة “الإخبارية” وهي قناة سعودية فضائية هادفة لتحسين صورة الإعلام العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص، فهناك فرص متاحة للمرأة السعودية في العمل كمذيعة ومحاورة ومراسلة أيضا. وقد التقيت بنساء سعوديات درسن الحقوق في الخارج وهن يعملن كمستشارات قانونيات في مكاتب تحت أسماء رجال، ولكن ما وصل إلى سمعي مباشرة أن الدولة تعمل على إنشاء كلية حقوق خاصة بالإناث، وفي هذا دلالة على أن ممارسة المرأة السعودية لمهنة المحاماة أمر لا يستبعد حدوثه في المستقبل القريب. ولعلي لا أخطئ إذا قلت أن هناك فجوات واسعة بين شرائح المجتمع السعودي المختلفة في نظرتها إلى الدراسة المباحة للمرأة والعمل المتاح لها حسب أعراف كل منطقة وحسب تفهم كل عائلة لدور المرأة في بناء المجتمع، فمن الخطأ جدا التعميم هنا.
سويس إنفو: ما هي القيود المفروضة على حركتها في المجال العام؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: أولا دعيني في بداية جوابي هذا أؤكد على ما أنهيت به جوابي السابق، إن النظرة إلى المرأة ودورها في المجتمع تختلف من شريحة لأخرى، فمثلا قرأت لإحدى الكاتبات عن المعاملة السيئة لامرأة ستينية في أحد البنوك من رفضهم لدخولها دون محرم، مع أني تعاملت مع بنوك من شرق المملكة إلى غربها ولم أجد إلا المعاملة الحسنة، إذ كثيرا ما يتم فسح الدور لي كامرأة لأنهي معاملتي، وقد يقوم بها الموظف السعودي بالكامل تعزيزا لمكانتي كامرأة كي يكفيني مؤونة مزاحمة الرجال. فأعتقد أن لكل ثقافة سلبياتها وإيجابياتها، فمثلا لا تجدين هذا الحرص على المرأة في البلاد العربية الأخرى التي تأثرت كثيرا بالثقافة الغربية، فمن تعاليم الدين الرفق بالقوارير وهن النساء، ولكن ليس من تعاليمه منع المرأة من قيادة السيارة مثلا فلماذا لا تقود السيارة وهي كانت تركب الجمل وتساهم في المعارك في العهد النبوي؟ عدم قيادة المرأة للسيارة يمكن اعتباره قيدا على حركتها لأنها بحاجة إلى محرم أو سائق في كل مرة؛ حتى ركوب المرأة مع السائق أو في تاكسي أو مع رجل موثوق يعتبر خلوة مع أنه في السيرة النبوية عرض الرسول عليه الصلاة والسلام على أسماء بنت أبي بكر أن يردفها خلفه لأنه أشفق عليها، على ما في ركوبها خلفه من تقارب، وما في اهتزاز الراحلة من تلاصق. وعلى فكرة فهذا ليس موجودا فقط في السعودية بل قرأت فتوى لبعض علماء الدين في بلاد أخرى كالأردن يعتبر ركوب المرأة مع السائق الأجنبي خلوة. أيضا من القيود المفروضة – دينيا وليس سياسيا – أن صوت المرأة عورة ووجهها عورة وأن المرأة فتنة حتى لو كانت متسربلة بالسواد. مع أن هناك سورة باسم المجادلة وهي المرأة التي جادلت الرسول عليه الصلاة والسلام في ظهار زوجها لها، فكيف يكون صوت المرأة عورة؟ وكيف تطمس شخصية المرأة بتغطية وجهها مع أنه السبيل الوحيد للتأكد من هويتها، ولماذا يُنظر للمرأة على أنه جسد يجب تغطيته ولا ينظر لها على أنها إنسان تستحق أن يكون لها وجودها وكيانها ورغباتها وتطلعاتها وطموحها كالرجل؟
سويس إنفو: هناك أعراف وممارسات اجتماعية مجحفة بالمرأة، تختلف حسب المناطق في المملكة. ما هي أهم هذه الممارسات؟ وهل صحيح أنها تثير اليوم جدلاً اجتماعياً حاداً داخل البلاد (أو في صفوف النخبة)؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: ربما سبب إثارة هذه الأعراف جدلا اجتماعيا يعود إلى عاملين. أولهما: أن هذه الأعراف والتقاليد تختلف فعلا حسب المناطق ولذلك فما هو مقبول في جدة مثلا لا يمكن قبوله في القصيم مثلا. وثانيهما أن هذه التقاليد هي سبب من أسباب التخلف في المجتمع، فما كان يتم في ظروف ثقافية وسياسية معينة لا يمكن السكوت عليه في زمن مختلف كزمننا. من هذه الممارسات المثيرة للعجب – وليس للجدل فقط – أن المرأة اعتادت على غطاء الوجه بالنسبة لها في بعض المناطق لدرجة تعتبر أهم من التنفس. وعندما مارستُ العمل في منطقة معينة كنت أجد نسبة الإصابة بمرض فقر الدم والربو عالية جدا، وعرفت السبب بمجرد رؤيتي المرأة المريضة تنام في السرير دون أن تخلع البرقع فكيف يمكنها أن تتنفس؟ وعرفت أن بعض القبائل تعتبر من العيب أن يرى الرجل وجه إحدى محارمه حتى لو كانت زوجته أو أن يجالسها أو يأكل معها، ناهيك عن زواج الفتاة بدون أخذ رأيها أو منعها من الزواج من قبيلة أخرى، واعتبار الذكر في العائلة هو المسؤول عن الأنثى حتى لو كان حفيدها وهي جدته!
سويس إنفو: من الواضح أن جزءاً من النخبة التي انفتحت على التجارب الاجتماعية في العوالم العربية والإسلامية والغربية لم تعد تتقبل العديد من الأعراف الممارسة بحق المرأة. هل تعتقدين أن هذه الظاهرة ستتوسع؟ وأن هذه النخبة قد تؤثر في إحداث تغيير ما؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: هناك الكثير من المثقفين الذين يدعون لرفض تحكم هذه الأعراف، لكن الأصوات المعتدلة قليلة، فالمجتمع السعودي مجتمع متدين بالفطرة، لذلك هو يرفض الدعوات التغريبية. وللأسف بعض المثقفين يقومون باستفزاز العقل الجمعي من خلال أسلوبهم مع أن أفكارهم قد لا تتعارض مع الدين، ولذلك يُرجع الجمهور عدم تأثره بهؤلاء إلى فقدان المصداقية لديهم، بينما بعض المثقفين الآخرين يفتقدون الشجاعة ويؤثرون السلامة، ومنهم من يظن أنه لا يمكن التوفيق بين الدين وبين التحرر من العادات والتقاليد لأنها أخذت طابع الدين بسبب ممارستها لفترة طويلة. فمثلا في نفس الوقت الذي كتبتُ فيه مقالة أشجع فيها من نادى بعدم فصل النساء عن الرجال في مؤتمر الحوار الوطني الأخير كتب أكثر من كاتب في صحيفة “الوطن” يشجع على الفصل، والسبب برأيي أن حكم الدين قد غُيِّب لتحل محله أحكام العادات والتقاليد. ومع ذلك أنا متفائلة أن غالبية النخبة لديها وعي كاف باحتياجات المجتمع وبضرورة التغيير. وبالتالي لا بد أن يتوسع رفض العادات والتقاليد التي لا تتماشى مع المصلحة العامة، وإن كان هذا التوسع سيتم بشكل بطيء فهذا شيء معهود عن طرائق التغيير، بل ومطلوب أيضا ليصل هذا التغيير إلى غايته وأهدافه باستمرار، فمن يصعد السلم بسرعة ينزل بسرعة، هذا في الفرد وكذلك في المجتمع.
سويس إنفو: ماذا عن النخبة السياسية؟ من المعروف أن الملك فيصل هو الذي دفع دفعاً، وضد رغبة المؤسسة الدينية، إلى فرض تعليم المرأة. هل تعتقدين أن النخبة السياسية تلعب اليوم دوراً إيجابياً في دعم مطالب المرأة؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: أعتقد أنه يجب الاستفادة من التجارب السابقة لكن دون أن نحمِّل هذه التجارب مدلولات مقارنة مجحفة بحق أحد. فقراءة أي تجربة يجب أن تتم في سياقها التاريخي والمجتمعي. فمثلا قيام الملك فيصل بفرض تعليم المرأة ضد رغبة المؤسسة الدينية كان ضروريا لأنه رأى أن تعليم المرأة السعودية سيساعد في تطور المجتمع ككل، ولم يكن للمؤسسة الدينية أي مبرر لرفضها تعليم المرأة اللهم إلا المنطلق الديني الخاطئ، فالرسول عليه الصلاة والسلام حثّ الشَّفاء على تعليم زوجته حفصة بنت عمر رضي الله عنهما الكتابة. أما الآن فإن رفض المؤسسة الدينية يقوم على تخوفها من تغريب المرأة حيث أن تجارب الدول العربية الأخرى ليست ناجحة، وهذا ليس من منظور ديني فحسب، بل من منظور اجتماعي أيضا. فالمرأة العربية كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار. فهي قد استقلت عن الرجل ماديا لكنها لم تستقل عنه اجتماعيا، فرغم أنها تساعد الرجل في العمل خارج المنزل لكن الرجل ليس مستعدا لمساعدتها داخله، فاستقلالها المادي أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق في المجتمعات العربية، وعدم استقلالها الاجتماعي أدى إلى تقصيرها إما في المنزل أو في العمل، لأن التحديث في بلادنا العربية لم يأخذ بعين الاعتبار أن المرأة هي أم بالدرجة الأولى، فلا يوجد مثلا دور حضانة ملحقة بالعمل، ولا تستطيع بدخلها المحدود أن يكون لديها خادمة طوال الوقت، وانعكس هذا على البيت والأطفال سلبا وهكذا.. عدا عن ما جره الاختلاط غير المنضبط بالشرع من مساوئ وخراب بيوت. كل هذه النتائج الاجتماعية أدت إلى تخوف المؤسسة الدينية في السعودية من دعم مطالب المرأة وبالتالي لم تشجع الإرادة السياسية، التي لا شك تلعب دورا إيجابيا في تحسين وضع المرأة، فمثلا سمو ولي العهد يبين في كثير من كلماته التي يلقيها أن المرأة هي أخت وزوجة وأم وبنت ولها علينا حقوق. ونلاحظ في المؤتمر الصحفي الدوري لوزير الخارجية سمو الأمير سعود الفيصل مدى إشراكه الصحفيات اللواتي يشاركن الرجال نفس القاعة بل قد تجلس الصحفية إلى جانب الصحفي. وفي ندوة جمعتني ولفيف من المثقفين والمثقفات السعوديات، بين لنا المستشار الإعلامي لوزارة الداخلية مدى حرص الوزارة على سماع شكاوى النساء اللواتي يلاقين أي حيف في المعاملة من أي جهة، ناهيك عن قرارات مجلس الوزراء الأخيرة، والتي أكدت على تمكين المرأة من الأعمال. وكذلك الأمر الملكي الذي صدر مؤخرا بإنشاء مؤسسة “المئوية” الخيرية لمساعدة الشباب على مزاولة الأعمال التجارية، جاء فيه أن الهدف هو “مساعدة الشباب من المواطنين والمواطنات الذين يسعون إلى تحقيق استقلال اقتصادي ذاتي ولديهم الرغبة في مزاولة الأعمال التجارية الحرة”. إضافة إلى الدائرة التي خصصتها وزارة الخدمة الاجتماعية لحماية المرأة والطفل من العنف داخل الأسرة أو خارجها، وقيام وزير الصحة بتعيين امرأة في منصب مساعد لمدير الشؤون الصحية لمراكز الرعاية الصحية الأولية بمحافظة جدة، وغير ذلك كثير. فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على رغبة النخبة السياسية بمنح المرأة دورها الكبير في المجتمع.
سويس إنفو: هل تعتقدين أن المؤسسة الدينية، التي تلعب دوراً جوهرياً على المستوى الداخلي في المملكة، تمثل عائقاً أمام فك القيود المفروضة على المرأة؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: برأيي يجب اجتناب التعميم دائما. فمثلا ليست كل المؤسسة الدينية تتبع أيديولوجيات واحدة، وإذا رجعنا إلى موقف مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ من موقف النساء في منتدى جدة الاقتصادي نرى أنه لم يعترض على لقاء النساء بالرجال في المؤتمر، ولكنه اعترض على جلوس بعضهن بصورة تتنافى مع حجاب المرأة. وهنا لا مانع من الإشارة إلى اختلاف نظرة أعضاء المؤسسة الدينية إلى الحجاب وماهيته، فرغم فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله بأن لا ينكر على المرأة إذا كشفت وجهها لأن الوجه مختلف فيه، فإن كثيرا من المتمترسين بالتقاليد يعتبرون أن الوجه مثله مثل الشعر من ناحية وجوب التغطية. وللأسف فإن كثيرا من الدعاة يصرون على نعت المرأة بالجوهرة فيحبسونها في “صندوق المجوهرات”، فلا يكون لها أي شخصية على مستوى الأسرة ولا دور على صعيد المجتمع؛ وكمثال يعتبر جلوس النساء والرجال في غرفة واحدة لاجتماع أو مؤتمر حراما مثلا، ومنهم من يسميها خلوة، وكيف تكون خلوة وهي على مرأى الجميع؟! طبعا لا ننسى الدور السلبي الذي يقوم به بعض هؤلاء الدعاة والوعاظ من التأثير على العقل الجمعي وعدم رغبتهم بالتراجع، كي لا يخسروا كثيرا من المجد الذي بنوه نتيجة التطرف والتشدد في كثير من الأفكار وبخاصة تلك التي لها علاقة بالمرأة.
سويس إنفو: المرأة السعودية، ومن خلال متابعة كتاباتها في وسائل الإعلام الداخلية والعربية بل والدولية، لا تقل كفاءة ونضجاً عن نظيراتها في العالمين العربي والإسلامي، ومن ثم لا يتسنى فهم المبررات الدينية أو التقليدية التي تحرمها من المشاركة في تنمية مجتمعها.
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: أرجو عدم الخلط بين الدين والتقليد، ففرق كبير بين الدين والثقافة، لأن الثقافة هي المعتقدات التي تختلط بالتقاليد وغيرها من الممارسات، وهي من يشجع على التسلط وليس الدين. أما الدين فهو يحض المرأة على المشاركة بتنمية مجتمعها كالرجل وذلك واضح في الآية الكريمة:(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، فهناك ولاية مشتركة بين المؤمن والمؤمنة لإصلاح المجتمع. لذلك من الأفضل التساؤل عن المبررات التقليدية، وهي كما قلت الخوف من تغريب المرأة السعودية، وهو خوف له مبرراته إلى حد ما أن لا يعيد المجتمع السعودي تجارب المجتمعات العربية الأخرى، فبرأيي لم تكن تجارب في صالح المرأة أو الرجل أو الأسرة أو المجتمع، والمجتمع السعودي أكثر المجتمعات العربية تقليدية ومحافظة، والجديد دائما يحمل شيئا من المجهول في طياته، والإنسان بطبيعته يخاف من المجهول، والتغيير دائما بحاجة إلى شجاعة، كما أن التجربة دائما بحاجة إلى روح المغامرة.
سويس إنفو: إذن، ما هي شروط وآليات الخروج من المأزق الحالي حسب رأيك؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: برأيي كي يؤتي التغيير ثماره يجب أن يكون كالقطار الذي يسير على خطين متوازيين: خط الثقافة وخط السياسة. وبما أن المشروع التربوي والتعليمي من ضمن الثقافة فيجب أن يبدأ التغيير من مناهج التعليم، فكما دمجت وزارتي التعليم وشؤون البنات فالأفضل أن تدمج مناهج التعليم، اللهم إلا في حالة الفنون مثلا والرياضة، حيث يمكن مراعاة الفروق الفطرية بين الولد والبنت بشكل لا يمنع التنميط الاجتماعي لتأهيل كل منهما لدوره المستقبلي، دون أن يعني ذلك التنميط أن أحد الجنسين مفضل أو متفوق على الآخر. وكي تلغى النظرة الدونية للمرأة، وهي السائدة اجتماعيا، يجب أن يعتاد الطفل على وجود الطفلة إلى جانبه في الفصل، لذلك فإن التعليم المختلط حتى عمر 10 أو 12 سنة شيء محبذ برأيي، مع التأكيد على الفصل في سن المراهقة كي لا نكرر تجارب المدارس المختلطة في العالم، والتي بدأت بلاد مثل أمريكا وألمانيا في التفكير بإعادة النظر فيها، وكذلك التأكيد على الفصل بين الجنسين في حصص الفنون والرياضة حتى في المدارس الابتدائية، لأن اختلاط صفات الذكورة والأنوثة شيء غير محبذ فقد يؤدي إلى نشوء جنس ثالث، فنخسر أشياء من حيث أردنا أن نربح شيئا واحدا هو تعويد الذكر كيف يحترم الأنثى وينظر لها على أنها إنسان مساو له في الحقوق والواجبات. هذا من الناحية التربوية والتعليمية أما من الناحية الاجتماعية فيجب إلغاء كل العادات والتقاليد التي تنظر للمرأة على أنها عورة وفتنة، أو أنها ظعينة وتحتاج حماية ووصاية، وهنا يأتي دور المؤسسة الدينية إذ ينبغي أن تضع أطراً يسمح فيها بالتجديد المتفق مع الشرع الميسر وليس المعسر، فالله هو القائل:(وما جعل عليكم في الدين من حرج) و(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، فليس من المعقول أن الشرع يحجر على المرأة بهذا الشكل الذي يوحي به الخطاب الديني المتشدد. لذلك لا بد من إفساح الأصوات الدينية المعتدلة، تنبثق من ثوابت الدين وتراعي متغيرات الزمان والمكان، وهنا يمكن للنخبة المثقفة أن تلعب دورا هاما بالحث على هذا التجديد الديني. فمثلا في مقالاتي الأخيرة عن المرأة كنت أؤكد من وجهة نظر دينية على إمكانية تحرر المرأة بطريقة لا تنافي الشرع، بل تسمح لها بالمشاركة على أوسع نطاق بما فيها عضوية مجلس الشورى والوزارة والقضاء. ويجب أن يتآزر دور النخب الدينية والثقافية للتأكيد على مساواة المرأة والرجل في الحقوق والواجبات في المجتمع، والاختلاف إن وجد فهو ضمن الأسرة ولغايات محددة. وكل ما ذكرته آنفا لا يمكن أن يتحقق إلا بقرارات سياسية شجاعة تنظم أوضاع الناس رجالا ونساء، وتحدد آليات تمكين المرأة من حقوقها في الأسرة والمجتمع وليس الاكتفاء بتحديد ماهية هذه الحقوق، علما بأن الجميع شعبا وحكومة متفق على أن المصدر هو الشريعة الإسلامية.
سويس إنفو: من وجهة نظرك، ما هي المطالب الملحة التي تسعى المرأة إلى تحقيقها في المملكة؟
الدكتورة ليلى أحمد الأحدب: المطالب توضحت تقريبا في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في شهر يونيو 2004 وأهمها وضع قوانين الأحوال الشخصية التي تحمي المرأة، والتي تنبع من الشرع الإسلامي، كذلك وجود محاكم متخصصة في شؤون الأسرة ترعى تطبيق هذه القوانين. ضرورة فتح تخصصات جديدة للمرأة في الجامعات والكليات الموجودة، وكذلك توفير فرص عمل مناسبة لها. النظر للمرأة على أنها كاملة الأهلية كالرجل فلا تحتاج وصاية عليها متى ما بلغت سن الرشد، وبالتالي تخفيف دور ولي الأمر الذي يمكن أن يستغل ولايته على المرأة في عدم تمكنيها من الحصول على حقوقها، أو يتعسف بالتطبيق الخاطئ لمفهوم القوامة، ومن هنا يجب التأكيد على دور مؤسسات الأسرة التي تقوم بحماية المرأة والأطفال من العنف الأسري. وأخيرا القيام بتغيير الصورة السلبية والدونية للمرأة، وذلك يتم عبر مؤسسات التعليم والإعلام والمؤسسة الدينية والسياسية لتفعيل دور المرأة على كل المستويات.
أجرت الحوار إلهام مانع – سويس إنفو
د. ليلى أحمد الأحدب:
حائزة على شهادة دكتوراه في الطب البشري، وشهادة اختصاص في النساء والولادة.
عملت في اختصاصها في كل من سوريا ولبنان والسعودية
مديرة النشر والتحرير في مركز الراية للتنمية الفكرية
كاتبة مقال أسبوعي في صفحة الرأي في صحيفة الوطن السعودية
لها عدة إصدارات منها حوار الثقافات: مدخل لقراءة الآخر ونقد الذات
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.