مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المـاءُ حـق .. لـيس تـرفـا

Keystone

استفادة جميع سكان العالم من الماء الصالح للشرب ستكون بدون شك أكبر رهانات القرن 21. القضية مطروحة بقوة هذا العام في المنتدى الإجتماعي العالمي ببورتو أليغري.

المنظمات غير الحكومية السويسرية المشاركة في المنتدى تدافع إلى جانب مثيلاتها من مختلف أنحاء العالم، عن فكرة توقيع معاهدة عالمية تضمن عدم خوصصة الذهب الأزرق الذي يـُعتبر ملكا للجميع.

بعد المسيرات الحاشدة والحفلات الصاخبة والخطب المتحمسة التي أعطت إشارة الانطلاق الرسمي لأعمال الدورة الخامسة للمنتدى الإجتماعي العالمي في بورتو أليغيري البرازيلية، بدأ صباح الخميس 27 يناير النشاط الجدي للمشاركين في فعاليات المنتدى والذين لا يقل عددهم عن 100 ألف شخص قدموا من 120 بلدا على الأقل.

تَحْتَ عشرات الخيام المُربَّعة ذات الأحجام المُختلفة، تـُعقد المؤتمرات والحلقات الدراسية وتُنظم ورش العمل لبحث السبل الكفيلة بإيجاد بدائل للعولمة الاقتصادية والنظام الليبرالي المُسيطر.

وداخل خيمة (E 203) يدافع التحالف السويسري لمنظمات الإغاثة والتنمية، إلى جانب منظمات غير حكومية من مختلف أنحاء العالم، عن فكرة توقيع معاهدة دولية تضمن عدم خوصصة الماء الذي يُمثل بدون شك أكبر الرهانات البيئية والإقتصادية والإجتماعية في القرن الحادي والعشرين.

وتحضر قضية الماء بقوة في دورة هذا العام للمنتدى الإجتماعي العالمي، في سابقة من نوعها. ولا تعد الحلقة الدراسية للمنظمات غير الحكومية السويسرية وشركائها سوى عينة بسيطة من سلسلة ملتقيات كُرست لبحث مشكلة المياه.

ولـعل الأرقام المخيفة المُتوفرة حول المآسي المرتبطة بندرة المياه الصالحة للشرب، وانعكاساتها على صحة الإنسان وخاصة الأطفال، تمثل أقوى مُبرر لتكثيف التحذيرات، أو بالأحرى التحركات للحد من الأضرار البشرية.

ففي كل يوم، يموت 6000 طفل دون سن الخامسة حول العالم بسبب استهلاكهم لمياه مُـلوثة.. كما أن 80% من الأمراض المنتشرة في الدول النامية مُرتبطة أيضا بشرب تلك المياه.. إنهاأرقام غير مقبولة بكل بساطة في عالم يدعي أنه مُتحضر.

مصالح ضخمة في الميزان

بيتر نيغلي، مدير مجموعة العمل في التحالف السويسرية لمنظمات التنمية والإغاثة ذكر في تصريح لـ”سويس انفو” بأن العالم أقر في “قمة الأرض في ريو (بالبرازيل) عام 1992 بأن الماء ملكية أساسية ومشتركة للبشرية. لكن، خلافا للمناخ، لا توجد بعد معاهدة دولية في هذا المجال”.

ولقد باتت مسألة المياه من اختصاص “المنتدى العالمي للمياه” الذي عقد آخر اجتماع له في مدينة كيوتو اليابانية في 2003، وهو العام الذي أعلنته الأمم المتحدة عام المياه الصالحة للشرب.

ويضم المنتدى العالمي للمياه، إلى جانب الحكومات، كبريات الشركات النشيطة في مجال المياه. أما نائب رئيس المنتدى فهو مندوب مجموعة “سويس للمياه” (Suez) أكبر شركة لتوزيع المياه الصالحة للشرب في العالم.

فما هو السبب في توجه القطاع العام إلى “الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص”؟ رد السيد نيغلي على هذا السؤال جاء واضحا: “الجميع يتوقع ارتفاع سعر الماء الصالح للشرب، والمصالح الخاصة في هذا المجال ضخمة”.

“لا معنى لخوصصة المياه”

خوصصة المياه تثير بطبيعة الحال معارضة قوية في أوساط المنظمات غير الحكومية. فهي تؤمن بضرورة ضمان الحصول على الماء الشروب كحق من حقوق الإنسان، وهذا ما يُُفترض أن تتضمنه المعاهدة الدولية التي تطالب بها.

روزماري بار، المشرفة على ملف المياه في مجموعة عمل التحالف السويسري لمنظمات الإغاثة والتنمية، تعتبر خوصصة قطاع المياه فكرة مجردة من أي معنى. وتتساءل بهذا الشأن: “من سيحدد سعر الماء الصالح للشرب في أحياء الصفيح بمانيلا؟ الإدارة المالية لمجموعة “سويس” (ٍSUEZ) في باريس، أو اللجنة المحلية التي سيعينها سكان الحي المعني بالأمر؟”.

معلوم أن القطاع الخاص يبحث عن تحقيق الأرباح، لكن 80% من سكان العالم الذين لا يستفيدون من الماء الشروب يعيشون في القرى ولا يشكلون “زبائن” مهمين. ثم إن خوصصة مجال المياه يؤدي في كل مرة إلى ارتفاع السعر..بينما تتراجع الجودة. وفي هذا السياق، شددت السيدة بار على أن الماء “ثروة حيوية” وأن إدارته يجب أن “تقع ضمن مسؤولية الدولة”.

“سويسرا ستتبع التحرك”

على صعيد آخر، يبدو أن الجهود المبذولة لمحاربة خوصصة المياه تؤتي ثمارها أحيانا. ففي أوروغواي وبوليفيا على سبيل المثال، وافقت الحكومات على إلغاء الإدارة الخاصة للماء، بفضل رفض الناخبين للخوصصة في أوروغواي، والمظاهرات الشعبية الواسعة في بوليفيا.

ويعتقد السيد نيغلي أن هاتين الخطوتين تبعثان على الأمل، إذ في حالة دعم عدد كاف من الحكومات لفكرة حصر إدارة المياه في القطاع العام، يمكن يوما ما وضع المسألة ضمن جدول أعمال الأمم المتحدة.

لكن متى؟ يأمل السيد نيغلي أن يتم ذلك في غضون ثلاث أو خمس أو عشر سنوات على أقصى تقدير. ويعتزم مدير مجموعة العمل في التحالف السويسري لمنظمات الإغاثة والتنمية المشارك في فعاليات بورتو أليغري، مواصلة الضغط على الحكومات بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية المُلتزمة بمحاربة تخصيص قطاع الماء.

ولا تستثني هذه الضغوط الحكومة السويسرية التي ناشدتها مجموعة برلمانية قبل أعوام من أجل إطلاق فكرة إبرام معاهدة دولية حول الماء على مستوى الأمم المتحدة. لكن الملف ظل جامدا. مع ذلك، لا يستسلم السيد نيغلي للتشاؤم إذ يعتقد أنه يكفي أن تتحرك جهات أخرى كي “تتبع سويسرا التحرك”.

موعد قادم في جنيف

وبعد ظهر الخميس، استقبلت خيمة (E 203) المروجين للعقد العالمي للمياه، وهي مبادرة موازية لمطلب توقيع المعاهدة الدولية.

ويتعلق الأمر، بالنسبة للعقد العالمي، بوثيقة تتطلب تجميع توقيعات المنظمات، وأيضا أقاليم وكانتونات أو مناطق الدول، فضلا عن الخواص.

وقد نشأت هذه البادرة خلال منتدى المياه العالمي البديل الذي انعقد في فلوارنس الإيطالية عام 2003 كتجمع مضاد لمنتدى كيوتو، على غرار المنتدى الإجتماعي العالمي في بورتو أليغري الذي يُُعتبر الملتقى المضاد للمنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس. وقد تقرر عقد الدورة المقبلة لمنتدى المياه العالمي البديل من 17 إلى 20 مارس القادم في جنيف.

مارك-أندري ميزري – سويس انفو – بورتو أليغري

(نقلته للعربية: إصلاح بخات)

1,4 مليار شخص حول العالم لا يتوفرون على ماء صالح للشرب.
يتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 3 مليار بحلول عام 2025.
حاليا، لا يتوفر 3 مليار شخص على شبكات الصرف الصحي.
80% من الأمراض المنتشرة في الدول النامية مرتبطة باستعمال المياه الملوثة.
كل يوم، يموت 6000 طفل دون سن الخامسة بسبب استهلاك مياه غير صالحة للشرب.
كل عام، ينفق الأوروبيون والولايات المتحدة على أغذية الكلاب والقطط الأليفة أكثر من المبلغ الضروري الذي يمكن أن يسمح لكافة سكان العالم الاستفادة من الماء الشروب.

عدم المساواة العالمية في مجال الحصول على الماء الصالح للشرب تتسبب في عدم مساواة كبيرة بين الأجناس، إذ أن النساء والأطفال هم الذين يتحملون سُخرة جلب المياه أينما قلت. وقد تحمل النساء اللاتي تسرن على الأقدام لمدة ساعات 60 لترا في اليوم. ووفقا لتقديرات أنجزت شمال شرقي البرازيل، عندما تصل المرأة إلى سن 65 عاما في مناطق جافة جدا، تكون قضت ثـلث حياتها حاملة الماء، سواء في دلو او جرة أو قربة…

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية