مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الملاحقة القضائية في سويسرا لوزير جزائري سابق: حقيقة أم زوبعة في فنجان؟

أبو جرة السلطاني يستعد لإلقاء خطاب في مؤتمر صحفي بمركز الإعلام بالجزائر العاصمة يوم 15 مايو 2007. AFP

ما الذي حدث بالضبط يوم الجمعة 16 أكتوبر 2009 مع أبي جرة السلطاني، الوزير الجزائري السابق، ورئيس حركة مجتمع السلم، الذي كان في زيارة خاصة إلى سويسرا بدعوة من رابطة مسلمي سويسرا؟

هل فرّ أبو جرة السلطاني هاربا عبر الحدود البرية الفرنسية من مواجهة العدالة السويسرية، كما أوردت صحف سويسرية وجزائرية، أم أن خروجه كان عاديّا، وكان في توديعه بمطار جنيف سفير الجزائر والقنصل، كما جاء في بيان رسمي وزّعته لاحقا حركة مجتمع السلم الجزائرية على وسائل الإعلام المحلية والدولية.

وإذا كان المعني بالأمر قد أكد لصحيفة “الخبر” الجزائرية “أنه لم يسمع وهو في سويسرا بالدعوى القضائية المزعومة”، فإن بيانا صدر يوم الأحد 18 أكتوبر 2009 عن منظمة “مكافحة الإفلات من العقاب” Trial، غير الحكومية التي يوجد مقرها بجنيف قد أكّد فعلا “أن شكوى “تعذيب” قد أودعها ضد السلطاني مواطنه أنور عبد المالك، وهو لاجئ سياسي يقيم بمدينة تولوز الفرنسية، وضابط مخابرات سابق بالجيش الجزائري.

وأضافت المنظمة السويسرية أنها “قد تقدمت بشكوى قضائية ضد السلطاني إلى قاضي التحقيق بكانتون فريبورغ، لما يزعم من مسؤوليته عن ممارسات تعذيب تعرّض لها المدعو أنور عبد المالك يوم 29 يونيو 2005”.

ويزعم هذا الأخير أنه تعرّض إلى انتهاكات جسدية وإلى التعذيب في فاتح يوليو 2005، بحضور وإشراف أبو جرة السلطاني، في مركز “شاتونوف”، سيء الصيت، والذي يشتهر بأنه “مكان للتعذيب، والإعتقال التعسّفي الأهم في الجزائر”.

ويوم السبت 17 أكتوبر كان من المنتظر ان ينتقل السيد بوجرة إلى كانتون فريبورغ للمشاركة في فعاليات الملتقى السنوي الذي تنظمه رابطة مسلمي سويسرا في منطقة البحيرة السوداء، لكنه فضّل في النهاية قطع برنامج زيارته والعودة إلى الجزائر.

حقيقة الدعوى القضائية

من الصعب التوصّل إلى تفاصيل ما جرى بالضبط، ففي الوقت الذي يؤكد فيه السيد جون لوك موزر قاضي التحقيق بكانتون فريبورغ في تصريحات إلى صحيفة “لاليبرتي” (يومية تصدر بالفرنسية في فريبورغ) بأنه قد أمر فعلا الشرطة باستدعاء السيد السلطاني بمجرّد دخوله إلى أراضي كانتون فريبورغ لتنظيم مواجهة بينه وبين أنور عبد المالك للتأكد من حقيقة الإتهام الموجه له بالإشراف على ممارسات تعذيب في إحدى السجون الجزائرية تعود إلى سنة 2005، فإنه يشدد أيضا على أنه لم يكن في نيته إيقافه أو اعتقاله.

وهذا الأمر أكّده أيضا “دامين شارفاز”، محامي الضحية المفترض،، الذي ينفي بدوره لنفس الصحيفة صدور أي مذكّرة اعتقال ضد أبو جرة السلطاني، وأن الإلتماس الذي توجه به هو نفسه إلى قاضي التحقيق بكانتون فريبورغ اقتصر على “طلب إجراء مواجهة بينه وبين موكّله، بشرط الحصول على موافقته”.

ويضيف القاضي السويسري لصحيفة “لاليبرتي” أنه “اتخذ تلك الخطوة بعد أن اتصل بوزارة الخارجية في بلاده، وتأكد من مصادرها المطلعة أن أبي جرة السلطاني لا يتمتع بحصانة دبلوماسية”. الأمر إذن لا يتعلّق بإيقاف، بل بتحريات حول اتهامات محددة.

يزداد غموض الإجراءات القضائية التي كان من المفترض اتخاذها بحق السياسي الجزائري، خاصة بعد نفي مصادر في وزارة العدل السويسرية، نقلا عن الموقع الإخباري “كل شيء عن الجزائر”، نفيا قاطعا إصدار أي مذكّرة توقيف في حق أبو جرة السلطاني، قبل أن يوضّح المصدر نفسه بأن “العدالة السويسرية ليس لها صلاحيات النظر في قضية جرت أحداثها خارج سويسرا”.

السلطاني يعد بتبرئة ذمّته أمام القضاء السويسري

ابو جرة السلطاني الذي نفى فراره من سويسرا مرة أخرى في حديث إلى مراسل وكالة “قدس برس” في جنيف، وأكّد أنه دخل سويسرا وغادرها بشكل طبيعي، كشف عن نيّته العودة مرة أخرى إلى سويسرا واللجوء إلى القضاء لمتابعة الضابط الجزائري السابق أنور عبد المالك، ومنظمة “مناهضة الإفلات من العقاب” Trial.

وأضاف السلطاني لنفس الوكالة: “طالما أن الأمر قد تجاوز البعد الشخصي، وتبنته منظمة “تريال”، فإن من واجبي أن أسافر إلى سويسرا، وأرفع دعوة قضائية ضد هذه الجمعية، وضد أنور عبد المالك”.

من جهة أخرى، اعتبر الوزير الجزائري السابق، وزعيم حركة مجتمع السلم (حمس) أنه “بريء من تلك الإتهامات”، وأنه “من المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن المناهضين للتعذيب”، منوّها إلى أن “ديننا ينهانا عن تعذيب حتى النمل”.

أما عودته المفاجئة إلى الجزائر، فبين السلطاني أنها جاءت بعد “نقاش دار بيني وبين الإخوة المنظمين للملتقى السنوي لرابطة مسلمي سويسرا، حول جدوى المشاركة بمحاضرة يوم الأحد (18 أكتوبر)، وانتهينا إلى أن مشاركتي في الندوة ربما تثير بعض الجدل، وأن هذا قد لا يكون مناسبا، نظرا للجدل الدائر في سويسرا هذه الأيام حول مبادرة حظر المآذن”.

سويسرا تتجنب ازمة دبلوماسية جديدة

من الأسئلة التي تظل بدون جواب قاطع في هذه القضية، هو كيف؟ ومتى تبلّغت القنصلية الجزائرية بجنيف بوجود ملف قضائي ينتظر وصول أبو جرة السلطاني إلى كانتون فريبورغ السويسري؟ وهل جاء الإنذار المبكّر من وزارة الخارجية السويسرية؟

أمر يستبعده محامي انور عبد المالك نفسه الذي قال لصحيفة “لاليبرتي”: “لا يمكنني أن اتخيّل أن وزارة الخارجية السويسرية قد أبلغت الجزائر بذلك، لتجنّب أزمة دبلوماسية جديدة، خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار النتائج السلبية جدا لأزمتها مع ليبيا، بالإضافة إلى قضية المخرج الفرنسي من أصل بولاندي رومان بولانسكي الذي اعتقل أخيرا بمطار زيورخ، وهو رهن الإعتقال في انتظار ترحيله إلى الولايات المتحدة الأمريكية”.

سياسيا، هذا الأمر مستبعد، لانه يضر بصورة وبمصداقية سويسرا، فقبل أيام فقط، وأمام مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، شدّدت وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري على “أهمية مكافحة الإفلات من العقاب كخطوة أولى لإعادة بناء مادمّرته الحروب والنزاعات”.

وجوابا على سؤال لـ swissinfo.ch لم ترد وزارة الخارجية رفض أو تأكيد تدخّلها في هذه القضية، واجاب أندرياس شتوفّر، الناطق باسم الخارجية: “لا تعليق لدينا على هذا الموضوع، يمكنكم الإتصال بالجهات القضائية”.

ورغم أن منظمة “Trial” المكافحة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتعذيب تأسف لكون السيد السلطاني قد عاد لبلاده قبل أن يستمع إليه القضاء السويسري في الدعوى المرفوعة ضده، فإنها حيت مع ذلك ما اعتبرته “جدية من القضاء السويسري في الوفاء بالتزاماته الدولية، وذلك بقبوله فتح تحقيق ضد شخص متهم بارتكاب ممارسات تعذيب” مثلما جاء في البيان الصادر عنها.

وكما هو معلوم فإن سويسرا، وطبقا لنصوص “اتفاقية مكافحة التعذيب” الأممية، التي صادقت عليها سنة 1987، ملزمة بإيقاف كل شخص متهم بممارسة التعذيب، حتى في صورة قيامه بمثل هذه الإنتهاكات خارج الأراضي السويسرية.

مكافحة الإفلات من العقاب

وتعليقا على هذه الحادثة، يقول فيليب غرانت، رئيس منظمة “Trial” في تصريحات نقلتها عنه صحيفة “لاليبرتي”: “لو اُعتقل السيد أبو جرة السلطاني لكان ذلك إشارة قوية إلى أن الإفلات من العقاب لم يعد ممكنا بالنسبة للجلاّدين، وأن العدالة قد أصبحت في صف المظلومين”.

ومهما كان الأمر، يضيف غرانت: “فهي إشارة قوية إلى ضحايا تلك الممارسات، وتأكيدا لهم بأن جلاديهم يمكن أن يُتابعوا قضائيا في خارج بلدانهم”.

وفي الواقع، يتعرّض الجلادون، ومجرمو الحروب إلى التضييق اكثر فأكثر، وبحسب المسؤول في منظمة “Trial” فإنه “تتشكل حاليا شبكة تتكون من الضحايا، ومن المنظمات غير الحكومية عبر العالم. وسوف يعقد قريبا اجتماع في بروكسل لوضع خطة مشتركة لمكافحة الإفلات من العقاب”.

هذه التطوّر يؤكده أيضا مارشيلو كوهن، خبير في القانون الدولي من معهد الدراسات العليا الدولية ودراسات التنمية الذي صرح لـ swissinfo.ch: “هناك وعي متزايد بان هذا النوع من الجرائم لا يمكن أن يظل من دون عقاب. ولا يجب أن يتوقف هذا على إرادة الحكومات”.

ويضيف هذا الخبير: “منذ تفجّر قضية بينوشيه (دكتاتور الشيلي السابق)، هناك توجّه لمحاكمة مجرمي الحروب، عندما يكونون خارج بلدانهم. واليوم نحن في مرحلة تعزيز الإلتزام بمقاضاة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم تنص عليها الإتفاقيات الدولية”.

عبد الحفيظ العبدلي (مع الوكالات وبالتعاون مع فريديريك بيرنون – swissinfo.ch)

منظمة “مكافحة الإفلات من العقاب” TRIAL منظمة سويسرية غير حكومية يوجد مقرها بجنيف، ويقع تمويلها من طرف حكومة جنيف المحلية ومؤسسات خاصة.

تتحدد أهدافها في مكافحة إفلات المسؤولين من العقاب، وكل المتعاونين معهم في مجال التعذيب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية خلال النزاعات والحروب، والإختفاء القسري.

كما تلتزم هذه المنظمة بالدفاع عن ضحايا هذه الإنتهاكات امام المحاكم الوطنية والدولية، في سويسرا، وأمام المحكمة الجنائية الدولية.

تعمل هذه المنظمة أيضا من خلال شبكة واسعة من العلاقات، على انشاء وتعزيز الهياكل والآليات التي تساعد على متابعة المسؤولين عن هذا النوع من الجرائم، وعلى نشر الوعي في صفوف المواطنين، وخاصة المعنيين منهم بوظائف القضاء، بضرورة دعم، وضمان احترام أحكام القانون والقضاء على الساحة الدولية، خاصة ما يتعلق بمكافحة “الإفلات من العقاب”.

ولد أبو جرة سلطاني سنة 1954 بولاية تبسة الواقعة في أقصى شرق الجزائر، وهو زعيم سياسي ووزير في سابق بالحكومة الجزائرية ويترأس حاليا حركة مجتمع السلم (حمس) الشريكة في الإئتلاف الحاكم في الجزائر.

درس في دائرة الشريعة بالكتاب ثم بالمدارس الابتدائية والمتوسطة بمدينة تبسة، بعدها انتقل إلى قسنطينة ليستكمل دراسته الجامعية والعالية، تحصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي (العصر الجاهلي)، ودراسات عليا في الدعوة الإسلامية (كلية الدعوة والإعلام – قسم الدعوة)، ودراسات عليا في الإعلام.

اشتغل أستاذاً بجامعة قسنطينة في كلية الآداب في الفترة الممتدة بين أعوام 1980 و 1994 وأستاذاً مساعداً في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية 1990 1994 في قسم الدعوة والإعلام.

شغل أبو جرة السلطاني العديد من المناصب السياسية والإدارية والدينية:

1980 – 1996: أستاذ جامعي.
1996 – 1998: كاتب دولة مكلّف بالصيد البحري.
1998 – 2000: وزير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
2000 – 2001: وزير العمل والحماية الإجتماعية.
2002: نائب بالبرلمان لدورة ثانية.
منذ 2003: رئيس حركة مجتمع السلم المشاركة في الإئتلاف الحكومي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية