مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تصمد حكومة بنكيران بعد انسحاب حزب الإستقلال؟

من اليمين حميد شباط، رئيس حزب الاستقلال وعبد الإله بن كيران، الوزير الأول المغربي Null

انتهى الجزء الثاني من مسلسل انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة المغربية، دون أن تظهر ملامح الجزء الثالث من هذا المسلسل الذي انطلق منذ الصيف الماضي. وتوجّه مساء يوم الثلاثاء 9 يوليو الجاري، أربعة من وزراء حزب الاستقلال إلى مكتب رئيس الحكومة، داخل حرم القصر الملكي بالرباط، وسلّموا استقالاتهم، وتوجّه الوزير الخامس بعد ذلك بساعات، فيما امتنع الوزير السادس عن الاستقالة، ليقرّر الحزب إحالته على مجلس تأديبي، تمهيدا لطرده من الحزب.

خطوة الوزراء الاستقلاليين جاءت بعد قرار الحزب تفعيل قرار سابق بالانسحاب من الحكومة اتُّخِـذ في مايو الماضي، احتجاجا على رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، وأُجِّل تنفيذه بانتظار تحكيم ملكي طلبه الحزب.

العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي كان حين قرّر حزب الاستقلال الانسحاب، متواجدا بالعاصمة الفرنسية باريس، استقبل حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال وأبلغه حسب ما تردّد، أن للحزب الحرية باتِّخاذ القرار الذي يراه مناسِبا، وأن طلب التحكيم الذي قُـدِّم، لا ينسجم مع الفصل 42 من الدستور الذي اعتمد للطلب، لأنه يتحدث عن تحكيم ملكي في حال خلاف بين المؤسسات الدستورية، فيما الخلاف الواقع هو بين الأغلبية الحكومية.

وحزب الاستقلال، أعرق الأحزاب المغربية، كان يحتلّ المرتبة الثانية في الحكومة الحالية التي يرأسها عبد الإله بن كيران، زعيم حزب العدالة والتنمية (ذات المرجعية الإسلامية) وشكلت في يناير 2012 بعد انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في سياق الإصلاحات السياسية والدستورية التي عرفتها البلاد.

وتكوّنت الحكومة من ائتلاف ضم، بالإضافة إلى وزراء القصر، كلاّ من حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والحركة الشعبية وحزب التقدّم والاشتراكية، ليضمن أغلبية برلمانية مريحة، حيث تمثل هذه الأحزاب 220 نائبا من 395 نائبا، وتمثل حزب الاستقلال في ستة وزراء، هُم نزار بركة، وزير الاقتصاد والمالية، ومحمد الوفا، وزير التربية الوطنية، وفؤاد الدويري، وزير الطاقة والمعادن، وعبد الصمد قيوح، وزير الصناعة التقليدية، وعبد اللطيف معزوز، الجالية المغربية في الخارج، إضافة إلى يوسف العمراني، الوزير المنتدب في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون.

أكد شريك في الحكومة الائتلافية بالمغرب يوم الأربعاء 10 يوليو أنه انسحب بسبب التخفيضات المزمعة في الدعم على الأغذية والطاقة، مما يزيد من احتمال الاضطراب السياسي، وربما يؤدي الى إجراء انتخابات مبكرة في المملكة.

ولم يصدر تعليق فوري من حكومة رئيس الوزراء عبد الاله بن كيران بشأن الخطوة التي اتخذها حزب الاستقلال، الذي قال يوم الثلاثاء إنه سينسحب، احتجاجا على خفض الدعم ومسائل أخرى ذكر أنها ستضر بالفقراء.

وكان حزب الاستقلال ضمن ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي فاز بالانتخابات التشريعية عام 2011 التي أجريت عقب اعتماد دستور جديد في إجراء اقترحه الملك محمد السادس حتى يتفادى المغرب موجة احتجاجات الربيع العربي.

ولم يتضح بعد ما اذا كان الملك الذي له القول الفصل في كل الأمور، سيقبل استقالة الحزب، غير أن محللين سياسيين قالوا إن الخطوة التي اتخذها حزب الاستقلال لا تبدو عفوية، وربما تتمتع بشيء من التأييد داخل القصر.

واذا قبل الملك الاستقالة، فيجب أن يبحث بن كيران عن شريك جديد في الائتلاف أو يدعو الى انتخابات مبكرة. ويقول محللون إن الخيار الأول هو الأرجح.

وقال المتحدث باسم حزب الاستقلال عادل بن حمزة إن خمسة من جملة ستة وزراء بالحكومة ينتمون لحزبه، منهم وزيرا المالية والطاقة، قدموا استقالاتهم، مضيفا أن وزير التعليم سيقدم استقالته ايضا. وأضاف أن وزير التعليم محمد الوفا امامه 24 ساعة ليستقيل، والا سيستبعد من الحزب.

ورفض وزير الطاقة فؤاد الدويري الذي تحدثت اليه رويترز تأكيد استقالته، وقال إنه لا يستطيع الحديث عن الأمر.

وتسعى الحكومة الى تفادي تدهور في مستوى المعيشة يمكن أن يشعل احتجاجات في الشوارع من جديد، لكنها بحاجة الى خفض الدعم فيما تسعى جاهدة الى مواجهة الأزمة الاقتصادية التي ترتبت على انتفاضات الربيع العربي وأزمة الديون بمنطقة اليورو التي أضرت بالمصدر الرئيسي للتجارة والاستثمار بالنسبة لها.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 يوليو 2013).

نيران حزب الاستقلال 

وإذا كان حميد شباط قد فتح النيران على الحكومة ورئيسها منذ أن رفض بن كيران إجراء تعديلات حكومية طلبه شباط لاستبدال وزراء حزبه بآخرين (على اعتبار أن هؤلاء الوزراء من اختيار القيادة السابقة للحزب)، فإن هذه النيران تكثّفت وأصبحت تنطلِق لتحرق كل الأوراق بين الطرفين، وليدفع شباط بحزبه منتصف مايو لاتِّخاذ قرار الانسحاب.

بلاغ اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، الذي صدر الأسبوع الماضي ليعلن تفعيل قرار الانسحاب، قال إن الحزب منح رئيس الحكومة ما يكفي من الوقت لتدارك انسحابه وأنه “تحمل بوطنية عالية كل الاستفزازات التي صدرت عن رئيس الحكومة والتي تعكس قلّة الخِبرة وانعِدام الإحساس بالمسؤولية”.

وقال البلاغ، “لكنها قلوب عليها أقفالها، وهي وضعية طبيعية عندما يكون مصير البلاد بيَد مَن يفتقِدون الإحساس بالمسؤولية ولا يستشعِرون مهامهم الدستورية وما منحهم الدستور الجديد من صلاحيات، لا يشعرون بقيمتها، كونهم لم يساهموا في إنضاجها عبْر مسار طويل، لكنهم بهذا السلوك غير المسبوق في الدول الديمقراطية أو التي تتلمّس طريقها نحو الديمقراطية، جعلوا البلاد تعيش حالة من الانتظار والارتباك، يتحملون وحدهم مسؤوليتها وما نتج وسينتج عنها”.

وأعاد البلاغ ما كان يقوله حميد شباط ضد الحكومة، وركّز على عجزها في تدبير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، قبل أن يوجِّه نيرانه إلى حزب رئيس الحكومة ومحاولة إسقاط ما يجري بمصر على ما يجري بالمغرب، وقال إن حزب العدالة والتنمية “يحاول إسقاط ما عرفته كلّ من مصر وتونس على التجربة المغربية، وبلغ الأمر استِنساخ المفردات والمفاهيم، مثل الدولة العميقة والعزل السياسي وغيرها”، مؤكّدا أن “التيار السياسي لرئيس الحكومة تُحرِّكه أجندة غيْر وطنية، وهو أمر لا يمكن لحزب الاستقلال السكوت عنه، ولو أنه ليس غريبا على تيار سياسي، كان دائما صدى لما يحدُث في مراكز قيادته القُطْرية خارج البلاد”.

على هذا الإيقاع، قدم خمسة من وزراء حزب الاستقلال استقالاتهم، فيما رفض محمد الوفا ذلك وقرر البقاء بالحكومة، فأنذرته قيادة الحزب 24 ساعة، لكنه تمسّك بموقفه. وعقابا له، قررت قيادة الحزب توقيفه من مهامّه الحزبية مع رفع ملفّه إلى اللجنة الوطنية للتحكيم والتأديب، طبقا لقانون الحزب.

استقالات 

دستوريا، حتى تصبح استقالات الوزراء سارية المفعول، يجب أن يوافق رئيس الحكومة ويرفع طلبات الاستقالة للملك، الذي إذا ما وافق، يُصدِر مرسوما بالإقالة. وتتوقّع مصادر حزبية أن لا يوافق بن كيران على استقالة نزار بركة، وزير الاقتصاد والمالية، وهو ما سيضيف لحزب الاستقلال إحراجا إلى جانب الإحراج الذي ولَّده رفْض محمد الوفا تقديم استقالته.

سياسيا، وضعت استقالة وزراء حزب الاستقلال عبد الإله بن كيران في مأزق البحث عن حزب يكمل أغلبيته، وهو مأزق متوقّع، لكن تدبيره ليس أمرا سهلا، لأن المطلوب، حزبا يتوفّر على الأقل على 38 مقعدا بمجلس النواب، وسيكون من بين ثلاثة أحزاب هي حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

 وإذا كان من المُستبعد مشاركة الحزبيْن الأخيرين، لأنهما يعلنان، سياسيا وأيديولوجيا، حربا على بن كيران وحزبه، فإن الأنظار تتوجّه نحو التجمّع الذي، رغم الحرب التي سادت معه، إلا أنها اقتصرت على زعيمه صلاح الدين مزوار، والتقارير المتعدّدة تقول إن الاتصالات كانت قائمة قبل تفعيل حزب الاستقلال لقرار انسحابه، وإن كانت قيادات من التجمّع تنفي ذلك.

احتمال انتخابات مبكرة 

لكن المُغريات أمام التجمعين كثيرة، فإضافة للحقائب الوزارية المطروحة والتي يُحتَمل زيادتها، فإن أحد أقطاب التجمع (عبد العزيز اخنوش)، مشارك بالحكومة كوزير للفلاحة بصفته غيْر مُنتمٍ، كما أن التغيير بالأغلبية، يؤدي بالضرورة إلى إبعاد كريم غلاب، القيادي بحزب الاستقلال عن رئاسة مجلس النواب، وهو المنصب الذي يكون من حظّ التجمّع ويتردّد أنه عُرض على مزاور شخصيا.

ويتحدّث عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن إمكانية إجراء انتخابات سابقة لأوانها، إذا لم يتم استكمال الأغلبية، وقال لـ swissinfo.ch إن كل الاحتمالات واردة وأن المجلس الوطني، السلطة التقريرية للحزب، سيتّخذ القرار المناسب بعد أن تبلورت الصورة.

وإذا ما تأمنت أغلبية مريحة لحكومة بن كيران، فإن  معارضة أخرى ستتبلور. ويحاول الاستقلاليون الاقتراب من الاتحاد الاشتراكي، لإحياء الكتلة الديمقراطية، التي دفعت في تسعينات القرن الماضي نحو إصلاحات مهّدت لحكومة التناوُب التي قادها الاشتراكيون 1998 إلى 2002 والتي جاءت تتويجا لتقارب بين الحزبيْن بعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة 1985، وإذا كانت خصومة الدولة وأحزابها قبل 18 عاما، حفزت على قيام الكتلة، فإن خصومة حزب العدالة والتنمية قد تشكِّل حافزا لقيام إطار جديد يجمع الحزبيْن، طبْعا مع وجود الفارِق في الخصْم والفارق أيضا في بنية الحزبيْن والمشهد السياسي في البلاد.

وقيادة حزب الاستقلال التي دعت في بلاغ، إلى تفعيل قرار الانسحاب، دعت أيضا إلى “تضافر جهود كل الديمقراطيين من مختلف التيارات الوطنية السياسية والحقوقية والاقتصادية والنقابية، للتصدّي لمشروع الهيْمنة واستنساخ التجارب الفاشلة والالتحام الدائم بهموم المواطنين”.

كل شيء، في المغرب، وتحديدا في الحِقبة السياسية وطبيعة النخبة التي تحتلّ الواجهة حاليا  ممكن وكلّ الاحتمالات مطروحة، وما قيل على لسان هذا المسؤول الحزبي قبل أيام، يمكن أن يُنسى، بل أن لدى المسؤول الحزبي نفسه من القابلية لينفي ما كان قد قاله ويقول كلاما معاكسا له.

إنها السياسة أو على الأقل هكذا تُفهَم مغربيا في هذه المرحلة من الزّمن السياسي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية