تخزين النفايات المشعة لا زالت قضية شائكة!
ناقشت ندوة دولية عقدت في العاصمة الفدرالية برن كيفية التوصل الى اتفاق حول تخزين النفايات المشعة في أعماق الأرض وكسب دعم الجمهور لهذه الخطوة.
ومع أن الحكومة الفدرالية تؤيد أيضا فكرة التخزين في أعماق الأرض، إلا أن اختيار مكان تخزين دائم تحت سطح الأرض في سويسرا، لا يزال أمرا بعيد التحقيق.
أدى تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية إلى إعطاء دفعة قوية لمطالب المناصرين لبناء محطات الطاقة النووية حتى في سويسرا. ومن بين المبررات التي يقدمها هؤلاء أن “محطات الطاقة النووية محافظة على البيئة لأنها تصدر كميات أقل من غاز ثاني أكسيد الكربون”.
يُضاف الى ذلك أن الجيل الأول من المفاعلات يجب أن يُستبدل بجيل ثان لتفادي النقص المسجل في إنتاج الطاقة الكهربائية.
ولكن المشكلة الرئيسة التي عانت منها محطات الجيل الأول من مفاعلات الطاقة النووية في كل من ببزناو، ولايبشتات، وغوسغن، وموليبيرغ، ما زالت قائمة وتتمحور حول كيفية التخلص من النفايات المشعة. ولازالت مشكلة العثور على مكان لتشييد مخزن (أو مخازن) لهذا الغرض قائمة حتى الان.
وبرأي حوالي 200 خبير اجتمعوا في ندوة دولية (انعقدت من 15 إلى 17 أكتوبر الجاري في العاصمة الفدرالية وتركزت على كيفية التخلص من النفايات المشعة)، فإن الحل لهذه المشكلة يوجد في متناول اليد أو بتعبير أدق في أعماق الأرض، أي عبر مخازن جيولوجية مقامة في أعماق الطبقات الأرضية.
وهذا ما تم الاتفاق بشأنه في الندوة الأولى التي انعقدت في عام 1999، ولم يتوصل الخبراء فقط الى اتفاق بخصوص الحل الممكن لهذه المعضلة بل إنهم يستعجلون تطبيقه في أقرب وقت.
لا حلول بدون إقناع الشعب
لكن موريتس لوينبيرغر، عضو الحكومة الفدرالية المكلف بملف الطاقة، حذر في خطاب الافتتاح من مغبة التسرع، إذ قال “إن الحل الجيد والآمن يتطلب مزيدا من الوقت، لأننا مضطرون للاعتماد على موافقة الشعب”. وبدون موافقة الشعب لا يمكن إقامة موقع تخزين نهائي في أي مكان، بغض النظر عن طبيعة النظام القائم.
وقد اعتمد لوينبيرغر في ذلك على نتائج التصويت الذي جرى في عام 2002، والذي رفض فيه الناخبون في كانتون نيدفالدن مشروع إقامة مخزن دائم في بلدة فاللنبيرغ معتبرين أنه “غير آمن ولا يمكن التحكم فيه لعدة أجيال”.
وهذا الرفض لم يكن انتصارا لسكان الكانتون فحسب في مواجهة الحكومة المحلية وفي مواجهة التعاونية الوطنية لتخزين النفايات النووية ( NAGRA) بل هزيمة كبرى لقطاع الطاقة النووية في سويسرا.
طبقات صخرية مستقرة
ويتعلق السؤال الأبرز المطروح من طرف الجمهور حول المعيار الذي يجب اعتماده لاعتبار أن هذه المخازن الدائمة آمنة ومستقرة. يجيب عن ذلك فالتر شتاينمان، مدير المكتب الفدرالي للطاقة، في لقاء مع سويس إنفو على هامش هذه الندوة بقوله: “إننا نعتبر أن إقامة مخازن في الطبقات الجيولوجية العميقة يقدم أحسن ضمان في الوقت الحالي، وهذا بفضل الطبقات الجيولوجية (المعروفة باسم “أوبالينوستون”) التي لم تعرف أية زعزعة على مدى أكثر من 100 الف سنة الماضية.
ولكن مع ذلك لا يرى شتاينمان في إقامة مخزن تحت سطح الأرض الحل السحري الذي يفتح الباب على مصراعيه امام بناء محطات نووية جديدة. إذ أن نسبة الطاقة المستهلكة في العالم والمستخرجة من الطاقة النووية لا تتعدى 10%، يُضاف الى ذلك أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تعترف بدور فعال للمفاعلات النووية في انتاج أكبر قدر من الطاقة.
ولتلخيص التوجه السائد في وزارته، يقول مدير المكتب الفدرالي للطاقة أنه “من أجل تسطير سياسة ناجحة في مجال الطاقة يتوجب علينا أولا وقبل كل شيء أن نراهن على الاقتصاد في مجال الإستهلاك وان نستثمر في مصادر الطاقة المتجددة”.
اعتراف حكومي واضح
في المحصلة (وليس نتيجة فقط لما سبق ذكره)، تجد الأوساط المؤيدة للطاقة النووية نفسها اليوم في موقع قوة، حيث أن الحكومة الفدرالية أوضحت علانية بأنها مع خيار الطاقة النووية، لذلك فهي ستواصل المشوار من أجل بناء مخازن النفايات تحت سطح الأرض.
ومن المنتظر أن تعلن برن في بداية عام 2008 عن المعايير التي سيتم بموجبها تحديد ما بين ستة أو ثمانية مواقع محتملة لاقامة المخازن، يجري بعدها تحديد موافقة الشعب في مسار وصفه الوزير لوينبيرغر بـ “المسار الديمقراطي القائم على أساس نقاش نقدي، وعلى الشفافية والمشاركة”.
وبما أن بناء مخزن تحت سطح الأرض يتطلب موافقة الشعب، فسيكون بإمكان المواطنين ومنظمات المجتمع المدني استخدام حق الاستفتاء الطوعي لمعارضة المشروع.
وكانت الحكومة قد قامت بتغيير الإجراءات عقب فشل مشروع فيللنبيرغ فلم يعد الأمر مقتصرا على نتيجة تصويت سكان المنطقة المعنية لوحدهم بل على تصويت الشعب السويسري بأكمله. وهو ما تتوقع السلطات الحكومية المكلفة بمجال الطاقة حدوثه في غضون فترة تتراوح ما بين 7 و 12 سنة من الآن.
موضوع ساخن
ويتوقع المسؤول الحكومي شتاينمان، في حال موافقة الشعب السويسري على بناء مخزن تحت سطح الأرض، إصدار ترخيص على الفور بالشروع في عملية البناء. وتشير التوقعات إلى أن يشرع في استقبال النفايات الضعيفة والمتوسطة الإشعاع في عام 2030. أما فيما يتعلق بالنفايات القوية الإشعاع، فيجب انتظار عشرة أعوام إضافية.
ومن هذا المنطلق ليس في الأمر عجلة لبناء مخزن نهائي تحت سطح الأرض لأن براميل التخزين سوف لن تنخفض درجات حرارتها من هنا حتى العام 2040 إلى ما دون 100 درجة لأنها هي درجة الحرارة التي سيُسمح فيها بطمر هذه النفايات تحت سطح الأرض.
رينات كونتسي – سويس إنفو
(نقله إلى العربية وعالجه محمد شريف)
لا يوجد لحد اليوم في العالم مخازن نهائية تحت سطح الأرض للنفايات النووية القوية الإشعاع.
تعتبر فنلندا البلد المتقدم في هذا المجال وهي بصدد بناء مخزن جيولوجي في الطبقات الأرضية السفلى.
وفي السويد وافقت عدة بلديات على إنجاز مشاريع مماثلة.
فرنسا ستحدد من الآن وإلى عام 2015 موقعا لبناء مخزن تحت سطح الأرض. ومن المحتمل أن يكون في منطقة بور بمقاطعة أوب.
وتخطط الولايات المتحدة الأمريكية لبناء مخزن في جبال يوكا في ولاية نيفادا.
وفي سويسرا، كشفت عمليات الحفر الإستكشافية عن وجود طبقات صخرية ملائمة في بلدة فيللنبيرغ بكانتون نيدفالدن وفي مناطق زراعة الكروم بكانتون زيورخ.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.