مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جمود المفاوضات داخل مؤتمر نزع السلاح يُلقي شكوكا على مستقبله

ترفض باكستان التي اختبرت سلاحا نوويا في عام 1998 إجراء محادثات بشأن إنتاج المواد الإنشطارية ما لم تقترن بالتفاوض حول نزع الأسلحة والمخزون النووي في نفس الوقت. Reuters

يحتفل مؤتمر نزع السلاح هذه السنة بمرور 80 عاما على تأسيسه، لكن الجمود الذي يلفه منذ أكثر من 15 عاما بسبب عدم الإتفاق حول جدول أعماله، يثير التساؤلات حول مستقبله واحتمالات بقائه في جنيف.

وبالعودة إلى مسار الأحداث، انطلقت المناقشات المتعلقة بملف نزع السلاح على المستوى الدولي منذ أكثر من ثمانين عاما، ثم تدرجت على مراحل منذ تأسيس أول لجنة لنزع السلاح في عهد عُصبة الأمم سنة 1932. ومع أن هذا المحفل الأمميّ الهام والحساس تمكن من تحقيق إنجازات استثنائية في مجال الحد من سباق التسلح بشتى أنواعه، إلا أنه يمرّ منذ أزيد من 15 عاما بفترة جمود تتسم بالتوتر وفقدان الثقة بين شركاء الحوار.

وفي السنة التي تصادف الذكرى الثمانين لتأسيسه، يعرف مؤتمر نزع السلاح الذي يتخذ من جنيف مقرا له، وهو أهم محفل أممي معنيّ بهذه المعضلة الكونية، أزمة وجودية تكاد تعصف بمستقبله نظرا لعدم تمكن الدول الأعضاء فيه من الإتفاق على جدول أعمال يسمح بمباشرة العمل بشكل طبيعي، بالرغم من انتظام التئام جلساته بمعدل مرتين كل أسبوع على مدى الخمسة عشر عاما المنقضية.

إنجازات إنسانية

عند الحديث عن مؤتمر نزع السلاح، ليس بإمكان أحد التقليل من أهمية هذا المحفل الأممي الذي لعب دورا في التوصل إلى إقرار اتفاقيات دولية هامة في هذا المجال الحيوي. ومن المؤكد أنه يزداد أهمية اليوم بالنسبة للأطراف الحريصة على التسريع بعملية نزع السلاح النووي وما يصحبها من جدل.

على مدى تاريخها، مرت هذه المؤسسة بفترات نمو حيث انتقلت من مجموعة محدودة العدد الى مؤتمر يضم 65 دولة اليوم بما فيها القوى النووية العظمى، كما نجحت في بلورة اتفاقيات ذات أبعاد كونية مثل معاهدة منع الإنتشار النووي، ومعاهدة الأسلحة البيولوجية، ومعاهدة الأسلحة الكيماوية، ومعاهدة حظر التجارب النووية.

وفي معرض تقييمه لهذا المحفل الأممي، يقول السفير الكساندر فازل، ممثل سويسرا في مؤتمر نزع السلاح: “أعتقد بأنها مؤسسة هامة تعكس واقع حقبتها. وهي نتاج واقع سياسي وحصيلة علاقات دولية تحددها الدول الأعضاء”.

جمود يخدم الجميع!

في مقابل ذلك، تُعاني أنشطة هذا المحفل الأممي من الشلل منذ عام 1996 حينما تم طرح أربعة مواضيع للنقاش لم تستطع البلدان الأعضاء فيه تحقيق إجماع بشأنها نظرا لأن كلا منها يمسّ مصالح مجموعة معينة من الدول. وتشمل هذه المواضيع المطروحة للنقاش، الحد من انتشار المواد الإنشطارية، وحظر السباق نحو التسلح في الفضاء الخارجي، ونزع السلاح النووي، وتقديم الضمانات السلبية للدول غير النووية.

فقد اتضح أن الدول النووية لا ترغب في أن تشترك الدول غير النووية في مناقشة المسائل المتعلقة بالحد من مخزونها من الأسلحة النووية، وتود أن يبقى ذلك وقفا على مفاوضات بين القوى النووية أو على قرارات تتخذ بمحض إرادة ذاتية.

على العكس من ذلك، لا ترغب الدول الحديثة العهد بالسلاح النووي، أو التي تملكه ولم تعلن عن حيازتها له، أو التي تعمل جاهدة للتوصل إلى امتلاكه بحجج مختلفة، في وضع حد لانتشار المواد الإنشطارية في الوقت الحالي في انتظار أن تُجمّع مخزونا كافيا منها. وهذا ما ينطبق على كل من الهند وباكستان بشكل واضح.

وبما أن الدول الأعضاء في مؤتمر نزع السلاح أصرّت على الربط بين جميع هذه المسائل بحيث لا يمكن فتح موضوع للنقاش دون المواضيع الثلاثة الأخرى، ظل مؤتمر نزع السلاح يراوح مكانه منذ خمسة عشر عاما ونيف. واليوم، يُنذر هذا الخلاف المُزمن بـ “نهاية” هذا المحفل الأممي، في صيغته الحالية على الأقل.

وفي الواقع، لا يعود الجمود الحالي إلى هذا الربط المُشترط بين المواضيع المطروحة للنقاش فحسب، بل أيضا إلى طريقة عمل مؤتمر نزع السلاح الذي لا زال متمسكا باتخاذ قراراته بالإجماع. ويكفي أن تعارض دولة واحدة لكي تُحبط كل الجهود مثلما فعلت باكستان في آخر اجتماع عقده المؤتمر في شهر مارس 2012، الذي كانت الرئاسة المصرية تنوي فيه الخروج بحل يسمح باستئناف النشاط. لكن باكستان – التي رفضت ما اسمته “الغموض” الوارد في الإقتراح المصري بخصوص مسألة الحدّ من انتشار المواد الإنشطارية – حالت دون تحقيق الإجماع بدعوى “تفضيل الحرص على المصالح الحيوية الإستراتيجية الباكستانية”.

في الأثناء، يرى مراقبون أن هذا التمسك بمبدإ اتخاذ القرارات بالإجماع داخل مؤتمر نزع السلاح، ليس سوى وسيلة تستخدمها الدول النامية الممثلة في مجموعة 21، لتعويض هيمنة القوى العظمى في مجلس الأمن التي تمتلك حق استخدام النقض (الفيتو). وهو ما يدفع إلى الإستنتاج بأن الجميع يجدون أنفسهم في “وضعية مريحة” بالنظر إلى خصوصيات العلاقات الدولية السائدة في عالم اليوم.

المراهنة على تغير العقليات

سويسرا التي تؤيد عملية نزع كامل لأسلحة الدمار الشامل، ذكرت في أكثر من مناسبة على لسان كبار مسؤوليها بضرورة التطرق للموضوع بشكل شامل. وكانت آخر محاولاتها في مؤتمر سيول الأخير عندما ذكّر وزير الخارجية ديديي بوركهالتر في مداخلته بأن “الحد من الإنتشار النووي جيد، ولكن كيف يمكن الحد من الإنتشار النووي في الوقت الذي لا يتم فيه المساس بالدول التي لديها أكبر مخزون من المواد الإنشطارية؟”

في الأثناء، تراهن سويسرا على تجند منظمات المجتمع المدني في مجال نزع أسلحة الدمار الشامل لكي تعمل على تغيير العقليات والمعتقدات السائدة بخصوص امتلاك السلاح النووي. وحسب المعطيات المتوفرة، يبدو أن جميع الأطراف، ومن ضمنها جهات عسكرية، بدأت تقتنع بعدم جدوى السلاح النووي كوسيلة ردعية.

وفي هذا الصدد، يقول السفير السويسري أليكساندر فازل: “عندما تبدأ الدول التي تمتلك السلاح النووي في مناقشة ما يُتداول وراء الكواليس من قبل العسكريين بشكل علني، أي عدم جدوى امتلاك السلاح النووي، عندها يمكن مشاهدة انفراج في المواقف، ولكن هذا غير وارد في الوقت الحالي”. 

على صعيد آخر، هناك من يُراهن على إمكانية إخراج النقاش المتعلق بملف السلاح النووي من مؤتمر نزع السلاح، وإطلاق مسار شبيه بالذي انتهجته منظمات المجتمع المدني من أجل التوصل إلى معاهدة أوتاوا لحظر انتاج واستخدام وتخزين الألغام المضادة للأفراد، أو معاهدة أوسلو لحظر القنابل العنقودية أو الانشطارية. حيث يتم الشروع في مسار يرمي إلى حظر السلاح النووي بمشاركة الدول المقتنعة بذلك، مع الإستمرار في ممارسة الضغوط على الدول المترددة لكي تلتحق بالركب.

وفي انتظار مآل هذه التطورات، يواجه مؤتمر نزع السلاح تحديا مصيريا يتمثل في القرار المرتقب اتخاذه في خريف هذا العام من قبل اللجنة الأولى لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك بخصوص مستقبله.

في هذا السياق، ترغب مجموعة من الدول في تنشيط جدول أعمال المؤتمر ولو بشكل صوري لاستمرار وجوده في انتظار تغير الظروف الدولية والسماح له بمزاولة نشاطه على أحسن وجه. وتعمل هذه المجموعة الراغبة في الإبقاء على هذا المحفل الوحيد في العالم الذي يجمع أكبر عدد من الشركاء المعنيين بنزع السلاح، من أجل الحفاظ على حظوظه كاملة إلى حين توفر الظروف الملائمة لاستئناف نشاطه.

في المقابل، ترى مجموعة أخرى أن جميع محاولات الإنعاش جُرّبت خلال الخمسة عشر عاما الماضية ولم تفلح، وتُصرّ على أن مهمة مؤتمر نزع السلاح تتمثل في التفاوض من أجل التوصل إلى معاهدات مُلزمة في مجال نزع السلاح وليس خوض نقاش لا جدوى تُرجى من ورائه. وتذهب هذه المجموعة إلى أنه في حال تحسن الظروف الدولية وظهور حاجة للعودة إلى إجراء نقاش جاد من أجل نزع السلاح، عندها يمكن إنشاء “المحفل المناسب”.

بعد الجمود الذي عرفه مؤتمر نزع السلاح لأكثر من 15 عاما، وفي انتظار صدور قرار اللجنة الأولى لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك بخصوص استمراريته أو عدمها، ظهرت تساؤلات بخصوص انعكاسات هذه المسألة على وضع جنيف الدولية.

فهل هناك بالفعل تهديد بنقل مؤتمر نزع السلاح إلى مدينة نيويورك مثلا أو إلى مكان آخر؟

عن هذا التساؤل، يجيب السفير الكساندر فازل ممثل سويسرا لدى مؤتمر نزع السلاح قائلا: “إن مؤتمر نزع السلاح باق في جنيف، ولكن إمكانية إخراج  موضوع نزع السلاح من هذا المحفل لمناقشتها في محفل آخر أمر وارد. وقد يتحول إلى خطر محدق إذا لم يتم التحرك بجدية قبل الخريف القادم. لكن إخراج الموضوع من مؤتمر نزع السلاح لا يعني بالضرورة إخراجه من جنيف، لأن جنيف توفر أحسن الظروف لإجراء مثل هذه المفاوضات “.

في الوقت نفسه، يرى البعض أنه إذا ما تم إخراج المسألة التي يكثر الجدل حولها (أي موضوع منع الانتشار للمواد الإنشطارية) إلى محفل آخر، فإن نفس الخلافات ستظهر في المحفل الجديد إذا لم يطرأ أي تغيير على العلاقات الدولية القائمة. كما أن الدول النووية ليس من مصلحتها طرح مناقشة معاهدة الحد من انتشار المواد الإنشطارية أمام الجمعية العامة للمنتظم الأممي بأعضائها الـ 193 نظرا لأنه ليس بالإمكان التحكم في المسار. 

يضاف الى ذلك أن مؤتمر نزع السلاح يبقى أمامه ثلاثة مواضيع مطروحة للنقاش: أي سباق التسلح في الفضاء الخارجي، ونزع السلاح النووي، والضمانات السلبية للدول غير النووية. لكن القوى النووية الخمس التي تتفق بخصوص موضوع الحد من انتشار المواد الإنشطارية لا ترغب في أن يتم سحب الموضوع الوحيد الذي تتفق بشأنه لترك المواضيع الثلاثة التي لا يُوجد إجماع بشأنها.

في ملاحظة أخيرة، ينتهي السفير السويسري الكساندر فازل إلى القول بأن “جمود مؤتمر نزع السلاح لا يعني مسؤولية جنيف،. كما أن الأجوبة على التساؤلات المطروحة بخصوص نزع السلاح سوف لن تجد أجوبة في جنيف بل في العواصم  الدولية. فجنيف الدولية – كأرضية للتفاوض – لا تعمل إلا على إبراز العراقيل والخلافات الكبرى التي تميز العلاقات الدولية. ومن هذا المنطلق ليس على جنيف أن تتحمل  تلك الإخفاقات ، بل يعود لها الفضل في إبراز تلك العراقيل والخلافات”، على حد تعبيره.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية