مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“خـلافـات” تُعطل تشكيل حكومة جديدة في الجزائر

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في صورة التقطت له يوم 16 يوليو 2012 في قصر المرادية لدى استقباله لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. Keystone

علمت swissinfo.ch من مصادر قريبة من رئاسة الجمهورية الجزائرية، أن "خصاما شديدا" بين أجهزة الدولة المختلفة، هو السبب وراء التأخر في تسمية الحكومة الجزائرية الجديدة بالرغم من مرور أزيد من ثلاثة أشهر على انتهاء الإنتخابات البرلمانية.

لم يحدث منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962 من القرن الماضي أن تأخر تشكيل حكومة وتسمية أعضائها بهذا الشكل. فبعد انتهاء الإنتخابات البرلمانية بما ظهر أنه فوز كاسح لحزب جبهة التحرير الوطني، ظن الجزائريون أن الأمور ستسير بشكل عادي، وستسمى الحكومة الجديدة بعد إعلان النتائج بقليل.

لكن الذي حدث هو ما تخوف منه سعيد سعدي زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، الذي أكد قبل إجراء الإنتخابات البرلمانية، أن شدة الخلافات في أعلى هرم السطة قد تكشف طريقة تسيير الدولة منذ الإستقلال، أي أن هناك دولة خفية قوامها مصالح الأمن والإدارة الموالية لها، وهناك دولة جزائرية أخرى يراها الناس، قوامها الوزراء والمدراء والولاة، الذين ليسوا سوى “واجهة” للدولة الخفية.

الدليل على ذلك كما يرى المراقبون وسجلته الصحافة الجزائرية، هو بقاء أجهزة الدولة ماضية في عملها بشكل طبيعي رغم عدم وجود وزراء يسيّرون قطاعاتهم لدرجة أن المستثمرين الخواص احتاروا في كيفية توقيع وزارة البيئة لملفاتهم وقبولها شكلا ومضمونا في غياب وزير حقيقي للبيئة، فالوزارة يُسيّرها وزير بالنيابة وهو يُسيّر في نفس الوقت وزارة أخرى.

أين المشكل؟

swissinfo.ch تجولت في المنطقة الصناعية لبرج بوعريريج الواقعة على بعد 260 كلم شرق العاصمة، وتحدثت مع مجموعة من المستثمرين فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم كان من بينهم أحمد وهو صناعي جزائري قال: “لم أشعر بغياب الحكومة على الإطلاق، بل الأمور تسير بشكل أسهل الآن مما لو كانت هناك حكومة”، وفي مقابل هذا الرأي، ذهب مستمثر آخر إلى أن هذه السهولة في تعامل الإدارة “قد تخفي مخاطر جمة”.

و في تصريح خاص إلى swissinfo.ch، يقول هذا المستثمر: “لقد اتضح جليا، أن الأمناء العامين هم العمود الفقري في الوزارات وهم صلب الدولة الفعلية في الجزائر، وإن شئت أظهرتُ لك كل التراخيص الممنوحة لي كي أستثمر وقد وقعها أمناء عامون وليس الوزير المعني”، ويضيف هذا المستثمر “وهذا يدل على أن أهل القرار ليسوا الذين نراهم فالدولة من دون حكومة والأمور تسير بشكل عادي، وكما ترى فإن الناس لا تبالي إطلاقا”.

و لقرب ولاية سطيف 300 كلم شرق العاصمة من المنطقة الصناعية لبرج بوعريريج، توجهت swissinfo.ch إلى وسط مدينة سطيف، في مقهى قبالة عين الفوارة الشهيرة، وسألت بعض المواطنين، عن رأيهم في تأخر إعلان الحكومة الجديدة، فرد سمير وهو كهل في الأربعين من عمره: “المسألة معقدة في أعلى هرم السلطة، ويبدو لي أن هناك خلافا فيما بينهم بسبب الكراسي”، و يعلق رجل آخر داخل المقهى: “الإدارة تسير بشكل عادي، ومصالحنا كذلك ولست أدري أين المشكلة في تأخر إعلان الحكومة الجديدة؟ “

دولة الظل.. وخلافات معقدة

من ناحيتها، علمت swissinfo.ch أن خلافا شديدا بين أهل الحكم في الجزائر، أخّـر إعلان الحكومة والأسباب عديدة، من بينها إقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لوزراء أصحاب علاقات معقدة مع دولة الظل، مثل وزير البيئة السابق شريف رحماني، الذي أقاله بوتفليقة بسبب فوزه في الإنتخابات البرلمانية، حيث يحظر القانون الجزائري تقلد وظفيتين رسميتين في نفس الوقت.

غير أن التزام الرئيس بتطبيق القانون، لم يرُق فيما يبدو لجهات نافذة على علاقة مع شريف رحماني، وبما أن الموافقة على وزراء جدد، تمر أيضا على جهات أخرى من بينها الأجهزة الأمنية النافذة في الدولة، فإن الشد والجذب قد ظهر في أبرز حالاته في أعقاب الإنتخابات البرلمانية الأخيرة.

على صعيد آخر، أظهرت قوة الإدارة الجزائرية، وتمكنها من تسيير فترة ما بعد الإنتخابات، بما لا يدع مجالا للشك، مدى ضعف الأحزاب السياسية، وهزالة وزنها لدى المجتمع الجزائري، ويرى مراقبون أن هذا الأمر في حد ذاته، مؤشر خطير للوضع في الجزائر، بالنظر إلى ربيع التغيير الذي يجتاح المنطقة العربية.

دليل ذلك كما يرى إعلاميون جزائريون مستقلون، أن مصالح الأمن، سمحت لمجموعة معينة من الصحافيين المقربين منها أو الواقعين تحت وصايتها أو المتعاونين معها، بفتح قنوات تلفزيونية خاصة هي “النهار” و”الشروق” و”الجزائرية”، كلها لديها مكاتب في الخارج، واعتمد عملها داخل الجزائر، ولا يمكن لأي مجموعة أخرى أن تحصل على ما حصلت عليه، هذه القنوات الثلاث و أصحابها، ويحدث هذا في ظل غياب تام لقانون للإعلام ينظم المهنة.

في الأثناء، يقدم اختيار قناة “نسمة” التونسية كي تجمل صورة النظام الجزائري لدى الرأي العام التونسي والعربي بشكل عام، الدليل على وجود سطوة أمنية لا مثيل لها، حيث يرى إعلامي جزائري رفض الكشف عن هويته، أن اختيار قناة نسمة “كي تقوم بهذه المهمة القبيحة، لا يدع مجالا للشك في أن النظام الجزائري إنما يتبع الخطى الإعلامية والسياسية لنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك”.

و يضيف الإعلامي الجزائري متسائلا: “لست أدري لماذا قبلت قناة “نسمة” التونسية الإنضمام إلى جوقة القنوات التلفزيونية الجزائرية الأخرى؟ أهو الحنين إلى نظام بن علي، بما أن النظام الجزائري يشبهه في الكثير من تصرفاته؟ وقناة نسمة تملك من النفوذ والقوة في الجزائر ما لا يملكه التلفزيون الحكومي، بل وفُضّلت عليه في الإنتخابات البرلمانية الماضية، ولم يتمكن التلفزيون الحكومي من تغطية الإنتخابات البرلمانية الجزائرية كما غطتها قناة “نسمة” التونسية”.

مخاوف واحتمالات

في سياق متصل، سجلت swissinfo.ch الخوف الشديد، إن لم يكن الرعب غير المسبوق الذي ظهر على الكثير من المستجوبين، الذين أكدوا أن الأمر يتعلق الآن بالتعامل مع الدولة الجزائرية الحقيقية، و ليس وزيرا أو مديرا أو والي ولاية.

وأكد مصدر سياسي جزائري مرموق لـ swissinfo.ch أن الجزائريين لن يشعروا بخطورة ما يحصل إلا في حالتين، الأولى اقتصادية وترتبط بتهاوي أسعار البترول التي تدنت على كل حال، ومؤشر ذلك حسب المصدر السياسي الجزائري إعلان رئيس الحكومة أحمد أويحي أن الدولة الجزائرية ستتقشف في عام 2013 ولن يكون هناك صرف لأموال على مشاريع جديدة.

أما الحالة الثانية فهي تفاقم الخلاف بين أهل الحكم في الجزائر، وتصريف شدته على الشارع الجزائري في شكل مواجهات عنيفة بين أطراف عدة داخل المجتمع، وهنا يضيف المصدر نفسه: “لست متأكدا من نجاح هذا الحل إن أراد أهل الحكم تطبيقه للتنفيس عن مشاكلهم، فقد يُطالب الناس برحيلهم في النهاية، لأنهم يعرفونهم والبعض متخوف منهم، فيما البعض الآخر لا يبالي للعديد من الأسباب”.

بناء على ما سبق، يرى الكثير من المراقبين، أن النجاح الباهر للدولة الجزائرية في تجميل صورة الإنتخابات البرلمانية الماضية انعكس سلبا في الأيام التالية، فأظهر أن ما كان عرسا ديموقراطيا شارك فيه الشعب الجزائري ما هو إلا غطاء خارجي لواقع أكثر تعقيدا.

وفي المقابل، ظهرت تحليلات صحافية حررها ضباط أمن سابقين، أو مقربون منهم، مفادها أن الأزمة في جمهورية مالي المجاورة وتهديد تنظيم القاعدة لدول عديدة في منطقة الصحراء الكبرى سيمنح الجزائر دورا محوريا يجعل من تغيير نظام الحكم في الجزائر أمرا مرفوضا أوروبيا، ولكن يبدو أن هذه الرؤى غير واقعية. فعلى فرض حصول تغيّر الأمور في الجزائر كما حصل في الجارتين تونس وليبيا، فإن هذا لا يُنقص شيئا من القوة الميدانية للجيش الجزائري وخبرته في مواجهة الإنفلات الأمني في منطقة الساحل الإفريقي، ومن حاجته للتنسيق مع دول الجوار والقوى الدولية على اختلافها بشكل عام.

أخيرا، تشير مصادر عليمة إلى أن هناك تفكيرا داخل أجهزة الحكم في الجزائر، لتسمية حكومة تضم وزراء دولة من الشباب يُسيّرون قطاعاتهم بالطريقة التي تظهر أن هناك تغييرا شبابيا في البلاد، إلا أن هذا التغيير لو حدث فلن يشمل المجال الإعلامي بأي شكل من الأشكال، كما علمت swissinfo.ch أن الإعلان عن تشكيل حكومة من هذا القبيل قد يحصل بعد شهر رمضان، أو في شهر سبتمبر المقبل.

استقبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يوم الاثنين 16 يوليو 2012 وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس الذي يريد من خلال زيارته الاولى هذه الى الجزائر منذ توليه مهام منصبه اعطاء دفعة جديدة للعلاقات بين البلدين وبحث الازمة في مالي.

وقال فابيوس لفرانس برس ان هذه الزيارة التي بدات الاحد “تسير بشكل جيد جدا” مضيفا ان هذه “الزيارة تهدف الى اعطاء دفعة جديدة الى علاقاتنا. واعتقد ان هذا ما سيحدث”.

وقد استقبل بوتفليقه فابيوس، وهو اول عضو في حكومة فرنسوا هولاند يزور بلدا عربيا، ظهر الإثنين قبل ان يتناول معه الغداء.

وقال فابيوس “اعرف جيدا الرئيس بوتفليقة الذي اقدره كثيرا. وهو رجل ذو خبرة كبيرة”.

واضاف الوزير الفرنسي “انوي ان ابحث معه العلاقات بين الجزائر وفرنسا اضافة الى عدد من القضايا الدولية نظرا لان لديه خبرة كبيرة في ذلك كما سانقل له رسالة مودة من فرنسوا هولاند وسنبحث في المستقبل”.

وكان فابيوس رئيسا للوزراء في عهد الرئيس فرنسوا ميتران. كما ان عبد العزيز بوتفليقة (75 سنة) الذي يراس البلاد منذ 13 عاما، كان لاكثر من 15 عاما وزيرا للدولة الجزائرية الفتية بعد استقلالها عن فرنسا عام 1962.

وفي تعليق نادر كشفت صحيفة المجاهد الحكومية الاثنين عن تغير واضح في اجواء العلاقات الفرنسية منذ انتخاب الرئيس الاشتراكي هولاند.

واضافة الى رسائل التهنئة الحارة بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر في 5 يوليو الحالي والعيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو اشارت الصحيفة الى “الاهمية التي توليها السلطات الفرنسية لبلدنا الذي عززت المشاورات معه وخاصة بشان القضايا الحساسة مثل البحث عن تسوية لمشكلة مالي”.

وهيمنت هذه المشكلة على المباحثات التي اجراها فابيوس امس مع نظيره الجزائري مراد مدلسي.

ولا يوجد اختلاف كبير في موقفي البلدين من هذه المسالة. فقد شددت الجزائر وباريس على ضرورة تشكيل “حكومة حقيقية في مالي تستطيع النهوض بمسؤولياتها” كما قال هولاند يوم السبت 14 يوليو. ويرى البلدان ايضا ان على “الدول الافريقية نفسها تنظيم الدعم في مالي” إلا ان باريس ترى ان الجزائر، القوة الاقليمية، قادرة على التدخل العسكري اذا اقتضى الامر للمساعدة في اعادة سلطة باماكو على الشمال والقضاء على الاسلاميين.

ودون رفض الخيار العسكري تُجري الجزائر منذ اسابيع مشاورات مع الدول الافريقية والغربية حول مالي تتركز حاليا على الجانب الدبلوماسي.

لكن هناك بعض التباين في موقفي البلدين وخصوصا بشان الموقف من الاطراف الموجودة في شمال مالي.

وترفض باريس الحركات الاسلامية ومن بينها انصار الدين المتحالفة مع القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي والتي يتزعمها اياد اغ غالي وهو متشدد من الطوارق كان يعيش في الجزائر.

من جانبهم يؤكد الخبراء الجزائريون ان هذا الاخير يمتاز على الاقل بدعم وحدة مالي، في الوقت الذي توجد فيه معارضة عالمية لتقسيم هذا البلد السواحلي.

وتحتجز حركة التوحيد والجهاد المنشقة عن القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي تسعة رهائن اوروبيين بينهم ستة فرنسيين. ويحتجز الاسلاميون اجمالا 16 رهينة اجنبيا على الأرجح في شمال مالي.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 16 يوليو 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية