مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تشرنوبيل: الكشفُ عن ملفٍّ سري للغاية

تتهم الجمعيات السويسرية المناهضة للطاقة النووية السلطات السويسرية بعدم اتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة لحماية السويسريين من التأثيرات الاشعاعية لانفجار تشرنوبيل Keystone

بمناسبة الذِّكرى السادسة عشرة لوقوع انفجار تشرنوبيل أخطرِ حادث نووي شهده العالم، تجرأ سويسريون يُمثلون أفرادا وجمعيات على كسر جدار الصمت المُحيط بالانعكاسات الصحية للحادث في أوساط السويسريين والبوحِ أخيرا بما كتمتهُ سُلطات الكنفدرالية أو بما أجبرتهم على كتمانه.

لم تسلم سويسرا من آثار السَّحابة الكثيفة والمُشعة التي انبعثت من انفجار أحد مُفاعلات محطة تشرنوبيل النووية الأوكرانية يوم السادس والعشرين من أبريل نيسان من عام ستة وثمانين، وعبرت القارة الأوربية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.

وان كانت السلطاتُ السويسرية –على غرار عددٍ من نظيراتها الأوربية- قد انتهجت على مدى ستة عشر عاما سياسة التكتم المُطلق بشأن التأثيرات الصحية لكارثة تشرنوبيل على من تعرضوا للمواد الإشعاعية الخطيرة التي نجمت عن الانفجار، فان بعض السويسريين قرروا الخروج عن الصمت المُطبق على هذا الملف والتحرك من أجل توعية الجمهور بالأخطار النووية.

“طلبوا منا السكوت وعدم الحديث عن تشرنوبيل”

وقال مواطن سويسري طلب عدم الكشف عن هويته في شهادة نشرتها يوم الأربعاء صحيفة « Le Matin » التي تصدر بلوزان (عدد 24 أبريل 2002) :”لقد طُلب منا السُّكوت وعدم الحديث أبدا عن تشرنوبيل. لم نحصل أبدا على إجابات لأسئلتنا. لقد تلقى ابني العلاج لمدة أربع سنوات في مستشفى “ليل” بالعاصمة برن دون أن نتعرف على أي تَشخيص ولو بسيط لمرضه”.

ولم يوافق هذا الأبُ السويسري الذي يقطن بمنطقة الجورا على الإدلاء بشهادته للصحيفة السويسرية إلا بعدما ضمنت له عدم نشر اسمه، خاصة وان ابنه مازال يخضع للمراقبة الطبية حتى بعد شفائه من الورم الخبيث الذي خطف منه سنوات طفولته.

وبلغت السرية المُحيطة بالحالة الصحية لهذا الطفل درجة حرمان والديه من إجراء أي نقاش مع الأطباء المشرفين على علاجه. ولم تتسرب إليهما سوى معلومة واحدة: ساعة تناول طفلهما يوميا للأقراص الخمسة المُختلفة. وعندما قدم يوما ما طبيب من الاتحاد السوفياتي السابق لفحص الطفل المريض، حاول الأب التحدث إليه لعله ينَوره ويزيل الغموض المحيط بالحالة الصحية لابنه، لكن الطبيب الذي كان يتحدث بالإنجليزية فقط لم ينطق بكلمة للأب ولا حتى نظر إليه!

لكن متى ربط الأب السويسري مرض ابنه بحادث تشرنوبيل؟ يقول الأب في تصريحاته للصحيفة السويسرية انه أقام الصلة بين الأمرين بعد توقيعه على وثيقة تتضمن مطالب كانت ستقدمها السلطات السويسرية لنظيرتها الأوكرانية. الأب لم يحصل على تفاصيل الموضوع لكنه علم في المقابل أن حالة ابنه ليست وحيدة أو استثنائية في سويسرا، وأن عددا من الأطفال الآخرين يتلقون نفس العلاج.

أُسر الأطفال المرضى رغبت في معرفة المزيد عن مرض سرطان الغدة الدرقية ذي صلة بحادث تشرنوبيل، وعن تردُد هذا النوع من السرطان في سويسرا. الأطباءُ في مُستشفى “ليل” بالعاصمة الفدرالية فضلوا الاحتماء وراء السر المهني ووزارةُ الداخلية برئاسة المستشارة الفدرالية روت درايفوس تفنّنت في مُراوغة مثل هذه التساؤلات.

كتاب يكشف بعض الحقائق في سويسرا

الجمعية السويسرية الداعيةُ للخروج من الطاقة النووية أشارت هي الأخرى إلى فشل المناهضين للطاقة النووية في الحصول على معلومات من وزارة الداخلية حول انعكاسات حادث تشرنوبيل على سويسرا. وأثناء تخليدها يوم الاربعاء في كل من جنيف ولوزان وسيُون للذكرى السادسة عشرة لانفجار تشرنوبيل، أعربت الجمعية التي تحمل اسم”Sortir du nucléaire” عن استيائها من “ميوعة وعدم منطقية” أجوبة وزارة الداخلية على الأسئلة المتعلقة بالملف والتقليل من شأن تأثيرات كارثة تشرنوبيل.

ويعتقد كريستيان فان سينغر، الذي يُشارك في رئاسة الجمعية السويسرية، أن الدولة تحمي الصناعة النووية بدل حماية الشعب، وأن هيئات المراقبة في سويسرا تربطها “صلات وثيقة باللوبي النووي.”

ربما نجحت السلطات السويسرية بالفعل في عدم إشباع فضول المهتمين بالأمر داخل الكنفدرالية، لكن المعلومات قد تتسرب من الخارج. فقد نشرت الشهر الماضي لجنةُ البحث والإعلام المستقليْن حول المواد الإشعاعية (CRIIRAD) التي تكونت في فالانسيا في أعقاب انفجار تشرنوبيل، كتابا من مائتي صفحة يحددُ المناطق الأوربية التي تضررت من التلوث الإشعاعي الناجم عن حادث تشرنوبيل.

وكشف الكتاب الذي يتضمن أكثر من 3000 إجراء على الميدان ما بين عامي 1999 و2001، عن وجود دائم للتلوث الإشعاعي في التُّربة في بعض المناطق السويسرية. ويظهر المؤَلف أن سلسلة جبال الجورا السويسرية ومناطق فرانش كونتي وألزاس وفوج الفرنسية تضررت أكثر من غيرها من الإشعاع بسبب تساقط أمطار غزيرة على المنطقة خلال الأيام التي تلت الانفجار.

وأكدت اللجنة المستقلة أن حليب البقر لم يكن صالحا للاستهلاك في هذه المناطق خاصة بالنسبة للأجنة والرُّضع والأطفال الصغار. ويلقي منسق الجمعية السويسرية المناهضة للطاقة النووية فيليب رُوجمون اللوم على السلطات السويسرية آنذاك التي اكتفت كما قال بدعوة النساء الحوامل والأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين بعدم استهلاك المواد المشتقة من الحليب، وذلك دون تحديد الأخطار المُحتملة أو آجال للإجراءات الوقائية.

ويعتقد السيد روجمون أنه كان يتعين على كانتون التيتشينو السويسري المتحدث بالإيطالية سحب الحليب ومشتقاته المنتجة فوق ترابه من السوق. وبدل ذلك يكشف السيد روجمون أنه “تم خلط حليب التيتشينو مع الحليب المُنتج في المناطق السويسرية الناطقة بالألمانية”. وهو تصرف قد يخجل منه أي شخص، ما بالك دول يُفترض أنها راعية لشعوبها.

إصلاح بخات – سويس انفو مع صحيفة لوماتان

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية