مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تغيير المجتمعات والأدوار

يعتبر تنامي الحضور النسائي في المؤسسات السياسية المعينة أو المنتخبة (مثل البرلمان البحريني- الصورة) من مظاهر التغيير المتدرج الذي عرفته بلدان مجلس التعاون الخليجي في عام 2003 Keystone

من المنطقي جدا أن يتحول عام 2003 إلى نقطة فارقة في تاريخ منطقة الخليج التي شهدت بلدانها تطورات مثيرة تزامنت مع تسارع ملفت في وتائر التغيير.

وعلى الرغم من الأهمية التي مثلها سقوط النظام العراقي بالنسبة لحكومات المنطقة، إلا أن الشعوب الخليجية لا زالت متوجسة من الآتي القريب والبعيد.

جاءت الزيارة غير المرتقبة لملك البحرين الى قطر قبل ثلاثة أيام من انقضاء عام 2003 كآخر لقطة ملفتة في شريط عــام مر على الخليج العربي لم يخل بدوره من الاثارة..

فقد شكلت الزيارة منعرجا جديدا في العلاقات بين البلدين، لكنها أشرت أيضا الى تحول في طبيعة العلاقات الجديدة بين الدول الجارة بدأ في التبلور منذ سقوط النظام العراقي وبعد تمكن الولايات المتحدة نهائيا من بسط سيطرتها المطلقة على المنطقة..

ويرى مراقبون عديدون ان المنامة ادركت بفعل التطورات الجسيمة التي شهدتها السنة المنصرمة بان طبيعة التحالفات الجهوية لم تعد قائمة على مفهوم أحجام الدول التي “تساوت” جميعها امام السلطان الامريكي.

ولذلك بدا ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة متفائلا بعلاقات بلاده المقبلة مع قطر بعد فترة برود تواصلت على مدار السنة ووعد بان تكون زيارته المقبلة الى الدوحة عن طريق “جسر المحبة” الذي قرر البلدان انشاءه للربط الارضي بينهم، فيما توقع وزير الاعلام البحريني أن تكون سنة 2004 موعد “الانطلاقة الجديدة للعلاقات بين البلدين”.

“تجديد قواعد التعامل”

وعلى شاكلة ما يحدث بين المنامة والدوحة، تماثلت التغيرات المنهجية في الخليج وطبعت بامتياز سنة 2003 رافدها في ذلك سقوط النظام العراقي، و ليونة الشوكة الايرانية بالاضافة الى متغيرات اقليمية ودولية اخرى لم يعد هناك مجال لانكارها.

لذلك خيم شعار “الاصلاح” فوق حركة الجميع بما في ذلك حركة المملكة العربية السعودية التي باتت تعلنه شعارا رسميا للدولة بعد ان كان شعارا غير مستحب رفعته المعارضة طويلا.

و يمكن القول بلا تزيد أن السنة المنصرمة كانت سنة صعبة بالنسبة للنظام السعودي الذي واجه خلالها لظى الارهاب في الداخل بالاضافة الى الضغوط الخارجية الشديدة.. علاوة على ضغوط داخلية غير هينة قادتها شخصيات شيعية في المقام الاول وأدت جميعها الى اعلان الرياض حربا على التطرف و الارهاب بيد والمضي في سلسلة اصلاحات داخلية متسارعة نسبيا رغم اتهامها بالبطء من طرف اخرين, بيد اخرى..

وقد أثر الوضع الداخلي والصورة الخارجية للمملكة العربية السعودية كاكبر دولة خليجية على طبيعة العلاقات مع جيرانها في اتجاه تجديد قواعد التعامل في المنطقة – بين اعضائها من جهة – وبينها وبين القوى العالمية من جهة اخرى..

فقد انتقل الثقل العسكري الامريكي الى قطر وتوزعت الادوار السياسية على كل دول المنطقة بالتساوي فتغيرت التحالفات واختلفت خرائط المصالح.

توجس من الآتي

اقتصاديا، ورغم احتفاظ المملكة العربية السعودية بثقلها الموروث في هذا المجال، استطاعت دولة الامارات العربية المتحدة أن تواصل مسيرة ناحجة في مضمار التجارة الخارجية. وتفيد التقارير الصادرة في الغرض انها كانت من اكثر الدول استفادة اقتصادية من سقوط النظام العراقي، فضلا عن كونها لم تتاثر سلبا بالحرب على الارهاب ولا بالحرب على العراق.

وفي المقابل بدت الكويت في وضع اقل راحة، فيما واصلت قطر مسيرتها نحو ان تصبح عاصمة عالمية للطاقة في غضون السنوات المقبلة بعد ان شهدت سنة 2003 توقيع اتفاقيات ضخمة في مجال الغاز المسال ، اهمها كانت مع الولايات المتحدة الامريكية التي ستصبح مدينة للغاز القطري قبل نهاية العشرية الحالية.

وطالت تغيرات سنة 2003 أيضا الحياة اليومية لشعوب دول مجلس التعاون الخليجي التي استقرت اخيرا على ضرورة مراجعة مناهجها التعليمية رغم معارضات داخلية لهذا التوجه هنا وهناك.. وعكست القمة الخليجية في الكويت مظاهر التغيير متمحورة في جلها حول مقاومة التطرف و الارهاب، فتعزز التنسيق الامني بالانتهاء من اتفاقية أمنية مشتركة وأخرى لمكافحة الارهاب، كما تعزز العمل العسكري المشترك.

لكن الملمح العام للخليج الذي يبدو ما زال متوجسا من الاتي لا يغفل نظرة مستقبلية متفائلة كرسها الاقتراب من بدء التنقل بالبطاقة الشخصية بين دول المجلس، وبرمجة انشاء سكة حديدية تربط بين دوله الست ، مع حزمة من القرارات الاقتصادية التي من شانها تسهيل التعاون التجاري بين البلدان الخليجية رغم ان كل ذلك لم يرق بعد الى طموحات شارع خليجي بات متعطشا الى سقف اعلى من الاندماج بعد مرور 24 سنة على انشاء مجلس التعاون وبعد انفراج امني اقليمي بسقوط النظام العراقي الذي أقض المضاجع الخليجية طيلة الثلاث عشر سنة الماضية.

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية