The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

تقرير خاص-سوريا تعيد هيكلة اقتصادها سرا.. وشقيق الرئيس يقود المهمة

reuters_tickers

من تيمور أزهري وفراس دالاتي

دمشق (رويترز) – بعد أسابيع من سيطرة مسلحين من المعارضة السورية على دمشق، تلقى رجل أعمال كبير اتصالا هاتفيا في ساعة متأخرة من الليل للحضور لمقابلة “الشيخ”.

كان العنوان مألوفا، وهو مبنى شهد عمليات ابتزاز متكررة لرجال أعمال مثله في عهد بشار الأسد.

لكن الجديد هذه المرة كان الوجوه.

بلحية طويلة داكنة ومسدس على الخصر، لم يعرّف الشيخ نفسه سوى باسم مستعار هو أبو مريم. وبصفته الآن رئيس لجنة مهمتها إعادة هيكلة الاقتصاد السوري، كان يطرح أسئلة بلغة عربية مهذبة تظهر فيها لكنة أسترالية خفيفة.

وقال رجل الأعمال “سألني عن عملي، والأموال التي نجنيها… وظللت أنا أنظر إلى المسدس”.

وخلص تحقيق أجرته رويترز إلى أن القيادة السورية الجديدة تعمل سرا على إعادة هيكلة الاقتصاد المثقل بأعباء الفساد والعقوبات التي ظلت مفروضة لسنوات ضد حكومة الأسد، وذلك تحت رعاية مجموعة من الأشخاص لا تزال هوياتهم مخفية حتى الآن تحت أسماء مستعارة. وتتركز مهمة اللجنة في فك رموز الإرث الاقتصادي من حقبة الأسد ثم تحديد ما الذي يتعين إعادة هيكلته وما الذي يجب الإبقاء عليه.

وبعيدا عن المتابعة والتدقيق الجماهيري، جمعت اللجنة أصولا تزيد قيمتها عن 1.6 مليار دولار. ويستند هذا التقدير إلى ما قالته مصادر مطلعة على صفقاتها للاستحواذ على حصص في شركات وأموال نقدية تمت مصادرتها، بما في ذلك أصول لا تقل قيمتها عن 1.5 مليار دولار صودرت من ثلاثة رجال أعمال، وشركات تابعة لتكتل كان يسيطر عليه سابقا مقربون من الأسد، مثل شركة تشغيل الاتصالات الرئيسية في البلاد، بقيمة لا تقل عن 130 مليون دولار.

ووفقا لما توصلت إليه رويترز فإن الشخص الذي يشرف على إعادة هيكلة الاقتصاد هو حازم الشرع الشقيق الأكبر للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، أما من يرأس اللجنة فهو أبو مريم الأسترالي أو إبراهيم سكرية وهو أسترالي من أصل لبناني مدرج على قائمة بلاده للأفراد الخاضعين لعقوبات بتهم تمويل الإرهاب. ويصف نفسه على الإنترنت بأنه رجل أعمال محب للكريكيت والشاورما.

قامت الحكومة السورية الجديدة بتفكيك الجهاز الأمني مهيب الجانب الذي كانت ترتعد لذكره الفرائص في عهد الأسد، وصار بإمكان الناس التحدث بحرية أكبر مما ظلوا يعهدونه لعقود. لكن مزيج إشراك الأقارب والرجال الذين لا يُعرفون إلا بأسماء حركية والذين يديرون الاقتصاد السوري الآن يثير قلق عدد من رجال الأعمال والدبلوماسيين والمحللين الذين يقولون إنهم يخشون من أن يكون التطور الذي شهدته سوريا لا يتجاوز حدود استبدال نخبة أقلية بأخرى في القصر.

واستند تحقيق رويترز إلى مقابلات مع أكثر من 100 من رجال الأعمال والوسطاء والسياسيين والدبلوماسيين والباحثين، فضلا عن مجموعة من الوثائق تتضمن سجلات مالية ورسائل بريد إلكتروني ومحاضر اجتماعات وتسجيل شركات جديدة.

ولم يسبق أن أعلنت الحكومة عن عمل اللجنة أو حتى عن وجودها للرأي العام السوري. ولا يعرف أحد أي شيء عن تفويضها إلا من يتعاملون معها بشكل مباشر رغم أن مهمتها يمكن أن تؤثر على حياة جميع السوريين ومصادر أرزاقهم وربما على غيرهم، في الوقت الذي تحاول فيه البلاد إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

وقال أحد أعضاء اللجنة لرويترز إن حجم الفساد في عهد الأسد، والذي بُني على هياكل مؤسسية مصممة لاستنزاف الأصول وتكديس الأموال، لا يُبقي سوى خيارات محدودة للإصلاح الاقتصادي. وبمقدور اللجنة مقاضاة رجال الأعمال المشتبه في تورطهم في الكسب غير المشروع، وهو أمر يطالب به كثير من السوريين، أو مصادرة شركاتهم بشكل مباشر، أو عقد صفقات خاصة مع أشخاص من عهد الأسد لا يزالون يخضعون للعقوبات الدولية.

وكل هذه أمور تحمل في طياتها احتمالات إثارة المزيد من التوتر بين السوريين بعضهم البعض، بين الأغنياء والفقراء، وبين من استمتعوا برغد العيش وبحبوحته في عهد الأسد ومن عانوا من شظف العيش وقسوة الحياة. وبدلا من مقاضاة رجال الأعمال الذين استفادوا من عهد الأسد أو مصادرة شركاتهم، قررت اللجنة التفاوض لاستعادة الأموال التي تحتاج البلاد إليها بشدة وفرض سيطرتها على الأنشطة التي تعد من دعائم الاقتصاد، بما يسمح لها بالعمل دون اضطراب.

ولم ترد الحكومة السورية ولا حازم الشرع ولا سكرية على طلبات متكررة للحصول على تعليق أو الإجابة على أسئلة تتعلق بهذا التقرير. وأحال مكتب الرئيس الأسئلة إلى وزارة الإعلام. وعرضت رويترز تفاصيل هذا التقرير خلال اجتماع مباشر الأسبوع الماضي مع وزير الإعلام وكشفت عن تفاصيله وقدمت أسئلة كتابية للوزارة. لكن الوزارة لم ترد حتى وقت النشر.

وعلى مدى سبعة أشهر، أجرت اللجنة مفاوضات مع أغنى رجال الأعمال السوريين، وبعضهم يخضعون لعقوبات أمريكية. وأضافت مصادر أن اللجنة حققت تقدما أيضا في الاستحواذ على مجموعة من الشركات التي كانت تدار من داخل قصر الأسد.

ولا يزال عدد من كبار رجال الأعمال المرتبطين بالأسد، وبينهم قطب طيران فُرضت عليه عقوبات لصلته بتهريب المخدرات والأسلحة وكذلك رجل أعمال متهم بجمع وصهر المعادن من البلدات السورية التي تسبب جيش الأسد في تحويلها لمناطق مهجورة، يحتفظون بجزء من أرباحهم ويتجنبون الملاحقة القضائية مقابل دفع الثمن. لكن صفقة العفو مقابل مزيج من المال والسيطرة على الشركات قد تثير غضب السوريين الذين يطالبون بتحقيق العدالة.

وصرح أربعة دبلوماسيين غربيين كبار بأن تكديس السلطة الاقتصادية في أيدي شخصيات غامضة لا يُعرف عن ماضيها شيء قد يعرقل الاستثمار الأجنبي ويقوض مصداقية سوريا في الوقت الذي تسعى فيه للانضمام مجددا لركب النظام المالي العالمي.

وقال العضو الذي تحدث عن أنشطة اللجنة إنها التقت بعشرات الأشخاص، أحيانا لتبرئتهم وأحيانا أخرى سعيا للحصول على حصة من ثرواتهم. ولفت إلى أن السوريين العاديين سيستفيدون في نهاية المطاف عند خصخصة الشركات أو طرحها لشراكات بين القطاعين العام والخاص أو تأميمها، مع تحويل عائداتها إلى صندوق سيادي.

وأعلن الرئيس الشرع في التاسع من يوليو تموز إنشاء صندوق سيادي تابع للرئاسة. وصرح ثلاثة أشخاص مطلعين على عمل الصندوق بأنه سيكون خاضعا لإشراف شقيقه. وفي اليوم نفسه، كشف الشرع عن إنشاء صندوق تنمية برئاسة أحد المقربين منذ فترة طويلة من حازم. كما أصدر الرئيس في الآونة الأخيرة مرسوما بتعديلات على قانون الاستثمار. ورغم أنه لم يتم الإعلان عن شغل حازم أو سكرية لأي منصب حكومي، فقد توصلت رويترز إلى أنهما هما من حررا النص النهائي للتعديلات.

وقال ستيفن هايدمان أستاذ دراسات الشرق الأوسط في سميث كولدج في ماساتشوستس لرويترز إن صندوق ثروة سيادية في سوريا أمر “سابق لأوانه”.

وانتقد اعتماد الصندوق على “أصول غير نشطة” غامضة، وحذر من أن منح الاستقلال لإدارة الصندوق بما في ذلك للرئيس من شأنه أن يقوض المساءلة.

تأتي تفاصيل الجهود السياسية السرية للحكومة الجديدة في الوقت الذي ترفع فيه الحكومة الأمريكية العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدولة السورية، والتي تعود إلى عهد الأسد.

وردا على طلب للتعليق من أجل هذا التقرير، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرفع العقوبات “لمنح سوريا فرصة للنمو والتطور”.

وقال المسؤول في بيان لرويترز “لقد كان الرئيس واضحا أيضا في أن الرئيس الشرع يجب أن يستغل هذه الفرصة التاريخية لتحقيق إنجاز مهم”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية