مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتخابات تشريعية في قطر لتوسيع المشاركة وامتصاص الحملات المضادة

ثلاثة رجال بلباس خليجي من بينهم أمير قطر
يوم 5 ديسمبر 2017، شارك الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمة السنوية لمجلس دول التعاون الخليجي الذي انعقد في مدينة الكويت. Keystone

في محاولة لامتصاص الضغوط المتزايدة الآتية من دول الجوار، تتجه قطر إلى إجراء أول انتخابات برلمانية في تاريخ هذا البلد الصغير الذي استقل عن بريطانيا عام 1971. ومع انتهاء الفترة النيابية لمجلس الشورى المُعيّن، قرر الأمير تميم بن حمد آل ثاني في شهر نوفمبر الماضي التمديد للمجلس الحالي ثلاث سنوات، اعتبارا من يوليو 2016، لكي يقوم بالإستعدادات القانونية والترتيبية اللازمة لإجراء الانتخابات التشريعية في عام 2019. 

وبموجب دستور الدولة الذي تم اعتماده في استفتاء أجري في الدولة سنة 2003، يتم انتخاب مجلس الشورىرابط خارجي، المؤلف من ثلاثين عضوا يُختارون بواسطة الإقتراع العام السري المباشر و15 عضوا يتولى الأمير تسميتهم من ضمن الوزراء والنخب السياسية والإدارية.

مشاركة محدودة 

تجري في قطر انتخابات للمجلس البلدي المركزي منذ سنة 1999، وتستمر كل دورة أربع سنوات. لكن صلاحيات المجلس البلدي، المؤلف من 29 عضوا محدودة، مما ينزع عن الإنتخابات أيّ طابع سياسي، بل بدا – على العكس من ذلك – أنها ترفع الغطاء أحيانا عن منافسات قبلية وعن بعض التجاذبات المناطقية، بالنظر إلى أن أعضاء المجلس البلدي المنتخبين يمثلون 29 دائرة انتخابية فرعية. 

لوحظ أن الجدل بدأ يطفو على السطح في شأن تقسيم الدوائر في الإنتخابات التشريعية، إذ يُطالب البعض بجعل قطر دائرة وحيدة، فيما يسعى آخرون لاعتماد نظام الدوائر، مُراهنين على أنه سيُساهم في تعزيز المشاركة والتعبئة للإنتخابات، وبالتالي إيصال أصحاب الكفاءة إلى عضوية المجلس التشريعي المُرتقب.

28 عضوا جديدا وأربع سيدات

في تصريح لـ swissinfo.ch، توقع الإعلامي يوسف المهندي أن يدرس مجلس الشورى في الأسابيع المقبلة الأدوات التي ستُحيلها إليه الحكومة في إطار الإستعدادات القانونية للإنتخابات، وفي مقدمتها مناقشة قوانين الإنتخابات وإعادة توزيع الدوائر الإنتخابية والتصديق عليها، هذا بالاضافة لدور المجلس في مراقبة السلطة التنفيذية.

كان أمير قطر عيّن 28 عضوا جديدا في مجلس الشورى في شهر نوفمبر 2017، من بينهم أربع سيدات، مع التجديد لثلاثة عشر عضوا حاليين، في مبادرة تعكس الرغبة في مجاراة بلدان الجوار، وخاصة منها الكويت والبحرين وسلطنة عُمان، حيث تُجرى انتخابات تشريعية دورية، وتشارك فيها المرأة ترشيحا وتصويتا. وفي هذا الصدد، كانت انتخابات مجلس الأمة الكويتي، التي أجريت في عام 2016 الإنتخابات البرلمانية السابعة عشر في تاريخ دولة الكويت. 

كما توجد في المحيط الجغرافي لقطر تجارب انتخابية تعددية أخرى، في مقدمتها إيران، حيث يُنتخب أعضاء المؤسسة التشريعية انتخابا مباشرا، ومن وظائفهم المصادقة على المعاهدات ومناقشة الخطط الحكومية والتصويت على منح الثقة للوزراء أو حجبها عنهم. ويُعتبر تعيين أعضاء جدد من تخصصات مختلفة في مجلس الشورى القطري ضخا لدماء جديدة ما يجعله مؤهلا لكي يكون نواة للمجلس التشريعي المُرتقب.

من ناحيتها، اعتبرت الكاتبة موزا المالكي أن إدخال المرأة إلى مجلس الشورى يُعزز المشاركة السياسية للكفاءات النسائية، التي برهنت على جدارتها منذ تعيين أول امرأة في منصب وزاري في عام 2003، ويفتح أمامها آفاق التمكين، وفي الوقت نفسه يُحمّلها مسؤوليات جديدة بانخراطها في العمل السياسي والرقابة على أداء الأجهزة التنفيذية. في مقابل ذلك، شددت الدكتورة المالكي على ضرورة أن تكون هناك حصة (كوتا) نسائية تضمن وجودا أدنى للمرأة القطرية داخل مجلس الشورى، “باعتبار صوت المرأة أساسيا في المجلس التشريعي، إذ لها وجهات نظرها التي لا يُمكن التغاضي عنها، ما يجعل من الحصة النسائية إحدى وسائل إشراك المرأة في عملية التنمية واتخاذ القرار”. وفي معرض الإستدلال على الدور المتميز للمرأة، أشارت إلى أنها “الأكثر شعورا بقضايا المرأة والأشد انحيازا لقضايا السلام والمحافظة على البيئة، مع أن المرأة مُطالبة بمناقشة كافة القضايا”، وهي موقنة بأن غيابها عن المجلس التشريعي المقبل “ربما يُؤدي إلى تهميش تلك القضايا الخصوصية”.

يجدر التنويه هنا إلى أن الفصل بين الواقع السياسي في هذه الدولة الخليجية الصغيرة وما يدور في محيطها العربي والفارسي، يقود إلى ارتكاب أخطاء منهجية أو فهم مجتزئ للتوجّهات القطرية، لذا من الضروري قراءة تأثيرات الأحداث السياسية المتلاحقة منذ 2011 إقليميًا وداخليا، إن على المزاج الشعبي العام، أو على العلاقات الإجتماعية والسياسية داخل المجتمع القطري. 

رئيسٌ جديد لمرحلة صعبة

شكل تعيين أحمد بن عبد الله آل محمود مؤخرا رئيسا لمجلس الشورى القطري علامة على أهمية الدور المُناط بالمجلس في المرحلة المقبلة، وخاصة تنظيم أول انتخابات تشريعية في تاريخ البلد. 

يملك آل محمود تجربة سياسية طويلة، إذ تقلب في عدة مناصب دبلوماسية (من بينها سفير لدى الولايات المتحدة) ووزارية، إذ كان نائبا لرئيس الوزراء وزير دولة للشؤون الخارجية، وظل محتفظًا بهذا المنصب حتى 2011. 

كان أيضا مقررا للجنة إعداد الدستور الدائم لقطر في 2003 قبل أن يتسلم ملف الوساطة القطرية لحل النزاع في دارفور، وهو يترأس اللجنة الدولية لمتابعة تنفيذ وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، وكذلك مجلس إدارة إعادة الإعمار والتنمية في دارفور.

فقد تعددت التحليلات السياسية حول العلاقة ما بين تنازل الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني لنجله وبين محاولة إعادة توجيه السياسة الخارجية القطرية بما يتماهى مع حالة جديدة تدفع إليها القوى العظمى، بعد فشل إسقاط نظام الأسد في سوريا وضرب تجربة الاسلاميين في مصر، لكن الذي حدث هو أن تلك التغييرات لم تؤثر في الأوضاع الداخلية لقطر، بل لم تُجبر القطريين على تغيير سياستهم الإقليمية، على الرغم من إبعاد مهندس تلك السياسة رئيس الوزراء وزير الخارجية الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني، الذي انسحب من المشهد مع الأمير السابق حمد بن خليفة. وبشكل عام، يُمكن القول أن الأصوات المطالبة بالتغيير السياسي في قطر مازالت بعيدة عن التأثير الفعّال في النخب المتعلمة والمجتمع عموما.

في الأثناء، لاحظ مراقبون أن الأمير تميم تحاشى في الخطاب – الذي أعلن فيه يوم 14 نوفمبر 2017 من منبر مجلس الشورى عن تنظيم أول انتخابات تشريعية في تاريخ البلاد – الحديث عن الحقوق السياسية للشعب القطري، علما أن قرار إجراء انتخابات تشريعية ليس جديدا، إذ تعهّد بذلك الأمير السابق لدى تنازله عن العرش وتسليم الحكم لنجله. كما أعلن مجلس الوزراء القطري في منتصف عام 2012 عن التوجه لاستصدار قانون ينظم سير الإنتخابات، إلا أنه لم يُبصر النور إلى اليوم.

الإستقرار الذي حافظت عليه قطر داخليا بعد فرض الحصار عليها شجّع الحكم على توسيع المشاركة السياسية التي تبقى في جميع الأحوال تحت السيطرة
علي حسين الحارثي

تحسُبا لمباريات كأس العالم

على صعيد آخر، عزا الكاتب السياسي علي حسين الحارثي الدافع إلى إقرار انتخابات المجلس التشريعي والقبول بتطوير النظام السياسي القائم على الحكم الفردي، إلى عنصرين رئيسين، يتمثل الأول في الحرص على نجاح استضافة قطر لمباريات كأس العالم لكرة القدم 2022، فالإمارة تسعى لإعطاء صورة عنها بوصفها دولة مؤسسات، تحسّبا لقدوم وسائل إعلام من كافة أنحاء العالم. 

أما العنصر الثاني فيتصل بالخصومة الحالية مع غريمي قطر المملكة السعودية ودولة الامارات، إذ يسعى القطريون إلى إبراز مرونة كبيرة للتخلص من صورة الأنظمة السياسية الخليجية المحافظة، التي تتخوف من إطلاق قطار إصلاحات لا تتحكم بمحطات توقفه. وفي تصريح لـ swissinfo.ch، أكد الحارثي أن “الإستقرار الذي حافظت عليه قطر داخليا، بعد فرض الحصار عليها، شجّع الحكم على توسيع المشاركة السياسية، التي تبقى في جميع الأحوال تحت السيطرة، بضمان تعيين 15 عضوا من مجلس الشورى (أي ثُلث المجلس) من قبل الأمير”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية