مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نحو استبدال البشر في ساحات المعارك بالأسلحة المُستقلة

تم تطوير الإنسان الآلي "أطلس" من قبل شركة علم الروبوت الأمريكية بوسطن ديناميكس لصالح وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA) Reuters

بدأت الآلات تحلُّ شيئا فشيئا - وإن ببطء - محلّ البشر في ساحات المعارك. ويُعتقد أن تــَجهز أسلحةٌ مستقلة تماما في غضون العقدين أو الثلاث القادمة. سويسرا بدورها تمضي قدما في أبحاثها الخاصة في مجال تكنولوجيا الروبوتات المتحركة.

في اجتماع عـُقد في شهر مايو 2014 في جنيف حول تهديدات تكنولوجيا الروبوت القاتل (أو ما يعرف بأنظمة الأسلحة الفتاكة المُستقلة LAWS)، قال خبير في نزع السلاح بوزارة الخارجية السويسرية إن المجتمع الدولي قد بدأ فقط يستوعب التداعيات المحتملة للثورة الروبوتية في ساحات المعارك المستقبلية.

وأضاف لوران ماسموجون أن إجراء فحوص إضافية لهذا النوع من الأسلحة كان أمرا حاسما، بُغية تحديد تطبيقات القدرات الذاتية المرغوب فيها، والقانونية، والمقبولة، وتلك التي أثارت المخاوف.

وشدّد مُمثلون سويسريون في المؤتمر على أن برامجهم البحثية الدّفاعية الجارية لم تتضمّن العمل على الأسلحة ذاتية التشغيل تماما.

وفي وزارة الدفاع السويسرية، قال كوانتان لاديتّو، مدير تكنولوجيا الدفاع المستقبلية بـ “أرما سويس”، وهو مركز اختصاص الكنفدرالية لاقتناء النظم والمعدات: “سوف نرى كيف يمكن لميادين بحثية مختلفة – في حال النظر فيها معا – أن تساعد على إحراز تقدم في المجال التكنولوجي من أجل إحراز المزيد من الإستقلالية للنّظم، سواء كانت قاتلة أم لا”.

ويذكر أن سويسرا تواصل حاليا إنجاز برامج بحثية صغيرة لمركبات جوية وبرية غير مأهولة، تُجريها مع العديد من الشركاء الأكاديميين والصناعيين، بما فيهم المعهد الفدرالي التقني العالي في زيورخ، والشركتان الأمريكيتان “بلاك-أي روبوتيكس”، و”أي روبوت”.

وفي استراتيجية أبحاثها الممتدة من 2012 إلى 2016، تركز وزارة الدفاع السويسرية على أهمية المركبات غير المأهولة، لاسيّما لتنفيذ مهام الإستطلاع، والمراقبة، والإتصال، التي تقول إنها من المرجح أن تتزايد.

في هذا الإطار، تهدف برامج المركبات الجوية والبرية غير المُجهزة بالرجال إلى “استقلالية المنصات غير المأهولة، وتهيئة الظروف للقبول بالروبوتات المتحركة وباستخدامها على نطاق واسع لمهام السياسة الأمنية في سويسرا”.

وضمن السياق نفسه، أضاف لاديتّو: “إذا ما ألقينا نظرة فاحصة على البحوث في مجال الروبوتات والذكاء الإصطناعي، سنلاحظ أن الإتجاه والتركيز هما بوضوح على الإستقلالية. ولئن كانت الأهداف النهائية بالنسبة للمؤسسات الأكاديمية والجامعات ليست ذات طبيعة عسكرية، فإن لبنات البناء المختلفة التي يجري تطويرها اليوم والتي سيتم دمجها غدا قد تؤدي إلى قدرات مستقلة التصرف أكثر تقدما”.

يمكن للروبوتات أيضا إنقاذ حياة البشر مثل هذه الآلة التي صُممت لإزالة الألغام Keystone

ولكن الشكوك تراود بعض الخبراء، مثل ستيوارت كاسي-ماسلن، رئيس قسم الأبحاث في أكاديمية جنيف للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، الذي قال إنه سـ “يندهش” إن لم تكن سويسرا تسعى للحصول على أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة.

وتابع في هذا الصدد: “إن المزيد من الإستقلالية يشكل بوضوح المُستقبل بالنسبة للقوات العسكرية والأمنية. السؤال هو ما إذا كانت التكنولوجيا مُقيَّدة لأسباب قانونية أو أخلاقية، وإن كان الأمر كذلك كيف وأين. أنا قلق بشكل خاص إزاء استخدام الأنظمة القاتلة ذاتية التصرف لتنفيذ القانون، والتي لن يتم النظر فيها ضمن سياق اتفاق الأسلحة التقليدية”.

جُو فَرها، أخصّائي الأسلحة العسكرية بمؤسسة “أوميغا للأبحاث” التي تتخذ من مانشستر (بريطانيا) مقرا لها، يتّفِقُ على أنّ أيّ بَـحثٍ مدني في مجال الإستقلالية من المرجح أن يتجاوز إطاره ليشمل الإستخدامات العسكرية أو تنفيذ القانون.

وصرح فرها بهذا الشأن أنه “من الممكن أن يتم طلب المزيد من الأنظمة غير المأهولة لكي تتقدَّم قُدراتُها تدريجيا بما يؤدي إلى درجات استقلالية أعلى افتراضيا”. وأضاف أن النظم الأرضية والجوية غير المجهزة بالرجال يمكن أن تُستخدم بصورة مزدوجة كمنصة أسلحة “إذا ما تم تطبيق التكنولوجيا المناسبة”.

وفي المستقبل، من المرجح أن يُعوَّضَ الجنديُ شيئا فشيئا بالإنسان الآلي. ويشار في هذا الصدد إلى أن الولايات المتحدة أنفقت في الأعوام الأخيرة 6 مليارات دولار سنويا على الأنظمة غير المأهولة المُستخدمة في الحروب. وقامت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA) بتطوير الروبوتات العسكرية وتمويل المشاريع مثل روبوت LS3 المًصَمَّم للسير على الطرق الوعرة، الذي ابتكرته شركة بوستون دَيناميكس الأمريكية.

محتويات خارجية

في سياق متصل، تتضمّن الوثائق السياسية للولايات المتحدة خططا لزيادة استقلالية منظومات الأسلحة. وفي خارطة الطريق المتعلقة بالأنظمة المتكاملة ذاتية التشغيل [للفترة الممتدة من 2011 إلى 2036]، كتبت وزارة الدفاع أنها “تتصور أنظمة غير بشرية تعمل بسهولة تامة مع أنظمة مأهولة، مع الحدّ تدريجيا من مستوى سيطرة الإنسان وصنع القرار الذي يتطلبه الجزء غير المسيّر بشريا من هيكل القوة”.

وجدير بالذكر أنه توجد بعدُ، ومنذ عدة سنوات، تكنولوجيا دفاع ذاتي التصرف أكثر استقلالية، مثل نظام فالانكس الصاروخي MK 15 للبحرية الأمريكية، ونسخته الأرضية، والصواريخ المضادة، ونظام المدفعية والهاون (C-RAM).

وبعيدا عن الولايات المتحدة، نشرت إسرائيل نظام أسلحتها الدفاعية الأوتوماتيكية “القبة الحديدية”، كما صممت ألمانيا منظومة دفاعها الجوي مانتيس “السرعوف” بهدف استخدامها لحماية قواعد العمليات الأمامية في أفغانستان.

ولدى حديثه عن C –RAM، قال خبير الحرب الروبوتية، بيتر دبليو سينغر، إن البشر هم جزء من عملية صنع القرار، ولكن أساسا في البرمجة الأوّلية للروبوت. وأضاف سينغر قائلا: “خلال التشغيل الفعلي للآلة، يمارس المُسيِّر حق الفيتو فقط، ويتعيّن الحسم في تجاوز قرار اتخذه الروبوت في ظرف نصف ثانية فقط”. والخطر هو أن يؤدي ذلك إلى “التحيز الآلي”، بمعنى الميل إلى وضع الثقة في نظام آلي. 

وتُعتبر كوريا الجنوبية وإسرائيل من الدول السّباقة إلى امتلاك الأسلحة ذاتية التصرف تماما، من خلال روبوتات الحراسة التي تستطيع الكشف عن تواجد البشر، بل وإطلاق النار إذا ما تلقت الأمر بذلك من الإنسان (أي القيادة العسكرية المسيرة لها).

من جانبها، تقول ميري فاريهام، خبيرة الأسلحة في منظمة هيومن راتيس ووتش: “مع تطوير الدول لقدراتها التكنولوجية، قد تختار الكثير منها الإتجاه إلى الاستقلالية الكاملة بسبب الفوائد التي يمكن أن تتأتى من هذه الأسلحة، أي: وقت الإستجابة السريعة، والحدّ من المخاطر التي يتعرض لها جنودها، والتكاليف الأقل، وعزل تأثيرات العواطف الإنسانية في اتخاذ قرارات استخدام القوة”.

وتتجه الطائرات بدون طيار أيضا إلى امتلاك استقلالية أكبر من الطائرات المُسَيرة المتواجدة. فعلى سبيل المثال، يمكن لطائرة البحرية الأمريكية X-47B أن تقلع من حاملة طائرات أو تنزل فيها، وأن تتزود بالوقود اعتمادا على قوتها الذاتية، بينما كشفت بريطانيا عن طائرة “تارانيس” غير المأهولة “المستقلة والسرية”. ويقال إن الطائرتين تمتلكان مخازن أسلحة قابلة للنزع وإعادة التركيب حسب الحاجة.

حضرت 87 دولة من أصل 117 التي وقّعت على اتفاقية الأسلحة التقليدية (CCW) اجتماع خبراء حول أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة المعروفة اختصارا بـ LAWS، في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف من 13 إلى 16 مايو 2014.

وقد هدف الاجتماع إلى الشروع في توضيح حدود ومسؤوليات هذه الأنظمة.

في اجتماعها السنوي القادم المقرر ليوم 14 نوفمبر 2014، ستقرر الدول الأعضاء في اتفاقية الأسلحة التقليدية ما إذا كانت ستواصل هذه العملية.

تدعو المجموعات المعارضة في حملاتها إلى فرض حظر استباقي على هذه الأسلحة المستقبلية. وتتصدر مبرراتهم أشعة الليزر المسببة للعمى، التي حظرها المجتمع الدولي بمصادقته على بروتوكول دولي في عام 1996 قبل التمكن من استخدامها.

كانت سويسرا من بين البلدان الـ 87 التي حاولت البدء في توضيح حدود ومسؤوليات أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة، وهي أسلحة ذاتية التشغيل تماما بإمكانها اختيار الأهداف والاشتباك معها دون مزيد من التدخل البشري (أي دون الحاجة لتلقي أوامر من الإنسان).

لحد الآن، انضمت خمس دول، بما فيها كوبا وباكستان، إلى النشطاء الداعين إلى فرض حظر على أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة.

من جهتها، سلطت دول عديدة، مثل فرنسا وبريطانيا، الضوء في جنيف على الحاجة للحفاظ على “سيطرة بشرية ذات مغزى” على قرارات الإستهداف والهجوم.

وقالت الولايات المتحدة إنه ينبغي توفر سيطرة بشرية “مناسبة” على الإستقلالية في مجال أنظمة الأسلحة، بينما تحدثت إسرائيل عن استحباب الأنظمة المستقلة. 

“سيطرة بشرية ذات مغزى”

على العكس من ذلك، لا تؤمن المنظمات غير الحكومية بوجود وسيلة للتحقّق مما تقصده الدول بعبارة “سيطرة بشرية ذات مغزى” على أكثر الأنظمة استقلالية. وهي ترى أن الجهود المبذولة للحدّ من هذه الأسلحة لم تتوصل بعد لشيء يُذكر، وأن فرض حظر استباقي هو الحل الوحيد.

يورغن ألمتان، المؤسس المشارك للجنة الدولية لمراقبة أسلحة الروبوت قال: “لقد حاولتُ التحاور مع صانعي الأسلحة ولكنهم غير مهتمين بصراحة بالقانون الإنساني الدولي”. غير أن ماسموجون أوضح أن الأساس القانوني الحالي “متين جدا” بما يتيح التعامل مع التغييرات المُستقبلية، مضيفا أنه “سواء تمّ اللجوء إلى الأسلحة المستقلة أم لا، فإن كلّ استخدام للقوة أو لأنظمة الأسلحة ينبغي أن يتم وفقا للإطار الكامل للقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي على وجه الخصوص، واحتراما لأبرز مبادئه، أي التمييز، والتناسب، والوقاية”.

في المقابل، أوضح ماسموجون أنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يدرس بعناية المراجعات القانونية للأسلحة الجديدة، ووسائل وأساليب الحرب، والثغرات الممكنة على مستوى المسؤولية.

لكن ألتمان غير مقتنع بوجهة النظر هاته، إذ قال: “قد يكونوا مهتمين بفكرة الحدّ من آثار الحرب إن كان ذلك من أجل الحصول على دقة أفضل قد تؤدي إلى منتجات أفضل. ولكنهم يرغبون بالأحرى في الإبتكار، والإتجاه يسير نحو مركبات غير مأهولة يمكن أن تتفاعل بشكل أسرع، وهذا هو بالضبط الإتجاه الذي نحاول تجنّبه. هنالك حاجة إلى قرار سياسي يُتخذ من قبل المجتمع والدول لمنع هذا الأمر، وعدم ترك المجال للإتجاهات العسكرية والتكنولوجية للتطور بكل حرية”.

تُعرّفها الأمم المتحدة بمنظومات سلاح قادرة على أن تختار، حال تشغيلها، أهدافا معينة وتشتبك معها دون الحاجة إلى تدخل إضافي من العنصر البشري.

هي آلات ومنظومات تكنولوجية مصنوعة وفق النموذج الإدراكي القائم على الشعور والتفكير والفعل، وهي مُزودة بأجهزة استشعار تسمح لها بقدر من إدراك الظرف، وبواسطة المعالجة أو الذكاء الإصطناعي تقرير الإستجابة لحافز مُعيّن، والشروع في تنفيذ القرارات.

إذا كان استخدام المركبات الجوية الحربية بلا طيار المعروفة بـ “درونس” Drones يسمح بإبقاء العنصر البشري ضمن دائرة القرار، ولو عن بعد، فإن العنصر البشري خارج تماما عن دائرة القرار في حال استخدام الروبوتات المستقلة القاتلة.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية