The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

خلف الكواليس: هل تكفي الدبلوماسية الهادئة لحماية المعارضين في زمن القمع؟

رغم حيادها الشهير، لا تتوانى سويسرا عن مناصرة حقوق الإنسان في أكثر البلدان قمعاً حول العالم، بما في ذلك الدفاع عن السجناء السياسيين. ومع تزايد نفوذ الحكومات الاستبدادية على الساحة الدولية، تجد الدبلوماسية السويسرية نفسها أمام معضلة دقيقة: كيف يمكن لبلد محايد أن يُحدث فرقاً فعلياً في وجه القمع، دون فقدان القدرة على الوساطة؟

أنظمة مستبدة
ربع البعثات الدبلوماسية السويسرية في جميع أنحاء العالم تقع في بلدان تحكمها أنظمة مستبدة. Illustration: Kai Reusser

اعتقلت ناتاليا هيرشي، مواطنة سويسرية بيلاروسية مزدوجة الجنسية عندما كانت تزور مينسك لقضاء إجازة، في 19 سبتمبر 2020، بتهمة المشاركة في احتجاج غير مصرح به، واتُّهمت بإصابة شرطي أثناء محاولتها نزع قناع الوجه (البالاكلافا) الذي كان يرتديه.. 

جوهر الموضوع:

* دور الدبلوماسية السويسرية في دعم حقوق الإنسان.

* التحديات التي تواجه جهود سويسرا في التعامل مع الأنظمة المستبدة.

* سؤال التأثير: هل الحصيلة على قدر الجهود المبذولة؟

وحُكم على هيرشي بالسجن لمدة عامين ونصف. وأمضت في المجموع، 17 شهرًا في السجن، وأُخلي سراحها في 18 فبراير 2022. 

سجينة
تصل المواطنة السويسرية-البيلاروسية ناتاليا هيرش إلى مطار زيورخ في 18 فبراير 2022، إلى جانب نائب وزير الخارجية يوهانس ماتياسي (في الوسط) والسفير السويسري السابق في بيلاروسيا كلود ألترمات (على اليمين) Afp Or Licensors

نفت هيرشي التهم الموجهة إليها، وصٌنّفت لدى منظمات حقوق الإنسان البيلاروسية سجينة سياسية. وطوال فترة احتجازها، كانت وزارة الخارجيةرابط خارجي على اتصال وثيق معها ومع عائلتها من اجل تأمين إطلاق سراحها.  

المزيد

وأوضحت الوزارة  أن “سويسرا منحت ناتاليا هيرشي مساعدة قنصلية، رغم أن هذا غير مضمون للمواطنين مزدوجي الجنسية”. وتمكن ممثلو السفارة السويسرية في مينسك من زيارتها عدة مرات في السجن، على حد قولها. 

وعادة، تقتصر المساعدة القنصلية  على المواطنات والمواطنين السويسريين من غير مزدوجي ومزدوجات الجنسية.  

وفي فبراير 2022، أعلن إينياتسيو كاسيس، الرئيس السويسري آنذاك، إطلاق سراحها في منشور على منصة X  (تويتر سابقا). وجاء في النص المنشور: “أنا سعيد لأن الجهود الدبلوماسية السويسرية قد آتت أكلها”. 

تغريدة إنياتسيو كاسيس، الرئيس السويسري عام 2022

محتويات خارجية

دعم السجناء السياسيين 

كجزء من الخدمات القنصلية المنتظمة التي تقدمها سويسرا، وضمن مهمتها السياسية المتمثلة في تعزيز الديمقراطية في الخارج، تمارس الدبلوماسية السويسرية ضغوطا من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين، السويسريين وغير السويسريين.  

ولا تتوانى الكنفدرالية في دعم السجناء السياسيين في الدول الاستبدادية، مثل روسيا والصين. فتقدم على نشر بيانات سياسية رسمية، أو تنظّم  زيارات للسجون، أو لقاءات مع المعارضين.ات. وفي حالة هيرشي، نظّمت القنصلية السويسرية في مينسك عملية نقلها مباشرة من السجن إلى المطار، حيث استقلّت طائرة متجهة إلى سويسرا. 

ويقول توماس بورير، السفير السويسري السابق لدى ألمانيا، ومدير شركة استشارية في الشؤون العامّة حاليّا: “لا تنخرط سويسرا في النزاعات المسلّحة، لكنّها توظّف الأدوات السياسية والاقتصادية للرد على منتهكي القانون الدولي”. 

المزيد

وتنظم سويسرا أيضًا حوارات ثنائية مع دول مثل الصين وإيران، تنصبّ على انتهاكات حقوق الإنسان.  

ويُسهّل وجود جنيف الدولية، مركز العلاقات متعدّدة الأطراف، ومقرّ مؤسّسات الأمم المتّحدة والمنظّمات الدولية غير الحكومية، رفع هذه التحديات. فقد حافظت سويسرا على حوارٍ حول حقوق الإنسان مع إيران، خلال ذروة احتجاجات ضدّ النظام عام 2022. وفي ذلك الوقت، دعمت سويسرا منظّماتٍ غير حكومية تعمل مع المعتقلين الإيرانيين، بمن فيهم النساء اللواتي اعتُقلن لتحديهن قوانين اللباس المحتشم. ويقع مقرّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف. وغالبًا ما تعمل كوسيط بين الأطراف المتنازعة لتسهيل إطلاق سراح أو تبادل أسرى الحرب، والمحتجزين، والرهائن. 

صورة شخصية
الصورة الشخصية لتوماس بورير Keystone-SDA

وفي جنيف أيضاً، أطلقت سويسرا آلية مستقلة للتحقيق في مصير الأشخاص المفقودين في سوريا، وكثير منهم ومنهن كانوا سجناء سياسيين محتجزين لدى النظام السابق بقيادة بشار الأسد. وتقدم سويسرا أيضا، بشكل دوري، مساهمات طوعية لهيئات الأمم المتحدة التي تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان. 

وبينما تدعم معظم الديمقراطيات الغربية السجناء السياسيين علنًا، تتميّز سويسرا بشبكتها الواسعة من البعثات الدبلوماسية في الخارج. ويمكّنها حيادها من تقديم نفسها شريكا موثوقا للأحزاب المعارضة. ولديها 141 بعثة دبلوماسية حول العالم، 34 منها في دول ذات أنظمة استبدادية. وبشكل عام،  تحتفظ سويسرا، رغم صغر حجمها، بحضور دبلوماسي واسع في الخارج، إذ تحتلّ المرتبة التاسعة عشرة عالميًا على الإطلاق.   

ونظرا لاستضافتها مؤتمرات السلام الدولية بانتظام، تتوفّر لسويسرا إمكانية تنظيم اجتماعات سرية بين المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. وكان هذا هو الحال في العام الماضي، عندما نظّم دبلوماسيون.ات من سويسرا ومن الولايات المتّحدة، محادثات سلام حول السودان، قرب جنيف بعد 16 شهرًا من الحرب الأهلية.  

وأسفرت هذه المبادرة الدبلوماسية عن إنشاء منصّة سرية موثوقة، سمحت للمعارضة والمجتمع المدني، بما في ذلك المضطهدون والمضطهدات منهما، بالدخول في حوار غير رسمي مع الأطراف المتنازعة. 

ولسويسرا أيضا القدرة على العمل كقوة حامية لمصالح بلدان أخرى، وهو ما يمنحها قناة اتصال فريدة من نوعها مع الحكومات، وبالتالي القدرة على نقل المخاوف بشكل غير مباشر عن انتهاكات حقوق الإنسان، مثل اعتقال المعارضين. ات

>> اقرأ المزيد عن دور سويسرا كقوة حماية في أمريكا اللاتينية.

المزيد

تساؤل حول الجدوى 

ومع اكتساب الأنظمة الاستبدادية، مثل الصين وروسيا، نفوذاً عالمياً قويا في المؤسسات الدولية، أصبحت فعالية هذه الدبلوماسية، وتأثيرها موضع تساؤل من قبل المنظمات غير الحكومية. 

محتويات خارجية

وترى هذه المنظّمات أنّ دولًا مثل سويسرا، يمكن أن تكون أكثر صراحة ومباشرة في دعم حقوق الإنسان. وتشير التقارير إلى وجود عشرات الآلاف من السجناء والسجينات السياسيين.ات في أكثر من 70 دولة حول العالم، وهو تذكير صارخ بأنّ القمع والأنظمة الاستبدادية ليست من مخلّفات الماضي، بل هي حقيقة عالمية متنامية. 

وتجري الآن بعض المناقشات حول احتجاز هؤلاء وإطلاق سراحهم خلف أبواب مغلقة، بناء على طلب الزعماء الاستبداديين الحريصين على إبقاء انتهاكاتهم بعيدة عن أعين الجمهور. ويعني  حياد سويسرا أنّها لا تستطيع اتخاذ موقف علني، وغالبًا ما يُنظر إليها على أنّها أقلّ صراحة في بعض المواضيع، مقارنة بالديمقراطيات الغربية الأخرى. 

وفي أعقاب وفاة زعيم المعارضة الروسية، أليكسي نافالني، في أحد سجون روسيا في فبراير 2024، تعاملت الحكومة السويسرية بضبط النفس، معربة عن “القلق” بدلًا من الإدانة الرسمية. وقد أثار هذا الردّ المدروس انتقادات محلية، لكن اعتبره بعض الخبراء في ذلك الوقت وسيلة للحفاظ على دور سويسرا، كوسيط محتمل للسلام بين روسيا وأوكرانيا.  

محتويات خارجية

في أعقاب وفاة زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني في أحد سجون روسيا في فبراير 2024، تعاملت الحكومة السويسرية بضبط النفس، معربة عن “القلق” بدلاً من الإدانة الرسمية. وقد أثار هذا الرد المدروس انتقادات محلية، لكن بعض الخبراء اعتبروه في ذلك الوقت وسيلة للحفاظ على دور سويسرا كوسيط محتمل للسلام بين روسيا وأوكرانيا.  

ونادرًا ما تكون سويسرا في وضع يسمح لها بالاستفزاز. وفي نهاية المطاف، السبيل الوحيد لإحداث تغيير في سلوك الأنظمة المنتهكة لحقوق الإنسان، هو ممارسة المجتمع الدولي جهودًا سياسية وإعلامية مستدامة، وقبل كل شيء، “الضغط الاقتصادي على مدى سنوات عديدة”، كما يقول بورير. 

سويسرا والصين

في عام 2023، استأنفت سويسرا حوارها بشأن حقوق الإنسان مع الصين، والذي تم تعليقه في عام 2019 بعد اعتراض بكين على الدعم السويسري لمطلب الأمم المتحدة بإغلاق معسكرات الاعتقال في منطقة شينجيانغ الصينية. 

وقد استبعد الحوار، بناءً على طلب الصين، مشاركة المنظمات غير الحكومية، التي حذّرت  في ذلك الوقت من أنّ محاولة الصين تقديم نفسها كلاعب إيجابي في مجال حقوق الإنسان “لم تكن سوى محاولة لتجميل صورتها فحسب “. ولطالما انتقدت الأحزاب السويسرية ذات التوجّهات اليسارية الحوار حول حقوق الإنسان بين سويسرا والصين، باعتباره مبادرة استراتيجية لتعزيز مصالح سويسرا التجارية والاقتصادية. 

وفي فبراير 2025، عُقد حوار ثنائي حول حقوق الإنسان بين سويسرا والصين مرة أخرى بعيدا عن الأضواء. وتناول الحوار “اعتقالات الأويغور، وحرية الدين والتعبير، وحقوق المرأة، ومجتمع الميم”. كما تطرق أيضا إلى الوضع في التبت وهونغ كونغ”. ولم تحضر الحوار أي منظمات غير حكومية، ولم يُنشر أي إعلان مشترك. 

 >>اقرأ المزيد عن كيفية تورط الصين في ترهيب التبتيين والأويغور في سويسرا.

المزيد

وتُمثل حالة الصين اختبارا كاشفا، إذ يُثير الدبلوماسيون.ات السويسريون.ات وغيرهم.ن مخاوف حقوق الإنسان بشكل روتيني خلف الأبواب المغلقة. فقد يضفي الحوار الخلفي إلى مكاسب صغيرة، كإطلاق سراح شخص هنا، والسماح بعمل منظمة غير حكومية هناك. لكن يجب ألّا نخدع أنفسنا؛ فلا يزال القمع الهيكلي قائمًا. وبالنظر إلى حجم الانتهاكات، فإن تأثير الدبلوماسية الهادئة معنوي فقط، ولا يحدث تغييرًا منهجيًا، كما يقول بورير. 

ورغم أن الدبلوماسية السرية أو اللقاءات مع المعارضين، لا تؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج ملموسة، فإن هذا لا يعني أن هذه المبادرات رمزية فحسب. تفقد بعض اللقاءات البعيدة عن الأنظار رسالة عامة قوية، ويمكنها رفع مستوى الوعي الدولي. ويُضيف بورير: “إن نهج سويسرا الأكثر هدوءًا (…) غالبًا ما يُحافظ على إمكانية استمرار المشاركة وإحراز تقدم تدريجي”. 

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية لسويس إنفو (Swissinfo.ch ) إن سويسرا لا تزال منخرطة بقوة في جهود تعزيز حقوق الإنسان، وتدافع باستمرار عن حرية التعبير والمساءلة عن الانتهاكات.  

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: جيرالدين وونغ ساك هُوي

هل سمعت شيئًا عن الدبلوماسية السويسرية وترغب في أن نتحقق من صحته؟

ليس كل ما يُتداول عن العلاقات الخارجية لسويسرا دقيقًا أو مفهومًا بشكل صحيح. هل صادفت.ي ادعاءات أو مفاهيم خاطئة مشابهة حول دور سويسرا في العالم؟

6 إعجاب
7 تعليق
عرض المناقشة

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية