مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شكوى قضائية بسبب دعوة سياسي يميني إلى “طرد المسلمين” من سويسرا

مسلمون يؤدون شعائر صلاة الجمعة في المسجد التابع للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف Keystone

رفع اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف دعوى قضائية بتهمة التحريض على العنصرية ضد محرر مقال نشر في جريدة "Schweizerzeit"، يدعو فيه إلى "طرد جماعي للمسلمين من سويسرا".

وفي اتصال هاتفي بالسيد أولريخ شلوير، المدير المسؤول عن الجريدة، أكد أنه “لم يطلع على المقال قبل نشره”، وشدد على أنه “سحبه من موقع الجريدة حتى قبل صدور ردود الفعل من آخرين”، كما أفاد بأنه “لم يعلم لحد الآن بوجود شكوى قضائية إلا من خلال وسائل الإعلام”.

وتندرج هذه التطورات التي أدت إلى رفع شكوى قضائية بتهمة التحريض على العنصرية ضد المسلمين في سياق تداعيات الحملة التي عرفتها سويسرا في نوفمبر الماضي وأدت الى تصويت 57،5% من الناخبين السويسريين لصالح مبادرة أطلقها ساسة يمينيون تدعو إلى حظر بناء مآذن جديدة في البلاد.

“طرد جماعي للمسلمين؟”

في 12 فبراير 2010، تقدم اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف (يضم 9 منظمات وجمعيات تمثل جاليات إسلامية تقيم في كانتون جنيف) بشكوى قضائية في مدينة فينترتور (قرب زيورخ)، ضد كل من فيلي شميدهاوزر، محرر مقال صدر يوم 13 نوفمبر 2009، في جريدة “الزمن السويسري” ورئيس فرع حزب “الديمقراطيون السويسريون” في تورغاو (أقصى اليمين)، وضد أولريخ شلوير، النائب البرلماني الذي ينتمي إلى حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) بوصفه المسؤول عن تحرير الجريدة التي تصدر مرة كل نصف شهر.

المقال الذي نُشر في الصفحة الرابعة من النسخة الورقية للجريدة، قبل أن يتم سحبه فيما بعد من موقعها الألكتروني، صدر تحت عنوان: “هل سيُعيدنا الإسلام إلى القرون الوسطى؟” وتناول فيه فيلي شميدهاوزر، الناشط السياسي اليميني المتطرف بطريقته الخاصة “شرح حقيقة الإسلام لمن يتحدث عن الإسلام من سياسيين وصحافيين بدون سابق معرفة”.

واستند فيلي شميدهاوزر في عرضه إلى جملة من السور والآيات القرآنية التي انتقاها لكي يبرهن بتأويله الخاص لها، على أن “الإسلام والمسلمين يشكلون خطرا على المجتمع السويسري إذا ما أصبح عددهم كبيرا”، وانتهى الى خاتمة مفادها “بما أن القرآن يحدد كل شيء في حياة المسلم بشكل ملزم، فإنه لا يتبقى في نظري سوى اللجوء الى طرد جماعي للمسلمين (من سويسرا) وإلا تعرّض البلد والشعب إلى تدمير في طريق هذه العودة الى حقبة العصور الوسطى”، على حد تعبيره.

هذا الإعلان الواضح عن النوايا يثير انزعاج السيدة لوسيا دحلب، نائبة رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف التي قالت في حديثها مع swissinfo.ch: “إن المقلق في هذه التصريحات هو أن كاتبها يشرح بأننا (كمسلمين) نشكل خطرا على المجتمع وأنه إذا ما تجاوز عددنا حدا معينا فيجب طردنا جماعيا من سويسرا”، وتضيف “هذا ما دفعنا الى استخدام قوانين مناهضة العنصرية” في الشكوى المرفوعة أمام القضاء.

تراجع متأخر نوعا ما!

حظيت هذه الجملة، التي “قد تكون بمثابة عبارة عنصرية”، حسب رأي بيتر شتودر، الخبير في وسائل الإعلام باهتمام كبير من وسائل الإعلام السويسرية التي تطرقت حينها للموضوع بإسهاب، وهو ما دفع المسؤول عن جريدة “الزمن السويسري” إلى سحب المقال من موقعها على الإنترنت ولكن بعد انتهاء الحملة الإنتخابية التي سبقت موعد التصويت على المبادرة الداعية إلى حظر بناء مزيد المآذن في موفى نوفمبر 2009.

عن هذا التأخير يقول السيد أورليخ شلوير في تصريحات خاصة بـ swissinfo.ch: “لقد قيمت هذا المقال شخصيا على أنه غير لائق ولم تتح لي الفرصة أثناء ذروة الحملة الانتخابية (على مبادرة حظر بناء المآذن) أن أطلع عليه وأقرأه قبل نشره. ولكن عند إصدار العدد الموالي، وقبل توصلنا بردود الفعل المنتقدة، عبرنا عن عدم اتفاقنا مع المطالب الواردة فيه”.

ولدى سؤاله عما وجده “غير لائق” في المقال الذي حرره فيلي شميدهاوزر في جريدته، يقول السيد شلوير: “اتضح لي أن هذا المقال أثار لدى أوساط واسعة وبالأخص الأوساط الصحفية شعورا بأن ما يُطالب به (أي طرد المسلمين) هو أمر مبالغ فيه، وهذا ما اعتبرته أيضا على أنه مبالغ فيه”.

وعن سبب انتظاره نهاية الحملة الإنتخابية لسحب المقال من موقع الجريدة على الإنترنت، أجاب السيد شلوير: “لم نلاحظ أنه كانت له تأثيرات محددة على أوساط معينة. ولكنني قلت إنني اعتبرت شخصيا أنه خاطئ وهذا حتى قبل أن يُصدر آخرون ردود فعلهم بهذا الخصوص”.

المزيد

المزيد

الديمقراطيون السويسريون

تم نشر هذا المحتوى على ظهر للوجود في عام 1971 تحت اسم “العمل القومي من أجل الشعب والوطن” ولفت الأنظار إليه في بداية السبعينات، عندما رفض الشعب بفارق بسيط جدا المبادرة، التي أطلقها نائبه في البرلمان جيمس شفارزنباخ ضد ارتفاع نسبة السكان الأجانب في سويسرا. في بداية التسعينات، تراجع حجم الناخبين المؤيدين لـ “الديمقراطيون السويسريون”، عندما بدأ حزب الشعب السويسري…

طالع المزيدالديمقراطيون السويسريون

استخدام قانون مناهضة العنصرية

الشكوى التي رفعها اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف أمام القضاء السويسري “اعتمدت على المادة 261 مكرر من القانون الجنائي، وهو القانون الذي يحمي جميع المواطنين من الإنتهاكات التي لها علاقة بالعرق أو الإنتماء الديني أو غيره”، كما تشرح السيدة لوسيا دحلب ، نائبة رئيس الإتحاد.

وتضيف السيدة دحلب أن كاتب المقال يرى – من وجهة نظره – أنه “يجب فرز المواطنين في سويسرا وفقا لعقيدتهم والعمل على إرغام المنتمين إلى عقيدة ما على مغادرة سويسرا”.

ومع إقرار نائبة رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف بأنها “ليست المرة الأولى التي يتم فيها انتقاد الإسلام بهذا الشكل في سويسرا”، إلا أنها تعتقد بأنها “المرة الأولى، حسب علمنا، التي يتم فيها التعبير عن ذلك كتابيا، وبهذا العنف”.

وتمثلت شكوى اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف في رفع دعوى قضائية يوم 12 فبراير 2010 أمام محكمة فينترتور وتولي القضية من قبل المحامي أندرياس مايلي، المتخصص في قضايا النشر ووسائل الإعلام في زيورخ.

إشعار عبر وسائل الإعلام فقط

إذا كان اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف قد تقدم بالفعل بالشكوى أمام مكتب النيابة العامة في مدينة فينترتور، فإن أحد المعنيين بالأمر أي السيد أولريخ شلوير يقول: “إنه لم يعلم بوجود شكوى قضائية ضده إلا من خلال ما أوردته وسائل الإعلام”.

ويضيف في تصريحاته لـ swissinfo.ch: “لم أتوصل من أية جهة إدارية ببلاغ في هذا الشأن ولا اعرف حتى ما إذا كانت هذه الشكوى قد قدمت بالفعل وتم قبولها، أم أنها مجرد محاولة للشروع في حملة جديدة”.

في المقابل، توضح السيدة لوسيا دحلب أنه “إذا كانت الشكوى المرفوعة ضد كاتب المقال فيلي شميدهاوزر لا تشكل أية مشكلة، فإن الشكوى المقدمة ضد عضو مجلس النواب أولريخ شلوير تتطلب رفع الحصانة البرلمانية عنه قبل محاكمته” المحتملة.

محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch

اعتُـمد الفصل 261 مكرر، الذي يُـعنى بمكافحة العنصرية في القانون الجنائي السويسري، من طرف الشعب السويسري يوم 25 سبتمبر 1994 بـ 54،6% من الأصوات.

يحظر الفصل، الذي بدأ العمل به ابتداء من غرة يناير 1995، نفي المحرقة اليهودية والتمييز والمس بكرامة شخص أو مجموعة من الأشخاص، بسبب انتمائهم العرقي أو الإثني أو الديني.

ما بين عامي 1995 و2003، رُفِـعت 241 شكوى إلى القضاء، استنادا إلى الفصل 261 مكرر، نظرت المحاكم في 123 من هذه الشكاوى وأسفرت 23 قضية منها عن صدور أحكام بالبراءة.

في شهر أغسطس 2007، أطلق “الديمقراطيون السويسريون” (وهو حزب صغير من أقصى اليمين)، مبادرة فدرالية لإلغاء الفصل 261 مكرر من القانون الجنائي.

أطلقت وزيرة العدل والشرطة السابقة روت ميتسلر، مشروعا يرمي إلى تشديد القانون الحالي (بما يتيح إدانة الرموز من قبيل الصليب المعقّـف وتأسيس مجموعات عنصرية)، لكنه ظل مجمّـدا خصوصا وأن كريستوف بلوخر، الذي خلفها في المنصب حرص على إجراء مراجعة باتجاه التخفيف لما ينُـص عليه الفصل 261 مكرر من القانون الجنائي لكنه غادر الحكومة الفدرالية في ديسمبر 2008 دون أن يتمكن من القيام بذلك.

أثناء إجراء الحوار مع السيد أولريخ شلوير، المسؤول عن تحرير جريدة
“Schweizerzeit” التي نشرت المقال المثير للجدل، سألناه عما إذا كان من المقبول بالنسبة له كعضو برلماني في مجلس النواب الفدرالي أن يصرح شخص ما بكلام من قبيل: “يجب “طرد المسلمين من سويسرا”؟ وما الذي يمكن قوله لسويسري مسلم يُـواجَـه بدعوة من هذا القبيل؟

أجاب السيد شلوير بشيء من الإنفعال: “يجب التطرق للتصريح بشكل وفيّ، وما تبدونه هو تحريف. التصريح مفاده أنه فقط في حال توفر الظروف، وتوفر الشروط التي يطالب بها الإسلاميون، عندها فقط يجب اتخاذ تلك الإجراءات (أي الطرد). ولم يقل التصريح أنه يجب الشروع من الآن في طرد جميع المسلمين. وأرجو أن تكونوا حريصين على سرد الأشياء كما هي وبدقة وليس تقديم تأويل متطرف مثل الذي قمتم به”.

ولدى سؤاله إثر ذلك: “وحتى ولو توفرت الظروف التي تحدثتم عنها، هل من المنطقي أن يتم اللجوء الى الدعوة لإجراء جماعي مماثل؟”، فكان رد السيد شلوير: “أقول لكم مرة أخرى إنني نأيت بنفسي عن هذا المقال قبل أن يُبدي أحد اعتراضات على ذلك. ولكن يجب أن أقول إنه يجب التطرق للمقال بالشكل الذي تم به. فهو ليس دعوة للطرد بل هو سرد لظروف إذا ما تم فيها فرض قوانين الشريعة، مثلما يطالب بذلك البعض، فإنها ستكون غير مطابقة للقوانين السائدة” في سويسرا.

إثر ذلك، وجهنا إليه الإستفسار التالي: “عند تحليل الأوضاع اليوم، هل هناك ما يكفي من المؤشرات التي تشير إلى احتمال توفر تلك الظروف؟”

فكان رد النائب البرلماني وعضو حزب الشعب السويسري: “أود أن أقول لكم يجب ألا تشرعوا في التكهن بتكهنات وتأويلات لم أتفوه بها بأي شكل من الأشكال. لقد اتخذتُ موقفا من مقال وجدتُ أنه خاطئ وابتعدت عنه . وإذا كنتم ترغبون في التعليق على ذلك فعلقوا كما يحلو لكم ولكن يجب ألا تُسندوا ذلك لشخص لم ينطق بذلك”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية