
عمال مخابز ومطاعم في الرياض بين نارَي الطقس والأفران

يتصبّب المصري عيد أحمد عرقا وهو يحاول اتقاء وهج النار المتقدة في فرن مخبزٍ في الرياض، حيث يعمل لساعات طويلة يوميا في ظروف أشبه بـ”جهنم”، بينما درجات الحرارة الخارجية تتجاوز 45 مئوية.
مزودا بزجاجة مياه مثلجة وقطعة قماش مبلولة يمسح بها وجهه من حين لآخر، يحاول أحمد (35 عاما) التأقلم مع ظروف يزيدها حدة اضطراره، بموجب القواعد الصحية المعتمدة، لوضع كمامة على فمه وغطاء بلاستيكي للشعر.
اعتاد سكان المملكة خلال الصيف على حرارة تلامس 50 درجة مئوية. وتكون الشوارع خلال النهار مقفرة، ويمنح العاملون في الهواء الطلق راحة إلزامية بين الثانية عشرة والثالثة عصرا بين منتصف حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر، وهو إجراء متّبع في العديد من دول الخليج.
لكنّ أحمد ومئات من عمّال المطاعم والمخابز يواصلون العمل في هذا الوقت المتزامن مع ذروة طلبات وجبة الغداء.
لا يخفي أحمد الذي بدا منهكا، شعوره بـ”التعب والإرهاق” جراء عمله قرب الفرن حيث يدخل عصا خشبية عليها قطع العجين، ويخرجها حاملة أرغفة ساخنة.
ويوضح “الجو حار بالخارج وهناك نار بالداخل”، مضيفا بحسرة “هنا بجوار النار أعاني من الاثنين سويا”.
– “غير كافية” –
وردا على استفسار لوكالة فرانس برس، قال متحدث باسم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية إن المملكة لديها “لوائح واضحة للسلامة والصحة المهنية للوقاية من آثار التعرض للشمس والإجهاد الحراري في جميع القطاعات، بما فيها قطاع الضيافة والأغذية، وغيرها من القطاعات التي قد تشهد درجات حرارة عالية”.
وأكد أن الوزارة “تجري حملات تفتيش وتتخذ الإجراءات اللازمة” عند تلقيها بلاغات عبر الخط الساخن والتطبيق، وتفرض عقوبات على المخالفين.
في حزيران/يونيو، طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” للعام الثاني تواليا، دول الخليج بحماية العّمال المهاجرين من الحر الشديد، معتبرة تدابير حظر العمل في الهواء الطلق “غير كافية”.
قبل خمسة أعوام، حصل أحمد المتحدر من محافظة أسيوط في جنوب مصر، على فرصة للعمل في السعودية لقاء ثلاثة آلاف ريال شهريا (نحو 800 دولار) يرسل معظمها لأسرته لتحسين ظروف بناته الثلاث.
ويؤكد الرجل الذي يعمل من الحادية عشرة قبل الظهر وحتى منتصف الليل، أنه يتحمّل هذه الظروف “من أجل أسرتي”، على رغم أن الإرهاق ينال منه مبكرا. ويقول “بحلول نصف اليوم أكون تعبت تماما”.
يضيف “الوقوف هنا أمام النار كأنه يشبه جهنم بالضبط. أشعر بالنار في جانب جسدي المقابل للفرن”، مشيرا الى أنه يسارع بمجرد انتهاء عمله، الى شرب “ثلاث أو أربع زجاجات من المياه”.
– “عالم ثانٍ” –
في أرجاء العاصمة السعودية، يمكن رؤية عمّال في مخابز ومطابخ المطاعم ومحلات كيّ الملابس يعملون بجوار مصادر حرارة عالية دون توقف طيلة اليوم.
ويحذّر كريم الجندي الرئيس التنفيذي لمعهد الكربون ومقره هولندا، من أنّ هؤلاء يواجهون مخاطر صحية شديدة، مشابهة لمن يعملون تحت أشعة الشمس.
ويقول لفرانس برس “التعرض لأشعة الشمس المباشرة في درجات حرارة تبلغ 40 درجة لمدة ساعة يمكن مقارنته بالتواجد أمام فرن بدرجة حرارة 200 لفترة مشابهة مع ارتفاع الحرارة عند فتح باب الفرن”.
ويوضح “يمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري وفقدان السوائل السريع من خلال التعرق إلى الجفاف الشديد، مما يضغط على الأعضاء الحيوية للجسد”، موصيا بأن يقوم العاملون أمام الأفران “بالابتعاد عنها أو إغلاقها أو الحصول على استراحة” من وقت لآخر.
يجد اليمني هاني الدعيسي الذي يدير مطعما تعجّ صالته بالرواد خلال النهار، صعوبة في تطبيق توصيات كهذه.
يعاون الدعيسي (26 عاما) ثلاثة موظفين في مطبخ ضيق المساحة يرفع حرارته شواء الدجاج على الفحم أو آلات عاملة بالغاز، وقدور ضخمة لإعداد الأرز.
ويقول الشاب الذي تغطي وجهه كمامة “المطبخ بشكل عام حار والجو في الخارج حار”، مضيفا “حتى لو وضعت 10 مكيفات (للهواء) فلن تبرّد المطبخ”.
في صالة تناول الطعام المبرّدة، يقتصر اهتمام الزبائن على سرعة نيلهم طلبهم، اذ يتذمر بعضهم بمجرد تأخره.
ويعلّق الدعيسي على ذلك وهو يقوم بتجفيف عرقه “أشعر أن الناس في الخارج تعيش في عالم ونحن نعيش في عالم ثانٍ… الدنيا هنا جهنم”.
هت/كام/لين