مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فضيحة الفيفا.. هل تنقلب إلى ضربة في شِـباك المرمى السويسري؟

ميشيل زن-روفينن (على اليمين) ورئيس الفيفا سيب بلاتر في صورة يعود تاريخها إلى ديسمبر 2002 Reuters

في الوقت الذي يواصل فيه الإتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) التحقيق في المَزاعم الأخيرة المتعلِّـقة بعمليات فسادٍ في هيئته الإدارية، برزت تساؤُلات من داخل سويسرا وخارجها حول النظام القانوني المعمول به في الكنفدرالية، الذي يُعفي الاتحادات الرياضية الكبيرة من الخضوع لمقتضيات القانون السويسري لمكافحة الفساد.

وتشتهر سويسرا، بكونها موطناً للعديد من الإتحادات الرياضية العالمية، بما في ذلك الإتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) والإتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) واللجنة الأولمبية الدولية. وتتمتع هذه الهيئات بإعفاءات ضريبية، كما تملِـك السيادة القانونية الكاملة التي تَمنَحها الحقّ في تنظيم وإدارة شؤونها الخاصة بنفسها.

ومن الواضح بأنَّ لعِـب دور الدولة المضيـفة لنحْـو 50 هيئة إدارية رياضية كبرى، هو أمر جذّاب جداً، حيث تتمتّـع سويسرا بهَـيبة وجود مِـثل هذه المجموعات المتألِّـقة من الضيوف فوْق أراضيها، وهو أمرٌ يُعزِِّز من سُـمعة الكنفدرالية كبلدٍ محايِـد ومتسامِـح.

في الوقت نفسه، أثارت الفضيحة الأخيرة للإتحاد الدولي لكرة القدم، العديد من التساؤلات حول الوضع القانوني الدّقيق لهذا العدد الكبير من الهيئات الرياضية الدولية وكيفية تنظيم هذه الأنشطة، التي تتحكَّـم بثروات وموارد مالية تُقدّر بمليارات الفرنكات.

أصوات للبيْـع في الهيئة الإدارية

وفي عددها الصادر يوم 17 أكتوبر الجاري، اتهمت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، عدداً من كبار المسؤولين في الفيفا، باستعدادهم لِمنح أصواتهم من أجْـل تأمين حصول دولة مُعيَّـنة على شرف استضافة نهائيات كأس العالم، مُقابل استلامهم مبالغ مالية.

وكانت الصحيفة قد نشرت شريط فيديو يتحدّث فيه أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا، وهو النيجِـيري آموس أدامو لِمُحرِّرين مُتخْـفين للصحيفة، ويطلب منهم مبلغ 500,000 جنيهاً إسترلينيا (800,000 دولار)، نظير شراء صوته.

وقد تخفَّـى محررو “صنداي تايمز” في صورة أعضاء لشركة أمريكية عِـملاقة وأقنعوا آدامو بأنهم يريدون شراء صوته لصالح الولايات المتحدة من أجل تنظيم مباريات كأس العالم. وطلب آموس المبلغ لتمويل إقامة 4 ملاعب صناعية في وطنه نيجيريا، عِـلماً بأنه يرأس اتحاد دول غرب إفريقيا.

وعلى إثر ذلك، أعلنت لجنة الانضباط في الاتحاد الدولي عن إيقاف أدامو بالإضافة إلى رينالد تيماري من تاهيتي (رئيس الاتحاد الأوقياني ونائب رئيس الفيفا) بشكل مؤقّـت. وكان من المُـفترض أن يشارك العُـضوان المَـوقوفان، إضافة إلى 22 عضوا آخرين في اللجنة التنفيذية للاتحاد في اقتراعٍ سِـرّي يُـجرى في شهر ديسمبر القادم، لتحديد هوية الدولة التي ستُـمنح شرف استضافة نهائيات كأس العالم للأعوام 2018 و2022.

كما أعلن الإتحاد مساء الأربعاء 18 أكتوبر عن إيقاف أربعة أعضاء آخرين من اللجنة التنفيذية للفيفا، على خلفية فضيحة بيْـع أصوات بلادهم للدول المُـتنافسة على استضافة نهائيات كأس العالم. غيْـر أنَّ هذا الإجراء لا يسري سِـوى لمدة 30 يوما فقط.

حرية قانونية تُـثير التساؤلات

وما يجذب الإنتباه في هذا الأمر، هو أنّ مثل هذه المُمارسات، سواء كانت من جانب مسؤولي الفيفا أو من جانب اتحادات أخرى، لا تخرق قوانين مكافحة الفساد السويسرية ولا يُعاقِـب عليها قانون الدول التي تؤوي مقر الإتحاد المعني بالنتيجة. ويعود السبب في ذلك، إلى عدم اعتبار هذه الاتحادات “منظمات رِبحية” بالدرجة الأولى، ومن ثَـمَّ، فهي مَعفِـية من هذه التشريعات التي نُقِّـحت آخر مرّة في عام 2006. وكانت منظمة “الشفافية الدولية” (منظمة دولية غير حكومية مقرّها في برلين، تُـعنى بالفساد بأنواعه وتشتهر عالمياً بتقريرها السنوي المسمّـى “مؤشر مدركات الفساد”)، قد انتقدت هذا الإعفاء منذ فترة طويلة.

وفي تعليقها على هذه الموضوع، قالت آن شفوبل، مديرة فرع “الشفافية الدولية” في سويسرا في تصريحات لـ swissinfo.ch: “هذا خطأ كبير”، وأضافت: “لقد قرّرت الحكومة السويسرية أن تكون هذه الهيئات غيْـر تجارية، عِلماً بأنَّ هناك مصالح مالية ضخْـمة وراء الرياضة”.

واستطردت قائلة: “تستفيد سويسرا من حقيقة استضافتها للعديد من المنظمات الرياضية، لأن هذه المنظمات تجْـلب لها الهيبة. وتتمتع هذه الهيئات من جانبها، بوضع مريح لِعَدَم خِـشيتها من الخُـضوع إلى تحقيقات خارجية عند حدوث مخالفات داخلية لديْـها”.

وكانت وزارة العدل السويسرية قد أبلغَت swissinfo.ch بعدم وجود خُـطط لتغيير الإعفاء من قوانين مكافحة الفساد، الذي تتمتّـع به حاليا الهيئات الرياضية المُتواجِـدة فوق أراضيها.

وفي نفس السياق، أكّد بيير ماركو زين – روفينن، الخبير القانوني في الرياضة من جامعة نوشاتيل، حقيقة تمتُّـع هذه الهيئات بدرجة كبيرة من الحرية القانونية عند إقامتها في سويسرا، حيث قال لـ swissinfo.ch: “من السَّـهل جداً إنشاء منظمة ما في سويسرا، ذلك أنَّ القانون السويسري لا يحتوي إلأّ على عدد قليل جدا من القواعد الإلزامية”، وعقَّـب بالقول: “تُمنح المنظمات الكثير من الحرية لِتنظيم أنفسها”.

تناقص الثقة

وحسب رأي زين – روفينن، فإنَّ الإجراءات القانونية الوحيدة المُمكنة الحدوث في هذه القضية، هو قيام أحد الأعضاء أو دولة عُـضوة مُدانة، بتقديم شكوى إلى المحاكم المدنية، كما أنَّ بوسْـع الإتحادات الوطنية لكرة القدم، ممَّـن ضاعت عليهم فُـرصة استضافة نهائيات كأس العالم للأعوام 2018 أو 2022، أن ترفع دعوى ضدّ الفيفا عن أي نفقات مشروعة في سعيِـها لاستضافة هذا الحدَث، في حالة إثبات حدوث فساد أو تلاعب في إجراءات التصويت.

وقد سبق للفيفا أن تورّطت في قضية قانونية في الآونة الأخيرة. وتعلَّـق الأمر حينئذٍ بشركة التسويق التجاري ISMM-ISL- الشريكة للفيفا – التي أعلنت إفلاسها في عام 2001. وكانت الإجراءات القانونية في كانتون تسوغ قد كشفت سلسلة من العمولات بقيمة 138 مليون فرنك سويسري (143 مليون دولار أمريكي)، ارتبط البعض منها بالفيفا، ولكن إجراءات الدّعوى التي وقعت بين عامَـي 2005 وشهر يونيو من العام الحالي، أسفرت عن تسوية ودفع تعويضات من الأطراف المُتَّـهمة، بدون الإعتراف بالذّنب.

ومع تضاؤُل الثقة في الاتحادات الرياضية والمحاكم القضائية والساسة لفرْز الفساد في عالم الرياضة، يُـطالب بعض المراقبين بتشكيل منظمة دولية مستقلّـة للتعاطي مع الظاهرة والتصدي لها، على غِـرار الوكالة الدولية لمناهضة المُنشِّـطات.

وفي آخر مستجدّات هذه القضية، أعلنت وزارة الدفاع والرياضة وحماية البيئة السويسرية يوم الأحد 24 أكتوبر الجاري، بأنّها ستُـعيد النظر في القوانين المتعلِّـقة بالفساد في الرياضة. وذكرت أسبوعية “سونتاغ تسايتونغ” (تصدر كل يوم أحد بالألمانية في زيورخ)، أن أولي ماورر، وزير الدفاع والرياضة السويسري، طلب النظر في هذه المسألة وتقديم تقرير مع توصِـيات، بهدف تشديد القوانين المعنية. وأكّد مارتن بوهلر، الناطق باسم وزير الدفاع والرياضة لوكالة فرانس برس، ما ذُكِـر في هذه الصحيفة.

“ثِـقوا بنا”

من ناحيتها، أعلنت الفيفا عن عزْمها على استعادة الثقة، من خلال إطلاق تحقيقاتها الداخلية الخاصة في المزاعِـم المتعلِّـقة بالرّشوة. وأكَّـد كلاوديو سولسر، رئيس لجنة الانضِـباط، بأن جميع تسجيلات الفيديو باتت في حِـيازة الفيفا، مؤكِّـدا على أن الاتحاد الدولي عازِم على التَّـعامل بصرامة شديدة مع أيّ خرق للَـوائِـحه الأخلاقية.

وقال سولسير، إنَّ قرار إيقاف النيجيري أموس أدامو والتاهيتي رينالد تيماري، بالإضافة إلى أربعة مسؤولين آخرين، قد جاء “لحماية النَّـزاهة” في عملية تقديم العطاءات من جانب الدول المتنافسة على استضافة نهائيات كأس العالم في الأعوام 2018 و2022.

وفي السياق نفسه، قرّرت لجنة الأخلاقيات، فتْـح تحقيق حوْل إدِّعاءات بشأن تصرّفات مُـريبة مُـرتبطة بعطاءات بعض الدول، التي لم يكشف عن هويتها، في إطار التنافس على استضافة نهائيات كأس العالم. ومن المقرَّر أن تُـنشر نتائج التحقيقات في منتصف شهر نوفمبر القادم.
وسيتم اتِّـخاذ قرار حول الدول التي ستستضيف نهائيات كأس العالم، في كل من عام 2018 وعام 2022 في 2 ديسمبر من العام الجاري.

ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة التي انسحبت من ملفّ استضافة مونديال 2018، تسعى إلى استضافة هذا الحدث الرياضي في عام 2022، وهو ما يضمَـن تنظيم المونديال داخل القارّة الأوروبية في ذلك العام، في ظلّ تنافُـس بريطانيا وروسيا، كما تقدّمت كلٌّ من إسبانيا والبرتغال بملفٍّ مُـشترك، وهولندا وبلجيكا بملف مُـشترك آخر.

وتنُـصُّ اللّـوائح على عدَم قِـيام نهائيات كأس العالم في قارّة واحدة لمرّتيْـن مُـتتاليتيْـن، وهو ما يحصر المُـنافسة على استضافة هذه الألعاب في عام 2022 بين الولايات المتحدة وقطر واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.

ومن جهته، قال رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف “سيب” بلاتر للصحفيين في زيورخ: “إن مجتمعنا مَـليئ بالشياطين، ويمكن العثور عليهم في كرة القدم أيضاً”. وأصَـرّ بلاتر في معرض ردِّه على أسئلة الصحفيين حول فساد الفيفا، على أن مُـجريات التحقيق ستعمَـل على “إعادة المِـصداقية”. وقبل مغادرته لقاعة المؤتمر الصحفي، اختتم رئيس الفيفا حديثه بالقول: “ثِـقوا بنا، وسوف تروْن بأن الثقة ستُسترجَـع”.

تدور فضيحة الرّشوة المزعومة، التي تحوم حول الإتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حول عملية تقديم العطاءات لاستضافة نهائيات كأس العالم لعامي 2018 و2022.

وزعم مقال نشَـرَته صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية يوم 17 أكتوبر، بأن اثنين من كِـبار المدراء التنفيذيين لكرة القدم – النيجيري أموس ادامو والتاهيتي تيماري رينالد – عَـرضوا بَيْـع أصواتهم إلى صحفيين مُتخفِّـين، كانوا يصوِّرون هذه الاجتماعات سِـرّا.

وأعلنت الفيفا من ناحيتها، عن إجراء تحقيق فوري تترأسه لجنة الأخلاقيات (هيئة قضائية مستقلة أنشِـئت في عام 2006 لتطبيق قانون الفيفا للأخلاق)، للإشراف على عملية تقديم العطاءات لاستضافة نهائيات كأس العالم.

وتوسَّـع التحقيق في يوم 18 أكتوبر الجاري للنظر في سلوك مسؤولين آخرين في الفيفا، مع وعد بالبحث في الشائعات الدّائرة حول التواطُـؤ المتعلّـق بعملية المُـناقصة بين الاتحادات الأعضاء.

وفي يوم 20 أكتوبر، أعلنت لجنة الأخلاقيات في الفيفا بأنها اوقفت عضوَيْ لجنتها التنفيذية اللَّـذين وردت أسماؤهما في تقرير صحيفة “ساندي تايمز”، بالإضافة إلى أربعة مسؤولين آخرين من بينهم التونسي سليم علولو.

وسيتِـم تقديم تقرير كامل حول الموضوع، بعد الانتهاء من التحقيق في منتصف شهر نوفمبر القادم.

وفي 24 أكتوبر، أوردت صحيفة الصنداي تايمز اللندنية أن الأمين العام السابق للفيفا السويسري ميشال زن-روفينن صُوّر سرا وهو يصرح بأن كلا من “إسبانيا – البرتغال” وقطر توصلوا إلى اتفاق يمنح كلا منهما 7 أصوات من أصوات اللجنة التنفيذية للفيفا التي تتركب من 24 عضوا وتتحمل مسؤولية اختيار الدول المنظمة لكأس العالم. كما ورد في التسجيلات المنسوبة له أنه بالإمكان رشي مُصوّتي الفيفا بهدايا تشمل الأموال والنساء.

من المُـقرَّر أن يُـعلِـن الاتحاد الدولي لكرة القدم عن هوية البلدين المستضيفين لمونديالَـيْ 2018 و2022 في 2 من ديسمبر المُقبل في مدينة زيورخ.

وتتنافس كل من انجلترا وروسيا وإسبانيا/البرتغال وبلجيكا/هولندا على احتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم في عام 2018 فيما ترشحت اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والولايات المتحدة وقطر لتنظيم دورة 2022.

أنشِـئ الاتحاد الدولي لكرة القدم في العاصمة الفرنسية باريس في عام 1904، ثم انتقل إلى مقره الدائم الحالي في مدينة زيورخ السويسرية في عام 1932.

انضمّ السويسري من كانتون فالي جوزيف “سيب” بلاتر إلى الفيفا في عام 1975 وشغل في بادِئ الأمر منصِـب المدير الفني للإتحاد، ومن ثَـمَّ الأمين العام. وفي عام 1998، انتُـخب بلاتر كثامن رئيس للاتحاد.

وفي عام 2002، أعيد انتخاب بلاتر كرئيسٍ للاتحاد الدولي لكرة القدم، تَـلاه انتخاب ثانٍ في عام 2007. وأعلن بلاتر عن ترشيح نفسه مرة ثالثة للمنصب في الانتخابات المُقبلة، التي ستجري في عام 2011.

ولم تكُـن الفيفا بعيدة عن اتهامات تتعلَّـق بالفساد خلال السنوات الأخيرة الماضية. وكان انتخاب بلاتر في عام 2002 مُحاطا بشائعات تتعلَّـق بالرشوة. وفي نفس العام، أقِـيل بيير ماركو زين – روفينين، الأمين العام للإتحاد من منصبه، بعد مزاعِـم متعلّـقة بسوء الإدارة المالية.

وفي عام 2006، نشر الصحفي البريطاني أندرو جينينغز كتاباً يحمِـل عنوان: فاول! العالم السرّي لكرة القدم: الرشوة والتزوير في عمليات التصويت وفضائح التذاكر. وأعقب هذا الكتاب إدِّعاءات مُماثلة عرضتها قناة “بي بي سي” البريطانية في برنامجها الوثائقي “بانوراما”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية