مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قوات عربية في غزة.. حلٌّ أم إشكالية جديدة؟

الرئيس المصري محمد حسني مبارك مع وزير خارجيته أحمد أبوالغيط في صورة التقطت لهما يوم 16 أغسطس 2008 في مطار برج العرب بالإسكندرية Reuters

التوقيت الذي فضله وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، للإعلان بصورة شِـبه رسمية بأن "فكرة إرسال قوات عربية إلى غزة، هي فكرة جاذبة بحاجة إلى مزيد من الدراسة"، هو توقيت لا يخلو من مغزى، لاسيما إذا تمّ ربطه ببدء الجهد المصري مثلا في الحوار الثنائي مع الفصائل الفلسطينية المختلفة، تمهيدا للحوار الجماعي لكل الفصائل بعد عيد الفطر المبارك.

وكأن الوزير المصري يضع بندا أساسيا على طاولة الحوار الفلسطيني، مُـنتظرا ردود الفعل مِـن هنا وهناك، فضلا عن تبشيره بأن الفكرة ستكون محلّ نظر في اللقاءات الوزارية المقبلة تحت مظلّـة الجامعة العربية.

فكرة قديمة جديدة

الفكرة نفسها تردّدت قبل عدّة أشهر ولم تجِـد مَـن يتبنّـاها رسميا، ولكنها وُصِـفت آنذاك باعتبارها أحد مداخل إحياء الدّور العربي أو تشكيل مظلّـة عربية، تُـساعد الفلسطينيين على الخروج من أزمتهم الأمنية والسياسية.

ورغم نُـبل الهدف ـ أي الرعاية العربية ـ فإن أحدا لم ينظر في الفكرة باعتِـبارها خِـيارا قابلا للتنفيذ، ولكن ظل الحديث عن ضرورة القِـيام بدور عربي، كالذي قامت به الجامعة مؤخرا بالنسبة للبنان.

الآن، تبدو الأمور مُـختلفة نِـسبيا، فهناك فكرة مطروحة على الطاولتَـين، العربية والفلسطينية، وهناك ردود أفعال أولية تعكِـس الكثير من الرّفض والكثير من الشكوك، والنادر من التأييد العلني.

المؤيد الوحيد.. السلطة الفلسطينية

الجانب المؤيِّـد بصراحة، يكاد يكون محصورا في السلطة الوطنية والرئيس محمود عباس، الذي أكد ـ حسب مصادر رسمية ردّا على الدّعوة المصرية للحِـوار الفلسطيني ـ على أنه شخصِـيا سيبذُل كل ما في وسعه لإنجاح هذا الحوار وموافقته على قِـيام حكومة توافُـق وطني، وليس حكومة فصائل، شرطَ أن يتحقّـق فيها إنهاء الحِـصار والإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة.

ولكي يتحقق ذلك ـ حسب الرئيس عباس ـ “لابُـدّ في المرحلة الأولى من وجود قُـوات عربية تتولّـى مساعدة الحكومة في إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مِـهنية”.

في تفسير هذا الموقف، يمكن القول أن تأييد السلطة الوطنية لاستقدام قوات عربية بهدف السيطرة الأمنية على أوضاع القطاع، فيه اعتراف غيرُ مُـباشر بأن السلطة في وضعها الرّاهن لا تستطيع أن تسيطر على القطاع، حتى إذا حدثت المصالحة وتشكّـلت حكومة توافُـق وطني، ومِـن ثَـم،ّ فإن الاستِـعانة بالقوات العربية، هو لتغطِـية النّـقص في إمكانات السّـلطة، مُـقارنة بالإمكانات التي تتوافر فعلا عند الفصائل الأخرى، لاسيما حماس وحكومتها المُقالة، التي تُـدير القطاع فعلِـيا منذ الحسم العسكري في يونيو 2007، والتي تُـعتبر تجربتها في الحكم، جديرة بأن تستمر لا أن تُوقف.

ويمكن القول أيضا، أن القوات العربية في هذه الحالة ستكون ذات مهامّ أمنية جسيمة. ففضلا عن ضرورة سيطرتها على الأمن في غزة والعمل لحساب السلطة الوطنية بشكل مباشر، وربما التّـصادم مع الفصائل التي لن ترضى عن وجود مِـثل هذه القوات، فستكون مُـطالبة بدور مباشر في السيطرة على العمليات الموجّـهة ناحية الأراضي والمستوطنات الإسرائيلية، وقبل ذلك، الحصول على مُـوافقة إسرائيلية مباشرة وصريحة.

الرافضون بقوة

على الجانب الآخر، عبّـرت مواقِـف فلسطينية عن رفض صارِخ أو مبطّـن، ولكلٍّ له تفسيره وتبريره. فحماس، ورغم تأييدها العلني استمرار الوساطة المصرية للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مُـقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، فإنها رأت في فكرة القوات العربية فكرة مرفوضة جُـملة وتفصيلا، لأنها ببساطة ترنُـو إلى إنهاء تجربة حماس في حُـكم غزة.

ومما قاله أحمد برهوم، المتحدث باسم حماس “إن الأوضاع الأمنية في القطاع تشهد حالة من الاستقرار وتعمل على أسس مِـهنية وقانونية ولصالح المواطن الفلسطيني، وأن إطلاق مثل هذه الأفكار للتّـشكيك في شرعية الحكومة القائمة في القطاع فهو مخطِـئ، وأن من حق الحركة الدّفاع عن الخيار الديمقراطي، الذي عبّـرت عنه نتائج الانتخابات التشريعية”.

الجبهة الشعبية بدورها رفَـضت الفِـكرة على لِـسان نائب أمينها العام عبد الرحيم ملوح، الذي وصف الفِـكرة بأنها ستعطي لإسرائيل الحق في التدخّـل في معادلة الشأن الفلسطيني العربي، لأن هذه القوات، إن دخلت إلى القطاع، فسوف يكون مطلوبا موافقة إسرائيل أولا، وهو أمر مرفوض.

وعن البديل، طرح ملوح فكرة إنشاء هيئة أمنية فلسطينية “تدير الأمن الداخلي برعاية فلسطينية على أن تستعين بما تراه من كفاءات وخبرات عربية في ضبط الأمن ومعالجة الشأن الداخلي، وهذا يخرج إسرائيل من المُـعادلة”.

اعتراف ضمني

علينا أن نذكر، أن قول أبو الغيط حول الفكرة لم يكُـن خاليا من الاعتراف الضمني، بأن لها شروطا غير متحقّـقة في هذه اللحظة الزمنية، لاسيما شرط الوفاق الوطني الفلسطيني أو بعبارة أخرى، المصالحة الشاملة.

وممّـا قاله أبو الغيط ـ في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 29 أغسطس 2008 ـ إن وجود قوات عربية على الأرض يُـمكن أن يمنع الاقتتال ووقف الصِّـدام الإسرائيلي الفلسطيني، ويمكن أن يتيح للفلسطينيين إعادة بناء إمكانياتهم داخل القطاع وبشكل يُـحقق الوئام، ولكنه استدرك قائلا “إن هذه الفكرة لا تأتي إلا بعد إعادة صياغة الوحدة الوطنية الفلسطينية وبعد الدراسة المناسبة لها، وعندئذ، نتصور مصر والجامعة العربية يُـمكن أن يقوما بدور في هذا الشأن”.

إذن، تطبيق الفكرة من وِجهة النّـظر المصرية مرهُـون أساسا بالوحدة الفلسطينية وبدراستها من كل جوانبها، وبعدها، يمكن لمصر والجامعة العربية أن تتحرّكا معا. ومع ذلك، فقد أثارت الفِـكرة على هذا النحو غير المكتمل، تساؤلا جوهريا حول طبيعة الدور الذي تطمح إلى لعبه مصر في المرحلة المقبلة، وهل سيتحوّل من الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تكريس الاحتلال، وربما حمايته أيضا، ولكن بتوافُـق عربي هذه المرة؟

جبل من الأسئلة الجوهرية

والمؤكّـد أن دراسة هذه الفِـكرة سيصطدم بعددٍ كبير من الأسئلة الجوهرية، فهل ستكون هذه القوات بمثابة قوات سلام عربية تُـسهم في تحقيق المصالحة الفلسطينية بعد التوصّـل إليها، وما هي المهام الأمنية التي ستكلف بها على وجه الخصوص، وهل ستمتَـد هذه المهام إلى تأمين الحدود، قطاع غزة مع إسرائيل ومصر، أم ستكتفي بمساعدة الفلسطينيين على إعادة بناء قُـواتهم الأمنية بمُـختلف درجاتها، وهل فعلا ستكون هذه القوات تعبيرا عن دور عربي جديد بالنسبة للقضية الفلسطينية، وماذا سيكون دورها إذا حدث اجتياح إسرائيلي على القطاع، وهل ستُـشارك فى ردّ العدوان أم ستقف على الحياد، وهل سيكون من مهامِّـها نزع سلاح الفصائل وتحويله إلى الأجهزة التي ستتولى الأمن تحت مظلّـة السلطة الوطنية الفلسطينية، أم سيكون دورها مجرّد الفصل بين الفصائل المسلحة؟

ثم ماذا لو لم يقبل فصيل معيّـن تعليمات هذه القوات العربية، وما هي قواعد الاشتباك التي ستحكم عملها، وهل سيكون دخولها القطاع، وهو من الناحية القانونية ما زال تحت الاحتلال الإسرائيلي، بالتوافق مع إسرائيل أم بدون هذا التوافق، وإذا حدث هذا التوافق، فهل سيكون مكتوبا أم عُـرفيا، ومَـن سيتولّـى الحديث باسم هذه القوات ومن سيُـموِّلها، وهل ستقبل الدول العربية التي تناصر فصائل المقاومة المسلحة مثل هذه القوات أم سيكون الأمر بمثابة قضية جديدة ينقسم حولها العرب؟

إنها قائمة طويلة من الأسئلة التي لابد لأي دراسة جادّة وشاملة أن تنظر فيها بكل عُـمق وشفافية، ولذلك، وحتى إذا تصوّرنا تحقيق مُـصالحة فلسطينية في غضون الشهرين المقبلين، فإن حسم موضوع إرسال قوات عربية إلى القطاع سيبدو بمثابة إشكالية جديدة فلسطينيا وعربيا، وليس حلا.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

القاهرة (رويترز) – نقلت وكالة أنباء الشرق الاوسط المصرية الرسمية عن وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط يوم السبت 30 أغسطس 2008 قوله أن نشر قوة عربية في قطاع غزة قد يساعد في انهاء العنف هناك وأنه ينبغي دراسة الفكرة بجدية، لكن ابو الغيط، الذي ترعى بلاده حوارا بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة، لم يصل الى حد اصدار دعوة مباشرة لنشر هذه القوة في القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس.

ونقلت الوكالة عن ابو الغيط قوله في مقابلة مع مجلة اكتوبر المصرية، من المقرر ان تنشر يوم الاحد 31 أغسطس، أن “وجود قوات عربية على الارض يمكن أن يساعد على منع الاقتتال ووقف الصدام الاسرائيلي الفلسطيني، ويمكن ان يتيح للفلسطينيين إعادة بناء إمكانياتهم داخل القطاع وبشكل يحقق الوئام”.

وأضاف “الامر لم يطرح للدراسة بعد، ولكنها فكرة جذابة تستحق ان تؤخذ بالجدية الواجبة، عندما نتصور أن مصر والجامعة العربية يمكن ان تقوما بدور في هذا الشأن”.

وقال، إن فكرة نشر قوة عربية في قطاع غزة لن تطرح في الحوار الفلسطيني “إلا بعد إعادة صياغة الوحدة الوطنية الفلسطينية وبعد الدراسة المناسبة”.

وفي غزة رفض متحدث باسم حماس اقتراح ابو الغيط. وقال المتحدث سامي ابو زهري، إن فكرة ارسال قوة عربية الى غزة غير مبررة وغير متوازنة ولا يمكن ان تحدث بدون اتفاق كل الفصائل الفلسطينية، واضاف انه نظرا لان حماس ترفض الفكرة، فلن تنفذ ابدا.

وزار ممثلون للجماعات الفلسطينية المتنافسة القاهرة خلال الايام القليلة الماضية للمشاركة في محادثات الحوار الوطني، لكن مسؤولين على اطلاع على المحادثات، قالوا إن التوصل الى اتفاق يبدو أمرا غير محتمل.

وتغلبت حماس على قوات حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في غزة في يونيو 2007 . وردا على ذلك، اقال عباس الحكومة التي كانت تقودها حماس وعيّـن ادارة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، حيث الغلبة لحركة فتح.

وتأتي تصريحات ابو الغيط ايضا مع فتح مصر يوم السبت معبرها الحدودي مع غزة للسماح لمئات من الناس بمغادرة القطاع.

وقال مسؤولون فلسطينيون عند معبر رفح، إن عدد من غادروا قطاع غزة تجاوز 2500 من سكان غزة ومن المصريين الذين وجدوا انفسهم محاصرين في القطاع. ودخل حوالي الف شخص الى قطاع غزة.

وتريد حماس من مصر فتح المعبر بصورة دائمة لتخفيف الحصار الذي تقوده اسرائيل لقطاع غزة، لكن لا يمكن بموجب اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة ان تفعل مصر ذلك بدون موافقة إسرائيل وعباس.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 أغسطس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية