مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. أولوية أمن قومي لمصر

نساء فلسطينيات يتحدثن إلى جندي مصري أثناء احتجاج قرب رفح جنوب قطاع غزة (17 مصر 2008) دعا خلاله المتظاهرون السلطات المصرية الى الافراج عن حوالي 100 فلسطيني اعتقلوا في يناير الماضي بعد أن اخترق نشطاء حماس الحدود بين غزة ومصر Keystone

رغم الصعوبات والتعقيدات التي تضعها إسرائيل في وجه الجهود المصرية، تُـصر القاهرة على أن التهدئة بين الإسرائيليين والفلسطينيين مسألة حيوية لا يجوز التخلي عنها.

والمسألة في عُـرف السياسة المصرية، أكبر من مجرّد القيام بدور في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن الجهود التي تُـبذل الآن تدخل في صميم الأمن القومي المصري.

حسب كلمات عُـمر سليمان للجنرال عاموس جلعاد، المستشار السياسي لوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، فإن مصر يعنيها تشغيل معبَـر رفح، ولكن التهدئة هي الأساس، لأنه بدون تهدئة، لن يتم تشغيل المعبر.

ثلاثة مبادئ مصرية حاكمة

تحديد الموقف على هذا النحو يتضمن في الواقع ثلاثة مبادئ حاكمة. أولها، اهتمام مصر بكسر الحِـصار المفروض على قطاع غزة، ولو جزئيا عبر تشغيل معبر رفح، وِفقا للاتفاقيات المعقودة في شهر نوفمبر 2005، ومع مراعاة الوضع القائم الآن في غزة، وبما يسمح بحركة خروج ودخول للأفراد والبضائع والمساعدات الإنسانية، ومن تخفيف المعاناة، ولو قليلا.

الثاني، أن تأمين تشغيل المعبَـر يتطلّـب بدوره حالة هدوء متبادلة، بحيث تمنع الاجتياحات العسكرية الإسرائيلية، وفي المقابل، يوقف قصف الصواريخ الفلسطينية على بلدة سديروت وغيرها.

والثالث، إزالة أية أسباب تدفع الفلسطينيين مرة أخرى لعبور الحدود المصرية بصورة جماعية غير منتظمة، كما حدث بالفعل في 23 يناير الماضي.

مصر من جانبها، تُـدرك أيضا أن عليها دورا كبير، ليس فقط لمساعدة الفلسطينيين وتهيئة أجواء مناسبة للمفاوضات المتعثرة التي يجريها محمود عباس مع أولمرت، وإنما أيضا للحفاظ على أمنها القومي وحماية أرضها ومنع أي تسلل لأراضيها، فضلا عن مجابهة تلك الأطروحات التي تُـروِّج لها دوائر إسرائيلية وأمريكية حول ضمّ أجزاء من شمال سيناء إلى قطاع غزة وتوطين فلسطينيين فيها، وهو الطرح الذي بدأ يُـزعج الدوائر المصرية.

فهو من جانب، يحُـل أزمة إسرائيل على حساب السيادة والأرض المصرية، ومن جانب آخر، يضع مصر في مواجهة مع الفلسطينيين دون مُـبرِّر، فضلا عن كونه يضع العلاقات مع إسرائيل في مهبِّ الرِّيح.

“أطروحات شريرة”

أحد جوانب الخطورة التي تتضمنها مثل هذه الأطروحات الإسرائيلية “الشريرة”، رغم أنها ليست رسمية، حسب ما لاحظه مساعد وزير الخارجية المصري أمام مجلس الشورى، أنها تفترض أن أرض سيناء المصرية أرضا مباحة ومستباحة، وأن مصر سوف تقبل هذه الخيارات مرغمة أو تحت ضغط الأمر الواقع، أو ربما عبر إغرائها بالحصول على بعض مساعدات اقتصادية ومالية، تحديدا من الولايات المتحدة.

وفي كل الأحوال، فإن مصر من وجهة نظر واضعي هذه الأطروحات، ليس لديها بديل سوى الإذعان، وهو ما ترفضه مصر وتراه أطروحات مشبوهة تعكِـس رغبة في الحرب والتدمير، وليس بناء سلام أو أمن متبادَل قابِـل للاستمرار.

جانب آخر من الخطورة يتعلّـق بالطريقة التي تتصوّر بها دوائر إسرائيلية تنفيذ مثل هذا السيناريو، وهنا طريقتان مطروحتان للمعالجة، الأولى، تتعلق بعملية عسكرية كبيرة ومكثفة وفي مدة زمنية قصيرة نسبيا، من أربعة أيام إلى أسبوع على الأكثر، والسيطرة الميدانية الدائمة على عُـمق 15 كم إلى 20 كم في شمال القطاع، وإجبار سكان هذه المنطقة، البالغين 280 ألف إلى 350 ألف فلسطيني، على الرحيل جنوبا في اتجاه شمال سيناء، وإقامة منطقة عازلة لمنع قصف الصواريخ الفلسطينية.

أما الثانية، فقِـوامها إعادة احتلال غزة بالكامل ومواجهة حماس في معركة كسر عظم، استنادا إلى افتراض أن بقاء حماس يعني استمرار تهديد الأمن الإسرائيلي.

وفي المقابل، إن إنهاء حماس يعني تحكّـم إسرائيل في كافة عناصر المسرح الإستراتيجي، بما في ذلك دفع السلطة الفلسطينية إلى قبول خطّـة تسوية تؤكِّـد الهيمنة الإسرائيلية وإعادة بلورة حل القضية الفلسطينية على أساس دفع عدد من الدول العربية، بما في ذلك مصر، لقبول توطين أعداد كبيرة من الفلسطينيين فيها.

فى كِـلا الأمرين، هناك ما يخُـص الأمن القومي المصري ويخص السيادة والأرض المصريتين، وبناءً عليه، فإن اهتمام مصر بالتّـهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تُـعد أولوية قُـصوى لمنع الحرب والتهجير، وأيضا حماية الأرض المصرية.

مواقف متباينة من التهدئة

غير أن التهدئة، وفي ظل الظروف التي تعيشها الأطراف المعنية، ليست مسألة يسيرة. فالإسرائيليون لا يشعرون بأنهم، ورغم الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بهم من جرّاء استمرار قصف الصواريخ الفلسطينية على سديروت، التي هجرها كثير من سكانها، أنهم في موقف ضعيف يُـجبرهم على قبول بعض المطالب التي تُـصر عليها حماس. فهم يريدون تهدئة إجبارية على حماس وامتناع كامل عن قصف الصواريخ، بلا مقابل منهم، ويرفضون رفع الحصار عن القطاع ولا يجدون أساسا لمطلب حماس أن تشمل التهدئة الضفة الغربية، لأنها في عُـهدة محمود عباس، وهم توصّـلوا معه إلى تفاهمات بشأن أمن الضفة.

فضلا عن أن خيار الحرب والعمليات العسكرية الكبيرة، بما في ذلك إعادة احتلال غزّة كليا أو جُـزئيا، هو الخيار المفضّـل لدى وزير الدفاع إيهود باراك، والذي يعتبره مدخلا مهمّـا لاستعادة بريق سياسي مفقود لشخصه ولحزبه، وكذلك لبناء هالة من البطولة، باعتباره مُـخلِّـص إسرائيل من شرور حماس، وذلك بافتراض أن العملية العسكرية الكبيرة التي ستحدث في غزة، ستنهي حماس وتقوضها تماما، وهو افتراض مشكوك فيه ويصعُـب تحقيقه، إلا بثمن عال ومدة زمنية طويلة، قد يتحول خلالها خيار الحرب المحدودة في غزة إلى حرب أوسع نطاق إقليميا.

حسابات حماس ومطالبها

حماس، من جانبها، ترى أنها حققت نجاحا فيما يُـسمى بتوازن الرّعب مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، حتى بالرغم من العدد الكبير من الشهداء الفلسطينيين الذين قضَـوا بفعل الغارات والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، وأن مجرد بقائها، رغم الحصار، قد أفشل كل السياسات والمحاولات التي هدفت من قبل إلى إضعافها أو إخراجها من المسرح السياسي الفلسطيني.

وبناء على هذا الصمود، تطرح حماس رؤية شاملة للتهدئة، تتضمّـن رفع الحصار عن القطاع وفتح المعابر، لاسيما معبر رفح، بوجود ولو رمزي لحماس، وأن تكون تهدئة شاملة تتضمن الضفة الغربية وغزة معا، وأيضا متبادلة وليست من طرف واحد، كما حدث قبل أربع سنوات خلت.

أما السلطة الفلسطينية، فتعتبر أنها ليست معنِـية مباشرة بالتهدئة، بل باستعادة الأوضاع في غزة قبل ما تصفه بانقلاب حماس فى شهر يونيو الماضي.

نحو تهدئة جاذبة

مصر من جانبها، تُـدرك هذه المعطيات المتضاربة وتسعى بدورها إلى جعل التهدئة خيارا جاذبا لكل الأطراف، ومن هنا، تربط بين التهدئة وبين الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، وِفق صفقة يُـفرّج فيها عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، كما تربط بين جهودها في التهدئة وجهودها الذاتية لضبط الحدود مع القطاع، وبما يحُـول دون عمليات التّـهريب، وتسعى في ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة إلى تعديل أحد بنود المعاهدة مع إسرائيل، لكي تقبل الأخيرة بزيادة عدد القوات المصرية المنتشِـرة على طول الحدود من 750 جندي إلى 1500 جندي يتبعون حرس الحدود.

بعض التقارير والمعلومات الموثوقة تلمح إلى أن واشنطن تتفهّـم جيدا الموقف المصري وجهوده من أجل التهدئة ومن أجل حماية التراب المصري ومنع الانفجار في غزة، وتطالب إسرائيل بأن لا تضع العلاقات مع مصر تحت الضغط، لأن تأزم هذه العلاقات في ظل الظروف الراهنة يلهِـب المنطقة ولا يساعد على ضبط أوضاعها.

بيد أن حسابات إسرائيل، وتحديدا باراك ونتانياهو، الراغبين في العودة إلى مواقع القرار الأول عبر سياسات القبضة الحديدية، يضربون بعرض الحائط هكذا نصائح أمريكية.

وفي المقابل، هناك من يرى في مصر أن الواجب الوطني يحتِّـم دقّ جرس الإنذار في وقت مبكر، فالخطر قريب والعبث يتزايد.

القاهرة – د. حسن أبوطالب

الاسماعيلية (مصر) (رويترز) – انتهت يوم الخميس 27 مارس 2008 جولة جديدة من المحادثات بين مصر وحركتي حماس والجهاد الاسلامي دون الاتفاق على تهدئة مع اسرائيل.

وقالت حماس والجهاد الاسلامي انهما ترفضان وقفا لاطلاق النار الا إذا أوقفت اسرائيل جميع غاراتها على الضفة الغربية وقطاع غزة وأنهت حصارها لغزة وأعادت فتح معابر القطاع الساحلي.

وقال المتحدث باسم حماس أيمن طه ان موقف الحركة الذي أكدت عليه هو ان التهدئة يجب أن تكون متزامنة ومتبادلة وشاملة.

وخلال الاسبوعين الماضيين امتنع نشطاء حماس في قطاع غزة عن تنفيذ هجمات صاروخية ضد اسرائيل.

وتقول اسرائيل انها ليست طرفا في مفاوضات لوقف اطلاق النار لكنها تقول انه لن يكون لديها سبب لضرب حماس اذا توقفت الهجمات الصاروخية. وتوقفت اسرائيل عن استهداف نشطاء الحركة في غزة الامر الذي يعني أن هناك فيما يبدو هدنة بحكم الامر الواقع بين العدوين.

وقال خضر حبيب من الجهاد الاسلامي الذي تواصل جماعته اطلاق الصواريخ على اسرائيل من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس لرويترز ان “الاحتلال الصهيوني” يريد أن يكون الهدوء في غزة وحدها ونحن نقول ان أي هدوء لا بد أن يكون شاملا ومتزامنا.

وتحاول مصر بمباركة أمريكية التفاوض على وقف للاشتباكات بين اسرائيل والنشطاء في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس.

ويهدد العنف عبر الحدود محادثات السلام التي تتوسط فيها الولايات المتحدة بين اسرئيل والسلطة الفلسطينية والتي تأمل واشنطن أن تسفر عن اتفاق قبل أن يترك الرئيس الامريكي جورج بوش البيت الابيض في يناير كانون الثاني المقبل.

وقالت مصادر قريبة من المحادثات طلبت ألا تنشر أسماؤها ان المحادثات عقدت في الجانب المصري من معبر رفح الحدودي وحضرها المسؤول في حماس جمال أبو هاشم والعضو القيادي في الجهاد خالد البطش.

وأضافت المصادر دون أن تدلي بتفاصيل أن اللواء محمد ابراهيم وهو مساعد كبير لعمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية يمثل مصر في المحادثات.

وقال مصدر ان الجانبين اتفقا على استئناف المناقشات لكنهما لم يحددا تاريخا لذلك.

وشددت اسرائيل حصارها لقطاع غزة بعد سيطرة حركة حماس على القطاع في يونيو حزيران الماضي مما أثار مخاوف دولية من حدوث أزمة انسانية في القطاع لكن اسرائيل تعهدت بألا تحدث هذه الازمة.

ووضعت حماس التي سيطرت على قطاع غزة بعد ان اخرجت القوات الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس في يونيو شروطا للهدنة منها انهاء العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد القطاع وفتح معابر غزة.

وطلبت حماس أيضا دورا في ادارة المعابر وهو شرط ترفضه اسرائيل.

وتطالب اسرائيل بوقف الهجمات الصاروخية من قطاع غزة على أراضيها. ورفضت حماس نداءات دولية بأن تعترف باسرائيل وتنبذ العنف وتقبل بالاتفاقيات القائمة بين الفلسطينيين واسرائيل.

وبعد محادثات سابقة بين مصر والحركتين أفرجت مصر عن 33 نشطا من أعضاء حماس ألقي القبض عليهم بعد اقتحام خط الحدود في رفح في يناير كانون الثاني. ووعدت مصر أيضا بزيادة امدادات الطاقة لغزة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 مارس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية