مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

محيط تونس المغاربي.. هل يستحث الخطى وراء إيقاع “ثورة الياسمين”؟

لا زالت التحركات المطالبة بسقوط حكومة الوحدة الوطنية مستمرة في تونس وفي الصورة: تجمع لمئات المتظاهرين أمام قصر الحكومة في القصبة بالعاصمة التونسية يوم 23 يناير 2011

لم تهدَأ بعدُ "ثورة الياسمين" كما وصفها البعض في تونس، لكن أريجها يعطر الفضاء العربي القريب منها والبعيد، ومع أن نسائِـمها لم تتحوّل بعدُ إلى رياح عاتية، لكنها تغطي سماء محيطها. وفي الوقت نفسه، يحاول المعنيون بها تمهيد الأجواء الداخلية لتبقى في سمائهم مجرد نسائم ولا تتحول إلى عواصِـف.

ومن الطبيعي أن تكون الجغرافيا القريبة (المنطقة المغاربية)، الأكثر تأثرا برائحة الياسمين التونسي. وإذا كانت تجارب الشعوب لا تُـستنسَـخ، فإن قانون التأثر والتأثير يسري على الجميع، خاصة إذا ما توفَّـرت الظروف وهيِّـئ المناخ، بعد أن حاول بعضهم استلهام نموذج نظام بن علي لتدبير شؤون بلاده. لذلك، أسرعوا ومن باب الإحتياط والتوقي، باتخاذ سلسلة إجراءات استباقية لإبقاء رائحة الياسمين في حدود موطنها الأصلي على الأقل، وإن كانت هناك تخوّفات من ذهابهم نحو الحدّ منها حتى داخل حدودها، حتى لا تصبح نموذجا يحتذي به الشعب بعد أن كانوا هُـم يحتذون ببن علي.

في طرابلس، كما في الجزائر والرباط ونواكشوط، وفَـور الإدراك بأن الشعب التونسي أسقط زين العابدين بن علي وأجبره على الفرار واللجوء إلى المملكة العربية السعودية، أعلِـن عن قرارات بإلغاء الزيادات في أسعار مواد غذائية أو تخفيض الأسعار وإلغاء الجمارك على عدد من السِّـلع وخلق مناصب شُـغل لمئات من العاطلين عن العمل، إضافة إلى اتخاذ إجراءات أمنية، لم يُـعلن عنها.

لكن كل هذه الإجراءات والقرارات لم تطوق “حلم” تنشُّـق رائحة الياسمين، التي غطَّـت سماء تونس، ليس فقط لأن شابا اسمه محمد البوعزيزي صبّ البنزين على نفسه وأشعل فيها النيران، احتجاجا على مصادرة عربة الخضار التي كانت مصدر رزقه، وإنما وأساسا لأن المواطن التونسي لم يعُـد يحتمل القهر والتسلّـط وحرمانه من الحرية، وهو يرى الفساد ينخر دولته وأمواله وخيراته تُـنهب لصالح عائلة الحاكم.

إجراءات وقرارات.. ولكن؟

في ليبيا، أعلن مصدر حكومي إلغاء كل الرّسوم الجمركية وأي رسوم أخرى على المواد الغذائية، خصوصا الأساسية منها، وكذلك على حليب الأطفال، رغم الإرتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية في العالم واضطرار الدولة إنفاق 6 مليارات دولار في 2010 تحت بند دعْـم المواد الغذائية الأساسية، علاوة على المحروقات والأدوية، واقتحمت أعداد من المواطنين الليبيين (المعارضة التقليدية للنظام) في عدّة مدن شرق البلاد، آلاف الوحدات السكنية التي وعدت بها الدولة الشعب منذ عدة سنوات ولم تسلمها لأصحابها، خاصة في ظل مشكلة السكن المستفْـحلة في البلاد.

وحسب شهود عيان، فإن عمليات الإقتحام التي جرت في بنغازي ودرنة والبيضا وسَـبها، تمّـت أمام قوات الدعم المركزي وكتائب الشرطة، التي انسحبت من المكان وتركت المجال مفتوحا للمُـقتحمين لاستخدام هذه الشقق السكنية، حيث يُـعتقد أن “أوامر عُـليا صدرت من طرابلس لقوات الأمن بعدم اعتراض المواطنين ومنعهم من اقتحام هذه المساكن، وذلك بهدف كسْـب الوقت وتطويق أي غضب متوقع من قبل الجماهير”. وتحدثت مصادر عن عمليات سلْـب ونهْـب لمقر شركة بريطانية تعمَـل في إنشاء مشروع سكني في بنغازي. وقالت مصادر ليبية معارضة، إنه تمّ اعتقال 214 شخصا على خلفية عمليات السَّـطو والنهب التي رافقت اقتِـحام المشاريع الإسكانية في مختلف مدن ليبيا.

ولتطويق ذُيول الاقتحامات للشُّـقق السكنية، أمرت السلطات الليبية جميع أئمة المساجد بتوحيد خطبة صلاة الجمعة، لتشمل موضوعها “الشغب” الذي أحدثته. وقالت أوساط المعارضة الليبية، إن السلطات بصدد تشكيل لِـجان في القوات المسلحة الليبية لشنّ حملة اعتقالات في صفوف ضباط الجيش الليبي، بعد يوميْـن فقط من توجيه وكالة أنباء ليبية محسوبة على المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد القذافي، انتقادات نادرة وغيْـر مسبوقة للجيش الليبي، مطالبة بإعادة هيكلته وتحديثه.

ومنذ خطاب الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي (وجهه يوم 16 يناير 2011) إلى الشعب التونسي، الذي أدان فيه ثورة الياسمين وطرد زين العابدين بن علي، تُـبرِز وسائل الإعلام الليبية مظاهر الفوضى وأحداث العنف، التي شهدتها بعض المدن التونسية بعد فِـرار بن علي، إلا أن أوساطا متعدِّدة تُـبدي خِـشيتها من أن تمتد مناهضة الرئيس الليبي لثورة تونس إلى احتضان بقايا أتباع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وإمدادها بالسلاح، وهو ما تحدّثت عنه تقارير صحفية عربية ونفاه مصدر ليبي مسؤول، مؤكِّـدا أنها معلومات “خاطئة وغيْـر حقيقية، لأننا لا نقوم بأي عمل يمكن اعتباره تدخّـلا في الشؤون الداخلية للشعب التونسي”، وأضاف المصدر نفسه أن “مَـن يروِّجون لهذه الشائعات، لا يريدون الخير للعلاقات الليبية التونسية ولا يريدون أمْـن واستقرار تونس. بالتأكيد، نحن نراقب الوضع هناك ونشعر بالقلق لِـما يجري، لكننا لا نتدخّـل في شؤون الآخرين”.

وأدانت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة محاولات العقيد معمر القذافي بثّ “الفتنة والفوضى” في تونس، محذِّرة كافة الأطراف السياسية والمدنية والعسكرية في تونس من مغبّـة هذه التحرُّكات التي تستهدِف ضرب الإنتفاضة التونسية وإفشال حركة التغيير الجِـذري، الذي تحققه الإنتفاضة الشعبية في تونس.

وإذا كان الاحتجاج بالانتحار حرْقا على طريقة البوعزيزي لم يصِـل إلى ليبيا أو لم يُـعلَـن عن ممارسته، فإن مواقف مُـشابهة شهِـدتها مدن جزائرية ومغربية وموريتانية، دون أن تتبعها احتجاجات واسعة، وإن كانت هذه الإحتجاجات انطلقت بأشكال متعددة.

هم السابقون.. فمن هم اللاحقون؟

في الجزائر، التي تزامنت انطلاقة ثورة الياسمين التونسية فيها مع احتجاجات جزائرية مُـشابهة أسفرت عن سقوط خمسة قتلى وأكثر من 800 جريح (معظمهم من رجال الأمن)، ثم هدأت بعد أن تراجعت السلطات عن زيادة في أسعار المواد الغذائية بعد أن حمَّـلت مسؤوليتها للتجار وفوضى السوق، إلا أن احتجاجات سياسية بدأت تطل برأسها. وشهد وسط العاصمة يوم السبت 22 يناير الجاري، مواجهات دامية بين قوات السلطة ومتظاهرين، تجمّـعوا بناءً على دعوة من حزب التجمّـع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، أسفرت عن جرح واعتقال العشرات، أفرجت عنهم السلطات بعد ساعات من احتجازهم.

وإذا كان الحزب قد عجز عن تنظيم مسيرته وانفلات المحتشدين من أمام مقره إلى مبنى البرلمان بسبب الطوق الأمني غيْـر المسبوق الذي ضربته الحكومة على مداخل العاصمة لمنع المتظاهرين من الإلتحاق بنقطة انطلاق المسيرة، فإن المظاهرة تحوّلت إلى اعتصام أمام مقر الحزب تَـم خلاله رفع شعارات ومطالب سياسية متّـصلة برفع حالة الطوارئ وفتح مجالات التعبير السياسي والإعلامي للمعارضة وإطلاق سراح مئات الشباب الذين اعتقِـلوا على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية التي وقعت بالبلاد، وليقرر الحزب بعد ذلك تنظيم مسيرة مماثلة يوم التاسع من فبراير المقبل. 

مصير مغاربي مُـشترك؟

وفي نداء يشيد بالثورة التونسية وقّـعته مجموعة من الجامعيين والصحفيين والشخصيات الجزائرية، من بينها الصحفي فوضيل بومالة، النائب السابق وحيدر بن دريهم والجامعيون زبير عروس وإحسان بشاني وسعيد بوضياف من قُـدامى محاربي حرب التحرير الجزائرية، والناشر وادي بوسعد والجامعي يوسف الأخضر حمينة، ابن المخرج السينمائي محمد الأخضر حمينة، الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان سنة 1974 عن فيلمه “سنوات الجمر”، وأطلقوا عليه اسم نداء إلى التغيير الديمقراطي في البلاد، قال هؤلاء إن “التحرك العادل للشعب التونسي يفتح وضعا سياسيا جديدا في المغرب العربي، الذي يربطه مصير مُـشترك”، ودعَـوا إلى الوحدة وضرورة “تضافُـر كافة مبادرات المواطنين والجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية في اتجاه رفع القيود عن الحياة العامة ومن أجل تحقيق التداول الديمقراطي في الجزائر”.

وانتقد النِّـداء، الحكومة الجزائرية لأنها لم تعط الإحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أسابيع “سوى تفسيرا واحدا، وهو ارتفاع أسعار المواد الأساسية”، رغم أن “أزمة يناير لا تنصهر في الزيت”، مشيرين إلى أن “التحركات الاجتماعية بلغت في السنوات الأخيرة عددا غير مسبوق”، مما جعل “الحكم وجد نفسه وحيدا أمام ارتباك وغضب الجزائريين”، في ظل فرض حالة الطوارئ و”القمع الأمني والتضليل والقيود على الإعلام”.

في السياق نفسه، حذّر سيد أحمد غزالي، وهو رئيس حكومة سابق، من عدم قيام حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتغييرات سياسية، ونقل عنه قوله أن “أحداث تونس ستُـساهم في إحياء الضمائر وإخراج الجزائريين من حالة القنوط واليأس حِـيال تغير الأوضاع وسيعيد الأمل لهم، وهو أمر إيجابي في حدّ ذاته وسيكون ذلك بمثابة تسونامي سياسي”.

وقال غزالي: ”لم أكُـن يوما من المتحمِّـسين للتغيير بالفوضى، ولقد حاولت مِـرارا إقناع المتحكمين في النظام في الجزائر بضرورة التغيير في هدوء ونظام، وهذا النظام قرّر عدم التغيير، لأنه يظُـن أن الجزائر محصَّـنة بحُـكم أنها تشهد يوميا أعمال شغب، لكن أخشى أن يأتي يوم تنتشر فيه التظاهرات بصفة معمّـمة، وحينها سيكون تسونامي سياسي”.

ليست الجزائر وحدها التي تعتبِـر نفسها محصّـنة من “فيروس” الياسمين التونسي، ففي المغرب أيضا (الذي شهِـدت مدنه 3 محاولات الانتحار حرقا) تستخف السلطات من هذه المحاولات، وهناك مَـن يعتقد أن الوضع المغربي مختلف عن الوضع التونسي، سواء تعلق الأمر بشرعية النظام أو بمستوى التطور السياسي أو بهامش الحريات الذي توسّع كثيرا في العشرية الماضية.

المسؤولون حريصون على عدم التعليق على ما جرى في البلد الشريك بالجغرافيا والدِّين والتاريخ وأيضا الاتحاد المغاربي، مكتفين ببيان وزارة الخارجية الذي أكدت فيه احترام إرادة الشعب التونسي ودَعت المجتمع الدولي لمساعدته، للوصول إلى الأمن والاستقرار. والموقف شِـبه الرسمي الذي برز من خلال تغطية وسائل الإعلام المغربية شِـبه الرسمية، ليس فقط يؤكد على الاختلاف وعدم التشابه، بل أن ما جرى في تونس ليس بعيدا عن تدبير القِـوى الكبرى والحركة الصهيونية وإسرائيل”.

أما الأحزاب، فأصدرت بيانات تؤيِّـد فيها الشعب التونسي وتتمنى له انتقالا ديمقراطيا سلِـسا، وناشطون حقوقيون احتشدوا قبل سقوط بن علي أمام السفارة التونسية بالرباط لإعلان دعمهم للشعب التونسي ونظَّـموا تجمُّـعا حاشدا يوم الخميس 20 يناير وأعلنوا ميلاد جمعية مغاربية للديمقراطية. 

“انهيار نموذج وليس سقوط نظام فقط”

من جهته، يعتقد المحلل السياسي المغربي علي انوزلا، أن ما حدث في تونس ويحدث في الجزائر “يُـمكن أن يحدث غدا في المغرب، هذا إذا لم يكن قد حدث في أوقات سابقة مع اختلاف في الخلفيات السياسية والاجتماعية التي حركت تلك الأحداث المأساوية، إذ لا يكفي أن نقول بأن المغرب محصَّـن ضد كل عدوى خارجية ونركن إلى التحليلات المطَـمئِـنة”.

ويضيف أنوزلا، أن أصواتا بالمغرب، وهي التي صمتت طيلة فترة الإنتفاضة التونسية على جرائم النظام التونسي البائد، ارتفعت اليوم لتتحدّث عبْـر منابر إعلامية محسوبة على جهات مقرّبة من السلطة، عن “الخصوصية المغربية” المفترى عليها، وهي نفس الخصوصية التي كان يقولها نظام بن علي. كما أن “ثورة الياسمين” كشفت أن الإستخفاف بقدرة الشعب على التغيير، هي التي أسكرت النظام السابق حتى تهاوى مثل قصر من رمل نسفته رياح الثورة، التي لم يكن يتوقعها.

ويؤكِّـد انوزلا أن “ما سقط في تونس، ليس هو نظام بن علي فحسب، وإنما الأهَـم من ذلك هو انهيار النموذج، نموذج النظام القمعي البوليسي الفاسد، الذي كان يحكم بالخوف والترهيب، ومعه تمّ تكسير حاجز الخوف في المنطقة العربية برمَّـتها، والمغرب لا يمكن أن يشكل الإستثناء داخل هذه المنطقة، بل إن المغرب هو أقرب بلد مرشَّـح لتِـكرار تجربة تونس، إذا لم يتم استيعاب الدرس التونسي”.

ولا يتردد أنوزلا في القول: “في المغرب يوجد فساد أكثر من ذلك الذي كان يوجد في تونس، فإذا كان الفساد في تونس في عهد بن علي محصورا داخل أسرته وأصهاره، فإن الفساد في المغرب يعُـمّ جميع المؤسسات والإدارات في المدن والقرى. وفي المغرب، يوجد أكثر من نموذج لأسرة ليلى الطرابلسي وأكثر من نموذج لصخر الماطري، وحتى هامش الحرية الذي عرفه المغرب نهاية التسعينات، أصبح يضيق حتى أصبحنا نقترب من “النموذج” التونسي في محاصرة الإعلام ومضايقة الحريات وتدجين السياسة، حتى أفقدنا الناس الثقة فيها”.

“إرادة الشعوب لا تموت”

أما موريتانيا، التي شهدت تغييرا، يبْـدو أنه حتى الآن لم يقنع الشباب الموريتاني، ورغم أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يؤكِّـد أن الوضع في بلاده “مختلف عن البلدان الأخرى، حيث لدينا معارضة حرّة تنتقد وتقوم بعملها. معارضتنا تثير المواضيع كافة وليس لدينا محّرمات”، فإن حركة الإحتجاجات تتصاعد ومحاولات الإنتحار تتكرّر.

ويوم الأحد 23 يناير، أقدم شاب موريتاني في العقد الثالث من عمره على الانتحار، حيث وجِـد مُعلقا على عمود كهربائي في الملعب الأولمبي وسط العاصمة نواكشوط، ثم عُلم أن الأسباب التي دعته إلى الانتحار، تتلخص في الجوع والحرمان وجاءت هذه التطورات بعد الإعلان عن وفاة يعقوب ولد دحود (43 عاما) في مصحة السلامة بالدار البيضاء بالمغرب متأثرا بحروقه جرّاء إضرام النار في جسده قُـرب القصر الرئاسي الأسبوع الماضي “احتجاجا على الظلم والحرمان”.

ووصف الرئيس محمد ولد عبد العزيز، المُـنتحر يعقوب ولد دحود الذي نقل يوم الخميس 20 يناير إلى المغرب بعد تدهور حالته، بأنه رجل أعمال وأن الدافع إلى إحراق نفسه، ليس الفقر والحرمان، وهو ما أثار انتقادا واسعا في صفوف المعارضة، خاصة وأن صحفيين أبلغهم داود قبل دقائق عزمه إضرام النار في نفسه، تعبيرا عن “استيائه من الوضع السياسي في البلاد وغضبه من النظام الحاكم”. وتقول المعارضة الموريتانية، إن المُـنتحر تصرّف “بدافع من الظلم. لقد فقد السيطرة على أعصابه بسبب تجاوزات النظام الظالم”.

المسؤولون الرسميون أو المقربون منهم في نواكشوط ينأون ببلادهم عن فيروس “الياسمين التونسي” ويتحدّثون عن الوضع المختلف، لكن معارضيهم يؤكدّون بالتشابه في الأوضاع والتدبير ويؤكِّـدون أن عوامل الثورة التونسية، هي الفقر والقهر والقمع وتفشي الفساد والعزوف السياسي، بعد تدهور مصداقية الأحزاب السياسية وتميع صورتها، وهي سمات مغاربية مشتركة والإختلاف اختلاف بالدرجات.

وبدوره يؤكِّـد علي انوزلا أن المغاربيين يستطيعون إنجاز ثورة هادئة “لو عرفنا كيف نستفيد من الدرس التونسي، قبل أن تهبّ العواصف التي لا نعرف من أي قُـمقم ستخرج. يكفي فقط وجود إرادة التغيير عند السلطة، وإذا ما تأخرت، فإن الطبيعة لا تحب الفراغ، وإرادة الشعوب مَـهْـما استكانت، فإنها لا تموت”.

خيمت ظلال “ثورة الياسمين” التونسية على القمة العربية الاقتصادية الثانية التي اختتمت بعد ظهر الأربعاء 20 يناير الجاري في شرم الشيخ، بعد تحذيرات أطلقها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى من أن “المواطن العربي في حالة غضب وإحباط غير مسبوقة”.

وقال موسى في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية، إنه يود أن “يشير إلى الهزات المجتمعية التي تتعرض لها المجتمعات العربية”، موضحا أن “ما يحدث في تونس من ثورة، ليس أمرا بعيدا عن موضوع هذه القمة، أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودرجة توازنها وتصاعدها وشموليتها وحسن توزيعها”.

وتابع “كما أنه ليس بعيدا عمّـا يدور في أذهان الجميع من أن النفس العربية منكسِـرة بالفقر والبطالة والتراجع العام في المؤشرات الحقيقية للتنمية والتي تزخر بالإشارة إليها تقارير دولية وتقارير الأمم المتحدة بصفة خاصة”.

وأشار إلى أن كل ذلك “يضاف إلى المشكلات السياسية التي لم نستطع حل أغلبها ولم تتمكن القوى الكُـبرى من حسن إدارتها، إن لم تكن قد زادتها تعقيدا وأوردتها موارد الفشل، فأدخلت المواطن العربي في حالة غضب وإحباط غير مسبوقة”.

واعتبر موسى، الذي تنتهي في شهر مايو المقبل ولايته الثانية كأمين عام للجامعة العربية، وأعلن من قبل أنه قد يفكر في الترشح لرئاسة الجمهورية في مصر، إذا قرر الرئيس حسني مبارك الانسحاب من السباق الرئاسي الصيف المقبل، أن “ما نحتاج إليه بكل قوة هو أن نحدد عنوان المرحلة ونحن على أبواب عقد جديد والعنوان في رأيي هو كلمة النّـهضة”.

وتعد هذه القمة أول لقاء على مستوى القمة للقادة العرب منذ سقوط الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي الجمعة 14 يناير واضطراره للفرار واللجوء إلى السعودية تحت الضغوط الشعبية.

وفي كلمة أمام الجلسة الافتتاحية بصفته رئيس القمة السابقة، أعرب أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عن أمله في “تكاتف جهود الأشقاء في تونس لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة (…) والوصول إلى توافق وطني يحقق الأمن والاستقرار”.

وقال الشيخ الصباح إن “الكويت تابعت باهتمام بالغ الأوضاع في تونس”، مؤكدا أن بلاده “تحترم خيارات الشعب التونسي الشقيق”. وأكد الشيخ الصباح أن صندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والذي يبلغ رأسماله ملياري دولار سيدخل حيِّـز التنفيذ مع انعقاد القمة الاقتصادية الثانية. وأوضح أنه “تم اتخاذ الخطوات العملية والإجرائية لتنفيذ هذا المشروع الطموح”، وسيتم اعتماد لائحته التنفيذية قريبا.

وأكد عمرو موسى في مؤتمر صحفي في ختام القمة أن المساهمات الفعلية للدول العربية التي دخلت هذا الصندوق بلغت حتى الآن قرابة مليار و300 ألف دولار.

أما الرئيس المصري حسني مبارك، الذي شهدت بلاده خلال اليومين الماضيين ثلاث محاولات انتحار قام بها مواطنون مصريون أضرموا النار في أجسادهم ما أدى إلى وفاة أحدهم، فتجنَّـب تماما أي إشارة إلى الأوضاع السياسية في تونس.

واكتفى مبارك بالتأكيد على أن “التعاون الاقتصادي والتنمية لم يعُـد غايته تحقيق التقدم لشعوبنا وحسب، وإنما أصبح قضية مستقبل وبقاء ومصير ومطلبا أساسيا من متطلبات الأمن القومي العربي” في إقرار ضمني بعمق المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، التي تواجهها عدة دول عربية. وقال الرئيس المصري إن “قضية التشغيل وإتاحة فرص العمل، واحدة من أهم ما نواجهه من تحديات”.

وتبلع نسبة البطالة في مصر أكثر من 9%، وِفقا للبيانات الرسمية، فيما يعيش 40% من المصريين تحت خط الفقر، أي بقرابة دولارين في اليوم، بحسب المنظمات الدولية.

وانتقد وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أمام الصحفيين، المقارنة بين تونس ودول عربية أخرى، مؤكدا أن هناك تقدما في العالم العربي. وقال “دائما ما ننتقد أنفسنا ونقول إن هناك إخفاقا، ولكن هناك أيضا نجاحا، وعلى سبيل المثال في مصر، هناك 60 مليون مستخدم للهاتف المحمول”.

من جهته، شدد وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد على ضرورة توفير المناخ للمستثمرين العرب للعمل في دولهم من أجل توفير فرص العمل، مشيرا إلى أن “مصر تحتاج إلى 700 ألف فرصة عمل جديدة” العام المقبل، بينما تحتاج الدول العربية مجتمعة إلى مليون و800 ألف فرصة عمل.

وشارك في القمة الاقتصادية الثانية قادة عشر دول هي، إضافة إلى مصر، الجزائر والسودان والعراق واليمن والكويت وقطر وجيبوتي والصومال وجزر القمر.

وكان وزير الخارجية التونسي كمال مرجان وصل الاثنين إلى شرم الشيخ، بُـعيْـد إعادة تعيينه في الحكومة الجديدة، لتمثيل بلاده في القمة، إلا أنه غادر بشكل مفاجئ مصر قبل بدء اجتماعات القادة صباح الأربعاء.

وأصدرت القمة بيانا “بشأن مكافحة الإرهاب والتدخلات الخارجية” أكدت فيه أن “الملوك والرؤساء العرب يجددون إدانتهم للإرهاب بكل أشكاله والتزامهم بالقضاء على أي بُـؤر إرهابية في أي موقع من الوطن العربي”.

غير أن القادة العرب أضافوا، وفق البيان، أنهم “يعربون عن رفضهم الكامل لِـما تم رصده من محاولات بعض الدول والأطراف الخارجية التدخل في شؤون الدول العربية بدعوى حماية الأقليات في الشرق”.

وبحسب البيان الذي اقترحته مصر، فإن “الملوك والرؤساء العرب يُـدركون جيدا أبعاد ومرامي هذه التحركات المُـريبة ويرفضون أي محاولات للتدخّـل في الشؤون العربية تحت أي مسمى أو مبرر”.

وأعلنت مصر الأسبوع الماضي استدعاء سفيرتها في الفاتيكان للتشاور، احتجاجا على تصريحات صادرة عنه بشأن مسيحيي الشرق بعد أن دعا البابا بنديكتوس السادس عشر “الاتحاد الأوروبي إلى القيام بخطوة مشتركة من أجل حماية مسيحيي الشرق الأوسط”.

وجاءت تصريحات بابا الفاتيكان بعد اعتداءين استهدفا مؤخرا مسيحيين في الشرق الأوسط، أولهما اعتداء كنيسة سيدة النجاة في بغداد، الذي أوقع 46 قتيلا في 31 اكتوبر 2010. والثاني، تفجير كنيسة في الإسكندرية والذي أدى إلى مقتل 20 قبطيا مصريا.

وأعلن وزير الخارجية السعودي في الجلسة الختامية أن بلاده ستستضيف القمة الاقتصادية الثالثة عام 2013.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 يناير 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية