مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لفهم القضية الفلسطينية لابدّ من العودة إلى بداياتها”

يوم 31 مارس 2012، رفعت مظاهرة نظمها دعاة سلام سويسريون في الساحة الفدرالية وسط العاصمة برن عدة شعارات كان أبرزها "القدس لنا جميعا". palgem.ch

يُسلّط معرض "النكبة" الذي يُقام في العاصمة السويسرية من أوّل نوفمبر وحتى 2 ديسمبر 2012، الضوء من خلال النص، والصورة، والمسرح، والمحاضرة على الأحداث والتطوّرات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية في عامي 1918 و1948، والتي لا تزال انعكاساتها وتداعياتها ماثلة للعيان.

في الكثير من الأحيان، يُغفل العديد من الذين أرّخوا لهذه المرحلة الهامة من تاريخ الشرق الأوسط الحديث عن مئات الآلاف من الفلسطينيين الذي فرّوا خوفا على حياتهم أو أجبروا تحت التهديد على ترك ديارهم ومزارعهم وممتلكاتهم لتتلقفهم الملاجئ في البلدان المجاورة أو عبر القارات المتباعدة.

في هذا السياق، يُقدّم المعرض الذي ينظّم هذه الأيام في برن تحت عنوان “تهجير الفلسطينيين وطردهم في عام 1948” من إعداد “نادي الأطفال المهجّرين” بألمانيا بالإشتراك مع مؤسسة التعاون من أجل التنمية بمقاطعة بادن- فورتومبرغ، رواية لأحداث “النكبة الفلسطينية” وما انجرّ عنها في العقود الموالية تستند إلى نتائج الأبحاث التي قام بها “المؤرخون الإسرائيليون الجدد”، الذين اعتمدوا في أعمالهم على أرشيف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وعلى رؤية نقدية لمقولة “شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب”.

من جهتهم، يذهب المنظمون لهذا المعرض، الذين يحظون بالدعم من عدة أحزاب يسارية، ومن الكنيستيْن البروتستانتية والكاثوليكية في كانتون برن، فضلا عن عدد من الشخصيات العامة إلى أن “هذه الرحلة المؤلمة في الماضي هي السبيل الوحيد للتقدّم نحو بناء مستقبل أفضل للشعبيْن الفلسطيني والإسرائيلي”.

في المقابل، تجنبت أغلبية وسائل الإعلام المحلية الإشارة إليه في بداية الأمر، واعتبر مقال نُشر حول المعرض إلى أن هذه التظاهرة “لا تخدم الإعتدال في المنطقة”، لكن ما لبثت المسألة أن تحولت شيئا فشيئا إلى قضية سجالية في وسائل الإعلام المحلية بين مؤيدين ومنددين رأوا فيها “انحيازا لوجهة النظر الفلسطينية على حساب الرؤية الإسرائيلية”.

أهمية هذا المعرض

حضر حفل افتتاح هذا المعرض ما يزيد عن 400 شخص، وألقت فيه ريغولا ريتز، عضوة المجلس البلدي للعاصمة السويسرية، كلمة ترحيبية، أوضحت فيها سبب استدعاء القضية الفلسطينية إلى برن. ثم تناولت الكلمة إيرين مايير، التي تحدثت عن تجربتها الطويلة كمراسلة لإذاعة DRS العمومية السويسرية الناطقة بالألمانية في الشرق الاوسط، وكيف عاشت النكبة الفلسطينية على مستوى الشعور والتصوّر. أمّا إنغريد هول، مرشدة المعرض، فقد تحدثت عن الموضوع في حد ذاته، وعن العراقيل التي اعترضته والدعم الذي لاقاه.

وعن أهمية هذه التظاهرة، تقول رانيا باهنان – بوشي، العضوة في اللجنة المشرفة على إعدادها، والعضوة في المجلس البلدي لمدينة برن، وفي حزب الخضر، وهي سيدة من أصول فلسطينية طُردت عائلتها من مدينة القدس سنة 1948: “منذ 63 سنة يستمع الشعب السويسري، والشعوب الأوروبية بصفة عامة، إلى رواية واحدة لما حدث على أرض فلسطين قبل سنة 1948، وهدفنا من هذا المعرض هو السماح للجمهور بالإطلاع على عرض موضوعي للأحداث التاريخية، ويبقى للزائر تكوين الموقف الذي يُعجبه”.

من جهته، يرى الدكتور جون حنا حايك، رئيس جمعية الجالية الفلسطينية بسويسرا، في تصريح إلى swissinfo.ch أن هذا المعرض مهمّ لتوضيح ما حدث في فترة الإنتداب البريطاني لفلسطين للجمهور السويسري، ويقول: “فمن دون الرجوع إلى جذور المشكلة الفلسطينية يكون الفهم مبتورا ومشوّها. وحادثة النكبة هي التي أدت إلى قيام قواعد دولة جديدة في فلسطين ورثت الإنتداب البريطاني، وأحلت مجموعات من المهاجرين محلّ الشعب الفلسطيني”.

ومن خلال فقراته المختلفة، يكشف المعرض أن العشريات الثلاث (30 سنة) التي فصلت بين عامي 1918 و1948 شهدت دخول مجموعات كبيرة من اليهود إلى المنطقة بضوء أخضر من المستعمر البريطاني وضد رغبة السكان المحليين.

تحوّل داخل الرأي العام السويسري

في هذا السياق، يقول الدكتور حايك: “معظم الأوروبيين يظنون أن تاريخ المنطقة بدأ في سنة 1948 بإنشاء الدولة الصهيونية ولكن المؤرخين النزهاء يعرفون أن ذلك كان مُخططا له، وتحقق من خلال حكومة الإنتداب البريطاني التي تبنت وعد بلفور كسياسة رسمية، حيث انتقل عدد المهاجرين من بضعة آلاف إلى 400 ألف”.

وفي السنوات الأخيرة، بدأ الرأي العام السويسري يُبدي اهتماما أكبر بما يحدث، وهو ما تؤكده أيضا رانيا باهنان بوشي التي تقول: “أعتقد أن القضية الفلسطينية قد كسبت أنصارا ومؤيدين كثر في سويسرا خاصة بعد حملة “الرصاص المصبوب” التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 2008. لقد كانت تلك نقطة تحوّل”. وحسب رأيها، فإن جزءا مهما من هذا الرأي العام “بات مقتنعا بأن مظلمة قد سُلّطت على الفلسطينيين لكنهم يتجنبون الإفصاح عن مواقفهم ربّما بسبب عقدة ذنب اسمها الهولوكوست، رغم أن السويسريين ليسوا مسؤولين عنها”.

مع ذلك، فإن تعزيز هذا الفهم وتوسيع المعرفة بالقضية الفلسطينية يظل مشروطا بحسب رئيس جمعية الجالية الفلسطينية بسويسرا “بتنويع أشكال الإتصال والتواصل مع الجمهور السويسري من إبداع فني، ومقال صحفي، ونقاش ومحاضرات، وصور وشهادات حية”، وهو ما يتوفر فعلا في برنامج هذا المعرض الذي يستمر إلى يوم 2 ديسمبر 2012. (انظر الرابط المرافق للمقال على اليسار).

1 نوفمبر: حفل الإفتتاح.

10 نوفمبر: عرض مسرحي لأمير نزار زوابي من حيفا.

12 نوفمبر: حلقة نقاش بمشاركة جون حنّا حايك (رئيس الجمعية الفلسطينية بسويسرا)، والصحافية مارلين شنيبّر (مؤلفة كتاب حول النكبة)، وغوري موللّر، برلماني وسياسي سويسري، وشيلاي بلوفيتس (مؤرّخ)، وقد دامت حلقة النقاش ساعتيْن، بحضور عدد كبير من الجمهور.

23 نوفمبر: حلقة نقاش مع سمية فرحات- ناصر، كاتبة من فلسطين.

28 نوفمبر: محاضرة لسهير فرّاج، حول النساء وتطوّر وسائل الإتصال بفلسطين.

2 ديسمبر: حفل الإختتام بحضور العازفين والمؤلفين مروان عبّادو، وفيولاّ راحب.

تأسست هذه الجمعية الأهلية في أبريل 2006، بمدينة برن السويسرية استجابة لرغبة الجالية الفلسطينية في سويسرا في توحيد جهودها ولمّ شملها. ومنذ ذلك الحين تحتضن هذه الجمعية العمل المشترك لجزء مهم من هذه الجالية العربية.

تهدف الجمعية بحسب ما ينص نظامها الأساسي إلى “التعريف بالهوية الفلسطينية، من خلال تنظيم جملة من التظاهرات الثقافية والاجتماعية”، كما تهدف إلى “تعزيز أواصر الصداقة مع أبناء الجاليات العربية الأخرى المقيمة بسويسرا، وعامة السويسريين”.

يعتبر القائمون على هذه الجمعية “مصلحة فلسطين وشعبها هي العليا، وهي همنا الأول والأخير”.

للجمعية موقع على شبكة الإنترنت هو عبارة عن منبر إعلامي ينسق من خلاله أبناء الجالية جهودهم على الصعيدين الإجتماعي والثقافي، ويسعى القائمون عليه إلى “توفير مساحة واسعة للرأي الحر النزيه في جو ديمقراطي لا تشوبه النزاعات الشخصية”.

ومن المنتظر أن يشتمل هذا الموقع المتاح حاليا باللغتين العربية والألمانية، على لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية