مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحكومة الليبية تخُـوض معركةً حسّاسة مع الميليشيات المسلّحة

مواطنون ليبيون يرفعون صورا لأقارب لهم مقتولين ويرددون شعارات خلال تظاهرة نظمت يوم 6 مارس 2013 في طرابلس للإحتجاج على تواجد الميليشيات المسلحة. Keystone

تُجابه الحكومة الليبية صعوبات جمّة للسيطرة على الجماعات المسلحة، التي ما زالت تلتحِف برِداء "الثوار"، لتفرِض نفوذها في مُدن ومناطق عديدة.

واستفادت الجماعات، التي يصِفها البعض بالميليشيات والبعض الآخر بأمَـراء الحرب، من ضُعف الأجهِزة الأمنية للدولة اليافِعة، مما حال دُون قُدرتها على فرض “هيْبة الدولة” على المسلحين.

واضطر وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز أن يطلب المساعدة من الدول المشاركة في مؤتمر لدعم ليبيا، استضافته العاصمة الفرنسية باريس الشهر الماضي، وخاصة بريطانيا وفرنسا وتركيا، لإحكام السيطرة على حدود البلد، التي يبلغ طولها أربعة آلاف كيلومتر.

وفكَّر الليبيون في إقامة سِياج من الأسْلاك الشائكة على حدودهم مع مالي والنيجر، أسْـوة بما فعلته السعودية عندما سيَّجت حدودها مع العراق، البالغ طولها 900 كيلومتر، لكن اتّضح أن العملية مُكلِفة وقد لا تكون ناجعة.

انطلقت القوة الأمنية المشتركة، اعتبارا من يوم 19 مارس الجاري، في تنفيذ عملية واسعة النطاق لإخلاء كل المواقع والمقرّات المُستغَلة من قِبل المجموعات المسلّحة بمدينة طرابلس وضواحيها.

وبحسب تصريحات وزير الداخلية، العميد عاشور شوايل، ستؤدّي العملية إلى “مسحٍ شاملٍ لكافة المواقع والاستراحات والمزارِع، التي تتحصّن فيها الجماعات المسلّحة الخارجة عن القانون”، موضحا في تصريحات صحفية أن الوزارة زوّدت القوة الأمنية بجميع أنواع الأسلحة، بما فيها الطيران العمودي لتنفيذ مهمّتها. وقدّر خبراء ليبيون تحدّثوا لـ swissinfo.ch عدد مقرّات المجموعات غير الشرعية في العاصمة فقط، بنحو 540 مقرا، بين مزارِع وبيوت لمسؤولين سابقين ومواقِع للإدارة السابقة.

واللافت أن شوايل أكّد أن هذه الخطّة “ستُصاحبها خطة رديفة في بنغازي وفي باقي المدن”، عِلما أن حضور الجماعات المسلّحة أكبر وأوسع في بنغازي، والمنطقة الشرقية عموما، منها في طرابلس. وظهرت تأكيدات بأن مَن سيُلقَى عليهم القبْض في هذه العملية الواسعة، سيُحالون على القضاء، مع أن شوايل أبدى الحِرص على تفادي الدخول في مواجهات مع تلك المجموعات.

السيطرة على المدن وتأمين الحدود

والأرجُح، أن الحلّ البديل تمثَّـل في اقتناء تجهيزات متطوّرة وتدريبِ مزيدٍ من القوات، لإحكام السيطرة على المدن أولا، ومن ثَـم تأمين الحدود. وفي هذا الإطار، تحركت مؤخرا طائرات بلا طيار في الأجواء الليبية من باب الاختبار، وأتت هذه الخطوة صدىً لِـما شكا منه وزير الخارجية الليبي، حين قال لنظرائه في اجتماع باريس “لا تستطيع (الحكومة) إرسال أناسٍ مدربين بدون تكنولوجيا متقدِّمة للاستطلاع أو بدون حِراسة مناسِبة للحدود، لأنه لن يكون تأمينهم مُمكناً”.

لكن، هل تكفي عمليات الاستطلاع الجوي لضمان السيْطرة على الأرض أو على الأقل مراقبة تحرّكات الميليشيات المسلّحة وإجهاض الهجمات، التي قد تخطّط لتنفيذها؟ جواب رئيس الأركان الليبي اللواء يوسف المنقوش على هذا السؤال الذي طرحته عليه swissinfo.ch جاء بالنفي، إذ أقَـرّ بنقْص كبير في أعداد القوات المدرّبة، وخاصة الرُّتَب الصغيرة من مُلازمين ونُقباء وضبّاط صفّ آخرين، مُفسِّرا ذلك بأن النظام السابق، منع الشباب من الانخِراط في الكليات العسكرية، ووجّه في الوقت نفسه الأعداد الضَّئيلة من خرِّيجي تلك الكليات إلى الوحدات الأمنية، أي الكتائب وليس إلى الجيش.

وأوضح اللواء المنقوش في تصريحه لـ swissinfo.ch أن الجيش الليبي يُضطَرُّ حاليا لتكليف ضُبّاط برُتَب قيادية، مثل العقداء بقيادة فصيل، بينما هُـم قادرون على قيادة لِواء، مؤكِّدا أن رئاسة الأركان شكّلت لجانَ انتدابٍ “وضمّت عددا لا بأس به من حاملي الشهادات العليا” إلى الجيش النظامي. 

خطة مشتركة لفرض الأمن

وفي محوَرٍ مُوازٍ، باشرت الشرطة والجيش الليبيان مؤخّرا تنفيذ خطّة مُشتركة، بهدف فرض الأمن، خصوصا بعد الأحداث التي جدّت في يناير الماضي بمدينة بنغازي أثناء تنفيذ الخطّة الأمنية، إذ ألقت عناصِر كانت تستقل سيارة، عبوة ناسفة على إحدى الدَّوْريات التابعة لإدارة عمليات الشرطة، كما نفّذت اغتيالات، استهدفت ضبّاطا سابقين في الجيش والأمن بواسطة سيارات مفخَّخة.

أما المحور الثالث من الخطة الأمنية التي تباشر السلطات الليبية تنفيذها، تقوم على إنشاء جهاز المباحث العامة كجهاز أمني جديد وبصلاحيات جديدة توظف قدرات الثوار، لتوفير المعلومات الأمنية واتِّخاذ الإجراءات الوِقائية اللازمة. غير أن هذه الخطوات تبْدو غير كافية لمنع الانفلاتات الأمنية وضبْط الجماعات الخارجة على القانون.

في أواسط شهر مارس 2013، اقتحمت قوة أمنية مُشتركة مقرا لإحدى الكتائب المسلحة، بعدما تناهى إلى عِلمها من الجيران أنهم يسمعون أصواتَ تعذيبٍ داخل المبنى، فاكتشفت داخل المقَر عائلة بكامل أفرادها، كانت تتعرض للإستنطاق والتعذيب على أيدي جماعة محسُوبة على الثوار، من دون أي تكليف قانوني. وكشف مجدي العرفي، وهو مسؤول بوزارة الداخلية الليبية، أن القوة الأمنية ضبطت خلال الإقتحام “صناديق وعُـبوات متفجِّرة وذخائر وأسلِحة وملفّات خاصة بالأمن الداخلي وجوازات سفر وعدد من اللوحات المعدنية للسيارات”.

إخفاق القوات النظامية

واعتبر أعضاء في “المؤتمر الوطني العام” (البرلمان الانتقالي)، أن القوات النظامية أخْفَقت في أكثر من حالة في إخلاء المباني من المجموعات المسلّحة، التي كانت تُبدي دائما استعدادها للقتال، وتساءلوا “كيف تكون من الثوار عندما تبتزّ الدولة وتهدِّد أمنها؟ وكيف لا يتم إخلاء المباني (الرسمية)، حتى بالمصارعة أو الملاكمة؟” وحذّروا من وجود بعض المؤشرات التي تَـدلّ على أن بعض هذه المجموعات ليست من الثوار، بسبب ابتِزازهِم المؤتمر الوطني والحكومة، “فعندما نطلب منهم إخلاء المكاتب لكي يستعملها أعضاء المؤتمر، يَشتَرِط البعض أن يوظّفوا وأن تُدفَع لهم مُكافآت مالية، وحتى بعد أن يتوظّفوا ويستلِموا المكافآت، لا يُسلِّمون المباني، رغم عِلمهم بأن أعضاء المؤتمر بحاجة ماسّة لتلك المكاتب”.

ويشكو أعضاء المؤتمر من أنهم بلا مكاتب ولا موظّفين يساعدونهم على أداء المهام التي انتُخِـبوا من أجلها، على رغم مُضِي أكثر من خمسة أشهر على انطِلاق عمل البرلمان الانتقالي. ومن نتائج هذا الوضع، أن الأعضاء “يحملون مُستندات الدولة في حقائِبهم ويجتمعون في قاعات الانتظار”. كما يَعتبِر الأعضاء أن “هيْبة المؤتمر الوطني، هي هيبة المُواطن الليبي”، وهم يحثّون على العمل بجِدِّيةٍ وحِرصٍ للدِّفاع عن تلك الهيْبة، التي بدونها سيُعرَّض مستقبل ليبيا إلى خطر فادح”، بحسب قولهم.

غضب المؤتمر الوطني

ويُعزى غضب أعضاء المؤتمر، إلى أن الكثير من مباني الدولة ما زالت مُحتلّة من عناصِر المجموعات المسلّحة، وهي مبانٍ بعضُها تابع للجنة الأمنية العُليا وبعضها الآخر لوزارة الدفاع، والكثير من العناصر التي تحتلّها يَـدَّعون أنهم ثُـوار، ولكن لا يعلَم أحدٌ يقينا أنهم فِعلاً من ثوار 17 فبراير، لأن المتطوّعين في كتائب الزعيم المقتول معمر القذافي، اختفوا في نفس الوقت الذي ظهر فيه العديد من “الثوار”، الذين لم يكونوا موْجودين على مسرح الانتِفاضة المسلّحة.

يتجلّى من هذا المشهد، أن هناك نوعيْن من المعوِّقات التي تعطِّل فرْض قبْضة الدولة على الجميع: الأول، يمكن وضعه في خانة الأسباب السياسية المتّصلة بمُخلّفات الحرب التحريرية وبُروز أمَـراء حربٍ ما زالوا يتمتّعون بالنّفوذ والمال، بعدما وضعت الحرب أوْزارها. والثاني، يخصّ العوائق الهيكلية للمؤسستيْن، العسكرية والأمنية. بهذا المعنى، يبدو مسار التخلّص من الميليشيات المسلّحة في ليبيا، عملية مُـعقَّدة ومُؤلِـمة، خاصة في ظلِّ عجْز الحكومة الانتقالية عن السيْطرة على عنصريْن شديديْ الحساسية، وهما وجود قوى خارجية تدعم بعض الجماعات المسلّحة وامتلاك أمَـراء الحرب لترسانة أسْلحة تُهدِّد بالانْـزلاق إلى اقتِتال مدمّر، في حال قرّرت الحكومة مجابَهةً عسكريةً مع تلك الجماعات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية