مناورات روسيا وبيلاروس تفاقم مخاوف الغرب بشأن أوكرانيا

باشرت روسيا وبيلاروس مناورات عسكرية مشتركة الخميس أججت التوتر وزادت من أهمية تحقيق اختراق في الجهود الدبلوماسية التي يبذلها قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي لمنع أي غزو لأوكرانيا.
وباتت المناورات التي تستمر حتى 20 شباط/فبراير آخر نقطة خلاف بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، التي نددت بها معتبرة إياها وسيلة “للضغط النفسي”.
ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان المناورات بأنها مؤشر “عنف بالغ” فيما استغلت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس زيارتها إلى موسكو لتتهمها بالسعي إلى “تقويض سيادة أوكرانيا”.
بدوره، اعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن انتشار القوات الروسية في بيلاروس في إطار المناورات يمثّل “لحظة خطرة” بالنسبة لأمن أوروبا.
ويحذّر القادة الغربيون منذ أسابيع من أن روسيا تستعد للتصعيد في النزاع الانفصالي المستمر منذ ثمانية أعوام في شرق أوكرانيا بعدما حشدت نحو مئة ألف جندي في محيط الدولة السوفياتية السابقة.
ونبّه المستشار الألماني أولاف شولتس الخميس إلى أن على روسيا ألا تقلل من أهمية “وحدة” الأوروبيين و”تضامنهم”، مع استمرار الجهود الدبلوماسية الكثيفة لاحتواء الأزمة الأوكرانية.
وقال شولتس اثر مشاورات أجراها مع قادة دول البلطيق الثلاث في برلين “في هذا الوضع الدقيق بالنسبة الينا جميعا، على روسيا الا تقلل من أهمية وحدتنا وتصميمنا بوصفنا شركاء داخل الاتحاد الأوروبي وبوصفنا حلفاء في حلف شمال الأطلسي”، مؤكدا أنه يتعامل “بجدية كبيرة” مع القلق الذي تبديه الدول الثلاث.
ولفتت واشنطن إلى أن روسيا أرسلت نحو 30 ألف جندي إلى بيلاروس، المجاورة لأوكرانيا أيضا، للمشاركة في المناورات التي بدأت الخميس.
وتحرّكت آليات تحمل أنظمة روسيا الدفاعية بطوابير عبر الحقول التي غطتها الثلوج عشية بدء المناورات المطلة على البحر الأسود وبحر آزوف المجاور.
ونددت كييف بما اعتبرتها محاولة “غير مسبوقة” لمنع أوكرانيا من الوصول إلى كلا البحرين.
ولم تكشف موسكو ومينسك عدد الجنود المشاركين في التدريبات العسكرية في بيلاروس.
وأفادت وزارة الدفاع الروسية في بيان أن “التدريبات تجري بهدف الاستعداد لوقف وصد هجوم خارجي في إطار عملية دفاعية”.
وفي محاولة “لتقليل فرص سوء التقدير” خلال التدريبات، أجرى رئيسا الاركان في الولايات المتحدة وبيلاروس محادثات هاتفية نادرة، حسبما ذكرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الخميس.
– بريطانيا تحض على “المسار الدبلوماسي” –
وفي ردّه على المخاوف الغربية، شدد الكرملين على أن الجنود الروس في بيلاروس سيعودون بعد انتهاء المناورات.
لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رأى أن “حشد القوات عند الحدود يمثّل وسيلة ضغط نفسي من قبل جيراننا”.
في المقابل، باشرت أوكرانيا تدريبات عسكرية، لكن لم تصدر تصريحات كثيرة من المسؤولين العسكريين في كييف بشأنها خوفا من رفع منسوب التوتر.
وأطلقت الأزمة الدبلوماسية العنان لأسابيع من المحادثات بين المسؤولين الروس والغربيين والأوكرانيين.
وأعطت هذه الجهود جرعة تفاؤل حذرة حيال إمكانية التوصل إلى حل عبر التفاوض، إذ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه حصل على تعهّد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن موسكو “لن تكون مصدر تصعيد”.
وقدمت روسيا مطالب للحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لخفض تواجده في شرق أوروبا والدول التي كانت منضوية في الاتحاد السوفياتي.
وتندرج زيارة وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس ضمن جهود دبلوماسية غربية على أمل خفض التصعيد.
وقالت لنظيرها الروسي سيرغي لافروف في مستهل اللقاء إن بريطانيا “لا يمكنها تجاهل” حشد القوات الروسية أو “محاولات تقويض سيادة أوكرانيا”.
وتابعت “هناك مسار بديل، مسار دبلوماسي يتجنّب النزاع وسفك الدماء”، مضيفة “أنا هنا لأحض روسيا على اختيار هذا المسار”.
وفي بروكسل، أكد الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ “نتابع عن كثب انتشار روسيا في بيلاروس، وهو الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة.. هذه لحظة خطرة بالنسبة لأمن أوروبا” محذرا من أن أي “عدوان جديد من روسيا (على أوكرانيا) سيقود إلى تعزيز وجود الحلف الأطلسي وليس إلى خفضه”.
وجاءت تصريحات ستولتنبرغ خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حذرا خلاله روسيا من أن الحلف الأطلسي ينشر المزيد من القوات في الدول الأعضاء الواقعة في شرق أوروبا مثل بولندا ورومانيا وبأن سلوك الكرملين لن يثنيه عن ذلك.
ودعت تراس الخميس روسيا إلى سحب قواتها من الحدود الأوكرانية لخفض التوتر فيما تحدّث جونسون الذي سيتوجّه إلى بولندا بعد بروكسل عن حشد روسيا لأعداد “هائلة من الكتائب التكتيكية عند حدود أوكرانيا، 70 منها أو أكثر”.
وأضاف “هذه اللحظة الأخطر على الأرجح، برأيي، على مدى الأيام القليلة المقبلة في إطار أكبر أزمة أمنية تواجهها أوروبا منذ عقود”.
لا تؤدي إلى أي نتيجة” –
ورد لافروف بأن التهديدات الغربية لبلاده لن تساهم في خفض الصعيد.
وقال إن “الإنذارات والتهديدات لا تؤدي إلى أي نتيجة”.
وجاءت زيارة تراس بعد أيام من جولة دبلوماسية قام بها ماكرون بين موسكو وكييف قبل أن يقدّم إيجازا للمستشار الألماني أولاف شولتس في برلين عن نتائج الجولة.
بدروه، سيتوجّه المستشار الألماني الأسبوع المقبل إلى كييف وموسكو لعقد محادثات منفصلة مع الرئيسين الأوكراني والروسي، علما أن اجتماعه مع الأخير سيكون أول لقاء مباشر بينهما.
وحذّر الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي الأربعاء من أن بوتين يواصل إرسال جنود إلى الحدود.
لكن المسؤولين الأوكرانيين استخدموا لغة أكثر حذرا في الحديث عن التهديد الناجم عن حشد روسيا قواتها.
وأفادت نائبة وزير الدفاع الأوكراني غانا ماليار أنّ القوات الروسية المحتشدة عند حدود بلادها ليست جاهزة لاجتياح وشيك، لكنّها تستخدم من أجل “ضغط سياسي وابتزاز” يمارسه الكرملين.
وأسفرت المعارك بين الجيش الأوكراني والانفصاليين الموالين لروسيا الذين يسيطرون على منطقتين في الشرق عن مقتل أكثر من 140 ألف شخص منذ اندلاعها عام 2014.
وبدأت تلك المعارك بعد أسابيع من ضم روسيا شبه جزيرة القرم، ما دفع الغرب إلى فرض عقوبات اقتصادية على موسكو، تهدد الولايات المتحدة وأوروبا بتوسيع نطاقها في حال صعّد الكرملين مجددا.