The Swiss voice in the world since 1935

أحكام بالسجن حتى 66 عاما في قضية “التآمر على أمن الدولة” في تونس

afp_tickers

في ختام محاكمة غير مسبوقة في تونس، حكمت المحكمة الابتدائية بالسجن النافذ ما بين 13 و66 عاما على حوالى 40 متّهما، بينهم وجوه من المعارضة، لإدانتهم بـ”التآمر على أمن الدولة”، وفق ما أفادت عدة وسائل إعلام السبت ومحامٍ لوكالة فرانس برس.

في البداية، نقلت وسائل إعلام محلية عن مسؤول في مكتب المدعي العام لمكافحة الإرهاب، إعلانه عن أحكام بالسجن تتراوح بين 13 و66 عاما.

وأدين المتّهمون بدرجات متفاوتة بتهم أبرزها “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي” و”تكوين وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية والانضمام إليه”، وفق ما قال المساعد الأول لوكيل الدولة في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب لوسائل إعلام.

غير أنّ قائمة نقلها عدد من المحامين لوكالة فرانس برس، “بانتظار التأكيد الرسمي”، تشير إلى عقوبة أربع سنوات على الأقل. وهي أحكام يحق للمحكوم عليهم استئنافها.

واستنكر بسام خواجة من منظمة هيومن رايتس ووتش على منصة إكس، محاكمة “لم تتظاهر حتى بالعدالة” وعُقدت “في ثلاث جلسات من الاستماع إلى الدفاع”. وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش التي تمكّنت من الاطلاع على  أمر إحالة المتهمين إلى المحاكمة، إلى أنّ الاتهامات الخطيرة “لا تستند إلى أي دليل موثوق”. 

ومن بين المحكوم عليهم شخصيات بارزة من المعارضة ومحامون ورجال أعمال منهم من يقبع خلف القضبان منذ سنتين، في حين بقي آخرون في حال سراح واختار البعض المنفى.

وبحسب القائمة التي نقلها محاميَان على الأقل، فقد حُكم على المتهمين الموجودين في الخارج، ومن بينهم الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي، بالسجن لمدّة 33 عاما، تماما كما هو الأمر بالنسبة الناشطة النسوية الشهيرة بشرى بلحاج حميدة ورئيسة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة.

– استئناف الحكم –

وحُكم بالسجن 18 عاما على كلّ من زعيم الحزب الجمهوري (الاشتراكي الديموقراطي) عصام الشابي وأحد مؤسسي جبهة الخلاص الوطني، وهي أكبر ائتلاف معارض في البلد، جوهر بن مبارك، والوزير السابق غازي الشواشي من التيار الديموقراطي (الوسطي) والمحامي رضا بالحاج والناشطة الحقوقية شيماء عيسى، على ما كشف المحامي عبد الستار المسعودي لوكالة فرانس برس. 

وقال المسعودي إنّ المتهمين سيستأنفون الحكم، مضيفا “ليس لدينا خيار آخر وإلا فإنّ من بقي خارج السجن، سيواجه خطر الاعتقال”.

أما الزعيم السابق لحزب التكتّل (الاشتراكي الديموقراطي) خيام التركي، فقد حكم عليه بالسجن 48 عاما، في حين صدر أقسى حكم بالسجن 66 عاما في حقّ رجل الأعمال الواسع النفوذ كمال اللطيف، بحسب المسعودي الذي تولّى الدفاع  عن متّهمين اثنين.

وقال حيدر التركي وهو قريب خيام التركي، لوكالة فرانس برس، إنّه “حزين للغاية” بسبب الحكم، مضيفا أنّه “لا يستحق هذا، إنّه رجل عظيم، جريمته كانت المشاركة في السياسة”. 

كذلك، حُكم على الزعيمين السابقين لحزب النهضة الإسلامي المحافظ عبد الحميد الجلاصي ونور الدين البحيري بالسجن لمدّة 13 عاما و43 عاما على التوالي، وفق القائمة.

أمّا مدير إذاعة “موزاييك اف ام” الخاصة، نور الدين بوطار، فقد حُكم عليه بالسجن عشر سنوات، فيما حُكم على سمسار بيع السيارات حطاب سلامة بالسجن أربع سنوات، لأنّه تمّ العثور على سيارته بالقرب من منزل متهم آخر. 

والجمعة، انعقدت الجلسة الثالثة والأخيرة من هذه المحاكمة التي لم يشهد البلد مثلها من حيث عدد المتّهمين والتهم الرئيسية الموجّهة إليهم، وسط حضور أمني كثيف وفي غياب الصحافة الدولية التي مُنع مراسلوها، وكذلك الدبلوماسيون الأجانب، من دخول قاعة المحكمة، رغم السماح لهم بحضور الجلستين السابقتين. 

واعتبر القضاء أن بعض المتّهمين أقاموا اتصالات مشبوهة بدول أجنبية، خاصة عبر دبلوماسيين.

واعترض المحامون أمام القاضي بعد تلاوته لائحة الاتهام وطرحها للمداولة، من دون أيّ مرافعات من جانب الدفاع.

ووصفت المحامية سامية عبّو لوكالة فرانس برس ما حصل بأنه “مهزلة” متحدثة عن “انتهاك صارخ للإجراءات القانونية” إذ “لم يتم الاستماع إلى المتّهمين”.

وقال المحامي سمير ديلو “وصلنا إلى حدّ الجنون القضائي”.

– “اغتيال قضائي” –

ورأت المحامية هيفاء الشابي، إبنة السياسي أحمد نجيب الشابي (شقيق عصام) الذي حُكم عليه بالسجن 18 عاما وفق القائمة، أنّ “الحكم حُضّر مسبقا وهو غير مفاجئ”. 

وقالت في تصريحات لوكالة فرانس برس “أنا حزينة على وضع القضاء في تونس وحالة الحرّيات”.

وعلق الناشط كمال الجندوبي الذي أدين غيابيا في هذه القضيّة بعدما فرّ إلى الخارج أن هذا “ليس حكما قضائيا، بل هو اغتيال قضائي. ليست هذه عدالة، بل أوامر سياسية نفذها قضاة خاضعون، ووكلاء جمهورية متواطئون، ووزيرة عدل تحوّلت إلى ذراع تنفيذية لطاغية مهووس بالسلطة”.

وشدّد على أن “هذه المحاكمة إهانة للعقل، صفعة في وجه القانون. ولتكملة هذه المهزلة الدموية: جلسة عن بُعد، مغلقة رقميا. محاكمة جرت من خلف الشاشات، بدون حضور المتهمين، بل وحتى أحيانا بدون علمهم أو إخطارهم القانوني”.

ومنذ تفرّد الرئيس قيس سعيّد بالسلطة في صيف 2021، يندّد المدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون بتراجع الحرّيات في تونس، البلد الذي انطلق منه ما يعرف بـ”الربيع العربي” عام 2011.

ورأى المحلّل حاتم النفطي أن “حكم التبرئة كان ليتعارض مع سردية المؤامرات التي يستند إليها النظام منذ 2021″، موضحا عبر إكس أن هذه الرواية “تبقى مقبولة من جزء كبير من الشعب” بعد السيطرة على حد قوله على أغلبية وسائل الإعلام وزجّ صحافيين كثيرين في السجن. 

– “سياق قمعي” –

واعتبارا من ربيع العام 2023، أوقف عشرات المسؤولين السياسيين والمحامين والصحافيين والناشطين الحقوقيين، لا سيما منهم المدافعين عن المهاجرين، بموجب مرسوم بشأن نشر أخبار زائفة فضفاض ويفتح الباب أمام مختلف التأويلات.

ومنذ بدء المحاكمة في الرابع من آذار/مارس، طالب محامو الدفاع في مرافعات حادة بمثول جميع المتّهمين حضوريا أمام المحكمة، وقد أعلن بعضهم إضرابا عن الطعام في السجن احتجاجا على حرمانهم من هذا “الحقّ الأساسي”، بعد أن طلبت منهم المحكمة الإدلاء بشهاداتهم عن بعد. 

ووصفت هيئة الدفاع ملفّ القضيّة بأنه “فارغ”، في حين قالت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية إن المحاكمة أقيمت في “سياق قمعي استفاد منه الرئيس (قيس) سعيّد لاستغلال النظام القضائي التونسي لمهاجمة المعارضين السياسيين”.

وفي شباط/فبراير، دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات التونسية إلى “وقف جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين، وإلى احترام الحقّ في حرّية الرأي والتعبير”، مطالبة بـ”الإفراج الفوري لأسباب إنسانية عمن هم في سنّ متقدّمة وعن الذين يعانون مشاكل صحية”.

وأعربت الحكومة التونسية عن “بالغ الاستغراب” لهذه الانتقادات، مؤكدة أن الأشخاص الذين أشارت إليهم الأمم المتحدة أُحيلوا على المحاكم “من أجل جرائم حقّ عام لا علاقة لها بنشاطهم الحزبي والسياسي أو الإعلامي أو بممارسة حرّية الرأي والتعبير”.

كل/م ن-ناش/ص ك

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية