البابا فرنسيس يحضّ قادة جنوب السودان على “انطلاقة جديدة” من أجل السلام
حضّ البابا فرنسيس الجمعة قادة جنوب السودان على “انطلاقة جديدة” من أجل السلام، محذّرا من أن التاريخ سيذكرهم من خلال أفعالهم، وذلك في مستهل زيارة تستمر ثلاثة أيام للبلاد التي تشهد أعمال عنف.
وفي خطاب ألقاه في القصر الرئاسي في جوبا قال البابا فرنسيس “تتطلّب عملية السلام والمصالحة هزّة جديدة”، داعيا إلى تكثيف الجهود من أجل وضع حد للنزاع في الدولة الفتية التي عانت من حرب أهلية عنيفة وتعتبر من أفقر بلدان العالم.
وقال البابا فرنسيس أمام الحضور الذي ضم الرئيس سلفا كير وخصمه نائب الرئيس ريك مشار ودبلوماسيين ورجال دين وزعماء “سيتذكّركم +أبناؤكم+ والتاريخ نفسه إن كنتم قد عملتم الخير لهذا الشعب، الذي أوكل إليكم لتخدموه. ستكرّمكم الأجيال المقبلة أو ستمحو ذكرى أسمائكم، بناء على ما تصنعونه الآن”.
ومنذ إعلان جنوب السودان الاستقلال في العام 2011 تفتقد البلاد السلام، وقد شهدت حربا أهلية استمرّت خمس سنوات بين قوات موالية لكير وأخرى موالية لمشار أسفرت عن 380 ألف قتيل وأربعة ملايين نازح.
وتابع البابا “كفى سفكا للدّماء، كفى صراعات، وكفى عنفا واتّهامات متبادلة لمن يرتكبونها، وكفى أن نترك الشعب متعطّشا إلى السلام”.
ورحلة “الحج من أجل السلام” هي الأولى لحبر أعظم إلى دولة جنوب السودان ذات الغالبية المسيحية منذ استقلالها عن السودان ذي الغالبية المسلمة في 2011 بعد عقود من النزاع.
وتأتي الرحلة بعد زيارة استمرت أربعة أيام لجمهورية الكونغو التي تشهد مناطقها الشرقية هجمات مسلحة تشنها جماعات متمردة.
وكان قد اصطف آلاف الأشخاص في شوارع جوبا بانتظار وصول البابا الذي حيّوا موكبه الذي عبر طرقا تم تعبيدها مؤخرا، وانحنى بعضهم لدى إلقائه التحية عليهم.
وارتدى البعض ملابس تقليدية وأطلق البعض الهتافات والزغاريد كما أطلقت الأبواق والصافرات وسط الأناشيد.
– “تدعيم السلام” –
بالإضافة إلى القادة الروحيين من المقرر أن يلتقي البابا ضحايا النزاع ومسؤولين كنسيين بين الصلوات وقداس سيقام في الهواء الطلق يتوقّع ان يكون حاشدا.
وكانت رحلة البابا، الخامسة لإفريقيا، مقررة أساسا في تموز/يوليو 2022 لكنها أرجئت بسبب آلام في الركبة عانى منها الحبر الأعظم الذي بات مذّاك يتنقّل بواسطة كرسي متحرّك، وقد تم تقليص تنقّلاته المقرّرة في البلدين.
وقد انضم جاستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربري الزعيم الروحي للكنيسة الانغليكانية وإيان غرينشيلدز المسؤول الأبرز في كنيسة اسكتلندا إلى البابا خلال الزيارة إلى جنوب السودان للتشديد على أهمية الديانة المسيحية في البلاد البالغ عدد سكانها 12 مليون نسمة.
في العام 2019 تعهّد البابا زيارة جنوب السودان لدى استقباله كير ومشار في الفاتيكان حين بادر إلى تقبيل اقدام الزعيمين لحضّهما على الالتزام بوقف إطلاق النار.
لكن بعد أربع سنوات على توقيع اتفاق السلام في جنوب السودان لا تزال أعمال العنف مستمرة وتؤججها النخب السياسية.
وقال مالك أرول ديو وهو طالب في الطب إن قرار البابا تقبيل أقدام الرجلين “أرسى أسسا للسلام في بلادنا”.
وتابع “زيارة البابا ستدعّم… اتفاق السلام لكي يسود السلم في بلادنا”.
لكن في مؤشر يدل على التحديات التي تواجهها البلاد، قُتل الخميس، عشية وصول البابا، 21 شخصا على الأقل في هجوم في جنوب البلاد، في اعتداء وصفته السلطات بأنه عمل انتقامي.
وحضت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية الجمعة القادة الدينيين على الضغط على مسؤولي جنوب السودان “لوضع حد لأزمة حقوق الإنسان المستمرة في البلاد وللإفلات من العقاب على نطاق واسع”.
والجمعة جاء في بيان لمديرة قسم إفريقيا في المنظمة ماوسي سيغون “عليهم أيضا أن يحثّوا قادة جنوب السودان على اتّخاذ خطوات ملموسة من أجل وضع حد للهجمات التي تستهدف المدنيين وضمان المحاسبة عن الانتهاكات الخطيرة”.
– “فظائع” –
خلال الاجتماع مع البابا أعلن كير أن حكومته مستعدة للانخراط في مفاوضات سلام مع ائتلاف للفصائل المتمردة لم يوقّع في العام 2018 اتفاق السلام الذي وضع حدا للحرب.
وكانت الحكومة قد انسحبت في تشرين الثاني/نوفمبر من المحادثات التي كانت تجرى بوساطة في روما تقودها جمعية سان إيجيديو الكاثوليكية المرتبطة بالفاتيكان.
بدأت هذه المحادثات في العام 2019 لكنّها لم تتمكن من كبح العنف في جنوب البلاد.
ووصل البابا إلى جنوب السودان وافدا من كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديموقراطية، علما بأنه أول حبر أعظم يزور البلاد منذ يوحنا بولس الثاني في 1985.
في كينشاسا عاصمة أكبر دولة كاثوليكية في القارة الإفريقية، ندد الحبر الأعظم مرارا بأعمال العنف الدامية في شرق البلاد، داعيا المسؤولين إلى وضع حد للفساد، والشباب إلى أن يكونوا “اطرافا فاعلين” في مستقبل البلاد.