مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 الفصل الثاني: تغييــر الخارطــة؟

هل المنطقة مقبلة على تغييرات في خارطتها على ضوء الاستعدادات الامريكية لاجتياح العراق؟ swissinfo.ch

في الوقت الذي تلتزم ادارة الرئيس جورج بوش الصمت، تواصل وسائل الاعلام الامريكية والعالمية التعليق على الخطة الحربية التي وضعتها رئاسة أركان الجيش الامريكية لغزو العراق بهدف الاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين.

حققت صحيفة NY Times سبقا كبيرا، عندما نشرت يوم الجمعة 5 يوليو معلومات موثوقة عن الخطة التي وضعتها القيادة المركزية للجيش الامريكي بشان غزو العراق والاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين. وتنص هذه الخطة على شنّ هجومات كاسحة وواسعة النطاق، جوا وبحرا وبرا، من ثلاثة اتجاهات، الشمال والجنوب والغرب.

وتتضمن الوثيقة تفصيلا للمواقع العراقية العسكرية والمدنية، المستهدفة من الحملة الامريكية التي ستحشد لها الولايات المتحدة وبريطانيا ما لا يقل عن ثلاث مائة الف جندي ومئات الطائرات المقاتلة الامريكية المرابطة في ثمان دول في الشرق الاوسط والخليج، من بينها قطر والبحرين والكويت والامارات والاردن وتركيا، الى جانب حاملات الطائرات.

كما تأخذ هذه الخطة في الاعتبار امكانية استعمال العراق، اذا ما وجد نفسه محاصرا تماما، اسلحة غير تقليدية تقول الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا، ان العراق يمتلك مخزونا كبيرا منها، لاسيما الاسلحة الكيميائية والجرثومية.

وبقطع النظر عن طبيعة هذه الخطة الحربية الامريكية وتوقيت تنفيذها وقابلية انجازها، وهل سرّبتها مصادر رسمية امريكية الى صحيفة NY Times لارعاب الانظمة الحاكمة في الشرق الاوسط والخليج، لاسيما تلك التي تلكأت في الوقوف خلف واشنطن في حربها في افغانستان، او وضع تلك الانظمة امام الامر الواقع، فان هذه الخطة، التي تزامن نشرها مع جولة المفاوضات بين الامين العام للامم المتحدة ووزير خارجية العراق حول عودة المفتشين الدوليين، تدخل ضمن الاستراتيجية التي ردّدها الرئيس جورج بوش في مناسبات عديدة منذ اعلانه بداية الحرب العالمية ضد الارهاب إثر احداث 11 سبتمبر.

فقد جاهر الرئيس الامريكي بان الحملة العسكرية ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة ليست سوى الفصل الاول في الحرب ضد الارهاب والتي ستشمل كل الدول او الانظمة الحاكمة التي تعتبرها الولايات المتحدة “مارقة” وخارجة عن سيطرتها وخطرا على مصالحها. وقد جسّد بوش بمفهوم “محور الشر” بعض هذه الدول التي يبدو ان واشنطن حسمت امرها، وعلى راسها العراق وايران.

وترى مصادر سياسية وعسكرية في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك في اوساط المعارضة العراقية، ان العدّ التنازلي لغزو العراق والاطاحة بنظام صدام حسين قد بدأ فعلا، وان واشنطن ولندن تملكان “الادلة القاطعة” لتبرير الحملة العسكرية ضد العراق من خلال “الاثبات” بانه لا يزال يمتلك مخزونا كبيرا من اسلحة الدمار الشامل، وان مفاوضات الامم المتحدة معه لعودة المفتشين الدوليين لم تعد ذات جدوى.

وبالفعل، يبدو ان المفاوضات بين العراق والامم المتحدة حول العقوبات الدولية وعودة المفتشين قد توقفت نهائيا الاسبوع الماضي في فيينا بعد ان فشلت جولة الحوار بين الامين العام كوفي انان ووزير الخارجية ناجي صبري.

وقد تجنب انان تحديد موعد لجولة جديدة من المحادثات، في حين حمّلت بغداد واشنطن مسؤولية فشل الحوار واتهمت الادارة الامريكية بالسعي الى التصعيد لتبرير خطة غزو العراق والاطاحة بالنظام.

الاطاحة بصدام حسين ليست سوى بداية!

والسؤال الذي يتعين طرحه على ضوء هذه المعطيات هو، ماذا بعد ازاحة نظام صدام حسين، اذا ما نجحت واشنطن في ذلك، وما هي التبعات السياسية للخطة الحربية التي وضعتها القيادة المركزية الامريكية للعراق؟ فهل ستكتفي واشنطن بتنصيب “قرضاي” عراقيّ في بغداد ام ان ادارة بوش تتطلع الى ابعد من ذلك بكثير؟

ان التغييرات التي افرزتها احداث 11 سبتمبر بلورت لدى الولايات المتحدة تصورات ورؤى جديدة تختلف كليّا عن المفاهيم التقليدية التي ظلت سائدة منذ نهاية الحرب الباردة وحرب تحرير الكويت. فجُلّ الانظمة الحاكمة في المنطقة لم تعد، في نظر واشنطن، تستجيب للمواصفات السياسية و”الاخلاقية” التي تريدها الولايات المتحدة ممن يعتبرون انفسهم حلفاء لها.

فضلا عن ذلك، فان الحدود الوطنية المرسومة بين دول المنطقة، رغم تثبيتها من خلال معاهدات ثنائية حديثة العهد، لا تزال تستلهم من ذاكرة التاريخ المعاصر كيانات ظن العرب انها قد ولّت بلا رجعة.

فتسميات نجد والحجاز وشبه الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين وبلاد الشام، وان زالت من الذاكرة العربية الحديثة او ظلت فيها بمثابة الفلكلور التاريخي، فانها لا تزال تُشكّل حجر الزاوية في خلفيات تعامل القوى الغربية الكبرى، ولاسيما بريطانيا والولايات المتحدة، مع الدول القومية والانظمة التي تولت مقاليد الامور فيها إبان الاستقلال.

فالمكونات القومية ل “المنطقة العربية” او “العالم العربي”، لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض في نظر واشنطن ولندن وحتى موسكو. لذا، فان “الحرب العالمية على الارهاب”، التي تستهدف بالدرجة الاولى المنطقة العربية بحكم ان جميع منفذي تفجيرات 11 سبتمبر جاءوا من هذه المنطقة ويمثلون فيها فكرا تعتنقه شرائح كبيرة من سكانها، سوف لن تقتصر على تنصيب قرضاي بدل طالبان وآخر بدل صدام حسين، وتعود الحياة مثلما كانت.

ان الطور المقبل في حرب الولايات المتحدة سوف لن ينتهي بازاحة الرئيس العراقي، لا بل انه سيبدأ بها. فقد دعا جورج بوش في مستهل خطابه الاخير حول النزاع الاسرائيلي الفلسطيني الى ضرورة ان “يتغير الشرق الاوسط”. وسيشمل هذا التغيير الذي تريده واشنطن، ان عاجلا ام آجلا، الدول وحدودها والانظمة الحاكمة فيها ما دام القائمون على هذه الانظمة قد أخفقوا في قراءة التاريخ واستيعاب مستجدات العصر.

محمود بوناب

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية