
بعد 100 يوم حافلة بالعمل المستشار الألماني يواجه خلافات في الداخل

حقق المستشار الألماني فريدريش ميرتس تغييرات واسعة في سياسات الأمن والاقتصاد والهجرة خلال أول مئة يوم له في المنصب، لكنه يواجه تصدعات متزايدة في ائتلافه الحاكم الهش.
ليلة الانتخابات في شباط/فبراير، وعد ميرتس في غمرة الفرحة بالفوز بإضفاء لمسة من الحيوية على المنصب وتحقيق إنجازات وتحريك الأمور.
وبعدما حقق طموح حياته بعمر 69 عاما بتولي قيادة أكبر اقتصاد في أوروبا، لم يهدر ميرتس وقتا في دفع عجلة التغيير، وخصوصا بمواجهة البلبلة التي اثارها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضفتي الأطلسي.
وأعلن ميرتس “ألمانيا عادت” متعهدا النهوض بالاقتصاد وتعزيز الجيش وتوطيد مكانة برلين الدولية، بعد ما وصفه بثلاث سنوات باهتة بقيادة سلفه المنتمي لليسار الوسط أولاف شولتس.
وحتى قبل تولي شولتس المنصب، خفف تحالف الاتحاد المسيحي الديموقراطي بزعامته والاتحاد المسيحي الاشتراكي بقيادة شولتس قواعد الدَّين، وخصص مئات مليارات اليوروهات للقوات المسلحة الألمانية وبنيتها التحتية المتداعية.
وتعهد ميرتس ببناء “أكبر جيش تقليدي في أوروبا” في مواجهة روسيا التي اعتبرها عدائية، ومواصلة الدعم القوي لأوكرانيا بالتنسيق الوثيق مع باريس ولندن.
وأكسبه وعده بزيادة الإنفاق على حلف شمال الأطلسي (ناتو) تأييد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي استقبله بحفاوة في البيت الأبيض في حزيران/يونيو، بعد أسابيع قليلة من المواجهة الحادة في المكتب البيضوي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وعندما شنت إسرائيل ضربات على إيران، أشاد ميرتس المعروف بتعليقاته الشديدة الوطأة والمثيرة للجدل في كثير من الأحيان، بالجيش الإسرائيلي لقيامه بـ”العمل القذر”، لكنه اتخذ يوم الجمعة الماضي خطوة جريئة بتجميد صادرات أسلحة إلى إسرائيل قد تُستخدم في قطاع غزة.
– الحملة ضد الهجرة –
وعلى الصعيد الداخلي، شن ميرتس حملة صارمة على الهجرة غير الشرعية، في خروج حاد عن النهج الوسطي الذي تبنّته منافسته السابقة في الحزب أنغيلا ميركل.
وقال إنه يتعين عليه الاستجابة لمخاوف الناخبين بشأن الهجرة من أجل الحد من صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف الذي حقق نتيجة قياسية بفوزه بـ20 % من الأصوات في انتخابات شباط/فبراير.
وأكسبه تركيزه على الأحداث العالمية لقب “المستشار الأجنبي”، لكن مشاكل تلوح في الأفق في الداخل إذ كثيرا ما يشعر حلفاؤه في الحزب الاشتراكي الديموقراطي بالتهميش أو الإقصاء.
وبالنسبة لعدد كبير منهم، كان من الصعب تقبل مواقف ميرتس اليمينية في تحالف المصلحة الذي عقدوه معه بعد النتيجة المخيبة للآمال للحزب الاشتراكي الديموقراطي والتي بلغت 16 بالمئة.
ولم يبد الناخبون الألمان إلى الآن تأييدا لميرتس، فقد انخفضت نسبة التأييد الشخصي له عشر نقاط لتصل إلى 32 بالمئة فقط في أحدث استطلاع أجرته شبكة إيه آر دي العامة.
– خلاف بشأن قاضية –
وفي مؤشر مبكر إلى المشكلات، شهدت مراسم تنصيب ميرتس في 6 أيار/مايو تحديا كبيرا عندما عارضه نواب متمردون في الجولة الأولى من الاقتراع السري.
وتم تثبيته في الجولة الثانية، لكن تلك الهزيمة أشارت إلى وجود استياء متصاعد داخل الائتلاف اليميني-اليساري.
واستاء كثيرون من موقفه الصارم تجاه الهجرة وتعهداته بخفض الرعاية الاجتماعية وحماسته المحدودة لحماية المناخ.
وأثار ميرتس جدلا عندما رفض خطط رفع علم قوس قزح الخاص بمجتمع الميم على مبنى البرلمان، قائلا إن الرايخستاغ “ليس خيمة سيرك”.
وجاءت أكبر أزمة في الائتلاف الشهر الماضي بسبب ما كان يُفترض أن يكون عملا برلمانيا روتينيا، وهو ترشيح ثلاثة قضاة جدد لأعلى محكمة في ألمانيا.
وشنّت وسائل إعلام يمينية إلكترونية حملة شرسة ضد فراوكه بروسيوس-غيرسدورف، مرشحة الحزب الاشتراكي الديموقراطي للمحكمة الدستورية، معتبرة أنها ناشطة يسارية في قضايا الإجهاض وغيرها.
وسحب ائتلاف الاتحاد المسيحي الديموقراطي/الاتحاد المسيحي الاشتراكي دعمه لها وأرجأ التصويت، ما أثار غضب الاشتراكيين الديموقراطيين. وبدا أن الأزمة ستستمر إلى أن سحبت بروسيوس-غيرسدورف ترشيحها الخميس.
– كثير من الخلافات –
وبرزت مشكلة أخرى عندما طالب الحزب البافاري، حليف الاتحاد المسيحي الديموقراطي، بتخفيضات حادة في المساعدات الاجتماعية للاجئين الأوكرانيين، وهو موقف يعارضه الاشتراكيون الديموقراطيون.
وحذر نائب المستشار لارس كلينغبيل من الحزب الاشتراكي الديموقراطي المحافظين من المزيد من الاستفزازات، قائلاً في حديث لقناة “فيلت” التلفزيونية “لدينا بالأساس الكثير من الخلافات في هذه الحكومة”.
ويدرك كلا الشريكين في الائتلاف أن الخلافات العلنية ستنفّر الناخبين بعد أن أدى خلاف إلى انهيار ائتلاف شولتس الثلاثي، وستصب في مصلحة حزب البديل من أجل ألمانيا، عدوهما المشترك.
في الوقت الحالي يمضي ميرتس ومعظم السياسيين الآخرين عطلاتهم الصيفية، تاركين القضايا العالقة دون حل.
ورأى فولفغانغ شرودر من جامعة كاسل أن على ميرتس توخي الحذر موضحا أن “موقف المستشار هو: أفكر في الصورة الكبيرة وعلى المدى الطويل، ولا أهتم بالتفاصيل الصغيرة”.
لكن شرودر أشار إلى أن جميع المشاكل الكبرى في الائتلاف حتى الآن، من أزمة القضاة إلى قضايا اللاجئين الأوكرانيين “كانت تتعلق بالتفاصيل الصغيرة”.
فزسلب/غد/دص