The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
الديمقراطية السويسرية
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

خلف رافعات البناء… جان ستيفان برون يكشف هندسة اللامساواة

جان ستيفان برون في موقع تصوير مسلسله الروائي الأول "الصفقة".
جان ستيفان برون في موقع تصوير مسلسله الروائي الأول "الصفقة". David Koskas

في حوار مع سويس إنفو، تحدّث المخرج السويسري جان ستيفان برون، عن مسلسله الروائي الأول “ذا ديل” (الصفقة)، وفيلمه الوثائقي الجديد “لو شانتيه”  (ورشة بناء)، وهو الذي حظيت أفلامه الوثائقية التي تعالج قضايا السلطة والصراع الاجتماعي بتقدير واسع.

وقد عرض برون فيلمه الوثائقي ومسلسله الروائي في الدورة 78 لمهرجان لوكارنو السينمائي (من 5 إلى 15 أغسطس 2025). ويستكشف جان ستيفان برون حزمة من المواضيع المتراوحة بين الدوائر السياسية العليا والقصص الإنسانية الأكثر حميمية، مستقصيًا تحولات العالم. وتجمع أفلامه بين رصد الحالات الإنسانية، واستكشافات آليات عمل المجتمع.

عند التقائنا جان ستيفان برون في لوكارنو، اقترح عليّ الجلوس على مقعد اعتيادي. وكانت نسمة لطيفة تخفف من حرارة منتصف النهار، بينما انضممنا إلى بقية المارة في الظل. وهو مشهد مناسب لمخرج تصور أعماله الأقوياء وعامة الناس، جنبًا إلى جنب.

بدأنا الحديث عن عمله الوثائقي “لو شانتيه”، الذي يصوّر تجديد قصر “باثيه بالاس” (Pathé Palace)  في قلب باريس. وأعيد افتتاح المبنى التاريخي في يوليو 2024، بعد تجديد سمح ببناء قاعات أكبر وردهة زجاجية. ويلخص هذا المشروع مواضيع لطالما استكشفها جان ستيفان برون، ولكن من خلال منظور خاص لموقع بناءٍ هذه المرّة. ويتتبع الفيلم العلاقة بين المهندسين.ات المعماريين.ات، والملاك، والمقاولين.ات، والعمال والعاملات، وطاقم النظافة مفتونًا بموقع البناء، الذي يراه استعارة لمجتمع ما بعد كوفيد-19 وهو في طور إعادة البناء.

في إشارة إلى النحاتين الحداثيين، ألكسندر كالدر (Alexander Calder) وجان تنغيلي (Jean Tinguely)، يصفه جان ستيفان برون قائلًا: “هذا الموقع مثالي لأنه يجمع كل ما أحبه؛ إنه مكان مغلق، والوصول إليه محضورٌ عادةً. إنّه مذهل، مثل الفن الحركي، وحش متحرك، يتحرك صعودًا وهبوطًا كأحد أعمال كالدر أو تنغيلي”.

في قلب باريس: سينما باثي بالاس الشهيرة، موقع البناء الذي تم تصويره في فيلم "لو شانتيه".
في قلب باريس: سينما باثي بالاس الشهيرة، موقع البناء الذي تم تصويره في فيلم “لو شانتيه”. Les Films Pelléas

ديناميكيات الطبقات تحت المجهر

تعتبر الرافعات جزءًا من مشهد كل مدينة. وتظهر هذه الآلات الضخمة في مشهد ساحر خلال الليل، مؤذنة ببدء أعمال البناء. ولكن كم منا شاهدها بالفعل أثناء عملية تجميعها؟ في عصر تهيمن عليه التكنولوجيا والأتمتة، تركز كاميرا جان ستيفان برون على ما يظل إنسانيًا بامتياز: العمل البدني المضني أثناء البناء. ويفتتح الفيلم بمشهد عمال وعاملات يدقون أساس رافعة، ويرفعونه ويثبتونه، في عرض يختبر عنصري القوة والدقة.

ولتسجيل هذا البعد الإنساني، يختار جان ستيفان برون زاوية سينمائية مدروسة بعناية. ففي بداية الفيلم الوثائقي، نجد أنفسنا في الطابق الأخير من مبنى قيد الإنشاء، يوفر إطلالة نادرة بزاوية 360 درجة على باريس. وهي ملتقطة من سطح أحد مبانيه، وليس من الشارع أو عبر الأقمار الصناعية. ويرفض جان ستيفان برون رفضًا قاطعًا لقطة التصوير البعيدة، عبر الأقمار الصناعية، المرتبطة غالبًا بالتصوير السريع. ويقول عن هذا النمط من التصوير: “ترى المبنى يظهر في مشهد سحري. إنها طريقة لمحو العمل، ومحو صعوبته، ومحو الطبقات الاجتماعية، ومحو البشر. بالنسبة إليّ، هذه هي الصورة المعاصرة للرأسمالية حقًا”.

من هذا المنظر الخالي من خداع الصور، يبرز قصر غارنييه (Palais Garnier) على مقربة. وقد كان أيضًا موضوع فيلم وثائقي موسيقي لجان ستيفان برون عام 2017، بعنوان “أوبرا باريس” (L’Opéra de Paris). وكما في وثائقيّه السابق، فإنّ ما يثير اهتمامه في “لو شانتيه” هو التقاط كواليس عمل مؤسسة كبرى، تُرى كعالم مصغر للمجتمع.

محتويات خارجية

ويحظى كل شخص، من عامل الموقع إلى كبير المهندسين المعماريين، بنفس الدرجة من الاهتمام. ولا يقل دور العامل هازاك في الفيلم الوثائقي عن دور رينزو بيانو، المهندس المعماري الحائز على جائزة بريتزكر، أو جيروم سيدو، رجل الأعمال الفرنسي المكلّف بالمشروع.

من خلال العمل بهذه الطريقة، يفكّك جان ستيفان برون التسلسلات الهرمية الاجتماعية. فيقول: “المهندس المعماري عضو في هذا المجتمع، مثل العميل تمامًا. في هذا المجتمع، هناك أشخاص لديهم صوت، وأشخاص يملكون السلطة، وآخرون لا يملكون سوى القليل جدًا، وآخرون لا يملكون شيئًا على الإطلاق. ما يهمني هو مراقبة هذه الديناميكيات، وفك رموزها، وتسليط الضوء عليها. والهدف هو محاولة سرد قصة مجتمع بأكمله في مسرح العمل”.

رينزو بيانو، المهندس المعماري (يسار)، وجيروم سيدو، مدير الشركة، في مشهد من فيلم "لو شانتيه".
رينزو بيانو، المهندس المعماري (يسار)، وجيروم سيدو، مدير الشركة، في مشهد من فيلم “لو شانتيه”. Les Films Pelléas

دروس في السلوك

يتطلب الوصول إلى هذا المستوى من الحميمية مع شخصياته خبرة طويلة، ومجموعة من المبادئ التوجيهية. ويظهر اهتمام جان ستيفان برون بالحالة الإنسانية مبكرًا جدًا. فهو من مواليد مدينة لوزان، ونشط في السينما منذ ثلاثة عقود. يوثق فيلمه القصير الأول “12، شومان دي برويير” (12, chemin des Bruyères) الصراعات المتواضعة للأشخاص العاديين الذين يعيشون في مبنى. وتستمر أعماله الأحدث في إظهار هذا الاهتمام بتفاصيل الحياة اليوميّة الدقيقة، وبمن يحيط به. وذلك مثل “ما رو دو لال” (Ma rue de l’Ale)، المصوَّر خلال جائحة كوفيد-19 في الشارع الذي عاش فيه لمدة ثمانية عشر عامًا.

 وتتبع أفلامه الأخرى نفس هذه المقاربات المتواضعة. فيهتمّ فيلم “لا بون كوندويت” (La bonne conduite) بشيء عادي وعالمي في آن واحد. وهو المتدربون.ات على القيادة، آخذو.ات دروسٍ للتحضير لاجتياز رخصة القيادة. كما تحتلّ الأخلاق مكانة مركزية في منهجه. ولا يهدف إخراج الأفلام الوثائقيّة، كما يؤكّد، إلى إصدار الأحكام، بل إلى الملاحظة، والاستماع، والفهم. وقد كان هذا المبدأ حاسمًا للحصول على إذن لتصوير “لو شانتيه”. وإحدى قواعده الأساسية، عدم إظهار نقاش حول شخص ما إذا لم يكن موجودًا في الغرفة.

موقع البناء: العمال يذهبون إلى السينما أيضًا
موقع البناء: العمال يذهبون إلى السينما أيضًا Les Films Pelléas

ويوضح برون: “ليس الفيلم الوثائقي تحقيقًا بوليسيًا. إنه تمرين لا ينطوي على حقوق فحسب، بل على مسؤوليات أيضًا. هناك قواعد. وحتى أقوم بهذا التصوير، قلت للمقاول: ستفتحون لي أبوابكم، في جميع الاجتماعات، حتى تلك المتوترة. ولكن إذا تحدث الناس في لحظة ما عن شخص غير موجود في الغرفة، فلن أعرض ذلك”.

أحيانًا، يبتعد السرد القصصي لجان ستيفان برون عن تقاليد الفيلم الوثائقي الخطي، ويتوه في الخيال. ففي “لو شانتيه”، يصور مشاهد حالمة لعمال وعاملات  في دور السينما المحلية، من ضواحي باريس وصولًا إلى مكناس (Meknès) في المغرب. ويوضح: “ليس لديهم.ن صوت حقيقي، وليس لديهم.ن سلطة. بالنسبة إلي، هذا يشبه أعمال أونوريه دي بلزاك (Honoré de Balzac)، المهتمّ بجميع الطبقات الاجتماعية. وكان قادرًا على إعطاء حضور للطبقات الشعبية في عالمه الخيالي. فتصوير العمال والعاملات ذاهبين.ات إلى السينما، أمر جميل جدًا. إنها طريقة لمنحهم.ن صوتًا، وليس مجرد مقابلة أو تعليق صوتي”.

وثائقي يميل نحو الروائي

وغالبًا ما يتداخل الجزء الأكبر من أعمال برون مع أعمال من أنواع أخرى، رغم أنّه يظلّ متجذِّرًا في الأفلام الوثائقيّة. فيستعير بعض أفلامه التوتر والإيقاع من أفلام الإثارة السياسية، بينما يقترب البعض الآخر من السينما التجريبية، مساره أقل خطية وأكثر خوارزمية. فيُبنى كل فيلم جديد على أسس سابقه، ويعيد تجميع العناصر في شيء جديد.

يقول: “يتناول فيلم “لو جيني هيلفيتيك” (Le Génie Helvétique) عام 2003، مسألة السلطة داخل البرلمان السويسري، والعلاقة بين الاقتصاد، والقوة الاقتصادية، والسلطة السياسية. وبعد ذلك، بحثت عن مكان يسمح بإظهار كيفية عمل هذه القوى المجردة للرأسمالية، وذلك في فيلم “كليفلاند ضد وول ستريت” (Cleveland contre Wall Street) عام 2010″. ولاحقًا، قاده ذلك إلى اهتمامه بصعود الشعبوية، الذي يستكشفه في فيلم “تجربة بلوخر” (L’Expérience Blocher) عام 2013، المركّز على كريستوف بلوخر، زعيم حزب الشعب اليميني المحافظ.

جان ستيفان برون (إلى اليسار) في موقع تصوير فيلم "تجربة بلوخر" في فيلا كريستوف بلوخر في هيرليبرغ. عُرض الفيلم الوثائقي، الذي يتتبع مسيرة أحد أكثر السياسيين السويسريين إثارة للجدل، لأول مرة في مهرجان لوكارنو السينمائي في عام 2013.
برون (إلى اليسار) في موقع تصوير فيلم “تجربة بلوخر” في فيلا كريستوف بلوخر في هيرليبرغ. عُرض الفيلم الوثائقي، الذي يتتبع مسيرة أحد أكثر السياسيين السويسريين إثارة للجدل، لأول مرة في مهرجان لوكارنو السينمائي في عام 2013. Keystone/Frenetic Films

في السياق ذاته، نجد مسلسل “ذا ديل” (The Deal)، المسلسل الروائي المستند إلى المفاوضات النووية لعام 2015 بين إيران والولايات المتحدة، الجارية في جنيف. وفي حين يحمل كل السمات المميزة للمسلسل، يتميز مسلسل “الصفقة” بصقله وإدمانه. كما أنه امتداد منطقي لاهتمام جان ستيفان برون بالسياسة السويسرية والدولية. فيقول: “نحن نعالج أحداثا وقعت في عام 2015، أي قبل عشر سنوات. وأثناء كتابة السيناريو، كنا نعلم أننا كنا نغطي نقلة نوعية، وظهور عالم جديد. وكان بإمكاننا بالفعل رؤية بعض العلامات، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود ترامب إلى السلطة، وطريقته في تمزيق اتفاق 2015 من جانب واحد…”.

مشهد من مسلسل "الاتفاق": وهو مسلسل سياسي تشويقي سريع الإيقاع يستند إلى المفاوضات متعددة الأطراف حول البرنامج النووي الإيراني التي جرت في جنيف عام 2015. المسلسل عبارة عن تفسير خيالي لهذه الأحداث.
مشهد من مسلسل “الاتفاق”: وهو مسلسل سياسي تشويقي سريع الإيقاع يستند إلى المفاوضات متعددة الأطراف حول البرنامج النووي الإيراني التي جرت في جنيف عام 2015. المسلسل عبارة عن تفسير خيالي لهذه الأحداث. Bande À Part Films / Les Films Pelléas / Gaumont Television

بطريقة مرحة، يحلل جان ستيفان برون انتقاله من الوثائقي إلى الروائي في إنتاج “ذا ديل”. فيقول: “من وجهة نظري كمخرج أفلام وثائقية، بمجرد وجود أكثر من ثلاثة أشخاص، يصيبني الذعر. وفجأة، أجد نفسي أدير فريقًا من 60 شخصًا!” ومع ذلك، يحب التحدي. وبخصوص هذه العادة، الشبيهة بالرياضة المتمثلة في التوفيق بين عدة مشاريع في نفس الوقت، يلاحظ: “إنها نوع من القاعدة؛ كلما صنعت المزيد من الأفلام، زادت رغبتك في صنع المزيد”.

يظل فضوله، وطموحه للمستقبل على حالهما. يقول: “أعمل على مشروع وثائقي جديد يجمع عدة عناصر من “لو جيني هيلفيتيك”، ولكن على نطاق أوروبي. لدي ثلاثة مشاريع أو أربعة قيد التنفيذ، لكنني لا أعرف بعد أي منها سيتحقق بالفعل. سيعتمد ذلك على الظروف”.

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلّي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية