جدل قانوني وأمني حول إعادة أطفال ونساء سويسريون عالقون في سجون بشمال شرق سوريا
في مخيم الروج بشمال شرق سوريا، تُحتجز عائلات أشخاص يُشتبه في انتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
Afp Or Licensors
في سجون ومخيمات بشمال شرق سوريا، يقبع أشخاص سويسريون، ارتبطوا سابقًا بتنظيم الدولة الإسلامية. وبينما تطالب منظمات دولية بإعادتهم، تتمسك سويسرا برفضها، لتظل القضية عالقة بين الجدل القانوني، والمخاوف الأمنية.
تم نشر هذا المحتوى على
13دقائق
أنغريت ماثاري
English
en
Lost in limbo: calls for repatriation of Swiss jihadist detainees in Syria grow louder
الأصلي
منذ ستّ سنوات، تحتجز السلطات الكردية ثلاثة رجال سويسريين، دون محاكمة، في سجون بشمال شرق سوريا. وينتمي هؤلاء إلى مجموعات، تعدادها عشرات الآلاف، قدِمت من أوروبا وغيرها للالتحاق بدولة “الخلافة”، التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، بين عامي 2014 و2019. وعلاوة على ذلك، لا تزال امرأة سويسرية، وابنتها البالغة ثماني سنوات، قيد الاحتجاز في مخيم الروج، أحد مخيميْن مخصصيْن لعائلات المقاتلين السابقين في تنظيم الدولة الإسلامية.
وبينما شرعت بعض الدول الأوروبية في التعاون مع العراق، لإعادة رعاياها ومحاكمتهم محليًّا، ترفض سويسرا الإقدام على هذه الخطوة حتى الآن، بحجة وجوب محاكمتهم في سوريا أو العراق.
الأفكار الرئيسية التي يعالجها المقال:
* ما هو الوضع القانوني للسويسريين المحتجزين في شمال شرق سوريا؟
* ما مدى وجاهة موقف الحكومة السويسرية الرافض لإعادة المحتجزات والمحتجزين؟
* هل تفلح الضغوط الدولية وتغيّر الوضع الإقليمي في تليين الموقف السويسري الرسمي؟
وفي حديث مع سويس إنفو (Swissinfo.ch)، علَّق كاستريوت لوبيشتاني، المحامي والباحث المقيم في سويسرا، فقال: “هؤلاء الأشخاص معتقلون تعسفيًّا، ولا يمكن أن نتركهم في وضع يشبه غوانتانامو، بلا محاكمة، وبلا حق في المثول أمام القضاء”، مُشيرًا إلى المعتقل الأمريكي في كوبا، حيث ظلَّ سجناء قيد الاحتجاز لفترات غير محدودة، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
عشرات الآلاف في المُعتقلات
في عام 2019، أطاحت قوات سوريا الديمقراطية الكردية، بدعم أمريكي، بجماعات “خلافة” تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا، وأسرَت عشرات الآلاف من السوريين، والأجانب المشتبه في انتمائهم للتنظيم، إضافة إلى عائلاتهم. ومنذ ذلك الحين، يقبع هؤلاء في السجون، وفي مخيّمَي “الروج” و”الهول”.
ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، لا يزال 9 آلاف رجل، يُشتبه في ارتباطهم بالتنظيم، قيد الاحتجاز في السجون، بلا محاكمة. ويشمل هؤلاء 5،400 سوري، و1،600 عراقي، و1،500 من 50 دولة أخرى. إضافةً إلى ذلك، لا يزال نحو 42،500 شخص عالقًا في مخيمي الروج والهول، بينهم أقارب للمشتبه بانتمائهم للتنظيم، ولاجئون.ات، ونازحون.ات داخليًا، وضحايا اتجار بالبشر. وجدير بالذكر، أنّ 60% من هؤلاء أطفال، والبقية معظمهن نساء.
زنزانة في سجن مُخَّصص لأتباع تنظيم الدولة الإسلامية في الحسكة، شمال شرق سوريا.
تدير هذا السجن قوات سوريا الديمقراطية الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، ويضم نحو 9،000 شخص، من دول متعددة، يُشتبه في انتمائهم للتنظيم.
AFP
التنصُّل من المسؤولية
وفي الوقت الراهن، تبذل الحكومة العراقية، بدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، جهودًا لإعادة آلاف من رعاياها المُحتجزين. أمَّا الحكومة السورية، فتحرز تقدمًا في إعادة الرعايا السوريين الذين شرّدتهم الحرب الأهلية. فيما يظلَُ رعايا دول أخرى عالقين هناك.
وفي تصريح لسويس إنفو، قال ماثيو كاولينغ، مدير الشؤون الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود في المنطقة: “لقد أحالت غالبية دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب دول أخرى، مسؤولية رعاياها إلى السلطات الكردية في شمال شرق سوريا”.
بيتر ماورير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر السابق، في زيارة إلى مستشفى ميداني في مخيم الهول بشمال شرق سوريا، في مارس 2021.
Cicr
دعوات متزايدة للإعادة
ليس لوبيشتاني الوحيد المؤمن بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان في هذه المخيمات. فقد ندّد خبراء في الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، بانتهاكات جسيمة لحقوق الأفراد المحتجزين هناك.
وفي أبريل 2025، صرّح فريق مستقل، ضمَّ 16 خبيرًا وخبيرة، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: “يشكّل التغيير في سوريا فرصة ثمينة لإنهاء الاعتقال التعسفي، وغير الإنساني، وغير محدّد المدة، لنحو 52 ألف شخص على صلة بالنزاع مع التنظيم”.
وفي ديسمبر 2024، سيطر ثوَّار”هيئة تحرير الشام” على دمشق، وأطاحوا بنظام بشار الأسد الذي تولّى حكم البلاد منذ عام 2000.
ويقول لوبيشتاني: “قضى هؤلاء الأفراد ما لا يقل عن ست سنوات في الاحتجاز دونَ محاكمة، وفي ظروف قاسية، ومهينة تنتهك القانون الدولي”. ويضيف أنّ أمراضًا، مثل السل، منتشرة على نطاق واسع في السجون.
وعلى الصعيد الصحي، تدير منظمة أطباء بلا حدود عيادتين في مخيم الهول، لتقديم العلاج لمرضى السكري، وارتفاع ضغط الدم. ولكن، تشير المنظمة إلى غياب الرعاية المتخصصة مثل طب العيون، وطب الأسنان، وطب الأعصاب. كما تُدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر مستشفى في المخيم، وتزور المحتجزين في السجون، وتُيّسر التواصل بين أفراد العائلات.
ومن جانبها، دعت الأمم المتحدة جميع الدول إلى الإسراع في إعادة رعاياها إلى أوطانهم، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم، أو محاكمتهم عند الضرورة. وجاء على لسان الأمم المتحدة: «نشعر بالقلق من تخلي العديد من الدول عن مواطنيها، أو حتى سحب الجنسية منهم، تعسفيَّا”.
موقف الولايات المتحدة
أمَّا الولايات المتحدة، فانضمّت إلى الدعوات الحاثّة على إعادة الدول رعاياها إلى أوطانهم. ومنذ سقوط التنظيم، كان للمساعدات الأمريكية دورًا رئيسيًّا في إدارة المخيمات وتأمينها، وتشغيل مرافق احتجاز آلاف المقاتلين، بإدارة الأكراد. وقد أكَّدت دوروثي شيا، القائمة بالأعمال الأمريكية في الأمم المتحدة، في اجتماع مجلس الأمن في فبراير الماضي قائلة: “لقد تحملت الولايات المتحدة هذا العبء طويلًا، ونواصل دعوة الدول إلى إعادة مواطنيها بسرعة”.
المزيد
المزيد
سوريا جديدة خوف قديم: نظرة على تعقيدات الواقع السوري
تم نشر هذا المحتوى على
ما هو الدور الذي ستلعبه الديمقراطية والعلمانية في تحديد مستقبل سوريا؟ تحليل من خلال عيون سوري يعيش في سويسرا.
من ناحية أخرى، خفَّضت الولايات المتحدة، في بداية 2025، مساعداتها الإنسانية لشمال شرق سوريا بنحو 117 مليون دولار، وتخطط أيضًا لسحب قواتها التي لا تزال موجودة في المنطقة. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في أبريل، أن تعداد هذه القوات قد ينخفض من ألفين إلى 500 جندي.ة.
ووفقًا لممثل.ة عن منظمة إنسانية، فضّل.ت عدم الكشف عن هويته.ا، يفاقم تجميد التمويل الأمريكي الوضع الإنساني في المخيمات. وهكذا، بات توفير الخدمات الأساسية يُشكّل تحديًّا. وفي الوقت نفسه، تواجه القوات الكردية ضغطًا كبيرًا من السكان المحبطين بسبب نقص الغذاء، والغاز، ووسائل التدفئة في الشتاء.
سويسرا متمسكة بموقفها…
بدأت بعض الدول الأوروبية، مثل البوسنة، وكوسوفو، ومقدونيا الشمالية، إعادة مقاتلين مرتبطين بالتنظيمات الجهادية ومحاكمتهم. كما أصدرت هولندا وألمانيا، أحكامًا ضد العائدين من صفوف التنظيم، بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وقد وضعت هذه الدول، إلى جانب دول مثل النرويج، والسويد، والدنمارك، برامج لإزالة التطرف وإعادة الإدماج.
في المقابل، تظلُّ سويسرا متمسكة بموقفها. فهي لا تبادر إلى إعادة الأشخاص البالغين المشتبه بكونهم إرهابيين من الخارج، وفق ما ذكرته وزارة الخارجية ردًا على أسئلة سويس إنفو. ويعني هذا أنها لن تدعم عودة هؤلاء الأشخاص، بإصدار جوازات سفر، على سبيل المثال.
كما أكَّدت الوزارة أن القرار الأصلي، الذي اتخذته الحكومة في مارس 2019، ما زال ساريًّا.
وتوفر الخارجية السويسرية حماية قنصلية للأشخاص المعنيين “في حدود الممكن، وبالنظر إلى الوضع منذ علمها بظروف الاحتجاز”. وأشارت أيضًا إلى أن الحماية القنصلية ليست حقًّا قانونيًّا، مع وجود استثناءات عندما تكون حياة الشخص أو سلامته الجسدية مهددة.
وصرَّحت الوزارة بتواصلها مع الأشخاص السويسريين المحتجزين، ومع السلطات الكردية، وأوضحت أنّها أجرت مؤخرًا زيارة قنصلية إلى مخيم الروج، حيث تقيم المرأة السويسرية وابنتها، كما تواصلت عبر وسائط إلكترونية، مع الرجال الثلاثة المحتجزين.
وفي وقت سابق، عرضت برن إعادة ابنة المرأة فقط، لكن رفضت الأمّ. وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهيئات الأمم المتحدة، قد شدَّدت مرارًا على ضرورة عدم فصل الأطفال عن أمهاتهم. ويدعو خبراء وخبيرات من الأمم المتحدة، منذ عام 2023، إلى أن “تعيد الدول الأطفال على وجه السرعة برفقة أمهاتهم”. وأكد هؤلاء أنّ جميع الأطفال في مناطق النزاع هذه يستحقون الحماية، وأنهم ضحايا للإرهاب، وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وفي المخيمات، يفتقر هؤلاء الأطفال إلى الاحتياجات الأساسية، مثل الرعاية الطبية، والغذاء، والمياه النظيفة، والتعليم.
نساء وأطفال في طابور، أثناء عملية أمنية مشتركة، نفذتها قوات الأمن الداخلي الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، في مخيم الروج.
Afp Or Licensors
… ولكن، إلى متى؟
ويشير لوبيشتاني إلى أن سويسرا مُلزمة بتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، التابعة للأمم المتحدة. ويقول إنّ عليها إعادة الأطفال، برفقة أمهاتهم، لضمان مصلحتهم. ولكن، منحت الحكومة السويسرية، حسب رأيه، الأولوية للاعتبارات السياسية الداخلية على حساب رفاه هؤلاء الأطفال.
وفي عام 2019، بررت الحكومة قرارها بعدم إعادة الأشخاص المسافرين إلى مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، بدواعٍ أمنية تخص السكان في سويسرا. آنذاك، جادلت بعض الشخصيات السياسية السويسرية، بدخول هؤلاء الجهاديين طوعًا إلى تلك المناطق، وانضمامهم طوعًا إلى التنظيمات الإرهابية.
ويؤمن لوبيشتاني بأن سويسرا ستضطر في النهاية، إلى إعادة مواطنيها. فوفقًا لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، يحق لكل شخص، انضم سابقًا إلى صفوف التنظيم، تقييم حالته على حدة. وأيَّدت المحكمة الفدرالية السويسرية هذا المبدأ، في ديسمبر الماضي. وعلاوة على ذلك، يتمتع هؤلاء الأشخاص بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، الملزم للدول بإعادة مواطنيها.
المزيد
المزيد
سوريا، الأزمة المنسيّة؟
تم نشر هذا المحتوى على
تقدّر الأمم المتحدة أن عدد السوريين المُحتاجين إلى المساعدة الإنسانية أضحى اليوم أعلى من أيّ وقت مضى منذ بدء الصراع.
ووفقًا للوبيشتاني، يبقى من غير الواضح كيف سيتطور الوضع الأمني تحت الحكومة السورية الجديدة، أو حتى شكل التعاون بين دمشق والأكراد. ويضيف: “يجب إعادة جميع الأشخاص المقاتلين السابقين بسرعة ضمن إطار خاضع للرقابة، بدلًا من المخاطرة باختفائهم”.
ويشرح أنه في حال إعادتهم إلى سويسرا، سيكون السجن المصير المبدئي. وإذا لم يثبت ارتكابهم جرائم حرب، فسيدانون على الأقل بالمشاركة في تنظيم إرهابي إجرامي، وهي تهمة تصل عقوبتها، في وقت ارتكاب الجرائم، إلى السجن لخمس سنوات.
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
هل يسخر “الجهاديون” من دولة القانون؟
تم نشر هذا المحتوى على
سيعود بعد هزيمة الدولة الإسلامية في سوريا مئات المتعاطفين معها إلى أوروبا. ففي المعركة ضد تنظيم الدولة الإرهابي قام مقاتلو الأكراد بسجن الكثير منهم. وفي شمال شرق سوريا لديهم الآلاف من الإسلاميين في سجونهم. حوالي 20 منهم من سويسرا. كيف ينبغي التعامل مع هؤلاء المرتزقة الإرهابيين المتعصبين والمتطرفين؟ وما الفكرة الأهم في كيفية هذا التعامل؟…
تم نشر هذا المحتوى على
تتعرض سويسرا لضغوط تطالب بإعادة فتاتين سويسريتين صغيرتين تعيشان في مخيم مؤقت أقيم في شمال شرق سوريا بعد سقوط تنظيم الدولة (داعش).
تم نشر هذا المحتوى على
في بعض مخيمات اللاجئين في سوريا، تمكنت القناة العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية RTS (شاهد التقرير كاملا على هذا الرابطرابط خارجي) من التعرف على ستة أطفال صغار السن لوالد سويسري واحد على الأقل، تم أسرهم إثر سقوط آخر معقل لتنظيم “الدولة” في شهر مارس 2019. وفي الوقت الحاضر، يُوجد هؤلاء الأطفال في المعسكرات شمال سوريا، أحدهم…
عقوبة مخففة لمقاتل سويسري في صفوف ميليشيا مسيحية في سوريا
تم نشر هذا المحتوى على
المحكمة ألزمته بدفع غرامات يومية على مدى 90 يوماً مع تأجيل التنفيذ وغرامة إضافية قدرها 500 فرنك سويسري (500 دولار). في المقابل برأته من تهمة إضافية تتمثل في تجنيد ومحاولة تجنيد مواطنين سويسريين لصالح جيش أجنبي. وقال كوسار للتليفزيون السويسري الناطق بالألمانية (SRF) إنه سيستأنف الحكم. ولد يوهان كوسار في سانت غالن، ونشأ في كانتون تيتشينو، واستقرت عائلته…
المحتجزون السويسريون في سوريا والعراق: هل يُعتبر القتال من أجل الدولة الإسلامية جريمة؟
تم نشر هذا المحتوى على
سألني ابني، وهو أمريكي نشأ في سويسرا، وقد أصبح الآن مواطناً مزدوج الجنسية، عمن يكون. وعندما رفضت الإجابة لأنه سؤال معقد للغاية، قاطعني قائلاً إنه يسأل عن جنسيته فقط. "هل أنا أمريكي أم سويسري؟" أراد أن يعرف. أراد المراهق الفضولي تعريفاً واضحاً لهويته العامة، وهو أمر من السهل الإجابة عنه من الناحية القانونية ولكن ليس من السهل الإجابة عنه من الناحية الذاتية المتعلقة بما ينتاب المرء من مشاعر وأحاسيس.
إن الإجابة على هذا السؤال أمر معقّد بالنسبة للحكومات أيضاً. يقول أرسطو: "طبيعة المواطنة ... هي في الغالب مسألة متنازع عليها: من المؤكد أنه لا يوجد إجماع عام على تعريف واحد". ولعل الأزمة الحالية حول المعتقلين من مقاتلي وأتباع الدولة الإسلامية (ISIS)، توضّح إلى أي مدى يمكن أن يكون مفهوم المواطنة معقداً و "وموضع خلاف ".
فالحكومة السويسرية الآن بصدد مناقشة ما يترتب عليها فعله مع المواطنين السويسريين ومزدوجي الجنسية المعتقلين الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية في العراق أو سوريا. هل يجب على الحكومة تنظيم عودتهم؟ أم يجب محاكمتهم في مكان احتجازهم؟ وعن هذين الخيارين، تطرح وزيرة العدل في سويسرا، كارين كيلر-سوتر السؤال التالي: " هل يجب علينا أن نعرّض مواطنينا للخطر مقابل استعادة أشخاص غادروا بمحض إرادتهم للقتال في سوريا والعراق؟".
أما الخيار الثالث فهو إلغاء جوازات سفرهم إذا كانوا مزدوجي الجنسية، إذ لا يمكن جعلهم قانونياً عديمي الجنسية.
وبحسب القانون السويسري فإنه يمكن إلغاء جوازات سفر المواطنين مزدوجي الجنسية إذا كانت أفعالهم تتعارض مع مصالح سويسرا أو مع سمعتها. وهذا الإجراء ينطبق على من تمت إدانته لارتكابه جريمة خطيرة متعلّقة بأنشطة إرهابية أو بتهمة التطرف العنيف مثل الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية. وحتى هذه اللحظة، لم يحدث شيء من هذا القبيل.
آراء متباينة
هذه المعضلة ليست فقط مشكلة سويسرية. فالقوات السورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد، تدعي بأنها احتجزت أكثر من 900 مقاتل أجنبي في سوريا. فهل ما يزال لهؤلاء المحتجزين حقوق كمواطنين؟ وهل ما تزال لدى البلدان التي يحملون جوازات سفرها، التزامات تجاههم؟ ولطالما أن المعتقلين لم يتخلوا رسميّاً عن جنسيتهم وما يترتّب على هذه الجنسية من حقوق، فإن أفعالهم يمكن تصنيفها كخيانة أو كحد أدنى من انتهاك مصالح البلد الذي يحملون جنسيته. وبحسب مقالة نُشِرت في صحيفة "تريبون دي جنيف"، فإن جهاز المخابرات السويسرية يقول إن هناك ما يقرب من 20 جهادياً سويسرياً ومزدوج الجنسية حالياً في منطقة الصراع السورية - العراقية.
وفي برن، تتباين الآراء حول ما يجب فعله مع هؤلاء المعتقلين. فمن جهة، هناك من يؤيد مبدأ نزع الجنسية عنهم، ومن جهة أخرى هناك من يؤيد مبدأ محاكمتهم حيث تم احتجازهم. ويحتج كارلو سوماروغا، وهو عضو في لجنة الأمن السياسي قائلاً:" أن الاعتقاد بأن السويسري الذي يتم إلغاء جواز سفره لن يلجأ إلى العودة بطريقة غير شرعية ليس إلا وهماً. إن أفضل حل من أجل أمن البلاد هو إعادتهم إلى وطنهم، ومحاكمتهم، ثم جعلهم يقضون مدة عقوبتهم هنا. هذه هي أفضل طريقة للسيطرة عليهم". وهل سويسرا أصلاً في حالة حرب مع الدولة الإسلامية؟
'قنبلة موقوتة'
وكما هو الحال في برن حيث تتباين الآراء بهذا الشأن، كذلك هو الحال في الدول الأخرى حيث لا إجماع حول ما يجب فعله مع جهادييها. وعلى هذا الصعيد، قامت بريطانيا بإلغاء جنسية مراهقة أصبحت "عروس داعش" لمدة أربع سنوات. وبموجب القانون البريطاني، يمكن إلغاء الجنسية المعطاة لشخص ما، إذا كان ذلك " مؤاتياً للصالح العام" ولا يجعل منه شخصاً عديم الجنسية.
أما فيما يتعلّق بالولايات المتحدة، فيقول محام متخصص في شؤون الهجرة لصحيفة نيويورك تايمز إن هناك ظروفاً تستطيع فيها حكومة الولايات المتحدة إلغاء الجنسية، كالإدانة بالخيانة العظمى مثلاً. لكنه أضاف أن الانتماء إلى جماعة إرهابية أو تقديم المساعدة لها لا يُعتبر سببا كافياً لفقدان الجنسية.
وتحتجز الولايات المتحدة العديد من الجهاديين. ويقول الرئيس ترامب في تغريدة له على تويتر: "إن الولايات المتحدة تطلب من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين أن يقوموا باستعادة أكثر من 800 من مقاتلي داعش اعتقلوا في سوريا، وتم تقديمهم للمحاكمة. الخلافة على وشك السقوط. البديل عن استعادتهم ليس جيداً، لأننا سنضطر عندئذٍ إلى إطلاق سراحهم".
وبما أنه قد تمّت السيطرة على آخر معقل لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وبدأت القوات الأمريكية بالانسحاب، فسوف يتعين على الدول الأوروبية أن تقرر ما ستفعله مع مواطنيها الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية. كثير من هذه الدول تتردد في عودة مواطنيها خشية أن يكونوا تهديداً للأمن المحلي، كما تقول كيلر سوتر. لكن وزارة الداخلية الألمانية أوضحت أن المواطنين الألمان لهم الحق "من حيث المبدأ" في العودة. ومما يزيد الوضع تعقيداً، ما صرّح به مسؤول كردي حيث قال إن المعتقلين "قنبلة موقوتة" يمكن أن تنفجر عندما تنسحب القوات الأمريكية، لأن فرص الهروب ستكون كبيرة جدّاً.
عقد سياسي
هل للمحتجزين أي حقوق ترتكز على أساس جوازات سفرهم وجنسياتهم؟ الجنسية هي هوية عامة تعطي حاملها الحق بحماية الدولة التي ينتمي إليها. ولأنني مواطن في بلد ما - بالقرابة أو بالإقامة - يمكن لدولة هذا البلد أن تفرض عليّ واجبات معيّنة مثل احترام القوانين أو دفع الضرائب، كما يمكنني أن أطالب بدوري الدولة بالقيام بواجباتها تجاهي، كحمايتها لي. هذا هو العقد السياسي بين المواطنين وحكومتهم.
وبالنسبة لأولئك السويسريين الذين تم اعتقالهم في سوريا أو العراق، ألا يحق لهم أن يعوّلوا على الحكومة السويسريّة في تقديم شكل من أشكال الحماية لهم؟ إن كونهم قد غادروا البلاد للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية لا يلغي تلقائياً جنسيتهم، أقله في الوقت الحالي.
وتبين حجة وزيرة العدل أن الخوف من عائد "يعرّض" سويسرا للخطر، أقوى من حق الشخص في محاكمة عادلة في سويسرا. وتصرح قائلة: "بالنسبة لي، فإن الأولوية تبقى أمن السكان السويسريين وقوات الأمن السويسرية".
ولكن ماذا عن حقوق المُحتجز؟ هل خسر جميع حقوقه بالانضمام إلى الدولة الإسلامية؟ وطالما لم يتم إلغاء جنسية هذا الشخص، فإنه من الواجب أن يُمنح كمواطن سويسري محتجز شكلاً من أشكال من الحماية.
تتعرض سياسات العالم باستمرار للتحدي بسبب قضايا السيادة والهوية. كان سؤال ابني سؤالاً وجيهاً، خاصة في عالم تتزايد فيه التدفقات البشرية عبر الحدود وداخلها. لقد أضحت الهويات الشخصية المتعددة والمواطنة المتعددة جزءاً من العالم الحديث. أكثر من واحد من كل خمسة مواطنين سويسريين يحمل جنسية مزدوجة.
إن التصريحات الرجعية لانعدام الأمن القومي، كتلك التي تنادي بضرورة إقامة جدران حدودية أو بمحاكمة السويسريين في سوريا أو العراق، تقلل من شأن احترام حقوق الإنسان ومن دور سويسرا في حماية كل مواطن. للمواطنين السويسريين الحق في الحماية من قبل حكومتهم. ومن حق المحتجزين أن تتم استعادتهم إلى سويسرا.
The views expressed in this article are solely those of the author, and do not necessarily reflect the views of swissinfo.ch.
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.