مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حـرب بـلا نـصـر

جنديان أمريكيان أثناء قيامهما بدورية في منطقة شرق بغداد يوم 27 يناير 2007

لم يعد أحد يعرف هذه الأيام ما الذي أصبحت تعنيه بالضبط كلمة "انتصار".

فالقوات الأمريكية في العراق تخشى من الهزيمة بأكثر مما تأمل في النصر، وقوات الناتو في أفغانستان تأمل فقط في تنفيذ مهامّـها بخسائر مقبولة في مدى زمني يمكن رؤيته، والقوات المُـسيطرة في الصومال ترغب في أن تتوقف الحرب عند هذا الحد..

في الوقت نفسه، اختفت من العالم مواكب القوات المظفرة العائدة، وحلّـت النصب التذكارية محلّ أقواس النصر في معظم الأحوال. لقد وصل تاريخ الحروب إلى مرحلة “رمادية”.

إن نظرية جديدة حول نتائج الحروب على وشك أن تتبلور، فالتقييمات الحالية للأوضاع العسكرية في كل مسارح العمليات المشتعلة، بما فيها ساحات الصِّـدام الداخلية، كلبنان وفلسطين، تشير إلى أنه لم تحدث انتصارات في أي حالة.

فهناك فقط مستويات من الهزائم أو حالات من اللا نصر واللا هزيمة (على غِـرار حالة اللا حرب واللا سلم التي سيطرت على الشرق الأوسط في فترات سابقة)، وحتى في الحالة التي يبدو فيها أن طرفا ما قد حقق بعض أهدافه، عادة ما يكون الثمن كبيرا بدرجة تجعله غير قادر على الاحتفال بالنصر المفترض.

ماذا حدث بالضبط؟

هذه المعضلة، يعرفها كل شخص في المنطقة العربية جيِّـدا، فقد تابع الجميع تعقيداتها خلال عدّة عقود امتدّت منذ عام 1948 حتى عام 2006 عبر سلسلة من الحروب العربية الإسرائيلية، التي انتهت بأوضاع مختلفة وتم تحليل أو “تسويق” نتائجها بأشكال معدّلة تتضمّـن قدرا من الواقع وقدرا من الخِـداع، لتُـسيطر الأفكار الرمادية على الأذهان لفترة طويلة، قبل أن يبدأ المواطن العادي في التساؤل – وِفق ما يتيسّـر له من معلومات – عمّـا جرى بالضبط.

إن أحدا في المشرق لم يجرُؤ على التلاعُـب بالمفاهيم فيما يتعلق بحرب 1948، فقد كانت الهزيمة ساحقة بدرجة لا تُـتيح سوى تسميتها بـ “النّـكبة”، فقد فشلت الجُـيوش الافتراضية لسبع دول عربية في تحقيق أهدافها، وتمكّـنت القوات الإسرائيلية من فَـرض التقسيم وإقامة الدولة وتم الاعتراف بهذا الوضع، عمليا، وشغل المحلِّـلون العرب فقط في تفسير ما جرى.

في حرب السويس عام 1956، بدأت المشكلة بالحديث عن هزيمة عسكرية وانتصار سياسي، وهو نموذج “الانتصار”، الذي سيطر فيما بعد على أذهان كثير من القيادات العربية، كنتيجة مقبولة للحروب، وأدّى إلى مآسي في بعض الأحيان (كما حدث للعراق عام 1991)، وارتباكات في أحيان أخرى ظلت قائمة حتى عام 2006.

كان عام 1967 فاصلا أيضا من زاوية المفاهيم، فقد كانت هناك هزيمة ساحقة لعدة جيوش عربية، سُـميت في وقتها “نكسة”، وقيل إن هناك فارقا بين الحرب والمعركة أو بين الهزيمة العسكرية والاعتراف السياسي بنتائجها، وتضمّـن ذلك – رغم قسوته – جزءً من الحقيقة، لكن المهم أنه في ذلك الوقت، ظهر مفهوم “الصمود”، وكأنه حل سحري للمشكلة، فمجرد أن تبقى وتحاول، يمثل انتصارا أو”لا هزيمة” نهائية.

حرب أكتوبر 1973، كانت انتصارا عربيا بكل المقاييس، فقد غيّـرت الحقائق على الأرض بصورة نهائية، لكن نهايتها كانت مربِـكة أيضا بصورة جعلتها أشبّـه بالمباريات التي تنتهي بنتيجة 3 – 1 مثلا، وكان الدرس واضحا، وهو أنه لا يوجد انتصارا ساحق أو هزيمة مروِّعة.

وأكّـدت حرب لبنان عام 1982 هذا المعنى لإسرائيل أيضا، إذ وضح أن هناك حدودا للقوة، عندما تستخدم لتحقيق أهداف غير واقعية، ووصلت المشكلة إلى مداها في حرب لبنان عام 2006، إذ انتهت دون أن يتّـضح، من الذي انتصر ومن الذي هزم فيها.

صِـدام المتطرِّفين

كان من المتصوّر أن القوى الممثلة، لما يسمى تقليديا “الغرب”، في أوروبا والولايات المتحدة، قد استوعبت دروس التاريخ بأكثر ممّـا بدا مع بداية القرن الحادي والعشرين. فقد كان قد استقَـر أن المفاهيم التقليدية للنّـصر والهزيمة، تنتمي للقرن التاسع عشر وصولا إلى مُـنتصف القرن العشرين، عندما انتهت الحرب العالمية الثانية باستسلام كامل لليابان وألمانيا، بعد أن دُمّـرت الدولتين.

كانت الحروب التالية تشير إلى حقائق جديدة، تتعلق بالنصر والهزيمة، فقد أصبحت الحرب الباردة، وليس المواجهات العسكرية المباشرة، هي العنوان الرئيسي للنظام الدولي، وخمّـدت الحرب الكُـورية في الخمسينات بالتقسيم، وانتهت أزمة الصواريخ الكوبية في الستينات بحل وسط، وواجهت الولايات المتحدة في السبعينات حالة هزيمة في فيتنام، وانتهى الصِّـراع الدولي مع الإتحاد السوفياتي، بما أسماه الرئيس الأمريكي نيكسن، نصرٌ بلا حرب.

كانت كُـل الكُـتب الدراسية قد أصبحت ترصد بثقة شديدة حقائق العالم الجديد، فاستخدام القوة المسلحة هو خيار أخير، بعد أن يتم إتِّـباع كل الوسائل الأخرى، ويُـمكن لأية دولة أن تُـقرر شنّ الحرب، لكن لن يمكنها أن تنهيها، والحرب أخطر من أن تُـترك للجنرالات وما إلى ذلك من الأقوال التي كانت تحذِّر من “استسهال” استخدام القوة العسكرية، والتي ارتبطت بتقييد قُـدرة قيادات الدول على شنّ الحرب، وتولّـي شخصيات مدنية مناصب وزراء الدفاع، قبل أن تسيطر حالة من التطرف الشديد على العلاقات الدولية.

لقد ظهرت فئة من المحافظين “الجدد”، التي تتصوَّر – في إطار تصورات بسيطة – أنّ استخدام القوة العسكرية بأشكال أولية، عنيفة وانفرادية ومتواصلة، يُـمكن أن يُـحقق “الانتصار” في مواجهة فِـئة من المتطرفين غير المَـرئيين، الذين يفكِّـرون بأساليب انتحارية، في ظل معتقدات لا تقل بساطة حول النصر أو الشهادة، وعاد العالم إلى العُـصور الوسطى.

خرج ولم يعد

إن نظرية “الحرب اللا متوازية”، التي سيطرت على توجّـهات القيادات الأمريكية بعد عام 2001، وتم في إطارها إرسال القوات المُـقاتلة إلى الخارج، كانت شديدة الدقّـّـة في وصف طبيعة الحرب، التي فجّـرتها هجمات 11 سبتمبر 2001، لكنها كانت معقّـدة بدرجة تُـتيح مجالا واسعا لسُـوء التقدير وأخطاء الحسابات وتدخّـلات السياسة، وتُـسيطر في إطارها حالة عدم يقين، بشأن مدى الحرب وأطرافها المحتملة ونهاياتها المفترضة.

كانت الجيوش قد اعتادت على العمل بطريقة الأعلام الزرقاء والأعلام الحمراء، فهناك قوات عَـدُوّة وقوات صديقة ومهام واضحة ومسارح محدّدة، لكن في ظل النظرية الجديدة، كانت ثمة جيوش حديثة تُـقاتل جيوش تقليدية وقوات نظامية تُـواجه ميليشيات مسلحة ومؤسسات أمنية تُـقاوم شبكات إرهابية في ظل قواعد اشتباك متباينة، وقد تعلّـمت الجيوش بعض تلك القواعد، لكنها كانت تفاجَـأ دائما بالجديد، فقد وجدت نفسها تتعامل مع حروب أهلية لم يتمكّـن أحد أبدا من قبل من حسمِـها.

لقد توالت الصَّـدمات في مواجهة الجيوش وظهرت مشكلات “ما بعد الحرب” وانهيار الدول والفوضى الأمنية والتمرّدات المسلحة والنفقات المالية وتلاعب الحلفاء وتدخّـلات المناوئين، وتحوّلت فِـكرة تحقيق النصر شيئا فشيئا باتِّـجاه مفهوم محايد، هو تحقيق الأهداف أو إنجاز المهمة، ثم تقلّـصت تلك التوجّـهات إلى إستراتيجية حدٍّ أدنى لتقليص الخسائر.

المشكلة، أنه لم يبدُ أبداً أن العودة إلى خطوط ما قبل إطلاق النار عام 2001 مُـمكنة بدون ثمن سياسي أضخم من أن يُـحتمل، ووجدت القيادات السياسية نفسها في مأزق حقيقي، خاصة في ظل الصِّـراعات السياسية في الداخل. فالاستمرار في الحرب يُـواجه مشكلة، وسحب القوات يؤدِّى إلى كارثة، وأصبحت المهمة الأخيرة أو الحل الوسط في كل الحالات، هي استعادة الاستقرار الأمني في ظل خلافات شديدة حول كيفية تحقيق ذلك.

خيارات سيِّـئة

إن التوجه الحالي في إدارة الحروب، هو أن أحدا لم يعُـد يأمل في النصر، خاصة بعد أن ظهر أنه لا توجد عمليا تلك “الخطة ب”، التي كان يُـفترض أنها موجودة دائما، إذ استوعبت قيادات كثير من الدول الغربية دروس التدخلات الحادة على نحو ما توضِّـحه، على الأقل، مجموعات العمل التي تشكل لدراسة مشكلة ما أو الأبحاث التي تجريها مراكز التفكير أو الضغوط التي تُـمارس بين سلطات الدول أو التّـصريحات الصّـادرة عن المسؤولين أو مواقِـف الرأي العام العِـقابية، إزاء القيادات العليا.

لقد تجمّـدت القضايا الكُـبرى الخاصة بشنّ حروب جديدة أو إصلاح النّـظم السياسية، وتشير التفاصيل الصغيرة لما يجري في العراق وأفغانستان والصومال والسودان، إلى حدوث تغييرات هامة، فالضغوط السياسية مقابل الضغوط العسكرية، أصبحت ملحوظة وتحوّلت السياسات من الإستراتيجية إلى التكتيك، وفى ظل التكتيكات، تُـصبح كل الاحتمالات ممكنة.

إن التوجّـهات الحالية في إدارة الصِّـراعات، التي لم يعد من الممكن الانسحاب منها، هي أن الدول تُـواجه بدائل سيِّـئة في كل الأحوال، وعليها الاختيار بين السيئ والأسوأ، وقد تمّ اختيار السيئ، وهو الاستمرار في الإبقاء على القوات في مسارح العمليات، التي ذهبت إليها مع مُـحاولة تحقيق مهامٍّ محدّدة، يلعب قادة عسكريون محترفون دورا كبيرا في تحديدها، بعيدا عن أوهام الأيديولوجيين القدامى، التي لا تزال جُـيوب المقاومة المُـرتبطة بها قائمة.

المشكلة هي أن ظهور تلك “الواقعية الجديدة” لدى النُّـخب السياسية الغربية، قد تُـرافق مع وضع مثير في الشرق الأوسط، فقد بدا أن المعركة قد نقلت إلى المنطقة العربية، إذ بدأت مواجهة واسعة بين ما يسمى مِـحور المعتدلين والتيارات المتطرفة أو بين السُـنة والشيعة، وانعكس ذلك بعُـنف على علاقات الفرقاء في لبنان والعراق وفلسطين، لتنفجِـر المنطقة مرّة أخرى من الداخل – وليس بفعل غزو خارجي – هذه المرة.

صدمة إقليمية

لقد انتقلت الأفكار التقليدية للنصر والهزيمة إلى الساحة الإقليمية، وأدّت إلى مُـواجهات، تمّ خلالها تجاوز كل ما كان يُـعتقد يوما ما أنه “خطوط حمراء”، ممّـا أدّى إلى صدمة حقيقية في المنطقة، فالجميع يعرِفون معنى أن تصل التداعيات إلى حدِّ الحرب الأهلية في دولة كالعراق أو كانوا يتصوَّرون أن اللُّـبنانيين سيُـفكرون ألف مرة – في ظل خبرة الحرب الأهلية السابقة – قبل أن يقوم أحدهم بإطلاق الرصاص أو أن الدَّم الفلسطيني “حرام” بالفعل على الفصائل الفلسطينية، كما كان يقول عرفات.

إن العُـنف ليس هدفا في حدِّ ذاته، ومَـهما بلَـغت حالة عدَم العقلانية أو الانفلات التنظيمي لدى تلك الأطراف، فإن المتصوَّر هو أن كل منها يعتقِـد أن ما يقوم به يُـمكن أن يُـحقِّـق هدفا سياسيا ما، ولو كان مجرّد تأكيدِ القوة الذاتية أو اختبار قوة الآخر.

وإذا كان الأمر قد استغرَق ثلاث سنوات لتُـدرك القوى الدولية، التي تدخّـلت في شؤون المنطقة بشكل مُـباشر، أن إمكانية تحقيق “انتصار” غير متصوّرة في الشرق الأوسط، فإنه ستكون كارثة إذا كانت المسألة ستتطلّـب ثلاث سنوات أخرى لكي تُـدرك قوى الداخل في الإقليم، أن حروبها لن تُـسفر عن نتيجة وأن عليها هي الأخرى أن تختار التعامل مع “السيئ”، بدلا من مواجهة الأسوأ، فقد انتهى عصرُ الانتِـصارات.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

بغداد (رويترز) – أظهرت بيانات مسؤول بوزارة الداخلية يوم الخميس ان عدد القتلى المدنيين العراقيين في حوادث العنف السياسي بلغ مستوى مرتفعا جديدا في يناير.

وأظهرت الاحصائيات التي ينظر اليها على نطاق واسع على انها مؤشر لكنها سجلا جزئيا لقتلى العنف ان 1971 شخصا قتلوا نتيجة “للارهاب” في يناير، وهو رقم أعلى قليلا عن الرقم المرتفع السابق الذي بلغ 1930 شخصا في ديسمبر عام 2006.

واحصائيات مصدر وزارة الداخلية، يتم جمعها من وزارات مختلفة، وبينما هي ليست شاملة، فانها مؤشر على الاتجاهات التي تتسق مع بيانات المصادر الاخرى.

ووضعت الامم المتحدة التي تجمع البيانات من وزارة الصحة ومشرحة بغداد عدد القتلى المدنيين في ديسمبر كانون الاول عند 2914 بانخفاض عن 3462 في نوفمبر.

وجميع هذه الاحصائيات مثيرة للجدل في العراق. وأحدث عدد للقتلى قدمته الامم المتحدة وصفته الحكومة العراقية بأنه مبالغ فيه. ولا يقدم الجيش الامريكي مثل هذه الاحصائيات.

وتوقفت الحكومة العراقية التي تشعر بالاحباط لعدم قدرتها على السيطرة على العنف المتزايد عن نشر احصائيات.

ويشير رقم وزارة الداخلية الى الاشخاص الذين قتلوا في حوادث “الارهاب” وهي فئة ربما لا تشمل عشرات الجثث المجهولة التي يعثر عليها يوميا في بغداد كثير منها ضحايا لفرق الاعدام الطائفية.

واحصائيات يناير كانون الثاني تضع عدد المسلحين الذين قتلوا عند 590 وهو أعلى معدل على مدى عام على الاقل. ويشمل هذ الرقم معركة شرسة بين قوات الامن وجماعة مجهولة في مدينة النجف يوم الاحد قالت الحكومة ان نحو 260 مسلحا قتلوا فيها.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 فبراير 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية