مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشركات السويسرية تراقب باهتمام سير المفاوضات بين برن وطرابلس

صورة التقطت يوم 11 يونيو 2009 لمصفاة النفط التابعة لشركة تامويل Tamoil لتوزيع النفط ومشتقاته Keystone

مع بداية انفراج الأزمة الدبلوماسية بين ليبيا وسويسرا، بدأ الحديث من جديد عن مستقبل التعاون الإقتصادي والمبادلات التجارية بين برن وطرابلس، لكن عملية معالجة الأضرار التي لحقت ببعض الشركات السويسرية قد تستغرق وقتا أطول مما يعتقد البعض.

وترى رابطة الشركات السويسرية EconomieSuisse أن الإتفاق الذي توصل إليه البلدان يوم 13 يونيو 2010 يفتح الباب بوجه المؤسسات السويسرية من جديد للعودة بقوة إلى السوق الليبية.

هذا التفاؤل له ما يبرره، فالأزمة الدبلوماسية التي استمرت قرابة السنتيْن أدت إلى تراجع كبير في حجم المبادلات التجارية مع الشريك الاقتصادي الأوّل للكنفدرالية على المستوى الإفريقي، وأضرت بنسب مختلفة بحوالي 60 شركة سويسرية مستثمرة أو ناشطة في ليبيا، كما كلفت الإقتصاد السويسري خسائر تقدّر بمئات الملايين من الفرنكات.

لكن إلياس عطية، المستشار في مجال الأعمال، والرئيس السابق للغرفة التجارية العربية السويسرية، يعتقد أن تطبيع العلاقات التجارية بين البلديْن سوف يتطلب المزيد من العمل الدبلوماسي والتقارب السياسي.

أزمة أم إعصار

منذ يوليو 2008، وجدت الشركات السويسرية نفسها في كابوس أسود، حيث تعرض الكثير من موظفيها، وفي غفلة من وسائل الإعلام المحلية والدولية، إلى الإعتقال، واقتحمت مفرزات الأمن الليبي مقارها، وأغلقتها بالشمع الأحمر، وألغيت عقود تجارية من دون سابق إعلام أو تفسير مقنع، وتم تجميد الحسابات المصرفية.

المثال الحي على ما عانته الشركات السويسرية العاملة في ليبيا ما تعرضت له شركة Stucky SA المتخصصة في بناء الجسور والسدود، حيث صرح مديرها ميغال شتوكي للقناة الفرنسية بالتلفزيون السويسري TSR يوم الثلاثاء 15 يونيو: “قرر الليبيون بين يوم وليلة غلق أو تجميد أنشطة الشركات السويسرية في بلادهم، وفقدت شخصيا كل شيء، وتوقف العمل في جميع مشروعاتنا، واضطررت في الأخير إلى التفويت في كل شيء لمستثمر فرنسي”.

وفي سنة 2009، تراجعت الواردات السويسرية من ليبيا بنسبة 78% لتستقر عند حدود 718 مليون فرنك، وأغلب هذه الواردات أو جلها تقريبا من النفط ومشتقاته. كذلك انهارت الصادرات السويسرية إلى الجماهيرية التي بلغت قيمتها 282 مليون فرنك سنة 2008 لتصل إلى 156 مليون فرنك سنة 2009، ثم إلى أقل من 34 مليون فرنك في الأشهر الأولى من العام الجاري. وبالجملة، تجاوزت نسبة هذا التراجع 88% منذ اندلاع الأزمة الدبلوماسية بين البلديْن في منتصف يوليو 2008.

ويشير سيباستيان دوبري، الخبير الإقتصادي بالإدارة الفدرالية للجمارك إلى أن “قطاعات مثل الأجهزة الميكانيكية، والمنتجات الإلكترونية والأجهزة الدقيقة، بالإضافة إلى الساعات والمجوهرات كانت من أكثر القطاعات تضررا من هذه الأزمة”.

الشركات الكبرى حافظت على إستثماراتها

رغم هذه النسب والأرقام السلبية، تؤكد مصادر العديد من الشركات السويسرية الكبرى العاملة في ليبيا محدودية التأثيرات التي تركتها الأزمة الدبلوماسية عليها، وتفضل تعليل الهبوط المسجل في أرباحها إلى الأزمة الاقتصادية العالمية بدلا من العوامل السياسية.

وتقول بياتريس هوالد، الناطقة بإسم شركة سواتش، الأولى عالميا في مجال صناعة الساعات: “كانت مبيعاتنا في ليبيا قليلة في السنة الماضية، لكن أنشطتنا لم تتأثر بشكل مباشر بالأزمة الدبلوماسية بين البلديْن”. كذلك هو الحال بالنسبة لنيستلي، الشركة العملاقة للصناعات الغذائية، والتي يوجد مقرها الرئيسي بسويسرا، وتدير أعمالها في ليبيا انطلاقا من جارتها مصر منذ ان أغلقت السلطات الليبية مقرها بطرابلس منتصف 2008. وفي تصريحات نشرتها صحيفة “لوتون” في سبتمبر 2009، قال فرحات سوجينيس، الناطق باسم الشركة: “لم تتأثر مبيعات منتجات نستلي في ليبيا بالأزمة السياسية بين البلديْن”.

وبدورها تنفي شركة “روش” للأدوية والرعاية الصحية أن يكون قد طرأ طارئ على علاقاتها مع ليبيا، أو أن يكون قد حدث تغيير على حجم مبيعاتها هناك.

بل إن شركة ABB المستثمرة في مجال الطاقة والإنشاءات والأجهزة الكهربائية، والتي كان أحد موظفيها، ماكس غولدي، محتجزا لدى السلطات الليبية، في ما بدا أنها عملية انتقامية ردا على اعتقال نجل الزعيم الليبي بجنيف، قد تابعت إنجاز مشروعاتها في ليبيا، وكأن شيئا لم يحدث.

وأوضح فولفرام إيبرهارد، الناطق بإسم هذه الشركة المصنعة للمحوّلات الكهربائية عقب إطلاق سراح غولدي: “سوف ننتظر بعض الأسابيع قبل أن نقرر بشأن مستقبل أعمالنا في ليبيا”. وللمفارقة، حققت هذه الشركة خلال أوج الأزمة الدبلوماسية بين البلديْن أرباحا تجاوزت 30 مليون دولار، رغم أن هذا المبلغ لا يمثّل سوى 1% من إجمالي رقم مبيعاتها في العالم.

الإلتفاف على الأزمة

ترى كيف استطاعت هذه الشركات السويسرية مواصلة أنشطتها الاستثمارية في ليبيا في ظل العمليات الإنتقامية التي قادتها جهات متنفذة في طرابلس ضد المصالح السويسرية؟ يكمن الجواب ببساطة في أن الشركات الأم التي يوجد مقرها عادة في سويسرا منحت عقود العمل التي كانت بحوزتها إلى فروعها في الخارج.

هذا ما فعلته شركة ABB، وروش، الممثلة في ليبيا بواسطة شركة Tripolis Pharmas، أو شركة Sulzer المتخصصة في صناعة الآلات والأجهزة، والتي تمثلها شركة Zahri Montasser& Sons ، في حين فضلت بعض الشركات الأخرى نقل مكاتبها إلى البلدان المجاورة لليبيا، كنيستلي التي واصلت عملها انطلاقا من مصر.

وينبع حرص الشركات السويسرية على عدم مغادرة السوق الليبية، من وعيها بأهمية هذه السوق في الحاضر والمستقبل، ويعتقد حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط أن “من مصلحة الشركات السويسرية الإبقاء على حضورها في ليبيا، لأن السوق الليبية مهمة الآن، وهي في المستقبل أهمّ”.

ويضيف هذا الخبير في شؤون المنطقة والعلاقات العربية السويسرية أنه “سوف تعلن ليبيا، وبفضل ما تراكم لديها من البترودولارات، عن جملة من المشاريع الكبرى في مجال البنى التحتية، كالطرقات والمطارات والموانئ وشبكات المياه والكهرباء، وسوف تخصص لهذه المشروعات 5 مليارات دولار في السنوات القليلة القادمة”.

الشركات الصغرى هي الضحية

في الوقت الذي تتجه فيه سويسرا وليبيا للعمل على إصلاح العطب الذي طرأ على علاقاتهما الثنائية، عبر تطبيق القرارات التي من المنتظر أن تصدر عن “هيئة التحكيم الدولية” (التي لم يُستكمل بعد تشكيلها)، والتي تنحصر مهمتها بحسب اتفاق 20 أغسطس 2009، في النظر في الملابسات التي أحاطت بتوقيف هانيبال القذافي في جنيف، بدأت التساؤلات تطرح حول الجهة التي يتوجب عليها جبر الأضرار التي لحقت بالشركات السويسرية العاملة في ليبيا، والشركات الصغرى والمتوسطة بوجه خاص.

ومن المرجّح أن يستغرق الجواب عن هذا السؤال وقتا طويلا نظرا للتعقيدات المحيطة به: فمن جهة، تربط بين ليبيا وسويسرا اتفاقية لحماية الاستثمارات في البلديْن وقّعها عن الجانب السويسري جوزيف دايس، وزير الاقتصاد السابق في 8 ديسمبر 2003، وبمقتضى هذه الإتفاقية “يمكن للشركات المتضررة المطالبة بالحصول على تعويضات من الحكومة الليبية، أو من الحكومة السويسرية”.

وفي تصريحات أدلى بها مؤخر إلى التلفزيون الروماندي (الناطق بالفرنسية)، ذكّـر موريو بوغيا، المحامي في جنيف أن “هذه الأزمة كانت بين حكومتيْن، والحكومة السويسرية ملزمة بالدفاع عن حقوق رعاياها، ومصالح شركاتها أمام هيئة التحكيم المقترحة”، لكن الاتفاق الثنائي الذي سمح بحصول اختراق على الجبهة الدبلوماسية يحصر مهمة الهيئة في البت في الظروف التي أحاطت باعتقال هانيبال القذافي فقط.

في هذه الحالة “تعتبر الحكومة السويسرية مخلة بحق الشركات المتضررة، بمقتضى القانون السويسري الداخلي، وبالتالي هي ملزمة بتقديم تعويضات للشركات الخاصة” المتضررة، بحسب المحامي بوغيا دائما.

من جهته، يخشى بيار لافيف، المحامي والخبير في القانون الدولي من طول الوقت الذي يستغرقه البت في مثل هذا النوع من القضايا، وبناء على تجربته الشخصية، قال في تصريحات للقناة الفرنسية بالتلفزيون السويسري: “سبق لي ان كنت وكيلا عن شركة بريطانية ألغي عقدها بشكل غير قانوني من طرف إحدى الحكومات، وقد استغرق صدور الحكم 14 سنة”.

ينتظر الشركات السويسرية المتضررة من هذه الأزمة إذن خوض معركة قضائية طويلة، لكن الخشية هو أن يؤدي هذا الخلاف إلى تقليص حظوظها في الفوز بعقود استثمارية جديدة في السوق الليبية الواعدة ، وهذا ما سيدفع – على الأرجح – السلطات السويسرية إلى التكفل بتحمل تكاليف جبر تلك الأضرار.

أما التطبيع الكامل للعلاقات الدبلوماسية والتجارية السويسرية الليبية، فهذا أمر مرهون بحسب تصريح أدلى به إلياس عطية، الرئيس السابق للغرفة التجارية العربية السويسرية (مقرها جنيف) إلى swissinfo.ch بـ “حصول اتفاق بين البلديْن حول تشكيل هيئة التحكيم الدولية ومدى تعاون الطرفيْن معها”.

عبد الحفيظ العبدلي – برن – swissinfo.ch

تراجع حجم الصادرات السويسرية إلى ليبيا من 282.3 مليون فرنك سنة 2008 إلى 156.2 مليون سنة 2009، ثم إلى 34 مليون سنة 2010.

تراجع حجم الواردات السويسرية من ليبيا من 3.324.9 مليار فرنك سنة 2008 إلى 717.6 مليون فرنك سنة 2009، لتصل في الأشهر الأولى من 2010 إلى 243 مليون فرنك فقط.

تشكلت غالبية الواردات السويسرية من ليبيا من النفط ومشتقاته، ومثل ذلك قرابة 99% من حجم الواردات، بقيمة 3.321.2 مليار فرنك سنة 2008 مقابل 0.3% لأجهزة كهربائية وآلات غير إلكترونية.

تشكلت غالبية الصادرات السويسرية إلى ليبيا من الآلات والأجهزة الإلكترونية والتقنيات الدقيقة، والأدوية والساعات والمجوهرات. ونجد مثلا سنة 2008 أن 40.3% (67.1 مليون فرنك) من هذه الصادرات كانت أدوية ومواد للرعاية الصحية، و28.3% من التجهيزات الزراعية (14.7 مليون فرنك).

يوافق الطرفان على إنشاء هيئة للتحكيم، تتكون من 3 محكِّـمين.

يتحدد اختصاص هيئة التحكيم بالنظر في الواقعة (اعتقال هانيبال القذافي) وملابساتها، ويشمل على الأخص:

1. الإطِّـلاع على جميع الأدلة التي يقدمها الأطراف أو تطلبها الهيئة، بما في ذلك الوثائق والتسجيلات الصوتية وشهادة الشهود وأعمال لجنة التحقيق المستقلة (أنشأها الطرفان بموجب مذكِّـرة التفاهم الموقعة في 15 أغسطس 2008).

2. تحديد الأفعال التي قام بها أعضاء من شرطة جنيف ومسؤولين سويسريين آخرين، ذات العلاقة بالحادثة.

3. النظر في طلبات تفسير القرارات التي قد يقدِّمها الأطراف.

تُـطبِّـق الهيئة في أعمالها القوانين الدولية ذات العلاقة والمعاهدات الدولية والعرف الدولي، وكذلك الممارسات العامة، المقبولة أو المعترف بها كأدلة، وكذلك المبادئ العامة للقانون والمجاملة، المتعارف عليها بين الأمم المتحضِّـرة.

يتقاسم الأطراف بالتساوي، مصاريف الهيئة التحكيمية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية