مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتصار الوسط.. تراجع الإستقطاب السياسي.. وبحث عن معادلات جديدة

لا حديث في العناوين الرئيسية والصفحات الأولى للصحف السويسرية الصادرة صباح الاثنين 24 أكتوبر، إلا عن نتائج الانتخابات الفدرالية. swissinfo.ch

اعتبرت الصحافة السويسرية الصادرة يوم الاثنين 24 أكتوبر، أن تراجُـع حزب الشعب السويسري في الإنتخابات العامة، يُـمثل منعرجا في الحياة السياسية في البلاد.

ولم يتردد بعض كتّـاب الافتتاحيات في اقول بأن تعزّز الوسط، سيؤدّي إلى إضعاف النظام السياسي وفرض ضغوط لم تكن متوقّـعة على انتخاب أعضاء الحكومة الفدرالية من طرف البرلمان الجديد يوم 14 ديسمبر القادم.

صحيفة 24 ساعة، الصادرة بالفرنسية في لوزان، اعتبرت أن سويسرا تدخل اليوم في “عهد جديد، يتّـسم بتعدّد الأقطاب وبالتردد”، ورأت أن حزب الشعب (يمين شعبوي) يدفع ثمن “نقص مصداقيته في الحكومات المحلية ودور المنتقد الدائم”.

من جهتها، كتبت صحيفة لوتون، الصادرة بالفرنسية في جنيف، أن حزب الشعب تعرّض لـ “ضربة مكبح مُوجعة”، واعتبرت أن “الحزب يعكِـس صورة يمين متشدِّد، في الوقت الذي يستبطِـن فيه البلد ضرورة العثور على حلول في الوسط، لمواجهة وضعية اقتصادية تزداد صعوبة وضبابية”.

من جهتها، ذهبت صحيفة لوماتان، الصادرة في لوزان بالفرنسية، إلى أن تراجُـع حزب الشعب السويسري، يعكِـس نوعا من الملل من طرف جزء من السويسريين، وخاصة تجاه خطاب، ذو اتجاه وحيد، يركِّـز على المسائل الأمنية.

في المقابل، رأت صحيفة لوكوتيديان جوراسيان (تصدر بالفرنسية في دوليمان)، أن حزب الشعب يخسِـر أكثر مما كسِـبه الحزب البورجوازي الديمقراطي، كما اعتبرت أن التصويت كشف أن تطلّـعات الرأي العام “بدأت في الابتِـعاد عن المخاوف البدائية، التي يُـلوِّح بها اليمين القومي”، لتتركّـز على الإنشغالات الحقيقية للناخبين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

قوّة الوسط

في الأثناء، اتّـضح أن إعادة التوزيع الحقيقي للأوراق، حدثت في وسط الخارطة السياسية، حيث شدّدت مُـعظم الصحف الصادرة بالفرنسية على الضربة التي تلقّـتها ظاهرة الإستقطاب (بين اليمين واليسار في سويسرا)، التي طبعت الحياة السياسية في الكنفدرالية منذ عشرة أعوام.

لاتريبون دو جنيف (تصدر بالفرنسية في جنيف) لم تتردّد في القول بأن الصعود القوي للحزب البورجوازي الديمقراطي وللخُـضر الليبراليين، “فجّـر وسط الخارطة السياسية”، وذهبت إلى أن هذا الإقبال الواسع (على الحزبين)، يعني أولا، أن السويسريين فقدوا الثقة في الأحزاب التقليدية.

أما صحيفة لاليبرتي، الصادرة بالفرنسية في فريبورغ، فقد لاحظت أن حجم وسط اليمين في البرلمان يزداد قوة “عبْـر تجميع انقساماته”، وترى أن هذا الإنشطار سيُـعتقّـد بلا شك عملية البحث عن أغلبيات برلمانية في المستقبل.

صدمة غيْـر مُـنتظرة

في السياق نفسه، ترى لوماتان، أن النجاح غير المتوقّـع للخُـضر الليبراليين وللحزب البورجوازي الديمقراطي، سيُحدِث صدمة كهربائية في أوساط الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي. وفي حين ذكّـرت 24 ساعة بأن رؤساء الأحزاب السياسية الأربعة الكبرى الذي أبدوا “شيئا من الإنزعاج وتصرفوا كخاسرين سيّـئين” بعد ظهور النتائج، اكتفوا بترديد بعض المقولات من قبيل “ظاهرة الصرعة العابرة” لتبرير قدوم الوافدين الجُـدد.

“لونوفيليست” (التي تصدر بالفرنسية في سيون)، لخّـصت الموقف بالإعلان أن “رياحا مُـنعشة تهبّ تحت قبّـة البرلمان”، واعتبرت أن نتيجة الانتخابات “لا تُـضعِـف حقيقة اليمين الفدرالي” وأن تفتّـت الوسط، سيُـعزّز عملية البحث عن التوافق والإجماع، بل أعربت عن التفاؤل بأن هذه الوضعية الجديدة “قد تُـشجِّـع على بروز شكل جديد من أشكال الوفاق”.

“الرافضون على الدوام”

الخيبة التي مُـني بها الخُـضر، مثّـلت مفاجأة أخرى في هذه لإانتخابات، حيث لاحظت لوتون و24 ساعة، أن المدافعين عن البيئة في سويسرا، لم يستفيدوا مما سُـمي “عامل فوكوشيما”، وشددت لوتون على أن مواقفهم المنتقدة على الدوام والمتميِّـزة بقدر كبير من الطهورية، لم تعُـد مُـقنعة في بلد يتقدّم بخطىً وئيدة على هذا الطريق. ومن الواضح أن جزءا لا بأس به من الناخبين المعنيين بقضايا البيئة، قد فضّـلوا التصويت لفائدة الخُـضر الليبراليين، الذين لا زال حضورهم الرئيسي مقتصِـرا على المناطق المتحدثة بالألمانية من البلاد.

في الصحافة الناطقة بالإيطالية، اهتمّت صحيفة كورييري ديل تيتشينو (تصدر في بيلينزونا) بدورها، بـهزيمة الخُـضر وعزت ذلك إلى “انحرافهم باتجاه مواقف قصوى”، كما لاحظت أن “الدفاع عن البيئة، لم يعُـد اختصاصا مقصورا عليهم”.

المعادلة السحرية الجديدة

الصحف السويسرية لم تتوقف عند تحليل نتائج الانتخابات البرلمانية، بل انتقلت (وخاصة في الأنحاء المتحدثة بالألمانية) إلى الحديث عن موعد 14 ديسمبر، تاريخ انتخاب أعضاء الحكومة الفدرالية من طرف التشكيلة الجديدة للبرلمان، حيث سيتوجّـب عليه العثور على توازن جديد لا يعكِـس التركيبة الحالية (مقعدان للاشتراكيين ومقعدان لليبيراليين الراديكاليين ومقعد واحد لكل من الديمقراطيين المسيحيين والحزب البورجوازي الديمقراطي وحزب الشعب).

صحيفة لوماتان أعلنت أن “المساومة الكُـبرى، ستبدأ”، فيما توقّـعت لاليبيرتي أن يتحوّل الأمر إلى “تمرين بهلواني”. في المقابل، يذهب معظم المعلّـقين إلى أن تطلع حزب الشعب السويسري إلى مقعد ثانٍ (خسره في عام 2007)، أمر مشروع، حيث يظل الحزب الأول في البلاد، رغم تراجعه المحدود، إلا أن صحيفة تاغس أنتسايغر، الناطقة بالألمانية، بادرت بالتحذير بأنه يتعيّـن عليه تقديم “مرشح توافقي ولا يكون مثيرا للمشاكل”.

من وجهة نظر صحيفتيْ بازلر تسايتونغ وبرنر تسايتونغ، فإن المعادلة المثالية قد تتمثل في مقعدين لليسار ومقعدين لليمين (حزب الشعب تحديدا) وثلاثة مقاعد للوسط. وفي هذا السياق، تؤكد الصحيفة الصادرة في بازل، أن أي تركيبة أخرى “لن تكون سوى مقايضة بين المجموعات ولا يُـمكن أن تُـسفِـر إلا عن نتائج مدمِّـرة”.

صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ، الصادرة في زيورخ بالألمانية، قامت بنفس الحِـسبة الرياضية، ومن وجهة نظرها، فإنه يحِـق للأحزاب المتموقِـعة ما بين الاشتراكيين وحزب الشعب، الحصول على ثلاثة مقاعد في الحكومة الفدرالية “طِـبقا للتوافُـق الحسابي”، لكن الصحيفة الرّصينة ترى أن وزن الحزب البورجوازي الديمقراطي، “وبالرغم من نجاحه المُـحترم، يظل ضعيفا جدا لممارسة الحكم”، وتُـذكِّـر بأن “ما هو مطلوب من الأحزاب أكبرُ من عدد المقاعد المتحصَّـل عليها في الحكومة”.

المزيد

المزيد

المعادلة السحرية

تم نشر هذا المحتوى على المعادلة السحرية تُـوّزِّع المقاعد السبعة للحكومة الفدرالية على الأحزاب السياسية الأربعة الرئيسية في البلاد، تبعا لقوتهم الانتخابية. المعادلة السحرية مجرّدُ عُـرف، إذ لا استند على أي نصٍّ قانوني. استُـعملت للمرة الأولى في عام 1959، وتم بمقتضاها منحُ مقعدين للحزب الاشتراكي ومقعدين للحزب الراديكالي (يمين) ومقعدين للحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين) ومقعدا واحدا لحزب الشعب السويسرية…

طالع المزيدالمعادلة السحرية

حزب الشعب. بحصوله على 26،6% بقِـي اليمين المحافظ والشعبوي بعيدا عن الوصول إلى 30%، وهو الهدف الذي رسمه قادة الحزب في بداية الحملة الانتخابية، مع ذلك، يظل الحزب الأول في البلاد بحصوله على 54 مقعدا في مجلس النواب، أي أنه خسِـر 8 مقاعد مقارنة بعام 2007، وهي المرة الأولى التي يتراجع فيها منذ انطلاق مسيرته المظفرة عام 1991.

وسط اليمين. تعزّز، لكنه تفتّـت. فقد تمكّـن الخُـضر الليبراليون والحزب البورجوازي الديمقراطي من الظفر مجتمعيْـن بـ 21 مقعدا وبأكثر من 10% من أصوات الناخبين. في الأثناء، واصل الحزب الديمقراطي المسيحي تراجُـعه وخسِـر 3 مقاعد. أما الحزب الليبرالي الراديكالي، الذي أشارت التكهنات إلى احتمال تكبُّـده خسارة كبيرة، فقد اكتفى بفِـقدان 5 مقاعد ولم يعُـد يتوفّـر إلا على 30 مقعدا.

اليسار. بقـي الحزب الاشتراكي مستقِـرا، حيث تحصّـل على 46 مقعدا (بزيادة 3 مقاعد) وعلى 18،7% من أصوات الناخبين. أما الخُـضر، فقد خسِـروا 5 نواب ليقتصر عدد ممثليهم في مجلس النواب على 13، في حين تراجعت نسبة الناخبين الذين صوّتوا لهم إلى 8% (مقابل 9،6% قبل أربعة أعوام).

مجلس الشيوخ. لا زالت النتائج غير نهائية، حيث لم تسمح النتائج المُـعلن عنها يوم الأحد 23 أكتوبر إلا بتحديد أسماء الفائزين بـ 27 مقعدا من بين 46. في المقابل، سيحسِـم الدور الثاني، الذي ينظم على فترات متباعدة تُـختتم يوم 4 ديسمبر، النتيجة النهائية للمقاعد الـ 19 المتبقية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية