مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تزايد مخاطر “لبننة” الصراع في سوريا

قذيفة ار بي جي لم تنفجر تم العثور عليها في قرية قورين في أعقاب هجوم شنه الجيش السوري عليها يوم 22 فبراير 2012 Timo Vogt/Bildrand

مع مرور الأشهر، يزداد تدخّل القوى الإقليمية في الشرق الأوسط أكثر فأكثر في النزاع الدائر بين الأطراف السورية، تماما مثلما كان الحال في لبنان قبل 30 سنة.

وفي الوقت نفسه، يظل المجتمع الدولي منقسما على نفسه وعاجزا، رغم أن خطة أنان والتحركات التي يجريها في المنطقة يمكن أن تسفر حسب البعض عن بعض المفاجآت.

في الأثناء، تُظهر مجزرة الحُولة (قرب حمص) مرّة أخرى، أن أعمال العنف البشعة التي تُـرتكب حاليا على الأراضي السورية – ولا تزال – من فعل النظام السوري ومليشياته المسلحة، التي لا تتورّع عن قمع انتفاضة شعبية والتنكيل بعناصر معارضة ضعيفة التسليح. في الوقت نفسه لا يتوقّف الرئيس السوري بشار الأسد، ومنذ اندلاع الإنتفاضة الشعبية ضده في مارس 2011، عن الإدّعاء بأن بلاده ضحيّة “أعمال ارهابية مدعومة من الخارج”.

ومع ذلك، فإن هذا الصراع الدموي بين شعب تائق إلى الحرية وحاكم مستبدّ متعطّش للسلطة، ليس بمنأى عن تدخّل القوى الإقليمية، على الأقل بحسب رأي ايف بيسّون، سفير سويسرا الأسبق في لبنان، الذي عمل في عدة عواصم عربية في الفترة المتراوحة بين 1971 و1982، ولا زال على ارتباط بالمنطقة بصفته الأكاديمية هذه المرة.

إيف بيسون يُلفت الأنظار إلى أوجه الشبه بين الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990)، والأزمة المتفاقمة حاليا في سوريا، ويقول: “مثلما كان لبنان مسرحا لتصفية حسابات ونزاعات عربية، أصبحت سوريا اليوم مسرحا لنزاع أشمل في المنطقة”. ويوضّح ذلك فيقول: “هناك مؤشرات كثيرة تدفع المرء إلى الإعتقاد، أن التيار الإسلامي المتشدّد، المدعوم من  المملكة العربية السعودية، يدفع الأمور إلى المصادمة وإلى الحرب الأهلية. في المقابل، نجد في سوريا كذلك عناصر من حرس الثورة الإيرانية وأصبحت قاعدتهم الخلفية حاليا في العراق”.  

وفي الواقع، تدور خلف كواليس الأزمة السورية، مُواجهة مفتوحة وحرب إرادات بين إيران وسوريا وحزب الله في لبنان من جهة، وبين بلدان الخليج، بقيادة قطر والمملكة العربية السعودية، من جهة أخرى.

السُـنّة في مواجهة الشيعة

في السياق نفسه، يلاحظ إيف بيسون أن “كثيرا من المراقبين لا يعترفون بأهميّة البُـعد الديني في التوترات القائمة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن التعارض بين الشيعة والسُـنّة لم يختف حتى بعد قيام الإنتفاضات الشعبية في عدة بلدان عربية، وظل في حالة كمون وضمور في أغلب الأحيان. وما العنف المسلّط على الإنتفاضة الشعبية في البحرين، إلا دليل واضح على ذلك”.

وبالفعل، أدى سقوط نظام صدّام حسين في العراق على يد الأمريكيين والبريطانيين إلى تعزيز قوّة إيران، الجار الشيعي، مما أحيا المخاوف لدى الملكيات السُـنية في الشرق الأوسط. وتتركّـز هذه المخاوف والتوتّرات اليوم حول رغبة إيران الجامحة في صنع قنبلة ذرية.

وعندما يتعلّق بمستقبل النظام السوري، يتسم الأمر بقدر لا بأس به من التعقيد نظرا لأن جزءً كبيرا من الطائفة العلوية الحاكمة في سوريا هم من الشيعة، كما أن إسقاط هذا النظام سيؤثّر حتما على التوازن الإقليمي بين الطائفتيْن.

في الأثناء، يُذكّر إيف بيسون بأن غالبية المدن السورية المتمرّدة على النظام الرسمي والتي تتعرّض إلى قمع لا هوادة فيه، هي مدن سُـنيّة ويضيف: “الأقليات في سوريا ينتابها خوف وقلق من هذا الصدام بين الشيعة والسُـنة. ويخشى أرمن الشمال تعرّضهم إلى التهجير من جديد”. أما أكثر الفئات عرضة للخطر، فهم المسيحيون الذين يوجدون تحت حماية نظام الأسد، ولكنهم محرومون من أي دعم خارجي. كما أن الكثير من مسيحيي العراق لاجئون في ضواحي دمشق منذ سقوط نظام صدام حسين”.

تهدئة الحرب الأهلية أو مضاعفتها

التدخّل العسكري ضد نظام بشّار الأسد، وهو الخيار الذي كثُـر اللغط بشأنه أخيرا، يمكن أن يقود إلى نزاع من المحتمل أن يشمل المنطقة برمتها ويدخلها في دوامة من العنف لا يمكن التنبؤ بعواقبها.

هذا الخوف يعبّر عنه مارسيلو كوهين، الخبير بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، الذي يقول في حديث إلى swissinfo.ch: “في مواجهة الفظائع التي ارتكبها النظام السوري، من السهل جدا القول بأن الرأي العام مستعدّ لاستخدام القوة ضد بشار الأسد، ولكن علينا ان نفكّر في الآثار الممكن ترتّبها عن استخدام القوة، سواء عبر التدخّل المباشر أو عبر الدعم العسكري للمتمرّدين”.

ويخلص هذا الخبير الجامعي إلى أنه “منذ نهاية الحرب الباردة، تمّ تأسيس شرعية استخدام القوة على الصعيد الدولي. والآن، فإن تبعات ذلك ظاهرة للعيان في كل من العراق وأفغانستان وليبيا، وهي تفيد بأن استخدام القوة لا يحلّ دائما وبالضرورة كل المشاكل، بل قد ينجرّ عنه ما لا يُحمد عقباه”.

“مسؤولية توفير الحماية”

يستدعي أنصار الخيار العسكري، مبدأ “مسؤولية توفير الحماية”، وهو مبدأ اعتمدته الأمم المتحدة في عام 2005 لتمكين المجتمع الدولي من التدخّل في حالات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. ويوضّح مارسيلّو كوهين كيف “تولّدت عن هذا المبدأ آمال مُـبالغ فيها، لكنه لم يأت بأي شيء جديد حول اللجوء إلى القوة، كما نصّ على ذلك ميثاق الأمم المتحدة”.

يبقى إذن الخيار الدبلوماسي وخطة كوفي أنان للسلام، المكوّنة من 6 نقاط، وهي خطّة يعتقد كثير من المراقبين أنها “وُلِـدت ميّتة، لأنها فشلت في حمل نظام دمشق على احترام ما جاء فيها”.

أما بالنسبة لإيف بيسون، تبقى مبادرة كوفي أنان حَـريّة بالإهتمام حيث أن “هذه المبادرة مفيدة على المستويين، السياسي والدبلوماسي، وهي التنازل الوحيد الذي قبِـل به نظام بشار الأسد، على الرغم من إدراكه التام لقدرته على جعله غير قابل للتنفيذ. ولن يسحب المجتمع الدولي هذه المبادرة، على الرغم من إدراكه محدودية جدوى هذه الخطة، لكن هذه المبادرة بالإمكان ان تكون أساسا للبناء عليها في المستقبل”.

البديل عن الحرب

من جهته، ينضمّ مارسيلو كوهين إلى الرأي القائل بأن “هذه الأزمة قد تسمح للمجتمع الدولي بإيجاد صيغ مبتكرة لحل النزاعات داخل البلد الواحد من دون اللجوء إلى القوة”. وفي الأثناء يُلاحظ أن الأدوات المتاحة للأمم المتحدة (العقوبات، بعثة المراقبين، المحاكم الدولية)، هي بصدد الإعمال والتنفيذ، ومن السابق لأوانه تقييم جدواها.

ومع أنه من المهمّ بالنسبة للمجتمع الدولي، حسن الإستخدام والتصرّف في هذه الأدوات، إلا أن الأمل المرجو، هو تحقيق أكثر ما يمكن من النتائج بأقل التكاليف الممكنة على المستويين المادي والبشري.

وكيفما كان الحال، يظل موقف روسيا، الحليف الإستراتيجي لدمشق، بالغ الأهمية. هذا هو على الأقل ما يراه إيف بيسّون الذي يؤكد أن “مفتاح الحل بيد روسيا، وليس في أي بلد آخر، وهذا ما لم تستطع واشنطن الإعتراف به. وكل هذا الذي يُقال عن التعاطف الإنساني مع ضحايا هذا النزاع، يُخفي في طياته صراع  قوى دولية، طرفاه، البلدان الغربية من جهة، وروسيا والصين من الجهة الأخرى”.

خلال الأسابيع الماضية، قامت سويسرا بتجميد اصولا مالية تقدّر ب20 مليون فرنك تعود ملكيتها إلى مقرّبين من عائلة الرئيس السوري بشار الأسد.

هكذا يصل المبلغ الإجمالي للأموال السورية المجمّدة في البنوك السويسرية إلى 70 مليون فرنك.

قررت الحكومة السويسرية منذ اندلاع الإنتفاضة في سوريا، وتحديدا منذ مايو 2011، فرض عقوبات على رموز النظام السوري بدءً بالرئيس وحاشيته والعديد من الوزراء، ورجال الأعمال.

تم توسعة هذه العقوبات عدة مرات لاحقا، ويوجد اليوم على قائمة العقوبات السويسرية 12 إسما من كبار رموز النظام السوري.

(المصدر: وكالة الانباء السويسرية)

 طالب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي عقد جلسته الخاصة بمتابعة اوضاع حقوق الإنسان في سوريا يوم 1 يونيو الماضي، طالب بفتح تحقيق شامل ومستقل بشان مجزرة الحولة التي ذهب ضحيتها 108 قتيلا من بينهم 49 طفلا، لتحديد المسؤول عن هذه المذبحة المروّعة.

 اعتمد ذلك القرار بأغلبية 41 صوتا، ورفض ثلاثة دول (روسيا والصين وكوبا)، وامتناع عضويْن عن التصويت.

 يدعو النص أيضا إلى التطبيق الفوري والكامل لخطة السلام التي وضعها كوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الخاص إلى سوريا.

 خلال هذه الدورة الاستثنائية الرابعة التي تخصص إلى سوريا منذ اندلاع التمرّد، قال ألكسندر فازل، سفير سويسرا، على وجه الخصوص:

“إن المسؤولين على الجرائم المرتكبة في سوريا، سواء كانوا الموجهين للأوامر أو المنفذين، وسواء كانوا موالين للنظام أو معارضين، يجب أن يعلموا أنهم سيحاسبون على اعمالهم أمام العدالة”.

“ولذلك، طلبت سويسرا من مجلس الأمن إحالة هذا الملف فورا إلى المحكمة الجنائية الدولية”.

المصدر:swissinfo.ch والوكالات

(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية