مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كيف تتأثّر الشركات السويسرية بتقييد الاتّحاد الأوروبي لسلاسل التوريد؟

عمل الأطفال
يعمل 3 ملايين طفل وطفلة بنظام السخرة بحسب منظمة العمل الدولية KEYSTONE/Copyright 2020 The Associated Press. All rights reserved.


اعتمد البرلمان الأوروبي قانونين جديدين، لكبح جماح الشركات، وثنيها عن انتهاكات حقوق الإنسان، في سلاسل التوريد العالمية. وسيكون لذلك، آثار بعيدة المدى على كبريات الشركات، في سويسرا.

وافق البرلمان الأوروبي أواخر شهر أبريل الماضي، وبعد سنوات من النقاش، على دعم قانونين جديدين يفرضان التزامات على الشركات، من أجل التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في سلاسل التوريد الخاصة بها. وقد أعطى البرلمان في 23 أبريل، الضوء الأخضر لقواعدرابط خارجي جديدة، من شأنها حظر تصدير أو استيراد المنتجات من الاتحاد الأوروبي، إذا تم تصنيعها باستخدام العمالة بنظام السخرة.

وفقًا لمنظمة العمل الدولية، فإن العمل القسري هو كل عمل أو خدمة يؤديها الشخص، رجلا كان أم امرأة، تحت التهديد بعقوبة، ولم تكن بمبادرة شخصية منه أو منها.

وقد اعتمد البرلمانيون.ات الأوروبيون.ات بعد يوم واحد، تشريعاترابط خارجي شاملة، تلزم الشركات ليس فقط بتحديد حقوق الإنسان والمخاطر البيئية، بل وأيضاً باتخاذ التدابير اللازمة لمعالجتها. وإذا لم تقم بذلك، فإنها ستكون مسؤولة عن الأضرار، المترتبة عن ذلك، في دول الاتحاد الأوروبي.

يقول نيكولاس بوينو، أستاذ قانون حقوق الإنسان، في معهد “يوندستنس سويسرا” (UniDistance (Suisse الذي يتابع عملية الاتحاد الأوروبي، منذ سنوات، إنّ كلا القانونين، يمثّلان تغييرا في نهج عدم التدخل الذي تتبعه الجهات التنظيمية، تجاه انتهاكات الشركات لحقوق الإنسان، في سلاسل التوريد.

ويشرح بالقول: “تمثّل حقيقة اعتماد هذيْن القانونْين الآن، علامة فارقة على أن الرأي العام الأوروبي، مستعد بشكل متزايد، لتنظيم سلوك الأطراف الفاعلة في الشركات العالمية، التي استفادت لسنوات، من وجود فراغ قانوني. وستكون الآن، مسؤولة عن الأضرار التي تسببها في الخارج”.

لطالما زعمت الشركات بأن التنظيم الذاتي والإجراءات الطوعية كافية. ومع ذلك لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان في سلاسل التوريد منتشرة على نطاق واسع. وتشير تقديراترابط خارجي منظمة العمل الدولية إلى اضطرار 17.3 مليون شخص، في القطاع الخاص، إلى العمل، من دون إرادتهم في مجموعة من القطاعات، مثل الزراعة، وصيد الأسماك، والبناء. وقد أشار تقريررابط خارجي لمنظمة العمل الدولية، نُشر في منتصف شهر مارس، إلى أن العمل القسري في الاقتصاد الخاص يُدر أرباحًا غير قانونية، تبلغ حوالي 236 مليار دولار (216 مليار فرنك سويسري) سنويًا.

وكشف تحقيق أجرته، قناة الإذاعة والتلفزيون السويسري الناطقة بالألمانية (SRF)، عمالة الأطفال والطفلات في مزارع الكاكاو في غانا، والتي تزود شركة “لندت وشبرونغلي” (Lindt & Sprüngli) المصنعة للشوكولاتة السويسرية. وذلك، رغم تعهدات الشركة، وبرامجها الساعية للقضاء على تلك الممارسة.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لسويسرا؟

على الرغم من أن سويسرا ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، إلا أن الشركات السويسرية التي تمارس أعمالًا تجارية في دول الاتحاد، ستتأثر بالقانونين الجديديْن. ويُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للبلاد، حيث يمثّل 58% من حجم المعاملات التجاريةرابط خارجي لسويسرا.

وبموجب قانون العمل القسري في الاتحاد الأوروبي، ستقوم السلطات الوطنية، في البلدان السبعة والعشرين المشكلة للاتحاد بالتحقيق في البضائع المشبوهة، وسلاسل التوريد، والشركات المصنعة. وإذا تبين، أنه، تم تصنيع المنتجات، باستخدام العمالة القسرية، فسيتم حظر دخولها وبيعها في دول الاتحاد الأوروبي. ويشمل ذلك المنتجات التي يتم تسويقها، عبر مواقع التجارة الإلكترونية، على غرار “تيمو” (Temu) و”أمازون” (Amazon).

المزيد

وقد اعتمدت الولايات المتحدة، قانونًا مماثلا في عام 2021، استهدف إلى حد كبير، المنتجات القادمة من الصين، والمصنوعة باستخدام العمالة القسرية في منطقة شينجيانغ. وقال برلمانيون.ات من الاتحاد الأوروبي، إن التشريعات الجديدة ستتضمن قائمة بالمجالات، والقطاعات عالية المخاطر.

وأوضحت غابي سوندريغير، الباحثة في مركز التنمية والبيئة في جامعة برن، والتي تعمل ضمن مشروع بحثيرابط خارجي حول سلاسل التوريد الخالية من العمل القسري، لسويس إنفو (SWI Swissinfo.ch) عبر البريد الإلكتروني: “ستكون الشركات السويسرية، بحاجة إلى اتخاذ خطوات استباقية، لضمان الامتثال، وتجنب مواجهة هذه التداعيات، والحفاظ على ولوجها سوق الاتحاد الأوروبي”.

وينطبق القانون الآخر، المسمى “توجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات”، على الشركات التي تشغّل 1000 موظف وموظفة، أو أكثر، ويبلغ حجم مبيعاتها 450 مليون يورو (440 مليون فرنك سويسري) أو أكثر، في الاتحاد الأوروبي. ويعني ذلك، خضوع الشركات الكبيرة، داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، بما في ذلك السويسرية منها، لهذا القانون. وقد تتأثر الشركات السويسرية أيضًا، بشكل غير مباشر، إذا كانت ضمن سلسلة القيمة، للشركات الكبيرة.

وفي عام 2020، رفض الناخبون والناخبات السويسريون.ات مبادرة كانت ستفرض التزامات مماثلة على الشركات. وبدلاً من ذلك، تم تبني اقتراح مضاد مخفف، يطالب الشركات، بتحديد مخاطر عمالة الأطفال، ومصادر المعادن، من مناطق الصراعات، في سلاسل التوريد الخاصة بها، والإبلاغ عنها.

المزيد
أكدت الدراسة أن قضايا البيئة لما يسمى بالمسؤولية المجتمعية للشركات يمكن أن تلعب دوراً مركزياً إلى جانب قضايا حقوق الإنسان.

المزيد

مبادرة الأعمال المسؤولة تحظى بتأييد واسع في سويسرا

تم نشر هذا المحتوى على كشف استطلاع للرأي عن تأييد أغلبية الناخبين في سويسرا لمبادرة الأعمال المسؤولة المتعلقة بالشركات التي تتخذ من سويسرا مقراً لها وتعمل في الخارج.

طالع المزيدمبادرة الأعمال المسؤولة تحظى بتأييد واسع في سويسرا

ويذهب قانون الاتحاد الأوروبي إلى أبعد من القانون السويسري بكثير، وفقا لبوينو. حيث يقول: “لا ينص قانون الاتحاد الأوروبي على قائمة أكثر شمولاً لقضايا حقوق الإنسان فحسب، بل يفرض أيضًا عقوبات على الشركات، مع احتمال فرض غرامات باهظة، إذا لم تتخذ إجراءات لمعالجة المخاطر، أو انتهاكات حقوق الإنسان. ولا يفرض القانون السويسري، عقوبات على الشركات، إلا إذا لم تبلّغ عن المخاطر”.

ويمكن أيضًا تحميل الشركات المسؤولية، بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، مما يعني أنه يمكن لأي شخص، رفع دعوى قضائية ضد الشركات، في محاكم الاتحاد الأوروبي المحلية.

ما التأثير الذي ستتركه هذه القوانين؟

أعربت العديد من الشركات العالمية الكبرى، بما في ذلك شركة نستله السويسرية المتخصصة في صناعة الأغذية والمشروبات، عن تأييدها لقوانين الجديدة على مستوى الاتحاد الأوروبي، نظريا. وفي بيانرابط خارجي، نُشر على موقع الشركة على الإنترنت، قالت نستله، إنها تدعم “التشريعات المناسبة” التي تهدف إلى تشجيع الشركات، على معالجة الآثار السلبية المحتملة لأعمالها، على حقوق الإنسان والبيئة.

وأضافت الشركة أن أي قواعد يجب أن تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص، بحيث يتم إلزام جميع الشركات بنفس المعايير. ومن شأن ذلك، تلافي اتّباع نهج مجزّأ، تقدّم من خلاله كل دولة، القواعد الخاصة بها على حدة.

ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف لدى المجموعات الصناعية. وقالت دينيس لوفر، من اتحاد الشركات السويسرية المتعددة الجنسيات (SwissHoldings)، إن “الأحكام القانونية الجديدة، بعيدة المدى للغاية، وستترتب عليها تكاليف تنفيذ عالية، بالنسبة للشركات المعنية”.

وتم إضعاف قانون العناية الواجبة، إلى درجة لم يعد بإمكانه أن يعكس مثل هذه المخاوف. وقد أشارت بعض الاقتصادات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، في وقت سابق من هذا العام، إلى أن القانون سيضع عبئا غير معقول على الشركات الصغيرة، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى تغيير النص، حيث أصبح ملزمًا للشركات الكبرى فقط.

وقد أثار ذلك، انتقادات من بعض المنظمات غير الحكومية. ووفقا لبيان صادر عن المنظمة غير الحكومية “مكافحة الرق الدولية” (Anti-Slavery International)، “أدّت المشاحنات السياسية والتجارية، التي حدثت في اللحظة الأخيرة، إلى تخفيف أحكام القانون، وأعاقت تأثيره المحتمل”.


وقالت سيبيل بومغارتنر، مديرة شركة “فوكسرايت” (Focusright) الاستشارية ومقرها زيوريخ، إن مدى تأثير القانونْين، سيعتمد على كيفية تنفيذهما. وأوضحت في حديث إلى سويس إنفو أنه “إذا تم اكتشاف عمالة أطفال وطفلات، لدى إحدى الجهات المورّدة، فإن الأمر لن يتوقّف على تجميد علاقة العمل، بل سيتعين على الشركات أيضا اتخاذ خطوات، لمساعدة الطفل والطفلة، على العودة إلى المدرسة، واتخاذ التدابير اللازمة، لمنع حدوث ذلك مرة أخرى”.

يقول بوينو، إن التغيير الأكبر الذي سينتج عن القانونيْن هو “الثقافة الجديدة التي سيحدثانها داخل الشركات. والتي سيتعين عليها من الآن فصاعدا، منع حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان، في المقام الأول”.

وتتجلى الخطوة التالية في مصادقة، المجلس الأوروبي على النصين القانونيين، في 23 مايو، ثم صياغتهما في شكل قوانين وطنية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت سويسرا ستحذو حذو الاتحاد الأوروبي. ويقول المدافعون والمدافعات السويسريون والسويسريات في مجال حقوق الإنسان، إن قرار الاتحاد الأوروبي، يضع المزيد من الضغوط على سويسرا، لأنها ستصبح قريبا، الدولة الوحيدة في أوروبا التي لا تٌخضع الشركات للمساءلة.

وكتب الائتلاف من أجل العدالة بشأن الأعمال (Coalition for Corporate Justice)، في بيان أرسله عبر البريد الإلكتروني: “يجب على سويسرا أيضًا، إقرار قانون مسؤولية الشركات”، مضيفًا بأنه يعد، مبادرة شعبية حول هذا الموضوع، للتصويت عليها على مستوى البلاد.

من جهتها،قالترابط خارجي الحكومة السويسرية، في ديسمبر الماضي، إنها ستقوم بتحليل كيفية تنفيذ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لقانون العناية الواجبة، وتحديد كيفية المضي قدما.

تحرير: ريتو غيزي فون فارتبورغ

ترجمة: مصطفى قنفودي

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية