مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لبنان: من كَـسَّـر التّـوازنات الإقليمية؟

رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة في صورة جماعية مع وفد الجامعة العربية الذي يضم نظيره القطري والأمين العام للجامعة وزراء خارجية البحرين (يمين) والإمارات وعُمان وجيبوتي Keystone

لا أحد في لبنان أو بالأحرى الأطراف المتصارعة فيه، ينفي الحقيقة بأنه مُـنحاز إلى أحد المِـحورين في الشرق الأوسط. فحزب الله وحلفاؤه في تيار 8 آذار/ مارس الذي يضم حزب العماد ميشال عون وحركة "أمل " و "مردة " سليمان فرنجية والأحزاب السياسية غير الطائفية (القومي السوري، الشيوعي)، تجهر بإنتمائها إلى للمحور السوري- الأيراني المناهض لأميركا.

وتيار المستقبل وأنصاره في تيار 14 آذار/ مارس، الذي يضم مسيحيي سمير جعجع والكتائب والمستقلين، ودروز وليد جنبلاط، ومعظم قواعد “السَنة السياسية”، يفاخرون بالإنحياز إلى محور الرياض – القاهرة – عمان المدعوم أميركياً.

فحزب الله وحلفاءه في تيار 8 مارس، الذي يضم حزب العماد ميشال عون وحركة “أمل” و”مردة” سليمان فرنجية والأحزاب السياسية غير الطائفية (القومي السوري، الشيوعي)، تجهر بانتمائها إلى المحور السوري – الإيراني المناهض لأمريكا.

وتيار المستقبل وأنصاره في تيار 14 مارس، الذي يضُـم مسيحيي سمير جعجع والكتائب والمستقلين، ودروز وليد جنبلاط، ومعظم قواعد “السُـنة السياسية”، يفاخرون بالانحياز إلى محور الرياض – القاهرة – عمان، المدعوم أمريكيا.

هذه حقيقة علَـنية ومعروفة، وهي تُـترجِـم نفسها في تبنّـي كِـلا الطرفين لمشروع الشرق الأوسط الإسلامي الإيراني – السوري (إذا جاز التعبير)، بالنسبة للطرف الأول، ولمشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي أو المتوسطي الفرنسي، بالنسبة للطرف الثاني.

لكن ما هو مجهُـول الآن، هو مَـن بادر إلى الهجوم مؤخّـراً في لبنان، فكسَّـر التوازن الإقليمي الذي كان قائماً بين الطرفين منذ أن نشر 8 مارس خِـيمَـه في وسط بيروت قبل 18 شهرا، محاصراً السرايا الحكومي؟

هذا السؤال مُـهمّ، ليس فقط لاعتبارات أخلاقية، لأنه قرار يتضمّـن إهراق الكثير من الدماء، بل أيضاً لأن الإجابة عليه تُـلقي أضواء على طبيعة التطورات اللاحقة في لبنان. فماذا في جعبة كل من الطرفين حيال هذا السؤال؟

14 آذار / مارس

قوى 14 آذار الموالية ترى إلى كل ما يجري، بصفته مخططاً أعِـدّ له سلفاً في مطابخ حزب الله، اتخذ من قراري حكومة فؤاد السنيورة حول المطار وشبكة الاتصالات التابعة للحزب، ذريعة لتنفيذ انقلاب هدفه، قذف بلاد الأرز نهائياً إلى حضن المحور السوري – الإيراني، هذا السيناريو، برأي قِـوى الموالاة، أملته رغبة محور دمشق – طهران في الإفادة من دخول الولايات المتحدة في مرحلة شلل القرار، التي تُـرافق عادة السنة الأخيرة من ولاية كل رئيس، لتعديل موازين القوى في المنطقة لصالحه.

الأمر بدأ في غزّة مع استيلاء حماس على السلطة، وقبلها في العراق، والآن، جاء دور لبنان، كما أملاه أيضاً شعور “حزب الله” بأن معركة الاعتصام في وسط بيروت منذ 18 عاماً، وصلت إلى طريق مسدود، مما دفعه إلى قرار “استخدام السِّـلاح لحماية السلاح”.

.. و8 آذار / مارس

الصورة لدى قِـوى 8 آذار المعارضة، تبدو معاكسة تماماً. الموالاة هي المُـتآمرة وهي التي أشعلت فتيل المواجهات الراهنة، تنفيذاً لتعليمات محدّدة من واشنطن والرياض، ولكي لا تبقى الاتهامات مجرّد اتِّـهامات، تستنجِـد 8 آذار بتقرير صدر مؤخّـراً عن “مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، وهو مركز أبحاث أمريكي يُـسيطر عليه المحافظون الجُـدد الأمريكيون وحلفاؤهم الليكوديون الإسرائيليون.

التقرير يُـشير إلى أن قِـوى الموالاة، تعتبِـر أن الوقت لم يعُـد يعمَـل لصالحها، ولذا، لم يكن صُـدفة أن تُـصدِر حكومة السنيورة قراريها قبل يوم واحد من الاجتماع المقرر لمجلس الأمن الدولي لبحث أزمة لبنان، ثم تُـرسل سريعاً القرارين إلى هذا الأخير لتوفّـر له مادة تُـثبت أن حزب الله يخرق بشكل خطير القرارين 1559 و1701، ممّـا يشكِّـل تهديداً للأمن الدولي.

ويكشف التقرير أيضاً أن خُـطوة حكومة السنيورة كانت مدفوعة، جزئياً، بالسياسات المحلية الأمريكية، إذ بما أنها تعتبِـر أن الصِّـراع مع “حزب الله” حتمياً، فهو قدّر أن إدارة بوش مرشَّـحة لدعمِـها في هذا الصِّـراع، أكثر من أية إدارة أمريكية مقبلة.

هذه النقطة الأخيرة تدعمُـها المعلومات أو الروايات العديدة المُـنطلقة من واشنطن وتل أبيب والرياض، والتي تؤكِّـد جميعُـها أن الرئيس بوش لا ينوي مغادرة البيت الأبيض قبل أن يشُـن حُـروباً جديدة تُـحقق له هدفين اثنين: الأول، إنقاذ نفسه من التّـهمة بأنه كان أفشلَ رئيسٍ في التاريخ الأمريكي. والثاني، أن أية حرب جديدة في الشرق الأوسط، ستدفَـع مسألة الأمن القومي الأمريكي إلى رأس أولويات الحملة الانتخابية الأمريكية، وهذا ما سيضمَـن فوز المرشح الجمهوري جون ماكين، بصفته الأكثر خبرة والأقدر على حماية هذا الأمن.

ولم يكن مُـستغرباً في هذا السياق، أن تتركّـز حملة ماكين حول فيلم دِعائي تلفزيوني يُـصوّره وهو يردّ فوراً على مكالمة هاتفية في الثالثة صباحا، تتعلّـق بالأمن القومي الأمريكي، كما لم يعُـد مُـستغرباً أن تحتلّ مسألة إيران وليس “الاقتصاد أيها الغبي”، مكان الصّـدارة في حملات مرشّـحي الرئاسة الأمريكية.

التوترات بدلا عن التوازنات..

من الأصح؟ أي وجهتي النظر على حق؟ كلاهما! لماذا، برغم أنهما متناقضين تماماً؟ لسبب يبدو مقنِـعاً: التَّـوازنات الإقليمية الدّقيقة، التي ضمنت بقاء الصِّـراع بين المُـوالاة والمعارضة سِـلمياً طيلة السنة ونصف السنة المُـنصرمة، حلّت مكانها سريعاً التّـوترات الخطيرة، خاصة بين السعودية وإيران، وبين إسرائيل وإيران.

فقد بدأت المملكة السعودية تشعُـر، وللمرة الأولى منذ الوحدة السورية – المصرية عام 1958، بخطر وُجودي على أمن نِـظامها بفعل تضافُـر جُـملة عوامل دُفعة واحدة: قرب انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وما قد يعنيه ذلك من تواجُـد إيراني مباشِـر في جنوب العراق على مرمى حجر من المنطقة الشرقية السعودية الغنية بالنفط، وانقلاب حماس المدعوم سورياً وإيرانياً، في غزة، وتضعضع النفوذ السعودي في لبنان بفعل الشَّـلل الذي أصاب مؤسسات الدولة التي سَـيطر عليها منذ عام 2005 حُـلفاء الرياض اللبنانيين وأخيراً، عجْـز الرياض عن إدخال تغييرات على مواقِـف سوريا الإقليمية، برغم الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية القوية، الأمر الذي أضعف كثيراً مشروع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس حول إيجاد “اصطفاف إستراتيجي جديد” في الشرق الأوسط.

إيران، من جهتها، كانت تشعُـر بقلَـق وُجودي مُـماثل، بسبب خوفها من ضربة “وداعية بوشية” مفاجِـئة أو من غارات إسرائيلية غير مفاجِـئة خلال هذا الصيف، وهي راقبت بدقّـة المناورات الضّـخمة التي أجراها سِـلاح الجو الإسرائيلي فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، للإغارة على مواقع توجَـد على المسافة نفسها التي توجد فيها المفاعلات النووية الإيرانية، كما وصلتها شائعات أيضاً عن وصول أسراب من الطائرات الإسرائيلية إلى قواعد جوية في العراق على مقرُبة من الحُـدود الإيرانية.

كل هذا دفع الإيرانيين، على الأرجح، إلى اتخاذ مواقف أكثر تصلّـباً وإلى تصعيد الموقِـف في المشرق العربي، لتوسيع جبهات المجابهة مع كل من واشنطن وتل أبيب، وهذه الخطوة أصابت، ولو عن طريق غير مقصُـود، تفاهُـمات التهدئة السعودية – الإيرانية السابقة، وهكذا، خرج وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يوم الثلاثاء 13 مايو عن التحفّـظ السياسي السعودي الشهير ووجّـه تهديدات مباشرة لطهران، متّـهماً إياها بالوقوف وراء “انقلاب” حزب الله في لبنان.

وبرغم أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد رفض الرد عليه منتقداً “استسلامه للغضب” ومميزاً بين موقف الفيصل وموقف الملك السعودي عبد الله، إلا أنه من الواضح أن أحداث لبنان كانت مجرّد قشّـة أخيرة قصَـمت ظهر تفاهمات كانت بدأت تتآكل قبل أحداث لبنان.

هذا لا يعني أن كل الحِـبال ستنقطع بين الرياض وطهران. فالطرفان اشتهرا بقُـدرتهما على تقبيل بعضهما البعض بحرارة، في الوقت نفسه الذي يمكنهما فيه أن يخفِـيان ببراعة مَـقتَـهما الحارّ لبعضها البعض، لكن التفاهمات باتت الآن أصعب بفعل الخوف الوجودي الذي يشعره كل منهما الآن على نظامه.

.. وطهران وتل أبيب

هذا فيما يتّـصل بالعلاقات السعودية – الإيرانية، أما بالنسبة للتوترات الإيرانية – الإسرائيلية، فالصورة تبدو واضحة ونقِـية لا غموض أو التباسات فيها، كما الأمر في العلاقات السعودية – الإيرانية.

فتل أبيب، بقِـياداتها السياسية ومراكِـز أبحاثها وأجهزة إعلامها، صنّـفت إيران بالعدُو رقم واحد للدّولة العبرية في الشرق الأوسط، ليس فقط لأنها تريد “محوها من الخريطة”، كما كرّر الرئيس نجاد الأسبوع الماضي، حين دعا الغرب إلى “القبول بحقيقة قرب انهيار إسرائيل” بعد أن تحوّلت إلى “جُـثة نتِـنة”، على حد تعبيره، بل أيضاً لأن برامج التسلح الإيرانية، النووية كما الصاروخية، تُـهدد بنسف الرّكيزة الرئيسية التي يستند إليها الأمن “القومي” الإسرائيلي: التفوّق النوعي على كل دول الشرق الأوسط مجتمعة، ولذلك فهي تعتبر معركَـتها مع إيران مسألة حياة أو مَـوت، من الصّـعب التعايش معها كما تعايشت أمريكا مع الإتحاد السوفييتي في إطار توازن الرّعب والرّدع المتبادل.

هذا ما يُـعطي الحرب، الأولوية في جدول الأعمال الإسرائيلي مع إيران، وهذا ما يدفعها (كما تفعل الآن) إلى ممارسة ضغوط شديدة على الولايات المتّحدة لدفعها إلى حسم الأمور عسكرياُ مع طهران، قبل أن تتمكّـن من كسر مبدإ التفوّق النوعي الإسرائيلي.

وبالطبع، الحرب مع إيران تعني أيضاً الحرب مع حزب الله، وبالتالي، يُـقال هنا إن حرب الأسيرين (عام 2006) في لبنان، كان يُـفترض أن تكون الخطوة التّـمهيدية الأولى لحرب ضدّ إيران، وأن جُـلّ هدفها كان تحييد صواريخ حزب الله قبل بدء الغارات عليها.

كما يقال الآن، إن إسرائيل انتهت من إعداد العدّة لاستئناف حرب الأسيرين، لكن هذه المرة عبر شنّ حرب برّيـة، يُـشارك فيها 50 ألف جندي مدرّبين على حروب العصابات، ومرة أخرى، يظل الهدف: تعبيد الطريق أمام ضربة لإيران.

التمهيد الإعلامي – السياسي لهذه الحرب المحتَـملة، بدأ حين سارع نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي حاييم رامون إلى الإعلان بأن استيلاء حزب الله على بيروت “يعني أنه لم تعُـد هناك حكومة في لبنان، هذه خرافة. هناك فقط دولة حزب الله، الذي بات مسؤولاً عن كل ما يحدُث هناك، ونحن سنتصرّف على هذا الأساس”، في حين كان رئيس الأركان الإسرائيلي السابق أمون ليبكين – شاحاك يشدّد على القول بأنه “إذا ما اندلع نزاع مسلّح، فسيكون أسهل ضرب لبنان حين يكون حزب الله هو الحاكم الشرعي، وبهذا المعنى، محاولات حزب الله المتواصلة للسيطرة على لبنان ستُـفيد الدولة العبرية”.

هذه بعض المعطيات الإقليمية والدولية التي أحاطت، و لا تزال، بالانفجار الجديد في لبنان، وكما هو واضح، كِـلا الطرفين يَـعتبر نفسه في موقع الدّفاع، لكن الحصيلة في النهاية ستكون واحدة: تحوّل لبنان إلى بُـؤرة رئيسية من بُـؤر الصِّـراعات الإقليمية وانحداره بالتالي إلى هاوية حروبه وحروب الآخرين على أرضه.

سعد محيو – بيروت

بيروت (رويترز) – سدد إذلال حزب الله للحكومة اللبنانية، التي تدعمها الولايات المتحدة، ضربة أخرى للمصداقية الأمريكية في المنطقة بعد أقل من عام واحد من انتزاع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) السيطرة على غزة من الزعماء الفلسطينيين الذين تدعمهم واشنطن. وجاء الانتصار العسكري السهل للحزب الشيعي قُـبيل الجولة التي يقوم بها الرئيس الأمريكي جورج بوش للمنطقة هذا الأسبوع، وكان بوش قد اعتبر لبنان نموذجا ناجحا لمسعاه، الذي أعلنه لتحقيق الديمقراطية في العالم العربي. وتأثرت هذه الحملة تأثرا سلبيا في أعيُـن العرب، حين ندّد بوش بفوز حركة حماس بالانتخابات الفلسطينية عام 2006، بعد أن كان قد شجّـع على إجرائها وقاد حملة دولية لعزل الحكومة التي شكّـلتها الحركة الإسلامية وقطع التمويل عنها. منذ ثلاثة أعوام مضت، خرج متظاهرون لبنانيون مطالبين بانسحاب القوات السورية، التي هيمنت على البلاد لتسعة وعشرين عاما، ونجحوا في تحقيق هذا، ممّـا منح بوش لحظة نادرة من الاستمتاع وسط كوارث الحرب الأمريكية في العراق. أما الآن، فإن الائتلاف الحاكم المناوئ لسوريا، الذي يدعمه بوش، غارق في حالة من الفوضى بعد أن أدّى صراع على السلطة مع حزب الله وحلفائه استمر 18 شهرا إلى تفجّـر أعمال العنف التي أودت بحياة 81 شخصا في الأسبوع المنصرم، ووضع لبنان على شفا حرب أهلية طائفية.

وقال رامي خوري، المحلل السياسي في بيروت “بوش و(وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس)، خصّـا لبنان بالذِّكر بوصفه الطِّـفل النموذجي لنجاحهما… هذا يجعل الخسارة أكبر”، وأضاف خوري أن الوقت لا يزال مبكِّـرا جدا للتكهُّـن بتأثير المعارك الجريئة التي خاضها حزب الله في الشوارع على الصعيد السياسي، لكنه وصف الأحداث التي وقعت حتى الآن بأنها “انتكاسة هائلة” للولايات المتحدة. ومضى يقول “هذا يأتي في إطار عملية تراكُـمية، يبدو فيها أن السياسة الأمريكية لمواجهة الإسلاميين والقوميين في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين وربما اليمن والآن لبنان، قد فشلت، ولو على المدى القصير على الأقل”. واعترف البيت الأبيض بأنه يشعر “بإحباط شديد” بسبب الاضطرابات في لبنان، الذي يظهر مجددا كساحة لصِـراع أوسع نطاقا يضع الولايات المتحدة وحلفاءها العرب في مواجهة إيران وسوريا والجماعات التي تقدِّمان الدعم لها، مثل حزب الله وحركة حماس. في هذه الجولة على الأقل، باغت حزب الله واشنطن التي بدت في غفوة تاركة حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بلا حيلة.

وقال هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت “لا أدري ما الذي كان يظنه الأشخاص الموالون للولايات المتحدة بشأن مدى التزام الولايات المتحدة تُـجاه لبنان”، وتابع أن “تصرّفات حزب الله فاجأت الأمريكيين وسيكون عليهم التفكير ملِـيا للبحث عن رد”. وكانت الأزمة قد تفجّـرت بعد أن قرّرت حكومة السنيورة حظر شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله وإقالة مدير أمن مطار بيروت المقرّب من الحزب. وندّد حزب الله بهذه الخطوات باعتبارها اعتداء على “أسلحة المقاومة” لإسرائيل، فشن هجمات ضد خصومه من السُـنة والدروز داخل وحول بيروت. ولأول لمرة خلال 20 عاما، حنث بعهده بأن لا يستخدم تِـرسانته من الأسلحة، إلا ضد إسرائيل وأن لا يستخدمها أبدا ضد مواطنيه اللبنانيين. وفي غياب تفسير واضح للسبب الذي دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات استفزازية، أشار بعض المحللين إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها العرب، ضغطوا من أجل موقِـف متشدّد ضدّ حزب الله.

وألغت الحكومة اللبنانية الإجراءات التي اتّـخذتها مؤخرا ضد حزب ال،له والتي أثارت أسوأ صراع داخلي منذ الحرب الأهلية، التي عصفت بلبنان بين عامي 1975 و1990، وقالت حكومة السنيورة في بيان بعد اجتماع ليل الأربعاء 14 مايو، إنها اتخذت هذه الخطوة تماشِـيا مع طلبٍ للجيش اللبناني للحفاظ على السلم الأهلي ودعم وساطة للجامعة العربية لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، المستمرة منذ 18 شهرا. وكتب بول سالم، مدير مركز كارنيغي في الشرق الأوسط يقول، “ربما تكون السياسة الأمريكية لزيادة الضغط على إيران وحلفائها وزيارة الرئيس بوش الوشيكة للشرق الأوسط، هي التي أجبرت الحكومة على القيام بتحرك”. والأمر المثير للحيرة بنفس الدّرجة، هو لماذا أعطت إيران الموافقة لحزب الله هذه المرّة لاستخدام قدراته العسكرية في التعامُـل مع خلاف سياسي لبناني دائر منذ حرب عام 2006 مع إسرائيل، هذا بافتراض أنها منحته الموافقة. وتكهّـن سالم بأن هذا ربما يكون ردا إيرانيا على الجهود الأمريكية، لتشديد العقوبات على طهران وعلى الاتهامات بتدخّـلها في العراق وعلى الهجمات الأمريكية ضد جيش المهدي، التابع للزعيم الشيعي العراقي الشاب مقتدى الصدر.

ومن المقرر أن يتشاور بوش مع الحلفاء الإقليميين العرب القلقِـين بشأن مكاسِـب حزب الله، حول كيفية مساعدة لبنان خلال جولته التي بدأها بزيارة إسرائيل يوم الأربعاء، غير أن الخيارات المتاحة أمامه محدودة. وكان بوش قد تعهّـد بتقديم مزيد من المساعدات للجيش اللبناني لضمان قُـدرته على “الدفاع عن الحكومة اللبنانية”، غير أن الجيش لم يَـبد أنه راغب أو قادر على التعامل مع حزب الله أو الوقوف إلى جانب الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة في مجتمع منقسم. إن تركيز بوش على كبح ما يعتبِـره مسعىً سوريا إيرانيا لاستخدام “إرهابي” حزب ال،له للهيمنة على لبنان وتهديد إسرائيل قد يعقد الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية لبنانية. وتتجاهل هذه الأيديولوجية الواقع العملي، بأن حزب الله وحلفاءه الشيعة والمسيحيين، يشكلون كتلة سياسية معارضة، تمثل ربما نصف اللبنانيين. ويستحيل التوصّـل إلى حلّ للأزمة اللبنانية، دون نوع من التسوية تضع في الاعتبار مصالح المعسكرين، لكن هذه لعنة بالنسبة للولايات المتحدة، لأن مصلحة حزب الله الرئيسية هي حماية أسلحته لاستخدامها ضد إسرائيل.

ويقول بعض المحللين، إن الوضع مشابه على الساحة الفلسطينية، إذ لا يمكن أن تحدُث مصالحة بين الفلسطينيين، دون القبول بحماس كشريك. وينظر إلى المصالحة باعتبارها أمرا ضروريا، إذا كان أي اتفاق سلام مع إسرائيل سيمضي قُـدما. ولا تُـبالي واشنطن بهذه المجادلات، لأنها تنبذ حماس باعتبارها جماعة إسلامية “إرهابية” ترفض الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف والقبول باتفاقات السلام المؤقتة. ويقول المحلل السياسي خوري، إن الفشل في التمييز بين “الإرهابيين الإجراميين”، مثل أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي من جانب، والجماعات الإسلامية التي تتمتّـع بصفة الشرعية، مثل حماس وحزب الله والإخوان المسلمين من جانب آخر، هو عَـيب متكرّر في سياسة بوش الخاصة بالشرق الأوسط، وأضاف “اقتراحي هو أن يتناول الأمريكيون زجاجة كاملة من حبوب التواضع وأن يكونوا واقعيين ويفهموا أن محاولة مواجهة الجماعات الوطنية العربية الإسلامية عسكريا لا تُـجدي نفعا ولن تولِّـد إلا المقاومة”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 مايو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية