مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“أعيدوا العلاوات المليونية”!

Keystone

فيما تستمرّ تداعيات الأزمة المالية العالمية على المصارف والبورصة السويسرية، تشهَـد الساحة السياسية جدلا متصاعدا حول مسألتي العلاوات الضخمة، التي مُـنحت لمدراء المصارف والهِـبات السنوية، التي حصُـلت عليها أحزاب من اليمين والوسط من البنوك.

وعلى إثر الصّـدمة التي نجمت عن اكتشاف الرأي العام في منتصف شهر أكتوبر لحجم المأزق المالي، الذي تردّى فيه أكبر مصرف في البلاد، تركّـزت الانتقادات في الأيام الأخيرة على العلاوات المليونية، الممنوحة لكبراء المديرين في مصرفي يو بي إس وكريدي سويس.

وفي الوقت الحاضر، لا يبدو أن يو بي إس – الذي لم ينجُ من الانهيار إلا بفضل قروض هائلة حصُـل عليها من الكنفدرالية (6 مليار فرنك) ومن البنك الوطني السويسري (62 مليار فرنك) – يتّـجه جدّيا مراجعة جذرية لسياسته في مجال الحوافِـز المالية الضخمة جدا، التي يمنحُـها للمسيِّـرين والمتعاملين في البورصة.

وكانت التصريحات التي صدرت يوم الخميس 16 أكتوبر 2008، بعد ساعات قليلة من الإعلان عن الخُـطّـة الطارئة التي قررتها السلطات، عن بيتر كورر، رئيس مجلس إدارة يو بي إس، قد زادت في تسميم الأجواء وإثارة الغضب الرسمي والشعبي، حيث لم يتردّد في القول بأن بعض كبار المسؤولين في المصرف، سيتلقّـون في المستقبل أيضا علاوات مليونية برقمين.

السيدة إيفلين فيدمر – شلومبف، وزيرة المالية بالنيابة، أعربت يوم الجمعة 17 أكتوبر عن استيائها الشديد من هذه التصريحات، ما دفع كورر إلى الاعتذار في اليوم الموالي عن تصريحاته، مشيرا إلى أنه يعتزم شخصيا التخلي عن قبول أية علاوات إلى حين خروج مصرف يو بي إس من هذه الأزمة.

الجدل يستمرّ ويتصاعَـد

هذا الاعتذار لم يكفِ لوقف الجدل، بل استمرّت وسائل الإعلام في نشر معلومات وردود أفعال شخصيات وقرّاء عاديين، كشفت عن غضب شديد واستهجان كبير لتصرّفات مسؤولين، حاليين وسابقين، يتحمّـلون مسؤولية الأزمة، التي ألحقت ضررا فادحا بأهم مصرف في البلاد، كان يُـعتبر إلى حدِّ العام الماضي أحد الأعمِـدة الأساسية للاقتصاد السويسري.

في هذا السياق، نشرت صحيفة “بليك” الشعبية الواسعة الانتشار يوم 20 أكتوبر أنموذج رسالة موجّـهة إلى مارسيل أوسبيل، الرجل الأول سابقا في مصرف يو بي إس، يُـطلب فيها منه إعادة الـ 44 مليون فرنك، التي حصل عليها في شكل علاوات من طرف المصرف قبل إرغامه على مغادرة المنصب في الربيع الماضي. والمُـلفت، أن هذا الطلب – غير المسبوق في سويسرا – يحظى بدعم العديد من السياسيين، بل من طرف عدد من الوجوه الاقتصادية البارزة.

المقاوِل يوهان شنايدر – أمّــان، النائب عن الحزب الراديكالي ورئيس منظمة Swissmem لأرباب العمل، صرّح قائلا: “لا يجب أن يتمكّـن المسؤولون عن هذه الكارثة من الإفلات من تحمُّـل المسؤولية بسهولة”، مضيفا “في الحدّ الأدنى، يجب عليهم إعادة العلاوات، التي تلقّـوها خلال الفترة التي شاركوا فيها في ارتكاب الأخطاء العملية للبنك”.

في المقابل، برز كريستيان لوفرا، رئيس الحزب الاشتراكي بتصريحاته النارية ومواقفه القوية في هذا الملف، حيث أعلن أنه يعتزم اللجوء إلى الآليات القضائية، لإرغام مارسيل أوسبيل على “الدفع”، وأعلن عضو مجلس النواب أنه سيقترح، أثناء انعقاد الجمعية العامة المقبلة للمساهمين في مصرف يو بي إس، رفع قضية ضد الرئيس السابق لمجلس إدارة مصرف يو بي إس، تحمِّـله المسؤولية عمّـا حدث.

وزراء على الخطّ

في عطلة نهاية الأسبوع، اتّـسع نطاق الجدل حول هذه المسألة، وعلى الرغم من أن الفِـكرة التي تحظى بشعبية ملفتة تبدو متعذِّرة التحقيق، إلا أن بعض الوزراء في الحكومة الفدرالية أعلنوا عن تأييدهم لها.

فقد اعتبرت دوريس لُويْـتهارد، وزيرة الاقتصاد أنه من المُـجدي البحث في إمكانية وقف منح العلاوات إلى مسيِّـري مصرف يو بي إس، بعد أن تعهّـدت الكنفدرالية بتقديم الدعم للبنك. وفي تصريح إلى صحيفة سونتاغس تسايتونغ، الصادرة يوم الأحد 26 أكتوبر، قالت الوزيرة “الدولة لا تريد تمويل المرتبات المرتفعة لمسيّـري المصرف، ولكن إسناد يو بي إس ومن خلاله النظام المصرفي”.

وزير الاتصالات، موريتس لوينبيرغر، اتّـخذ بدوره موقفا مناهضا لما أسماها “عقلية العلاوات” واعتبر في كلمة ألقاها يوم الأحد 26 أكتوبر أمام مؤتمر حزبه الاشتراكي في أرغاو، أن الممارسة المتمثلة في توسيع وتضخيم العلاوات ذات “بُعد هيكلي وتأثير كارثي”.

وكانت وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري قد استعملت نبرة مماثِـلة في مداخلتها يوم السبت، حيث قالت “إن الذي أساء إدارة الأعمال، يجب عليه أن يُـعيد العلاوات وجميع المِـنح الأخرى، التي حصُـل عليها”.

من جهته، صرّح باسكال كوشبان، رئيس الكنفدرالية إلى صحيفة سونتاغس بليك، أنه يؤيّـد شخصيا إعادة العلاوات، لكن ذلك سيكون “صعبا” حسب رأيه، وتساءل كوشبان “نصف العلاوات تذهب إلى الدولة عن طريق الضرائب والتأمين على الشيخوخة والعجز إلخ… فهل يجب أن ترجع هذه الأموال إلى مصرف يو بي إس، في حالة إعادتها؟” من طرف المسيّـرين.

في نفس الصحيفة، اعتبر النائب الراديكالي يوهان شنايدر – أمّــان أنه يجب على الحكومة اللجوء إلى إجراء مستعجل، واعتبر أنه “إذا ما أمكن اتّـخاذ قرار بمثل هذه السرعة لمبلغ بهذا الحجم، فبالإمكان أيضا القيام به بنفس القوة فيما يتعلّـق بمسألة العلاوات”.

وكان مصرف يو بي إس قد أعلن – في محاولة لتخفيف الهجمات المتلاحقة – أنه سيقدِّم خلال الجمعية العامة المقبلة للمساهمين، التي ستلتئم يوم 27 نوفمبر، نظاما جديدا للحوافز والتخفيضات، يكون مرتبطا بنتائج المؤسسة.

من جهته، حاول دانيال فازيلاّ، رئيس شركة نوفرتيس الردّ على هذه الموجة العاتية من الانتقادات، وصرّح لصحيفة نويه تسورخر تسايتونغ ليوم الأحد 26 أكتوبر “إن الملاحظات المُـنتقدة للعلاوات من طرف دوائر محدّدة، منافقة وشعبوية بكل بساطة”، في إشارة إلى ما اعتبره استغلالا سياسيا (من جانب اليسار) للغضب “المبرّر” حسب رأيه، للمواطنين تُـجاه مصرف يو بي إس والمسؤولين عليه.

المصارف تُـموِّل عدة أحزاب

في سياق متّـصل، عاد رئيس الحزب الاشتراكي لدى تدخّـله أمام مؤتمر حزبه الملتئم نهاية الأسبوع في أرغاو، إلى توجيه الانتقاد إلى أحزاب الوسط واليمين الثلاثة (حزب الشعب السويسري والحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي)، لحصولها على تمويلات معتبرة من البنوك ومن شركات صناعة الأدوية، على مدى السنوات الماضية.

وتوجّـه بشيء من الحدّة إلى رؤساء الأحزاب المعنية قائلا: “فولفيو بيلّـي (الراديكالي) وكريستوف داربولي(الديمقراطي المسيحي) وطوني برونّـر (حزب الشعب): أعيدوا الأموال! يجب عليكم أن تخجلوا من المبالغ التي حصُـلتم عليها”.

وفي يوم الأحد، نشرت أهم الصحف الأسبوعية (التي يصل عدد قرّائها إلى أكثر من مليوني شخص)، تقديرات تُـفيد بأن قيمة المساهمات السنوية لمصرفي يو بي إس وكريدي سويس، الممنوحة إلى أحزاب الوسط واليمين، تُـناهز مليوني فرنك، والملاحظ أن هذه هي المرة الأولى، التي تكشِـف فيها الصحافة السويسرية عن قيمة مرقّـمة ومحددة لهذه الهِـبات، التي ظلّـت إلى حدّ الآن سرّا مُـتكتّـما عليه في برن.

وطِـبقا لهذا التحقيق، الذي نُـشر في صحيفتي سونتاغس بليك (بالألمانية) ولوماتان ديمانش (بالفرنسية)، فإن الحزب الديمقراطي المسيحي يتلقّـى، حسبما يبدو، ما بين 100 ألف و500 ألف فرنك من المصرفين في كل عام، أي حوالي ربًـع ميزانيته، أما الحزب الراديكالي، فيحصُـل على مبلغ يتراوح ما بين 300 و700 ألف فرنك، في حين أفاد عدد من نواب البرلمان، فضّـلوا عدم الكشف عن أسمائهم، أن المبلغ الممنوح لحزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، “يزيد كثيرا عن نصف مليون فرنك”.

إضافة إلى ذلك، أفادت صحف الأحد بأنه، من المحتمل جدّا وجود حسابات سريّـة تابعة للأحزاب، يتم تمويلها بهِـبات لا يجب أن يعرف أي شخص مصدرها.

ومن المحتمل جدا أن هذه المبالغ المدفوعة من طرف مصرفي يو بي إس وكريدي سويس، ليست بدون مقابل، حيث أفاد مصدر من الحزب الراديكالي، حرص على كتمان هويته، بأن المصارف الكُـبرى مارست ضغوطا كبيرة لدى انتخاب هانس رودولف ميرتس، الوزير الحالي للمالية، ضمن تشكيلة الحكومة الفدرالية.

في السياق نفسه، تعرّض حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) إلى ضغوطات. فعندما تحدّث نائب الحزب كريستوف مورغلي في عام 2005 في الصحافة عن “عصابة الأصدقاء الصغار” في مصرف كريدي سويس، يبدو أن رئيس المصرف قد تدخّـل شخصيا لدى الحزب، كما أن الدعم المالي المقدّم للحزب، قد يكون جُـمِّـد لفترة عام كامل.

يوم الخميس 16 أكتوبر 2008، قررت الحكومة الفدرالية والبنك الوطني السويسري واللجنة الفدرالية للبنوك، تنفيذ جملة من الإجراءات لزيادة استقرار النظام المالي السويسري وتعزيز الثقة بشكل مستدام إزاء السوق المالية السويسرية.

الحكومة الفدرالية أكّـدت اقتناعها بأن هذه الحزمة من التدابيـر، من شأنها تعزيز النظام المالي السويسري، واعتبرت أن الاستقرار الذي يتم الحصول عليه (بفضل هذه الإجراءات)، سيعزّز التنمية الشاملة للاقتصاد السويسري ويخدم مصالح البلاد.

وقد كلفت الحكومة الفدرالية وزارة المالية أن تقدم لها خلال الدورة الشتوية لغرفتي البرلمان الفدرالي (مجلس النواب والشيوخ) خطة تهدف إلى تعزيز فوري لحماية المودعين.

بالإضافة إلى ذلك، سيتعين على وزارة المالية أن تقدم للحكومة الفدرالية، حتى نهاية مارس 2009، مشروع تنقيح مُعمق لمجمل النظام المعتمد لضمان الودائع في المصارف السويسرية (لا يتجاوز حاليا 30 ألف فرنك).

فضلا عن ذلك، تتخـذُ الكنفدرالية والبنك الوطني السويسري إجراءين منسقين فيما بينهما من أجل تعزيز موازنة اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إي” (UBS):

يوفّـر البنك الوطني السويسري إمكانية تحويل أصول غير سائلة لتصفيتها بالشكل الواجب في شركة متخصصة.

تقوم الكنفدرالية بتـعزيز قاعدة رأسمال اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس” من خلال الإسهام في قرض مُلزم التحويل بمبلغ 6 مليار فرنك. وقد تمت المصادقة على القرض الضروري من قبل لجنة الشؤون المالية.

swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية