مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“ماهو مقدار التحرر الذي يتحمله الإسلام؟”

شجع نجاح الندوة الأولى التي نظمتها جامعة بازل عن الإسلام العام الماضي على عقد ندوتها الجديدة لعام 2005 swissinfo.ch

عنوان مستفز فعلاً، فطرح السؤال بهذه الصيغة في سويسرا يستدعي طرح سؤال مقابل: "ما هو مقدار التحرر الذي تتحمله الكاثوليكية أو اليهودية أو حتى الديانة الهندوسية؟"

السؤال كان عنوان ندوة نُظمت مؤخرا في جامعة بازل حول “الإسلام عام 2005″، وهو سؤال مشروع، يحق طرحه .. والاستماع إلى أجوبة عنه.

كان العنوان مزعجاً. هذا أمر لا شك فيه. استفز الكثير من الحضور، وخاصة الحاضرات من السويسريات والمسلمات على حد سواء، وتجلى ذلك واضحاً في ردود اللواتي استطلعت سويس انفو أرائهن.

نيكول السويسرية قالت: “لقد وجدت العنوان مستفزاً.. وأجد أنه كان من المفروض ربط هذا الموضوع بمقدار التحرر الذي تتحمله المسيحية أو الكاثوليكية، حتى لا يكون قاصراً على الإسلام”.

وسولين السويسرية من أصل تركي شددت قائلة: “وجدت أنه من المؤسف أنه عندما يتطرق الحديث إلى التحرر نتحدث عادة عن الإسلام، على حين أن التحرر مرتبط بالاندماج، والإندماج يحتاج إلى طرفين كي يتحقق، فعلى الأغلبية أيضاً أن تُقبل على الأقلية”.

ولم يقتصر الانزعاج على الحاضرات، بل بدا أيضاً لافتاً في رد الدكتورة كلارا أوموللر، التي تولت إدارة النقاش خلال الندوة، فهي تقول: “لا بد أن أقول أولاً إني لم أختر هذا العنوان للندوة، وإنما أعُطي إلى هكذا، وأنا أيضاً لدي مشاكل مع هذا العنوان لأن فيه قدرا كبيرا من الاستهجان الأوروبي الطابع، وربما لم يكن هذا هو القصد، لكن النبرة التي تقول ‘لقد وجدنا طريقنا وعليكم أيضاً أن تفعلوا الشيء نفسه’، هذه النبرة تظل مسموعة”.

على خطى “الإسلام عام 2004”

العنوان المقصود هو: “ما هو مقدار التحرر الذي يتحمله الإسلام؟”، وهو العنوان الذي اختاره مركز الدراسات العليا التابع لجامعة بازل لندوةٍ عقدت يوم 26 مايو في بازل المدينة، عن الإسلام.

كان المركز قد نظم العام الماضي ندوة مماثلة تحت عنوان “الإسلام عام 2004″، ولأنها لاقت إقبالاً كبيراً من السويسريين، خاصة في ظل تعطشهم إلى معرفة ذلك الغريب الذي يعيش بينهم، عقد المركز ندوته الثانية عن الإسلام لعام 2005، ليتحول الأمر إلى تقليد سنوي.

حديث الندوة هذه المرة كان عن “التحرر”، وهو ما يعني عادة أن الحديث سيكون لزاماً عن المرأة، وقد بدا واضحاً أن منظمي الندوة كانوا على قناعة بأن المرأة هي خير من يتحدث عن أوضاعها، ولذلك اختاروا ثلاث شخصيات نسائية مسلمة لإلقاء ثلاث محاضرات.

وكالعام الماضي، كان اختيارهم لهذا العام ذكياً هو الأخـر: ثلاث شخصيات نسائية ينتمين إلى بلدان إسلامية متنوعة (إيران، باكستان، تركيا) ومن منطلقات فكرية مختلفة (ليبرالية إنسانية، ليبرالية إٍسلامية، وإسلامية كلاسيكية)، ويمكن القول أن إظهار مقدار التنوع البارز في طيف النسيج الإسلامي، وتعريف الجمهور السويسري به، كان هو الهدف أساساًَ من عقد الندوة.

عن أي “تحرر” نتحدث؟؟

لكن، ما دام الحديث كان عن “التحرر”، فإن السؤال الذي يفرض نفسه “عن أي تحرر نتحدث؟؟”.

فكما أن مفهوم الحداثة له أكثر من عشرين تعريفاً مختلفاً، فإن “التحرر” أيضاً، (وقد بدا ذلك واضحاً من مداخلات المشاركات والجمهور على حد سواء)، له معاني تختلف باختلاف المنطلقات الفكرية للمتحدث.

الأستاذة رفعت لينزين، الباكستانية الأصل، والتي شاركت بمحاضرة في الندوة، عبرت في حديث مع سويس انفو عن عدم ارتياحها لاستخدام ذلك المصطلح قائلة: “لا أحب هذا اللقب كثيراً، ولذلك لا أطلق على نفسي لقب “متحررة” أو “غير متحررة”. ما يهمني هو أن يتم التعامل مع هذا المفهوم بقدر من التمييز، وأن نفكر: هل نفهم نفس الشيء عندما نتحدث عن هذا المفهوم. (…) ففي العادة لا يكون الحديث عن مفهوم قائم بحد ذاته، وإنما عن مفهوم نشأ ضمن تقاليد فكرية وفلسفية”.

مفهوم “التحرر” له تاريخ!

التقاليد الفكرية والفلسفية التي أشارت إليها الأستاذة لينزين تمتزج جوهراً بتطور الفكر الغربي. وتشرحها باختصار لسويس انفو الدكتورة فريده عكاشه – بوهمه، الإيرانية الأصل، بالقول “مفهوم التحرر انبثق أصلا من القانون الروماني، والذي عنى آنذاك الخروج من وضع الوصاية”.

“بعد ذلك، وخلال عصر النهضة، عنى التحرر الحصول الجزئي على حقوق المواطنة، والذي تم تطبيقه على المواطنين اليهود (في أوروبا، ثم أصبح مرادفاً لتحرير العبيد في الولايات المتحدة بعد أن حظره أبراهام لنكولن في قانون عام 1862). ومنذ قيام الحركة النسائية، ارتبط التحرر بمفهوم مساواة المرأة في الحقوق (مع الرجل)”، على حد قولها.

لكلٍ منهن “تحررُها”!

لكن، هل يعني تطور المفهوم ضمن إطار تاريخي غربي أنه لا يصلح تطبيقه على المجتمعات الأخرى؟ هنا، جاء تفسير كل من المتحدثات الثلاث للمفهوم، في حديثهن مع سويس انفو، معبراً عن منطلقاتهن الفكرية.

الدكتورة فريده عكاشه – بوهمه تفسر التحرر من منطلق منح المرأة حقوقها، وتقول: “ضمن الإطار الإسلامي، يعني مفهوم التحرر حق مشاركة المرأة في التأثير على المجتمع: بمعنى حق المشاركة السياسية ، حق التعليم، حق العمل، وحق الشهادة. وفي العائلة: حق المرأة في اختيار شريك حياتها، حقها في اختيار طريق حياتها، حق الطلاق، وحق الوصاية على الأطفال”.

الأستاذة لينزين، في المقابل، لا تجد مشكلة مع المفهوم عندما يتعلق بحقوق المرأة، حيث تقول: “هنا لا أجد أية مشكلة مع مفهوم التحرر. لكن لدي مشاكل معه عندما يصبح التحرر مرادفاً لمسار تطور”.

لماذا؟ تقول “لأنه علينا كمسلمين أن نجد طريقنا بأنفسنا، وأن نحاول، بناءاً على تاريخنا، وضمن إطار الثقافات الإسلامية المختلفة … أن نصل إلى فهمنا الخاص (لهذا التطور)، وأن ننظر أيضاً إلى ما هو متوافر في الأفق، بحيث لا نقول إن كل ما يأتي من أوروبا أو من الغرب خاطئ، وإنه لا يعنينا بأي شكل من الأشكال”.

أما الأستاذة خالدة خطيب أوغلو، التركية الأصل، فهي تربط مفهوم التحرر بالهوية الإسلامية، وتقول: “يعني التحرر بالنسبة لي أخذ هويتي الإسلامية بجدية، والسعي إليها، والمطالبة بحقوقي. (ف)ما أعطاه لنا القرآن والإسلام بصفة عامة من حقوق، حرمنا منه المجتمع أو الرجال”.

هذه المطالبة، وفقا لرؤية الأستاذة خطيب أوغلو، تعني أيضاً التجديد، إذ تشرح: “يجب أن أقول لو أن الحقوق التي أعطاها لنا القرآن والإسلام لم تكف في مجتمعاتنا، فيجب علينا أن نكون في وضع يسمح لنا بتوسيعها. لقد قلت في السابق، أنه في فترة الإمبراطورية العثمانية، كانت الشريعة مطبقة، ولكن تم الأخذ من القوانين اليونانية أيضاً، ثم تم توسيع هذه القوانين. ويمكننا أيضا أن نفعل نفس الشيء”.

السؤال يظل مشروعـاً

والخلاصة من كل ما سبق؟ أن هناك حاجة فعلاً إلى “التحرر”، لكن بمعناه المتضمن لمنح المرأة لحقوقها في المجتمعات الإسلامية، غير أن الاختلاف يبقى حول الطرق المؤدية إلى تحقيقها، وأيضاً حول طبيعة هذه الحقوق وحدودها.

لذلك، فإن السؤال بصيغته المطروحة في الندوة لم يكن متوائماً مع طبيعة القضية، ولعله كان الأحرى ربما التساؤل: “ما هو مقدار التحرر الذي تتحمله المجتمعات الإسلامية؟”، ويبدو أن الإجابة عليه كانت ستكون واضحة وبسيطةً: “نعم، هي قادرة على تحمل الكثير!”..

إلهام مانع – بازل – سويس انفو

تحدثت في الندوة ثلاث شخصيات نسائية، وهن بالترتيب:
الدكتورة فريده عكاشه – بوهمه (إيران): “الجنس والجسد في الإسلام”.
الأستاذة رفعت لينزين (باكستان – سويسرا): “الشرف والعار في المجتمعات الإسلامية”.
الأستاذة خالدة خطيب أوغلو (تركيا): “مكانة المرأة في القرآن”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية