مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مصريو أمريكا: تحالف من أجل الديمقراطية

لأول مرة في تاريخ المهاجرين المصريين إلى الولايات المتحدة، يتحرك المثقفون المصريون المقيمون في أنحاء أمريكا في محاولة للتأثير على ما يحدث في وطنهم الأم.

وستكون المحاولة من خلال الضغط باتجاه أن تتحول مصر إلى الديمقراطية فعلا، وليس تجملا أو لمجرد تلافي الضغوط الأمريكية بإجراءات شكلية.

تحرك المهاجرين المصريين المقيمين في الولايات المتحدة هو الأول من نوعه، وهو يهدف إلى الضغط لتحول مصر إلى الديمقراطية فعلاً، وليس تجملاً أو لمجرد تلافي الضغوط الأمريكية بإجراءات شكلية.

وقد حضرت سويس إنفو الاجتماع الأول لمنظمة جديدة تمّ تسجيلها في ولاية فلوريدا تحت اسم: “تحالف المصريين الأمريكيين”، وحضر الاجتماع أكثر من ثلاثين مصريا أمريكيا مُـعظمهم من أساتذة الجامعات الأمريكية في واشنطن وفيرجينيا وميريلاند وبنسلفانيا وكونيتيكت وإيلينوي وأوهايو وتكساس وفلوريدا.

وعكست كلمة الدكتور صفي الدين حامد، أستاذ هندسة تخطيط المدن بجامعة تكساس، والذي تم انتخابه رئيسا للتحالف، قلق المثقفين المصريين المقيمين في أمريكا، مما وصفه بالمنحى الخطير الذي تردّى فيه وطنهم الأم، وأكد أنه ليس لأي من أعضاء التحالف مطمح سياسي في مصر، ولا منفعة اقتصادية يحاول اقتناصها، وإنما يهدف الجميع إلى تعزيز ديمقراطية حقيقية في مصر وإرساء العدل الاجتماعي الذي ضاع وسط جشع الفاسدين.

واستشهد الدكتور صفي الدين حامد في شرح تفاقم الفجوة، بين من يملكون ومن لا يملكون، بمؤشرات وإحصاءات للأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 60% من المصريين اليوم هم تحت سن العشرين، وينشأون في بيئة يحيط بها الفقر والإحباط والفساد والقمع، بينما تنعم نسبة تتراوح بين 1 و2% بأكثر من 90% من ثروات البلاد، وأشار إلى أن الكثيرين من هؤلاء حصلوا على الثروة بطريق غير مشروع.

وشرح رئيس التحالف كيف أن المصريين في الولايات المتحدة، لم يدّخروا وسعا في مدّ يد المساعدة لوطنهم الأم بالاستثمار فيها وإرسال أموال الزكاة والصدقات ومساعدة المؤسسات الخيرية، وتقديم الخبرات الفنية المجانية للوزارات المصرية والتعاون مع جهود الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر، وتقديم المِـنح الدراسية والتدريبية لإخوانهم المصريين، ولكن مرّت عشرات السنين وثبَـت للجميع أن تردّي الأحوال في مصر يعود أساسا إلى فشل الطريقة التي تُـدار بها الحكومة في مصر واستشراء الفساد بشكل يجعل من المستحيل على المصريين الشرفاء والمخلصين الارتقاء بوطنهم.

وقدم الدكتور صفي الدين حامد عددا من الأسباب التي أدّت إلى تدهور الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر، منها استمرار العمل بقانون الطوارئ لمدة ربع قرن وما انطوى عليه ذلك من شلّ حركة العمل السياسي والحزبي، وإعاقة تقدم الممارسة الديمقراطية من خلال مؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية، وكذلك التلاعب في الانتخابات البرلمانية، والتأثير على استقلال النظام القضائي، وبيع القاعدة الصناعية وسوء إدارة القطاع الزراعي بشكل هدّد الأمن الغذائي المصري وفتح الفساد في أجهزة الدولة الباب واسعا أمام الرشوة والعمولة والمحسوبية، فيما تدهورت خدمات التعليم والصحة، وانخفض مستوى معيشة المواطن العادي.

وأعرب الدكتور صفي الدين حامد عن اعتقاده بأن أسوأ ما وقع خلال ربع القرن الماضي في مصر، هو شيوع ثقافة عدم احترام القانون والمحسوبية والوساطة والفساد دون وجود نظام للمحاسبة، مما أفرز مواطنا مصريا يتّـسم بالأنانية وعدم المسؤولية والسلبية والعبثية، فيما شاع الركود الثقافي وفقدان الأمل في مستقبل أفضل.

ومع تلك الصورة القاتمة، يشعر رئيس التحالف المصري الأمريكي بأمل جديد تُـجسِّـده حالة الحِـراك السياسي في المجتمع المصري خلال الشهور الأخيرة، حيث ارتفعت صيحات المطالبة بالتغيير وإلغاء قانون الطوارئ ومحاربة الفساد، وقال: “إن مهمة التحالف الجديد للمصريين في أمريكا أن يقدم حلولا وسيناريوهات بديلة لمستقبل أفضل لمصر، من خلال مركز للأبحاث يسهم فيه آلاف العلماء وأساتذة الجامعات والخبراء والمثقفون المصريون في جالية مصرية أصبح تعدادها يقترب من نصف مليون مصري أمريكي”.

بيان النقاط العشر

وبعد مناقشات مستفيضة بين الحاضرين وضيوف من الأكاديميين والناشطين من أصول عرقية أوروبية، الذين كانت لهم تجارب سابقة في مساعدة أوطانهم الأم في تحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي، مثل حركة التضامن العمالي في بولندة، أصدر أعضاء تحالف المصريين الأمريكيين بيانا من عشر نقاط، حدّد فيها الخطوات اللازمة لتحقيق الإصلاح الحقيقي في مصر:

· تأكيد حق جميع المصريين، بمن فيهم المغتربون في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية.

· إعادة النظر في الشروط التعجيزية، التي انطوى عليها تعديل المادة 76 من الدستور المصري، والتي حالت دون مشاركة أي مرشح مستقل في انتخابات الرئاسة، وفرغت المنافسة الحقيقية من مضمونها.

· إلغاء القيود المفروضة على تشكيل الأحزاب السياسية، وتوفير مناخ للممارسة الديمقراطية الحقيقية لمنظمات المجتمع المدني والنقابات والمنظمات غير الحكومية.

· إنهاء السيطرة الحكومية على وسائل الإعلام التي سخرت للترويج لمرشح الحزب الوطني.

· وقف العمل فورا بقانون الطوارئ، وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين في الرأي والتعبير والتجمع مع الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.

· السماح لمراقبين، محليّـين ودوليين، بمراقبة الانتخابات القادمة لضمان الحرية والنزاهة وتلافيا للتلاعب.

· تشجيع الحوار الوطني الحقيقي بين جميع القوي السياسية في مصر، للتوصل إلى اتفاق بينها حول متطلبات الإصلاح السياسي والاقتصادي، وتلافي أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام الحالي.

· انتخاب مجلس وطني مصري لصياغة دستور جديد يعكس إقامة دولة ديمقراطية، ويضع حدودا لسلطات رئيس الجمهورية، ويوفر استقلال القضاء وقدرته على أن يُـشرف على سيادة القانون واحترام السلطة التنفيذية له.

· تشجيع حصول المحرومين من الممارسة السياسية على حقهم في المشاركة والشروع في إصلاحات اقتصادية توفر فرصا حقيقية خاصة للشباب.

· تشجيع إقامة نظام لمكافحة الفساد المستشري في الحكومة المصرية لا يستثني أحدا، وضرورة مساءلة كل مسؤول مصري لا يلتزم بالشفافية وفقا للقانون.

الانتخابات المصرية والتحول الديمقراطي

وفي إطار الاهتمام الأمريكي بدعم عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي، نظمت لجنة هلسنكي للأمن والتعاون في أوروبا، وهي وكالة أمريكية تابعة للحكومة الأمريكية مشكّـلة من عدد من أعضاء الكونغرس بمجلسيه، ومسؤولين في وزارت الخارجية، والدفاع، والتجارة ندوة في الكونغرس لتقييم أثر الانتخابات الرئاسية المصرية على عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي، تحدث فيها الدكتور عمرو حمزاوي، كبير الباحثين بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فقال “إنه لا ينبغي المبالغة في وصف أول انتخابات رئاسية تعددية في مصر بأنها قفزة تاريخية، فهي مجرد خطوة إلى الأمام على طريق طويل لفتح نظام شِـبه سُـلطوي أمام التحول نحو الديمقراطية، وإعادة الروح إلى الحِـراك السياسي في مصر بعد طول جمود ولا مبالاة من المواطنين المصريين”.

ووصف الدكتور حمزاوي الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر بأنها افتقرت إلى التنافس الحقيقي، وشهدت مخالفات للأعراف الديمقراطية المعمول بها عالميا.

كما أن تلك الانتخابات أظهرت، بشكل واضح، محدودية نِـطاق الإصلاحات الديمقراطية التي تبناها النظام، وكذلك كشف مدى هامشية المعارضة المصرية التي أخفقت في حشد التأييد الكافي لتحدّي هيمنة الحزب الديمقراطي الحاكم.

وأعرب الدكتور عمرو حمزاوي عن اعتقاده بأن استمرار تطويق الحزب الوطني لمؤسسات الدولة، ومواصلة سياسة القمع الجزئي للنشاط السياسي أسهمت بشكل كبير في إضعاف المعارضة، غير أنه قال “إن هناك العديد من نُـقط الضعف الذاتية في المعارضة المصرية، مثل الافتقار إلى الممارسة الديمقراطية داخل أحزاب المعارضة، وعدم وجود قيادات نشطة تتمتع بالديناميكية، وافتقار تلك الأحزاب للقُـدرة على الوصول إلى القواعد الشعبية في المناطق الريفية، بل إن مجمل أحزاب المعارضة لم تُـفلِـح خلال العامين الذين رفعت فيهما الحكومة شعار الإصلاح في تقديم إجابات واضحة المعالم لكيفية حل المشاكل التي يشعر بها المواطن المصري، مما حال دون قدرتها على حشد أصوات الناخبين”.

وخلص الدكتور عمرو حمزاوي إلى أن الاختبار الحقيقي لقدرة التجربة الديمقراطية في مصر على التأثير في عملية التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي سيتوقف على الانتخابات البرلمانية المصرية في الشهر القادم، وشرح ذلك بقوله: “ستكون تلك الانتخابات أول فرصة حقيقية لتحدّي هيمنة الحزب الوطني الحاكم على مجلس الشعب، ولزيادة تمثيل المعارضة في البرلمان. فإذا نجحت المعارضة في اقتناص 20% من مقاعد مجلس الشعب، ونفذ الرئيس مبارك وعوده الانتخابية بإلغاء قانون الطوارئ وتعديل الدستور، بحيث تتقلص سلطات رئيس الجمهورية ويتمتع النظام القضائي بصلاحيات أوسع في المراقبة والإشراف، وأن يبدأ الحوار الوطني بين كافة الفئات السياسية للاتفاق على تصور لكيفية مواجهة مشاكل مصر، فستكون تلك فاتحة لمرحلة جديدة من الإصلاح السياسي في مصر”.

ونبه الدكتور حمزاوي إلى أن ما يحدث على ضفاف النيل في مصر، كان يؤثر على مدى التاريخ على ما يحدث في العالم العربي، لذلك، فلو تواصلت عملية الانفتاح السياسي في مصر بعيدا عن التجميل أو التوريث، ستكون نقطة انطلاق إيجابية لعملية التحول الديمقراطي في العالم العربي ككل.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية