مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“أين حقي في البترول”.. ديمقراطية مباشرة على الطريقة التونسية؟

ناشطة ترفع لافتة كتب عليها "حقي في البترول" خلال وقفة احتجاجية نظمت وسط العاصمة التونسية يوم 30 مايو 2015. Keystone

يمكن القول بأن حركة المطالبة بالبحث عن البترول في تونس، قد هدأت دون أن يعني ذلك أن الملف قد أغلِق نهائيا. فالذين أطلقوا هذه المبادرة تحت عنوان "وينو حقي في البترول" (أين حقي في البترول)، لم يلقوا المنديل الأبيض ولم يعلنوا عن فشلهم في تحقيق مطلبهم، ولا يزال الكثير منهم مُصِرّا على أن الحكومة تخفي حقائق كثيرة عن الثروات الطبيعية المَخفِية تحت الأرض التونسية، لكنهم نجحوا في المقابل في إثارة الرأي العام ودفعوا الحكومة والشركات المعنية بالأنشطة البترولية إلى تجنيد قِواها للردّ على هذه الإتهامات الخطيرة. فهل تندرِج هذه المبادرة ضِمن ممارسة ما يُعرف بـ "الديمقراطية المباشرة"؟

لا يزال السؤال مطروحا في تونس حول مَن كان يقِف وراء حملة “وينو البترول”، وتحديدا هل كانت المبادرة صادرة عن فعاليات تندرِج ضِمن المجتمع المدني، أم أنها كانت عملية سياسية خطّط لها سياسيون من أجل تضييق الخِناق على الحكومة والعمل على إسقاطها.

في الواقع، قيل الكثير عن خلفِيات الحملة. فهناك مَن اتّهم الرئيس السابق المنصف المرزوقي بالوقوف وراءها، وذلك في سياق تفعيل مبادرته التي سمّاها “حراك المواطنين”. وهناك مَن اتّهم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، كما تمّ الحديث عن مؤامرة خارجية تهدِف إلى إحداث فِتنة داخل تونس، وأن المستهدف من وراء ذلك الجزائر، بحُكم أنها البلد المغاربي الأكثر إنتاجا للنفط إلى جانب ليبيا، وهو ما أشارت إليه بعض الصحف الجزائرية.

وقد حرِص رئيس الحكومة الحبيب الصيد أن يبتعد عن الخُصومة التي قامت بين الدّاعمين لهذه الحملة وبين المُهاجمين لها، حول هوية المسؤولين عن الحملة، حيث اعتبرهم تونسيين، مؤكِّدا بالخصوص على أن “الديمقراطية تُتيح لهم التعبير عن آرائهم”، مؤكِّدا أن “مَن تكلّموا في المسألة، ظهرت صُورهم وتصريحاتهم في وسائل الإعلام، وأن هذا دورهم ولا وجود لتونسي لا يريد الخيْر لبلاده”. وبذلك يكون رئيس الحكومة قد تجنّب أسلوب التضخيم والحديث عن مؤامرة خارجية تقِف وراءها أطراف إقليمية، مثل دولة قطر، كما فعل ذلك البعض.

تفيد المعلومات المتوفِّرة أن المبادرة انطلقت مدنية، وجاءت خطواتها الأولى عبْر الإنترنت، قبل أن تسندها أطراف وشخصيات سياسية، ومن بينها رئيس الجمهورية السابق د. المنصف المرزوقي، الذي علّق على خصومه الذين اعتبروه الطَّرف المُحرّض عليه، قائلا “هذا شرف لا أدّعيه”.

انطلقت الشرارة الأولى عندما أصدرت دائرة المحاسبات – التي ستُصبح محكمة في المستقبل القريب، والتي تقوم حاليا بدور رقابي هام – تقريرا عدد 27 أكّدت فيه “وجود فساد في قطاع الطاقة” واتّهمت عدّة شركات تعمل في هذا القطاع بـ “ارتكاب تجاوزات وسوء تصرف يتعلق باستغلال رُخَص البترول”، كما كشف التقرير عن أن “أصحاب الامتيازات لا يلتزمون دائما الحلول الهادفة لتثمين الغاز الموجود في آبار النفط . هذه المعلومات تلقّفها بعض الخبراء وجمعيات تشتغل على مسألة الدفاع عن الشفافية وعن الثروات الطبيعية، ومن بينها البترول، لتطالب بالكشف عن المُعطيات الكاملة الخاصة بحجْم المخزون من النفط والمداخيل المالية التي حصلت عليها تونس منذ اكتشاف هذه المادة الحيوية وكيفية التصرّف فيها بعد الثورة، ووجّهت اتهامات للشركات الأجنبية المُستثمِرة في مجال الطاقة بتونس واتّهمتها بابتزاز الطرف التونسي وسرِقة البترول من خلال شرائها له بثمن بخس والهيمنة عليه بشكل يكاد يكون مُطلقا، بل ذهبت الحملة إلى أبعَد من ذلك، عندما اتهمت الحكومات المتعاقِبة، وخاصة رئيس الحكومة السابق المهدي جمعة، بالتواطُؤ مع هذه الشركات الأجنبية لتحقيق مكاسِب غير معلومة.

اتهامات واحتجاجات

كما تطايرت الاتهامات يمينا وشِمالا، لتشمل أيضا رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة السيدة بوشماوي بحُجّة أن أسْرتها معروفة باستثماراتها الواسِعة في مجال الطاقة. واتّهمت بعض الأطراف الواقفة وراء الحملة السيدة بوشماوي بالاتصال بالسفير الفرنسي عن طريق رسالة وجّهتها إليه وطالبت فيها فرنسا بالتدخّل في تونس، على إثر تصاعُد حملة “وينو البترول”، وهو ما دفع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية لتفنيد ما راج من أخبار على عدد من المواقع الإلكترونية حول توجيه رئيسة الاتحاد وداد بوشماوي رسالة إلى سفير دولة أجنبية.وأكّدت منظمة الأعراف في أن الخبر “عار عن الصحة ويدخل في إطار حملة مغرضة” تستهدف المنظمة.

كما اندفع السفير الفرنسي بتونس للاحتجاج على اتّهام بلاده باستغلال التونسيين، من خلال الشركات الفرنسية العاملة بتونس.

لم تقف الحَملة عند المواقع الاجتماعية وتنظيم المؤتمرات الصحفية والاشتباك مع وسائل الإعلام المختلفة، الورقية والسمعية والمرئية، وإنما تحوّلت إلى وقفات احتجاجية بعديد المُدن لتنقلِب إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقِوى الأمنية في أكثر من مدينة بالجنوب التونسي، مما دفع بالحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في بعد المدن، من بينها مدينة دوز”.

من الصحف وشاشات التلفزيون، انتقلت المعركة إلى قبّة البرلمان، حيث تمّت دعوة رئيس الحكومة إلى جلسة استِماع، كما انتظمت بعدها مُباشرة جلسة مساءلة لوزير الصناعة والطاقة والمناجم، الذي قدّم كل المعطيات التي بحوزته والخاصة بملف الثروة الطاقية في تونس.

كادت أن تتحوّل حملة “وينو البترول”، إلى حركة اجتماعية، لو استمرت لفترة أخرى أن يكون لها تداعيات على مجمل الأوضاع السياسية في تونس. ولعلّ ما حدث في بعض مُدن الجنوب من مواجهات عنيفة، دفعت بوزارة الداخلية إلى سحْب قوات الأمن من بعض المدن، هو الذي أضاء الأضواء الحمراء وجعل الحملة تتراجع، بعد أن بدأ أصحابها يتبرّؤون من العُنف الذي ساد في بعض هذه المناطق.

كان من أبرز نقاط الضّعف في هذه الحملة، عدم دقة المعطيات التي استندت عليها، لكنها في المقابل، كشفت عن قُدرة منظمات قاعدية تكون مدعُوة ببعض الأطراف السياسية، على ممارسة الضغط وإجبار الحكومة ومؤسسات القطاع العام على الوقوف في موقِع الدفاع، للإجابة على الأسئلة الحرجة والحارقة.

ومن هذه الزاوية، يمكن القول بأن الحملة، رغم ثغراتها العديدة، قد أشّرت عن وجود بعض المقومات لممارسة الديمقراطية المباشرة بتونس، لكن مثل هذه المبادرات يجب أن تكون حذِرة ومسؤولة، لأنها تتحرّك في ظل أوضاع لا تزال صعْبة وهشّة وقابلة لدفع البلاد نحو المجهول.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية