مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مُسودة القانون الجنائي الجديد تُطلق جدلا مُجتمعيا في المغرب

اقترن الجدل حول مسودة القانون الجنائي الجديد في المغرب بإثارة النقاش مجددا بين مؤيدي عقوبة الإعدام والداعين إلى إلغائها. في الصورة: ناشطة حقوقية ترفع حبل مشنقة خلال وقفة احتجاجية لمناهضة عقوبة الإعدام نظمتها جمعيات مدافعة عن حقوق الإنسان يوم 10 أكتوبر 2013 أمام مقر البرلمان في مدينة الرباط. Keystone

لا زالت نيران مشروع القانون الجنائي المغربي خامدة تحت الرماد بانتظار العودة السياسية في شهر أكتوبر القادم، كي تشتعل ألْسِنة لهيبها من جديد. فالجِدال حول المُسودّة لم يكتمِل ولم يأخذ مَداه طوال الأشهر الخمسة الماضية، حيث واصل كل طرف مُرابطته بخَندَقِه باستراحة مُحارب وإعداد سلاح المُواجهة، حُججا قانونية وآراء سياسية ومواقف اجتماعية، تمهيدا لخوض جوْلة جديدة من الصراع.

في شهر مارس 2015، طرحت وزارة العدل والحريات رابط خارجيمُسودة المشروع على موقِعها الإلكتروني ودعت المعنيِّين لمناقشتها، قبل أن تُقدَّم في صيغة مشروع قانون لمجلس حكومي يُقِرّه مجلس وزاري قبل عرضه في مرحلة لاحقة على البرلمانرابط خارجي للمُصادقة عليه.

المُسودّة المقترحةرابط خارجي، التي بدأ الإشتغال عليها سنة 2014، أدخلت 500 تعديل على القانون الجنائي الجاري به العمل حاليا، في حين تمّ حذف 40 مادة وإضافة 187 مادة جديدة، وهي تعديلات تذهب باتجاه ما راكمه المغرب من تجربة في ميدان الحريات وحقوق الإنسان وأيضا تساوقا مع ما يشهده العالم من تطوّر في هذه الميادين.

وفي تصريحاته، قال مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المغربي إن المسودة تأتي “في إطار تنزيل الدستور رابط خارجيوتعزيز القضاء للحقوق والحريات”، وشدد على أن المَرجَعيات التي أعدّت على أساسها المسودّة، تأتي على رأسها مُلاءمة القانون الجنائي مع الدستور وتقوية الحماية القانونية والقضائية للأفراد، خاصة الذين في حالة هشاشة، والملاءمة مع الاتفاقيات الدولية المتعلِّقة بحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، دون أن تشمل هذه الاقتراحات ما يضرب إسلامية الدولة التي يرأسها أمير المؤمنين.

نقاش صاخب

الوثيقة/ المسودّة أثارت طوال الأشهر الماضية نقاشا صاخِبا، من خلال ندوات أو تصريحات برامج تلفزيونية، ومع تأكيد وزير العدل على أنها “اجتهاد قابل للصواب والخطأ، أن النقاش حول المسودة لا زال مفتوحا، وأنه مُقبِل على جميع الإقتراحات”، إلا أنها لم تلْـقَ القبول من طرف جمعيات وهيئات حقوقية، اعتبرت أن بعض فصولها “مُخالِفة للدستور ومسّا بحقوق الإنسان وتراجُعا عن بعض المكاسِب التي تحقّقت في البلاد في هذا الميدان”، خاصة ما ورد فيها من تنصيص على عقوبة الإعدام والحريات الشخصية.

ومع أن القانون الجنائي هو أسمى قوانين الدولة بعد الدستور، إلا أن النقاش الذي دار حول مسودّة مشروع القانون الجنائي أولى اهتماما لقضايا آنية يمكن اعتبارها هامشية، باستثناء النقاش حول عقوبة الإعدام، إذ بقيت القضايا الأخرى لا تشكِّل ظاهرة تحتاج إلى هذا النقاش بقدْر ما كانت حوادث متفرِّقة، مثل تجريم الإفطار العلني في شهر رمضان والعلاقات الجنسية الرضائية (غير الشرعية) واللباس.

في نص المسودة، اقتصرت عقوبة الإعدام على “الجرائم الخطيرة والرّهيبة والبشِعة وجرائم القتل المشدّد والمسّ بأمن الدولة، الداخلي والخارجي”، إذ انتقل عدد المواد التي تنصّ على عقوبة الإعدام من 31 مادة إلى 8 مواد مع إضافة 3 مواد أخرى. في الأثناء، أبدى وزير العدل استعداده للإستماع إلى آراء مُناهضي ما جاءت به المسودّة في هذا المجال، وقال 

وقال الرّميد: “إن المراجعة بشأن عقوبة المؤبّد شملت 27 مادة تنصّ على هذه العقوبة، وتمّ تحويل 13 مادة تعاقب بالسّجن المؤبّد إلى السجن المحدّد وإضافة 23 مادة تتضمّن هذه العقوبة كانت معاقبة بالإعدام، وإحداث خمس مواد جديدة تعاقِب بالسجن المؤبّد بتجريم أفعال جديدة، وبذلك يبلغ عدد المواد التي تعاقِب بالسجن المؤبّد 37 مادة”.

أنا مع تقليص حالات الحُكم بالإعدام، والنقاش حول هذا الموضوع مُستمِر ولن نغلقه اليوم، ومن المُمكن أن نتناقش وننقص أو نزيد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المغربي

ولدى استعراضه للعقوبات الحبسية والمستجدّات التي أتت بها هذه المسودّة، أشار الوزير إلى أنه تمّ استبدال بعض العقوبات السالِبة للحرية قصيرة الأمد بغرامات مالية فقط، واستبدال بعض العقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد المقرونة بغرامات مالية بغرامة فقط، واستبدال عقوبة التجريد من الحقوق الوطنية أو الإقامة الإجبارية بالحبْس من سَنة إلى خمْس سنوات، بالإضافة إلى حذف العقوبة السالبة للحرية، أي الإعتقال في المخالفات مع منح المحكمة صلاحيات التوقيف الجُزئي للعقوبات السِّجنية التي لا تتجاوز عشر سنوات، دون أن تنزل عن نصف العقوبة المحكوم بها.

المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام

محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسانرابط خارجي (هيئة رسمية) انتقد “الخلفية المحافظة” للمسودّة، وقال: “إذا كُنا سنتمسّك بهذا الموضوع من خلفية نظام عقوبات الإسلام، فلماذا لا نتمسّك بالرّجم والجلد وغيرها من العقوبات، ونتمسّك بهذه العقوبة فقط”، ودعا إلى إلغاء عقوبة الإعدام بصفة نهائية من مشروع القانون، ما دامت لم تُـنفَّذ في المغرب منذ سنة 1993، لأن “الأحكام القانونية تستمِدّ قوّتها المادية في تنفيذها وليس في عدم تنفيذها”.

الصبّار أشار أيضا إلى أن عددا من الدراسات أثبتت أن عقوبة الإعدام “لا أثر لها في تخفيض الجرائم المُوجبة لها”، لافتا إلى دولتيْ الصين وإيران اللّتين تعاقبان بالإعدام في جرائم المخدّرات، إلا أن هذه الجرائم في تصاعُد مستمِر، كما نبّه إلى الأحكام القضائية الخاطئة التي يُمكن أن تنزل بالإعدام على أبرياء. فالقضاء الأمريكي أطلق في ظرف ستة أشهر محكوميْن بالإعدام بالخطأ.

في السياق، دافع محمد الصبّار عن موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان المُطالِب بإلغاء عقوبة الإعدام، مستنِدا إلى أن عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام “الوحشية” في تزايد مستمر، وقال: “من غير المقبول ونحن بلد نتوخّى أن نرتقي بهذه الديمقراطية الناشئة في جنوب المتوسط إلى مصاف الدول الديمقراطية، أن نبقى عليها”.

“تداخل بين الشأن الخاص والشأن العام…”

من جهتها، أشارت أمينة بوعياش، الأمينة العامة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسانرابط خارجي والرئيسة السابقة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسانرابط خارجي، إلى وجود تداخل بين الشأن الخاص والشأن العام في القانون الجنائي، وانطوائه على الْتِباس وغموض بخصوص تجريم ازدراء الأديان، ما من شأنه تقييد حرية الفِكر والتعبير، بعدم وضوح استراتيجية التقليص من عقوبة الإعدام والإلْتباس بخصوص التنصيص على العقوبات البديلة.

في الأثناء، يعيش المغرب منذ أسابيع على وقع الإنغماس في قضايا “هامشية” اعتُبرت أساسية ورُبطت بالحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان، وذهبت بعض الأطراف إلى إيلائها الأهمية القصوى في مناقشة مسودّة مشروع القانون الجنائي كما هيْمنت حوادث تتعلّق بالحرية الجِنسية أو حرية اللباس والدِّين على النقاش، لتأخذ بُعدا سياسيا وتتحوّل تاليا إلى مِحوَر النقاش الأساسي للنُّخبة.

النِّقاش الذي أثير حول هذه القضايا وكيفية معالجتها من طرف المسودّة المنشورة للقانون الجنائي الجديد، كشف عن توجّه “ثوري” لمصطفى الرميد، وهو العضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنميةرابط خارجي، التشكيلة الرئيسية بالحكومة وذات المرجعية الإسلامية، الذي صرح أن القانون الجنائي ليس قانونا للحقوق والحريات فحسب، بل هو أيضا قانون لمكافحة وردْع الجريمة، حيث أن الأمر يتعلّق بنصّ له خصائص متميِّزة وأن منسوب الإهتمام به كان أكبر من أيّ مشروع قانون آخر، باعتباره يناقش ويؤطِّر وينظِّم المُباح والممنوع في علاقات الإنسان بالآخر وبالمؤسسات وبالقِيم السائدة في مجتمعه، واعتبر الوزير أن الخلاف القائم حول بعض بنود القانون راقٍ ومتحضِّر لا يؤثر على نتائج النقاش.

الرميد قال أيضا إن المسودّة لا تتضمن أي نصوص تعاقِب على تغيير أي شخص لدِيانته، وأنه طالَب النيابة العامة بإطلاق سراح شخص تمّ اعتقاله بسبب تغيير دِيانته، إذ لا وجود لنصٍّ في القانون المغربي يُعاقِب على تغيير الدِّين. وهناك اعتماد لمبدإ “مَن شاء فليُؤمِن ومَن شاء فليكفُـر”، وقال “نؤمن أنه لا حاجة لمُصادرة حقّ الناس في الإعتقاد، فمَن غيَّر دِينه لا عقوبة عليه إطلاقا”.

وشدّد على أن العقوبات المُرتبطة بتغيير الدِّين لها علاقة بوجود استِغلالٍ من نوْع خاص، كاستغلال الهشاشة الإقتصادية والعُمرية لتغيير الدّين وقال: “هل من حقِّنا أن نسمح لأحد أن يستغلّ فقْر مواطن ليُغيِّر دِينه، ومَن أراد أن يخاطب أحدا فليُخاطب عقْله وليرده عن دِينه أو لا يردّه، لكن لا يمكن لأي دولة محترمة أن تسمح له أن يخاطِب جوعه”.

وأكد أن القانون الجنائي لن يتدخّل في حال تحوَّل الناس إلى المسيحية أو إلى الإلحاد فذلك “همّهم مع موْلاهم”، وأن أي تدخّل قانوني سيكون ملائما في حال استغلال ضعف الناس لتغيير دينهم. وفيما يخص مسألة ازدراء الأديان، أكّد الرميد أنها لا تتعلق بازدراء الذّات الإلهية والأنبياء، ولا تشمل الأديان بشكل عام، وذلك من أجل أن لا يتم تقييد حرية الفِكر، خاصة إذا تعلّق الأمر بقضايا قد تكون فيها العديد من وجهات النّظر، كالإرث مثلا، ولهذا لا يمكن أن يكون محلّا للمساءلة القضائية.

وبالنسبة لموضوع الجهر بالإفطار في رمضان، قال الرميد إنه أبلَغ جميع النيابات العامة في البلاد بضرورة التفريق بين الفضاءات العامة والفضاءات الخاصة في عدد من القضايا، خاصة تلك المتعلّقة بالإفطار في رمضان والعلاقات الجنسية غير الشرعية.

اختزال النقاش

على صعيد آخر، انتقدت جمعية الحرية الآن رابط خارجي“اختزال النقاش” حول مسودّة مشروع القانون الجنائي في القضايا المُتعلقة بالحريات الفردية، من قبيل تجريم العلاقات الجنسية الرضائية وتشديد العقوبات على الإفطار العلني في شهر رمضان وغيرها، واعتبرت أن ذلك “الإختزال” من شأنه أن يؤدّي إلى التغطية على ما تتضمّنه هذه المُسودّة من جرائم وعقوبات خطيرة تمسّ الحريات العامة، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم والتجمع والتظاهر، فضلا عن الحريات النقابية.

الجمعية ذهبت أيضا إلى أن “وضعية حقوق الإنسان في المغرب بصِفة عامة، وحرية الصحافة والتعبير بصفة خاصة، لا تزال في تراجُع مضطرِد، حيث تتعرّض باستمرار لانتهاكات وتجاوزات أقلّ ما يقال عنها أنها تمثل ردّة حقيقية لخطاب حقوق الإنسان المسوق على المستوى الرسمي، ونكثا واضحا لتعهّدات المغرب والتزاماته الدولية في هذا المجال”.

خلاصة القول، كان النقاش محتدما وصاخبا حول “مُسودة” القانون، ثم هدأت الأمور مع قدوم فصل الصيف. وفي انتظار مرور الإستحقاقات الإنتخابية (المحلية والمهنية) التي انطلقت في الأسبوع الأول من أغسطس الجاري وتنتهي في أوائل شهر أكتوبر المقبل، سيتجدّد السجال حول التعديلات التي ستدخل على المسودّة لتنطلِق الدورة الثانية من نقاش مجتمعي يهُم كل الجوانب الحياتية للمواطن المغربي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية