مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ماري روبنسون، مناصرة حقوق الإنسان

امرأة
ماري روبنسون في عام 2000، خلال فترة عملها كمفوضة سامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. Keystone / Laurent Gillieron

اعتقدت في كثير من الأحيان، خلال فترة عملي كمراسلة في جنيف، أن أكثر المهام التي تحظى بالقليل بالعرفان في الأمم المتحدة هي مهمة مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. حيث لا توزيع للطرود الغذائية كما هو الحال في برنامج الأغذية العالمي، ولا إنشاء مدارس في مخيمات اللاجئين مثل اليونيسف، ولا برامج تلقيح مثل منظمة الصحة العالمية.

كمفوض لحقوق الإنسان قد لا ترغب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في أن تشكرك على أي شيء للوهلة الأولى، فوظيفتك هي أن تراقب عن كثب كيفية دعم الحكومات لحقوق الإنسان أو انتهاكها لها. والتحقيق في الانتهاكات المزعومة، بما في ذلك أسوأ الفظائع وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ولإعلام الجناة بأنك على علم ما يفعلونه وحثهم على التوقف. وقد تقرر أيضا الإعلان عن ذلك وإخبار الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بالنتائج التي توصلت إليها.

ولا عجب إذن أن يفيد مفوضو حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأنهم يشعرون بالوحدة ويُساء فهمهم ولا يحظون بالتقدير.

ولكننا في بودكاست من داخل جنيف / Inside Geneva، نأمل أن نمنح هؤلاء المفوضين صوتا، بعيدا عن حرج السياسة التي مارسوها خلال توليهم منصبهم.

أجرينا مقابلة متعمقة مع أول مفوضة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وهو خوسيه أيالا لاسو. ونتابع هذا الأسبوع بإجراء لقاء مع خليفته ماري روبنسون.

بالامكان الاستماع إلى الحوار مع مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السابقة بالنقر على هذه المادة الصوتية:

محتويات خارجية

 قال لي أصدقائي، “لا تفعلي ذلك”

عندما تولت الوظيفة في عام 1997، كانت ماري روبنسون تتمتع بالفعل بمسار مهني ممتاز.

فقد نشأت في أيرلندا في الخمسينات من القرن الماضي وهي الابنة الوحيدة بين أربعة أبناء، وتتذكر أنها اضطرت إلى تطوير “شخصية قوية”. وأكد لها والداها أنها لن تعامل بشكل مختلف عن إخوتها الذكور ولم تُعامل بشكل مختلف.

لكن كانت الأمور مختلفة، خارج منزل العائلة في المجتمع الأيرلندي.

ودعت أثناء دراستها للقانون في دبلن، إلى إنهاء منع الطلاق وإضفاء الشرعية على وسائل منع الحمل، وإلغاء تجريم المثلية الجنسية. وأصبحت روبنسون بحلول عام 1969، عند بلوغها سن 25 عاما، أستاذة للقانون، ودخلت السياسة كعضو في مجلس الشيوخ الأيرلندي.

وواصلت حملتها داخل مجلس الشيوخ، وسرعان ما اكتشفت أن محاولة تحويل قيمها العليا إلى تشريعات يختلف تماما عن مناقشتها مع الطلاب في جمعية القانون.

وتتذكر أنه كان هناك “غضب لا يصدق”. و”تعرضت للتشهير، وتلقيت رسائل مزعجة للغاية.”

وواصلت روبنسون مسارها دون خوف، حيث جلبت قيمها العليا إلى البرلمان ورفعت حتى بعض القضايا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على الرغم من المعارضة، وتمتعت بشعبية كبيرة، جعلتها تصبح أول رئيسة لأيرلندا في عام 1990.

روبنسون من ذوي الخبرة، واعتادت على النقد، كما أنها ناشطة لا تكل من أجل الحقوق والحريات الأساسية. ولم يكن من مرشح أفضل منها يمكن أن يختاره الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، كوفي عنان، ليكون مفوضه المقبل لحقوق الإنسان؟

لكن ورغم حماسها، إلا أنها ترددت. “قال جميع أصدقائي الذين لديهم دراية،” اعلمي يا ماري بأننا ما كنا لنقبل هذه الوظيفة لو عرضت علينا”

الإذلال والإرهاق والمثابرة

لكنها تجاهلت مخاوف المحيطين بها، وقبلت الترشيح. بعدها بوقت قصير، بدت تحفظات أصدقائها مبررة. وعند وصولها إلى جنيف، اتخذت موقفا لم تعتده منظومة الأمم المتحدة بعد، حيث قررت القيام برحلة تشمل بلدانا متعددة في إفريقيا. وشملت هذه الجولة رواندا.

وهناك، حيث أودت الإبادة الجماعية، قبل فترة قصيرة آنذاك، بحياة ما يقرب من مليون شخص، كان الناس يتذكرون جيدا فشل الأمم المتحدة في منع أعمال العنف.

ولم تتلق روبنسون، التي سبق لها أن حظيت بالترحيب خلال ثلاث زيارات إلى رواندا أجرتها كرئيسة لأيرلندا، نفس حسن الضيافة عندما وصلت وهي تمثل دورها الجديد. وقالت “عندما جئت بصفتي ممثلة للأمم المتحدة، تجاهلوني تماما، وفي الواقع أهانوني نوعا ما”.

وسافرت من دون أن ترتدع من رواندا إلى أوغندا، ثم جنوب أفريقيا، ليصبح نيلسون مانديلا خلال هذه الزيارة صديقا مقربا لها. وعند عودتها إلى أيرلندا لقضاء العطلة، شعرت بالإرهاق والإحباط. وتحكي أنها لم ترغب حتى في رؤية عائلتها. وكان تحذير شقيقها لها بأنها تقترب من الإنهاك بمثابة جرس تنبيه.

“أتذكر أنني قلت لنفسي ” سأتغلب على ذلك بطريقة ما. هذه المهمة مستحيلة، فكل شيء صعب للغاية، إنه عمل شاق للغاية، لكنني سأتغلب على كل ذلك بطريقة ما، وتحسن الوضع بعد ذلك”.

بعض النجاحات والعديد من التحديات

قررت روبنسون بأن أفضل طريقة للترويج لعمل المنظمة في مجال حقوق الإنسان تتجلى في زيارة أكبر عدد ممكن من البلدان. وعادت إلى أفريقيا، وزارت الصين – وهو أمر لم يتمكن معظم مسؤولي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في ذلك الوقت من القيام به – وزارت حتى التبت.

وتحدثت عن حقوق المهاجرين وعن استخدام عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة. ثم جاء حدث طالما حلم به الكثيرون في الأمم المتحدة: المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية، الذي عقد في ديربان، في جنوب أفريقيا في عام 2001. وكان الحدث مصدر أمل مسؤولي الأمم المتحدة في أن تتمكن المنظمات خلاله من إظهار قيادة حقيقية.

مددت روبنسون ولايتها لمدة عام لرئاسة المؤتمر. وقبل هذا الحدث، قامت برحلة إلى طهران لرئاسة اجتماع تحضيري.

لكن هنا أصبح الحلم كابوسا نوعا ما.

ولم يكن خيارها عقد الاجتماع في إيران، كما أنها لم توافق على صياغة الوثيقة الختامية، التي اعتبر بعضها على نطاق واسع معاديا للسامية.

وفي بيروقراطية الأمم المتحدة المتشعبة المعتادة، وضعت كل الصياغة المثيرة للجدل بين قوسين، مما يعني أنه لم يتم الاتفاق عليها. وفي رأي روبنسون “لن يتم الاتفاق عليها أبدا”.

ومع ذلك، كانت إسرائيل غاضبة. وكذلك كان الحال بالنسبة للولايات المتحدة، أقرب حليف لها. وبدأ مؤتمر ديربان الذي علقت عليه الكثير من الآمال، والذي تقول روبنسون إنها “وضعت قلبها وروحها فيه” في الانهيار، وفي النهاية، انتهى بكارثة: حيث انسحبت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل من المؤتمر.

وفي إطار الحديث معها في بودكاست من داخل جنيف/ Inside Geneva ، من الواضح أن ماري روبنسون ما تزال تشعر بالأسى والإحباط من كيفية تطور أحداث مؤتمر ديربان. واتهمت في بعض أقسام الصحافة الأمريكية والإسرائيلية بأنها معادية للسامية، وهو أمر تقول إنه بعيد كل البعد عن الحقيقة، وحتى أنها فشلت في الدفاع عن نفسها.

وهي ترى بأن الوثيقة الختامية لمؤتمر ديربان كانت ذات رؤية، حيث وضعت مبادئ للأمم المتحدة لمكافحة العنصرية. ويتفق معها البعض اليوم، لكن عملية ديربان بأكملها لا يزال يطغى عليها الجدل الذي أحاط بها.

لقد تركت روبنسون منصبها كمفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2002، لكنها تواصل تكريس حياتها لحقوق الإنسان. والآن، تحول تركيزها إلى تغير المناخ الذي تعترف بأنها أهملته خلال فترة عملها في الأمم المتحدة.

ما هي رسالتها الآن؟

“إن حقوق الإنسان هي الحل. ونحن بحاجة إلى أن نفهم ضرورة تمتع كل شخص بحقوق الإنسان الأساسية هذه، وأن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق.  وهذا هو ما يعرفنا. أعتقد أن هناك فهما حقيقيا لأهمية قيمنا وحقوق الإنسان ونهج العدالة المناخية، والحاجة إلى تحقيق المزيد من العدالة والإنصاف، والمساواة بين الجنسين والشمولية وعدم التمييز. ويكتسي ذلك العالم أهمية أكثر من أي وقت مضى”.

لسماع المزيد، استمع إلى أحدث حلقة من بودكاست من داخل جنيف /  Inside Geneva !

 ترجمة: مصطفى قنفودي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية