مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

«ميزان القوى في طريقه للتحول لصالح الموظفين»

مظاهرة لعمال البناء
يسير عدة آلاف من عمال حضائر البناء من جميع أنحاء سويسرا الناطقة بالفرنسية في شوارع مدينة لوزان للاحتجاج عن تدهور ظروف عملهم، خلال اليوم الثاني من اضراب عمال البناء، يوم الثلاثاء 8 نوفمبر 2022. (كيستون/سالفاتور دي نولفي) © Keystone / Salvatore Di Nolfi

مع نسب التضخم المرتفعة، تتسم مفاوضات الرواتب والأجور هذا الخريف بأهمية خاصة. ولِوَقف تدهور القوة الشرائية، تطالب النقابات السويسرية بزيادة الرواتب بنسبة 3 إلى 5% لعام 2023. ويعتقد دانيال أوش، الخبير بسوق العمل في جامعة لوزان، أنَّ نقص اليد العاملة يمكن أن يكون عاملا حاسما لصالح تلك النقابات.

لقد خسر الموظفون السويسريون إجمالا 2,2% من رواتبهم الحقيقية هذا العام. ففي الواقع، تمَّ امتصاص الزيادة الطفيفةرابط خارجي المُتفق عليها بين الشركاء الاجتماعيين بشكل كامل في نهاية عام 2021 من خلال ارتفاع الأسعار بنسبة 3%. وتعتبر المنظمات النقابية الرئيسية في البلاد أنَّ التوازن ضروري حتى في وقت متأخر. وقررت النقابات الذهاب إلى طاولة المفاوضات للمطالبة بزيادة تتراوح بين 3 و5%رابط خارجي لعام 2023.

في الوقت ذاته، شددت بعض المهن من لهجتها. حيث تظاهر عمال البناء في جميع أنحاء سويسرا يومي 7 و8 نوفمبر للدفاع عن ظروف عملهم والمطالبة برفع الأجور. فهم يعارضون مقترحات جمعية رجال الأعمال السويسرية، التي تريد من ضمن أمور أخرى، تسجيل مرونة وقت العمل في اتفاقية العمل الجماعي (CCT)، التي تتم إعادة مناقشتها حالياً.

ويُلقي أستاذ علم الاجتماع في جامعة لوزان، دانيال أوش، الضوء على المفاوضات حول الرواتب الجارية حالياً في سويسرا.

يعتقد دانيال أوش أن الشراكة الاجتماعية في وضع جيد في سويسرا. DR

SWI swissinfo.ch: هل سيكون نقص اليد العاملة، الذي يطال العديد من القطاعات والشركات، عاملا حاسما لصالح الموظفين في مفاوضات الرواتب هذا العام؟

دانيال أوش: إنَّ ندرة اليد العاملة هي عامل حاسم لتطور الرواتب. فتأثيرها أكبر من تأثير ارتفاع إجمالي الناتج المحلي (PIB)، الذي لا يقترن بالضرورة بزيادة تلقائية للأجور. لكن، للمرة الأولى منذ عدة عقود، جفَّ سوق عمل الأجانب وصار من الصعب جداً جذب اليد العاملة الأوروبية، لأنَّ جيراننا يواجهون نفس صعوبات التوظيف التي نواجهها. وبالتالي، ميزان القوى في طريقه للتحول لصالح الموظفين. 

التضخم هو الموضوع المركزي الآخر في الوقت الراهن. هل تنص العديد من اتفاقيات العمل الجماعية (CCT) على تعويض كامل عن ارتفاع الأسعار، كما هو الحال في صناعة الساعات على سبيل المثال؟

دانيال أوش: لا، هذا بالأحرى استثناء وليس قاعدة. لقد تمَّ حذف هذا البند من معظم اتفاقيات العمل الجماعية أثناء الأزمة الاقتصادية في التسعينيات. وبسبب التضخم الكبير الذي حدث في أوائل التسعينيات (4 إلى 5%)، لم يعد أرباب العمل يرغبون بأن يتمَّ تعويض ارتفاع الأسعار تلقائياً. فقد كانت نسبة البطالة العالية المصاحبة بضعف النقابات لصالح أرباب العمل، الذين تمكنوا من التفاوض على اتفاقيات عمل جماعية جديدة أفضل بالنسبة لهم.

وبالتالي، في وقتنا الحالي، لم يعد التعويض الكلي والكامل عن ارتفاع الأسعار مضموناً، إلا أنَّ معظم اتفاقيات العمل الجماعية تذكره كعنصر يجب أخذه بالاعتبار في المفاوضات، تماماً كما هو الحال بالنسبة لزيادة الإنتاج والوضع الاقتصادي للقطاع أو للشركة.

مع ذلك،بحسب توقعات كريدي سويسرابط خارجي، من المحتمل ألا تُعوّض زيادة الرواتب لهذا العام التضخم بشكل كامل. هل ينتهي الأمر دائماً بخسارة الموظفين من جولات المفاوضات هذه؟

دانيال أوش: لا، عبر التاريخ، ترتفع الأجور في سويسرا بوتيرة أسرع من معدل التضخم. فخلال العقدين الماضيين، شهدت الرواتب ارتفاعاً وسطياً بمعدل 1,2% سنوياً في حين كانت نسبة التضخم 0,5%. عام 2022 هو عام استثنائي بسبب معدل التضخم الذي بلغ 3%. ومع ذلك، تبقى الرواتب مرتفعة في سويسرا مقارنة بالدول الأوروبية.

محتويات خارجية

عملياً، كيف تجري مفاوضات الرواتب هذه في سويسرا؟

دانيال أوش: هناك ثلاثة نماذج ممكنة. النموذج الأول يتمثل في التفاوض على زيادة الأجور لقطاع عمل بأكمله، مثل قطاع البناء أو قطاع صناعة الساعات. في النموذج الثاني، تجري المفاوضات بين ممثلي النقابات وإدارة الشركة، على سبيل المثال سلسلة متاجر البيع بالتجزئة (Coop) أو السكك الحديدية الفدرالية (CFF).

وأخيراً، في النموذج الثالث، تتم المفاوضات مباشرة بين إدارة الشركة ولجنة شؤون الموظفين، كما هو الحال في صناعة الآلات أو في صناعة الأدوية. ولكن، في هذه الحالة، لا تجري المفاوضات واقعياً على قدم المساواة، لأن أحد الطرفين يعتمد بشكل كبير على الطرف الآخر.

المُعتَقَد بشكل عام هو أنَّ سويسرا بلد تسود فيه شراكة اجتماعية متطورة بشكل خاص. ولكن في الواقع، الكثير من العمال والعاملات مُستَبعَدين من اتفاقيات العمل الجماعية. هل الأمر كذلك أيضاً في هذه المفاوضات؟

دانيال أوش: الحقيقة أنَّ الشراكة الاجتماعية هي أكثر تطوراً في معظم الدول المجاورة لسويسرا، سواء كان في ألمانيا أو النمسا أو إيطاليا. بالمقابل، في فرنسا تلعب الشراكة الاجتماعية دوراً أقل أهمية من سويسرا، وذلك بسبب الأهمية المحورية للحد الأدنى للأجور (SMIC).

نصف الموظفين السويسريين غير خاضعين لاتفاقية عمل جماعية، وهم بالتالي مستبعدون من مفاوضات الأجور هذه. ولكن هؤلاء الأشخاص يستفيدون عادة من التأثيرات غير المباشرة للمفاوضات التي تجري في الشركات الأخرى من القطاع.

سأعطيك مثالاً: إذا وافق الشركاء الاجتماعيون على زيادة الرواتب في تجارة التجزئة، فمن المحتمل جداً أن يجاري آلدي وليدل، اللذين لم يوقعا على اتفاقية عمل جماعية، هذه الزيادة للحفاظ على جاذبيتهما كأرباب عمل.

في بعض المهن المعتادة على التعبئة، يشتد التصعيد. كان عمال البناء قد دعوا إلى أعمال احتجاجية في 7 و8 نوفمبر من هذا العام. فهل سنشهد تصلب مواقف الأطراف في الأشهر القادمة؟

دانيال أوش: بسبب التطورات غير الواضحة للوضع الدولي، من الصعب جداً بناء توقعات على المدى المتوسط. ولكن في حال استمر التضخم ولم تخف حدة نقص اليد العاملة، قد نشهد بالفعل تصاعد التعبئة الجماعية. وهو ما يشكل خبراً جيداً بالنسبة للنقابات، التي قد تكتسب المزيد من النفوذ.

في السنوات الأخيرة، استفادت الشركات من توازن القوى الملائم لتحسين حصة الزيادات الفردية على حساب الزيادات الجماعية. هذا التوزيع غير المتكافئ لن يكون جلياً في الزيادة الإجمالية لجدول الرواتب المُعلن عنها عقب المفاوضات.

من خلال المطالبة بزيادة أجور موحدة للجميع ـ كما تفعل نقابات البناء، على سبيل المثال، حيث تطالب بزيادة 200 فرنك شهرياً لكل عامل ـ نكون قد أفدنا الأجور المنخفضة، لأنها تستفيد من زيادة أعلى نسبياً. وقد تزداد أهمية هذا النوع من المطالبات في المستقبل.

في مواجهة التحوّل المتزايد لعالم العمل وهيمنة النزعة الفردية في المجتمع، ما هو وضع الشراكة الاجتماعية في سويسرا؟

دانيال أوش: تسير بشكل جيد. في العديد من الشركات، يجتمع الشركاء الاجتماعيون بانتظام ويحاولون إيجاد حلول بناءة. كما أنَّ الشراكة الاجتماعية هي فعالة في العديد من المجالات الأخرى، لا سيما في مجال الضمان المهني والتأمين ضد البطالة والتدريب المهني والهجرة.

هذا النظام اللامركزي فعَّال نسبياً. وتجب الإشارة إلى أنه يحتفظ بأهميته بالنسبة لأرباب العمل، الذين لديهم مُتحدث شرعي، وهو أمر مهم في حالة حدوث أزمة. لقد رأينا ذلك في ربيع 2020، في بداية جائحة كوفيد-19، عندما تفاوضت الحكومة الفدرالية مع الشركاء الاجتماعيين بشأن خطة المساعدة الاقتصادية للشركات والموظفين المتضررين من «عملية الإغلاق الطارئ».

المزيد
صورة شخصية

المزيد

المسيرة الاستثنائية لأغنى رجل أعمال في سويسرا

تم نشر هذا المحتوى على يتميّز غيوم بوزاس، رجل الأعمال السويسري أصيل مدينة جنيف، والذي تقدّر ثروته بما قدره 23 مليار دولار، بالتكتّم والإبتعاد عن الأضواء.

طالع المزيدالمسيرة الاستثنائية لأغنى رجل أعمال في سويسرا

تحرير: فيرجيني مانجين

ترجمة: ميساء قطيفاني ـ خبية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية