مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“دور منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية مساعدة الدول الأعضاء.. وليس معاقبتها”

Keystone

بعد الانتقادات التي وجهتها إليها سويسرا، شددت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية على حيادها التام، واستبعادها لمنطق العقوبات في التعامل بين أعضائها. كما رفض أنغيل غوريّا، أمين عام هذه المنظمة الاتهامات الموجهة إليه بمحاباة الدول الكبرى ومعاقبة "الدول الصغرى".

وفي الأشهر القريبة القادمة، من المنتظر أن يستضيف مقر المنظمة بباريس الذي تم تحديثه أخيرا، بممراته النظيفة المصونة بعناية، مفاوضات صعبة وشاقة ستحدد في النهاية مستقبل الساحة المالية السويسرية.

وهنا، في هذا المقر الباريسي الذي لا تخفى فيه ملامح الحضور القوي للدول الكبرى، ستتم دراسة المقترحات السويسرية في مجال التعاون الضريبي، ومن خلالها يتحدد لون القائمة التي ستصنف فيها سويسرا: فإما أن تظل في القائمة الرمادية، كما هو الحال منذ 2 ابريل الجاري، أو أن تتشرف بالصعود إلى القائمة البيضاء الناصعة التي تتضمن البلدان التي تحظى بثقة الاقتصاديات الدولية الكبرى.

لا وجود لقائمة سوداء

منذ الثلاثاء 6 ابريل لم يعد هناك وجود للقائمة السوداء، والتي كانت تتضمّن أربع دول هي أوروغواي، وكوستاريكا، والفلبين، وماليزيا، بعد أن اتهمت بعدم التعاون في المجال الضريبي.

لكن، خمسة أيام فقط بعد الإعلان عن تلك القائمة، كانت كافية لقلب الموازين. وقال المكسيكي أنغيل غوريّا، أمين عام منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مُرحبا بهذا التطوّر “هذه الدول الأربع أعلنت استعدادها التام للإلتزام بمعايير منظمة التعاون والتنمية في مجال تبادل البيانات المطلوبة بشأن الملفات الضريبية. وهذا كاف لانتقال تلك الدول من القائمة السوداء إلى القائمة الرمادية”.

هذا التغيّر السريع والفجائي يغذّي الشكوك التي كانت قائمة أصلا حول حياد هذه المنظمة: فهل تكفي مهاتفة أنغيل غوريّا لإعادة النظر في التصنيفات القائمة؟ ثم أليس غياب الفلبين وماليزيا،.. وسويسرا أيضا، عن قمة مجموعة العشرين، هو السبب في وجودها على هذه القوائم أصلا؟

وقد انتقدت ميشلين كالمي-ري، وزيرة الخارجية السويسرية، هذه القوائم، واعتبرتها مجرد “قوائم سياسية، لانها لا تتأسس على معايير واضحة وقابلة للقياس، وإلا كيف تضع سويسرا التي تربطها بالدول الأخرى 12 اتفاقا ضريبيا مطابقا تماما لمعايير منظمة التعاون والتنمية، على قائمة رمادية؟”. وقالت مخاطبة الصحافيين في برن يوم 7 أبريل: “كان على قمة مجموعة العشرين الخروج بشيء ملموس، فكانت هذه القوائم”.

لكن رد أمين عام منظمة التعاون والتنمية وزملاؤه يوم 6 أبريل الماضي جاء من خلال التركيز على شرح منهجية وآليات عمل هذه المنظمة. وبالنسبة لغوريّا فإن “المعيار الدولي الذي وضعته المنظمة لم يتغيّر. ويقتضي من الدول المعنية تقديم البيانات الضريبية التي تطلبها دولة أخرى”. لكن، حذاري فإن “ما تغيّر هو المزاج الدولي”، على حد تعبيره، لأن عهد النظم الضريبية البديلة، كنظام السرية المصرفية المطلقة، قد ولى إلى الأبد.

وفي معرض رده على الاتهامات السويسرية بكونه ساوى بين سويسرا والملاذات الضريبية المشهورة والمعروفة، يعترف غوريّا بصعوبة المهمة المناطة به على هذا المستوى، ويقول: “بعض الدول أعلنت منذ خمس سنوات نيتها في اتخاذ إجراءات، لكنها لم تفعل شيئا حتى الآن. سوف ندرس ملفات هذه البلدان بعناية ودقة”، ومن بين هذه الدول، دولة بنما.

وهنا بالضبط يكمن التخوّف السويسري. فسويسرا التي تبدو جادة في إدخال تغييرات حقيقية على نظام السر المصرفي من أجل السماح بتعاون دولي اكبر في الملف الضريبي، تخشى أن تتساهل المنظمة وتتسامح على البلدان المنافسة لها على مستوى الساحة المالية العالمية، ولذلك تعقد الحكومة السويسرية جلسة خاصة الأربعاء 8 أبريل لتدارس الإستراتيجية التي ستتبعها من اجل الخروج من القائمة الرمادية لمنظمة التنمية والتعاون، وتحديد الضمانات التي ستطالب بها لكي يتم التعامل مع الساحات المالية الدولية على قدم المساواة.

“المساعدة” وليس “المعاقبة”

“عقوبات!”.. أمر لا يستسيغه أمين عام منظمة التعاون والتنمية، الذي يرى أنه ليس من طبيعة دورها، ويتساءل: “تصوروا أن أعضاءً في المنظمة (30 دولة ، تصنف على أنها دول متقدمة من بينها سويسرا، التي تعد في مصاف الدول الغنية)، تفرض عقوبات على دول أعضاء أخرى؟ “. أمر لا يمكن تصوّره بالنسبة إلى غوريّا.

ومع ذلك، فعلى أساس من تصنيف هذه المنظمة، تحاول بعض الدول المتضررة من ظاهرة التهرب الضريبي الانتقاص من أهمية بعض الاتفاقات الضريبية الثنائية، بل وتحاول إتخاذ إجراءات عقابية ضد دول بعينها.

وتفضّل منظمة التعاون والتنمية في المقابل التأكيد على دورها المتمثل في مساعدة البلدان الأعضاء في مسعاها لتكييف نظمها وتشريعاتها مع معايير هذه المنظمة الدولية.

ويدعو جيفراي أونس، المسؤول عن الملف الضريبي لدى المنظمة إلى استلهام الدروس من تجربة بلدان شمال أوروبا، والتي استطاعت من خلال خوض مفاوضات متعددة الأطراف حول المسائل الضريبية التوصل إلى اتفاقيات ثنائية مجدية ومفيدة، وهو ما جنّبها إعادة التفاوض حول الاتفاقيات الضريبية مع كل دولة بمفردها، وهذا هو أيضا التحدي الذي يواجه سويسرا الآن.

من المسائل التي لازال محرما الحديث عنها في سويسرا مسألة التبادل “الممنهج” للبيانات في المجال الضريبي مع الدول الأخرى، ولكن ما تطلبه منظمة التعاون ليس أكثر من “تبادل المعلومات بعد تقديم طلب بهذا الشأن”، بحسب ما جاء على لسان باسكال سانت- آماند، المسؤول عن قضية التعاون الضريبي بين البلدان الأعضاء.

ودائما في لهجة تصالحية ومطمئنة، يقول السيد غوريّا: “تبادل البيانات والمعلومات لا يعني أن الدولة التي تحصل على تلك البيانات تذيعها عبر وسائل الإعلام. ويحق لدولة ما أن ترفض التعاون، إذا ما تبيّن لها أن الطرف الثاني لن يحمي سرية تلك المعلومات”.

من جهته ايضا يميز جيفراي أونس بين التعاون الذي تطالب به منظمة التنمية والتبادل الآلي للمعلومات ، ويضيف مازحا: “عندما تطالب المانيا الليختنشتاين بمدها ببيانات عن كل الجدات اللاتي أودعن أموالا في بنوكها، فإن هذا هو التبادل الآلي للبيانات، وليس هذا ما تدعو إليه منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية”.

سويس إنفو- ماثيو فان بيرشام من باريس

لم يستسغ البرلمان الفدرالي الدور الذي لعبته منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية أخيرا في بلورة القائمة المتعلقة بالملاذات الضريبية. وقد استدعت اللجنة البرلمانية للشؤون الإقتصادية والضريبية أمين عام المنظمة لحضور جلسة إستماع في العاصمة برن. ورغم أن الدعوة قد وُجهت إلى أنغيل غوريّا منذ أسبوعيْن، لكن المنظمة لم ترد عليها حتى الآن.

ويشير دومينيك دي بومان، عضو اللجنة البرلمانية إلى أن اللجنة “تتهم منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية بأنها تفاوضت على حساب سويسرا، على الرغم من أن هذه الأخيرة عضوا فيها، وتؤدي ما عليها من إستحقاقات مالية لهذه المنظمة”.

من ناحية أخرى، وتعبيرا عن استيائها، أقدمت سويسرا على تجميد مبلغ مالي قدره 136.000 يورو كانت مخصصة لتمويل علاقات التعاون بين المنظمة ومجموعة العشرين. واتخذت سويسرا التي هي عضو في لجنة الميزانية داخل المنظمة هذا القرار بتاييد ودعم من بلجيكا واللكسمبورغ والنمسا.

وتقول سويسرا إنها مستعدة لرفع الفيتو على هذه المبالغ المالية، إذا حصلت على ضمانات من المنظمة بتلقى إشعار في المستقبل بخصوص أي شكل من أشكال التعاون بينها وبين مجموعة العشرين.

وفي السياق ذاته، عبّرت وزيرة الإقتصاد السويسرية في رسالة بعثت بها منذ ثلاثة أسابيع إلى منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية عن استيائها من موقف المنظمة. وجاء فيها: “لم نعلم ولم نستشر، وهذا أقل ما يمكن ان يحصل عليه أي عضو بالمنظمة”.

منذ ازيد من 40 سنة مثلت منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية إحدى أهم مصادر الأرقام الإحصائية والمؤشرات الإقتصادية والإجتماعية الأكثر مصداقية حول الأوضاع في البلدان الأعضاء.

وبالإضافة إلى مهمة جمع البيانات ونشرها والإعلام عنها، ترصد المنظمة أيضا التوجهات التي يسير إليها النمو الإقتصادي، وتحلل التطورات الجارية، وتضع التوقعات للمستقبل.

ولا تتوقف مهمة المنظمة عند هذا الحد، إذ تقوم أيضا بدراسة التغيّرات، التي تطرأ على المجتمع، والتطورات التي تمس بالمبادلات التجارية، وبالبيئة، والزراعة، والتكنولوجيا، وشؤون الضرائب والمالية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية